شرح متن الرحبية [10]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد سبق أن بينا أن الذين يرثون السدس فرضاً ثمانية أصناف، وذكرنا خمسةً من الأصناف، وهم: الأب، والأم، وبنت الأبن، والجد، والأخت لأب. وذكرنا شروط كل واحد منهم.

وبقي الأخ لأم، والأخت لأم، والجدة، فالجميع ثمانية.

القريب المشئوم والقريب المبارك

ووصلنا في ذكر بنت الابن والأخت لأب إلى ذكر القريب المشئوم والقريب المبارك، فالقريب المشئوم هو الذي لولاه لورثت المرأة التي يعصبها، والقريب المبارك هو الذي لولاه لسقطت المرأة التي يعصبها، فبالنسبة للأخت لأب لا يعصبها إلا أخوها، إلا أخ لأب، وبالنسبة لبنت الابن يعصبها أخوها، ويعصبها ابن عمها؛ لأنه ابن ابن أيضاً؛ فإذاً الأخت لأب لا يعصبها إلا واحد وهو الأخ لأب، وبنت الابن يعصبها أخوها وابن عمها الذي هو في درجتها ومساوٍ لها، أو أدنى منها، فالفريضة مثلاً فيها: أخت شقيقة، وزوج، وأخت لأب وأخ لأب، هذه الفريضة أصلها من اثنين، الزوج له النصف، والأخت الشقيقة لها النصف، والأخت لأب، ليس لها شيء؛ لأن الفريضة استكملت فرائضها في الأصل هنا بسبب وجود الأخ المعصب؛ لأنها لو لم يكن لها أخ معصب لعالت المسألة، فكانت من سبعة؛ لأنها في الأصل هي الآن من ستة فتصير من سبعة، تعول بالسدس، فتكون الأخت لأب وارثةً للسدس، فتكون المسألة: الأخت الشقيقة لها ثلاثة، والزوج له ثلاثة، والأخت لأب لها واحد، لكن بوجود أخيها المعصب سقطت؛ لأن الفريضة في أصلها فيها نصفان، فاكتملت لأصحاب الفروض، فهذا الأخ الآن مشئوم على أخته؛ لأنه هو الذي أسقطها، ولولاه لورثت.

وفي مقابل هذه المسألة مثلاً في بنت الابن: لو ماتت امرأة فتركت أبوين، وزوجاً، وبنتاً، وبنت ابن ومعها أخوها أو ابن عمها المعصب، فأصل المسألة من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشرة، وتسقط منها بنت الابن بسبب وجود المعصب، ولو كان المعصب غير موجود لعالت المسألة فكانت من خمسة عشر، عالت إلى خمسة عشر، وورثت هي السدس فيها، فالأبوان لهما السدسان، والزوج له الربع، وبنت الصلب لها النصف، وبنت الابن لو انفردت عن المعصب لكان لها السدس في الأصل، فتعول المسألة من اثني عشرة إلى خمسة عشرة؛ لأنها أصلاً عائلة إلى ثلاثة عشر، وأصل الاثنا عشر سيأتي أنه يعول إلى ثلاثة عشر، وإلى خمسة عشر، وإلى سبعة عشر، فهنا عالت المسألة إلى ثلاثة عشر، لكن لو لم يكن فيها هذا المعصب لعالت إلى خمسة عشر، فهذا المعصب مشئوم على بنت الابن؛ لأنه لولاه لورثت.

وفي مقابل ذلك -أي: العكس- لو مات ميت عن أختين شقيقتين، ماتت امرأة عن زوج، وأختين شقيقتين، وأخت لأب، وأخ لأب، فالزوج وارث للنصف، والأختان الشقيقتان وارثتان للثلثين، فأصل المسألة من ستة، وعالت من سبعة، والأصل: أن الأخت لأب لا ترث في هذه المسألة.

لكن إذا توفي رجل عن زوجة، وأختين شقيقتين وأخت لأب، وأخ لأب، فالأختان الشقيقتان ترثان الثلثين، والزوجة ترث الربع، وما بقي فهو للعاصب وهو الأخ لأب مع أخته، فلولاه لسقطت، لولا الأخ لأب لسقطت؛ لأنها ما لها إلا السدس تكملة الثلثين، والثلثان قد استكملهما الأختان.

وكذلك بنت الابن، إذا كان للميت بنتان لصلبه، فإنها لا ترثه إلا إذا كانت عاصبةً، فإن عصبها أخوها أو ابن عمها؛ لأنها هي لا ترث إلا تكملة الثلثين اللذين هما نصيب البنات، فهذا الذي لولاه لسقطت يسمى مباركاً، والذي لولاه لورثت يسمى مشئوماً في اصطلاح الفرضية.

فرض السدس للجدة

قال المؤلف رحمه الله:

(والسدس فرض جدة في النسب واحدة كانت لأم وأب)

يقول: إن السدس فرض الجدة؛ أي: ترثه الجدة، سواء كانت واحدةً أو تعددت، وسنذكر البحث في تعددها، ودرجات الوارثات.

فالجدة ترث السدس إذا كانت أم الأم، بشرط واحد وهو عدم وجود الأم، فإذا كان الميت له أم حية، فإنها تحجب أمها وهي الجدة، وإذا كانت أم أب، أو أم أبي أب، فإنها ترث السدس بشرطين: بشرط عدم وجود الأم، وعند جمهور أهل العلم بشرط عدم وجود الأب أيضاً؛ لأنها تدلي به فيحجبها، وأيضاً عند بعضهم عند عدم شرطها الثابت هو عدم وجود جدة أقرب منها، وسنذكر الكلام فيما يحجب من الجدات، فأم الأم ترث السدس بشرط واحد وهو عدم وجود الأم، وأم الأب ترثه بشرطين، هما: عدم وجود الأم، وعدم وجود الأب أيضاً، وسنذكر الخلاف في هذه المسألة، وأم أبي الأب ترثه بثلاثة شروط: عدم وجود الأم، وعدم وجود الأب، وعدم وجود الجدة التي هي أقرب منها، على الخلاف في ذلك، وسنذكره إن شاء الله.

فرض السدس للأخ لأم والأخت لأم

ثم قال:

(وولد الأم ينال السدسا والشرط في إفراده لا ينسى)

السابع والثامن من الوارثين للسدس هو الأخ لأم، والأخت لأم، وكلاهما يرث السدس بثلاثة شروط:

الشرط الأول: عدم وجود الفرع الوارث ذكراً كان أو أنثى، تعدد أو انفرد، قرب أو بعد.

الشرط الثاني: عدم وجود الأصل الوارث من الرجال؛ أي: عدم وجود الأب أو الجد، الأصل الوارث من الرجال.

الشرط الثالث: عدم التعدد، فإذا تعدد الإخوة لأم أو الأخوات لأم، فميراثهم الثلث لا السدس.

نصيب الجدات عند التساوي

الثامن من الذين يرثون السدس: الجدة، والمفترض في البداية الكلام عن الجدة التي هي أم الأم، فهي الأصل، وهذه ترث السدس بشرط واحد: هو عدم وجود الأم، وإن كانت جدةً لأب فمن أهل العلم من يحجبها بالأب، فيكون عدم وجوده شرطاً ثامناً، وإن كانت بعدى فمن أهل العلم من يحجبها بالقربى مطلقاً، ومنهم من يفصل كما سيأتي، فعلى قول من يحجبها، فالشرط الثالث -على قول من يحجبها- يكون عدم وجود القربى شرطاً ثالثاً.

ثم قال المؤلف رحمه الله:

(وإن تساوى نسب الجدات وكن كلهن وارثات)

(فالسدس بينهن بالسويه في القسمة العادلة الشرعيه)

إذا تساوى نسب الجدات، معناه: استوين في القرب بالنسبة للميت، فكانت له أم أم، وأم أب مثلاً، فاستويتا بالنسبة للميت، فإنهن يرثن السدس، ومذهب المالكية: أنه لا يرث في فريضة واحدة أكثر من جدتين، ومذهب الحنابلة: أنه لا يرث أكثر من ثلاث جدات، ومذهب الحنفية والشافعية في القول الصحيح عندهم: أنه يرث أربع جدات فصاعداً، فلا حصر للجدات الوارثات عندهم، وهذا معنى قوله: (وكن كلهن وارثات).

(فالسدس بينهن بالسوية) فالسدس بينهن؛ أي: بين الجدات بالسوية، فعلى مذهب المالكية يكون مُنَصَّفاً بين الجدتين الوارثتين، وعلى مذهب الحنابلة في حصر الوارثات من الجدات في ثلاث؛ فيكون بينهما أو بينهن، بحسب العدد.

(وإن تكن قربى لأم حجبت أم أب بعدى وسدساً سلبت)

إذا كان الجدات متعددات، وكانت منهن جدة من جهة الأم -أم أم مباشرة، فإنها تحجب البعدى من جهة الأب؛ أي: تحجب أم أم الأب؛ لأنهما جدتان، وهذه أقرب منها، كما أن الأم تحجب الجدة أيضاً.

(وإن تكن قربى لأم حجبت أم أب بعدى وسدساً سلبت)

معناه: تسلبها السدس فتأخذه كاملاً.

(وإن يكن بالعكس فالقولان في كتب أهل العلم منصوصان)

إن يكن بالعكس، فكانت البعدى من جهة الأم، والقربى من جهة الأب، فكان للميت من جهة الأم: أم أم أم، وله من جهة الأب: أم أب مباشرة، فأم الأب اختلف: هل تحجب أم أم الأم أو لا تحجبها؟ فمذهب المالكية: أنها لا تحجبها؛ لأن جهة الأم أقوى، فالقوة التي في ميراثها تعدل قربها، فلا تحجب واحدة منهما الأخرى، ومذهب الجمهور: أنها تحجبها؛ فلذلك قال:

(وإن يكن بالعكس فالقولان في كتب العلم منصوصان)

(لا تسقط البعدى على الصحيح)، (الصحيح) عند الشافعية هو الموافق لمذهب المالكية: أن البعدى من جهة الأم لا تسقطها القربى من جهة الأب، (واتفق الجل على التصحيح) معناه: جل أئمة الشافعية صححوا هذا القول، ولهم قولان في المسألة، وهنا مسألة: وهي ضابط الجدة الوارثة، وأهل الفرائض يسمونها الجدة الصحيحة، أو الصالحة، ويسمون عكسها الجدة الفاسدة، فالجدة الصالحة هي التي تدلي بأم مباشرةً، ليس في إدلائها ذَكَر، أو تدلي بذكر هو الأب عند المالكية، فإذا كانت الجدة غير مفصولة عن الميت بذَكَر مطلقاً إلا الأب، فهي وارثة، هذا الضابط أن تكون مفصولة عن الميت بذكر غير الأب، فإذا كانت مفصولةً بذكر غير الأب كأم أبي الأم مثلاً، فإنها لا ترثه؛ لأنها مفصولة بذكر غير وارث. وتسمى فاسدة. وعند الجمهور أن أم أبي الأب كذلك ترث ولو كانت مفصولةً بذكرين، لكنهما وارثان، فكلاهما معدود في الورثة، الجدة الفاسدة هي المفصولة بذكر لا يرث، هذا محل اتفاق.

أصناف الجدات في حال الميراث

وعند المالكية تفصيل في الجدات على ثلاث صور: من ترثك ولا ترثها، ومن ترثها ولا ترثك، ومن ترثها وترثك.

الجدات أربعة أقسام: من ترثها وترثك، ومن ترثها ولا ترثك، ومن ترثك ولا ترثها، ومن لا ترثها ولا ترثك، فالتي ترثها وترثك هي أم الأب، فأنت ولدها وهي جدتك أيضاً، فهي ترثك وترثها، والتي ترثك ولا ترثها هي أم الأم، فهي ترثك ولا ترثها، والتي ترثها ولا ترثك عند المالكية هي أم أبي الأب، فأنت ترثها وهي لا ترثك، والتي لا ترثها ولا ترثك هي أم أبي الأم، أم أبي الأم لا ترثها ولا ترثك.

وأم الأم هي أقوى الجدات.

إذن الأقسام أربعة:

1- ترثها وترثك: أم الأب.

2- ترثك ولا ترثها: أم الأم.

3- ترثها ولا ترثك.

هذا عند المالكية طبعاً هي: أم أبي الأب.

4- لا ترثها ولا ترثك: أم أبي الأم.

ونظم بعضهم هذا، فقال:

أم أبيك إرثها لا يجهل وهكذا إرثك منها يأفل

وأم أمك لها الإرث وجب وأنت لا ترثها ولا عجب

بعكسها أم أبي أبيك فاشدد على ما قلته يديك

مسائل تفصيلية في ميراث الجدة

هنا مسائل تفصيلية في ميراث الجدة:

أول مسألة فيها: ما الدليل على أصل ميراث الجدة؟ فميراث الجد ذكرنا أن دليله آيات ميراث الأب؛ لأنه أب في الواقع؛ ولذلك ينزل منزلة الأب عند فقده، أما الجدة، فلا يمكن أن تنزل منزلة الأم؛ لأنها لا ترث الثلث أبداً، والأم الأصل في ميراثها الثلث، إلا إذا كان للميت فرع وارث، أو عدد من الإخوة، والجدة لا ترث الثلث أبداً.

فإذاً؛ لا يمكن أن يستدل لميراث الجدة بأدلة ميراث الأم؛ لأنها ليست أماً في الواقع، بل هي قسم مستقل (الجدة)، والجواب عن دليلها أنه الإجماع، فقد أجمع أهل العلم على توريث الجدة، وأن لها السدس، والحديث: ( فقد جاءت جدة إلى أبي بكر الصديق تسأله نصيبها، فقال: ما لك في كتاب الله شيء، ولا أعلم لك في السنة شيئاً، فارجعي حتى أسأل، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعمها السدس -أي أعطاها السدس- فأعطاها أبو بكر السدس ).

وفي رواية أنه قال: ( ومن يشهد معك؟ فقال محمد بن مسلمة: أشهد، لقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدة السدس، فشهد عنده عدلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فورث الجدة السدس ).

والجدة تكون أماً فيما يتعلق بالتحريم، مثل قول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23]، فيدخل في ذلك الجدة، بخلاف الميراث، فإنها لا تكون أماً، هي تدخل في الأمهات في التحريم، ولا تدخل في الأمهات في الميراث.

وبعض الذين يذكرون ترجمة أبي بكر يذكرون أنه أول من أعطى الجدة السدس، وهذا غير صحيح؛ لأنه اعتمد على رواية المغيرة بن شعبة و محمد بن مسلمة، وبعض أهل العلم أيضاً يرى أن الحديث دليل على عدم إفادة خبر الآحاد للجزم؛ لأن أبا بكر لم يعمل برواية المغيرة بن شعبة وحده، وفي الرواية يكفي العدل الواحد، وخبر الواحد مقبول في الرواية، لكن يجاب عن ذلك: بأن المسألة مسألة خصام، وقد جاء فيها نزاع، فأصحاب التركة الآخرون ينازعون الجدة في نصيبها، فلذلك احتاج أبو بكر إلى إثبات، فجعلها من باب الشهادة، لا من باب الرواية، حتى شهد عنده عدلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأعطاها السدس.

وهذا الحديث رواه قبيصة بن ذؤيب، وهو من كبار التابعين: ( أنه شهد أبا بكر جاءته الجدة، فسألته ميراثها، فقال: ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حظرت، رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة، فقال مثلما قال المغيرة بن شعبة، فأنفذه لها أبو بكر، قال: ثم جاءت الجدة -أي: قال قبيصة بن ذؤيب - ثم جاءت الجدة الأخرى، إحداهما من جهة الأم، والأخرى من جهة الأب، إلى عمر، فسألته ميراثها، فقال: ما لك في كتاب الله شيء، ولكن هو ذاك السدس، فإن اجتمعتما فهو بينكما، وأيكم أخذت فهو لها ).

فهذا قضاء من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وهو يقتضي إشراك الجدتين في السدس، فيكون بينهما، فالمتعددون في الميراث إذا لم يكن فيهم ذكر، ولم يختلف الإرث بين التعدد والانفراد، فإن الأصل فيه متساوون مثل: الزوجات، ومثل: بنات الابن، ومثل: الأخوات لابن، ومثل: الجدات، فالجدات لهن السدس، فيشتركن فيه على قدر عددهن كما سيأتي.

هذا الحديث أصح شيء في الباب، وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد في المسند، وصححه الترمذي.

وقد ورد عن بريدة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس، إذا لم يكن دونها أم )، وهذا دليل حجبها بالأم، وهذا الحديث رواه أبو داود، وفي إسناده عبيد الله العتكي، وهو مختلف فيه، وقد صححه ابن السكن، وابن الجارود في المنتقى، وكذلك أخرجه ابن خزيمة في صحيحه.

وجاء حديث آخر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للجدتين في الميراث بالسدس )، وهذا حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وقد رواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند.

وجاء حديثان مرسلان: أحدهما من مراسيل عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ثلاث جدات السدس: ثنتين من قبل الأب، وواحدةً من قبل الأم ).

وكذلك جاء بالمرسل عن إبراهيم النخعي بمثل هذا: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات: جدتيك من قبل أبيك، وجدتك من قبل أمك )، وإبراهيم النخعي من كبار التابعين، ومراسيله عند الذين يحتجون بالمراسيل حجة، الذين يحتجون بالمرسل الذي سقط منه الصحابي، ومالك، وأبو حنيفة وأتباعهما يحتجون بالمراسيل مطلقاً، مراسيل كبار التابعين، وأواسط التابعين، وصغار التابعين، و الشافعي خصه بالكبار، خص الاحتجاج بالمراسيل بالكبار، ومذهب الشافعي هو أطول المذاهب فيما يتعلق بالمراسيل، كما قال العراقي: والشافعي بالكبار قيد.

فمذهب الشافعي في المرسل هو أقوى المذاهب، أن يختص الاستدلال فيه بكبار التابعين الذين لا يروون إلا عن الصحابة، أما أواسط التابعين أو صغارهم الذين يروون عن التابعين، فيمكن أن يكون قد سقط من الإسناد رجلان صحابي وتابعي آخر؛ فلا يكون حجة، وأما الكبار، فلا يتوقع أن يسقط من الإسناد إلا الصحابي، والصحابي حجة مطلقاً ولو لم يسم، فالصحابي لا يبحث في عدالته.

المسألة الثانية من مسائل الجدة، والمسألة الأولى: هي ضابط الجدة الوارثة وغير الوارثة.

والجدة الوارثة: هي كل جدة أدلت بمحض الإناث؛ كأم الأم، وأمهاتها المدليات بإناث خلص، أو أدلت بمحض الذكور؛ كأم الأب وأمهاتها إلى نهايتهن، وكذلك أم أبي الأب، وأم أبي أبي الأب، أو أدلت بإناث إلى ذكور، هذا عند الحنابلة، والجمهور خلافاً للمالكية: إذا أدلت بإناث إلى ذكور؛ كأم أم الأب، وأم أم أم أبي الأب، فهذه أدلت بإناث إلى ذكور، معناه: كانت الجدة تدلي بذكر بين أنثيين، هي إحداهما، نعم، أو أدلت بإناث إلى ذكور؛ كأم أم الأب، وأم أم أم أبي الأب على خلاف فيهن، والجدة غير الوارثة، وهي التي تسمى بالجدة الفاسدة؛ فهي كل جدة أدلت بذكور إلى إناث، كأم أبي الأم، وأم أبي أم الأب، فيمكن تلخيص ذلك بأن يقال: الجدة الوارثة هي من أدلت بإناث خلص أو بذكور خلص أو بإناث إلى ذكور، وهذه التي تسمى الجدة الصالحة، والجدة الفاسدة التي لا ترث، وهي من أدلت بذكور إلى إناث، أو من أدلت بذكر بين أنثيين هي إحداهما، أم أبي الأم قد أدلت بذكر وهو أبو الأم، وهو بين أنثيين: الأم والجدة هذه، هي إحداهما؛ لأنها أمه هو.

أما الجدات إذا اجتمعن، فلأهل العلم مذاهب في توريثهن عند الاجتماع، فلهن السدس يشتركن فيه، بشرط تساويهن في الدرجة، إذا استوين في الدرجة، فإنهن يرثن السدس على التساوي، وإذا اختلفن في الدرجة، فأم الأم تحجب البعدى من جهة الأب، أم الأب مثلاً، أو أم أم أم الأب، فإن أم الأم تحجبها؛ لأنها أقرب منها وأقوى، وإذا كانت القربى من جهة الأب، والبعدى من جهة الأم، فقد اختلف: هل تحجبها أم لا، على أقوال:

القول الأول: مذهب المالكية بأن البعدى من جهة الأم لا تحجبها القربى من جهة الأب.

ومذهب الجمهور على خلاف ذلك: أنها تحجبها.

ودليل اشتراكهما في السدس حديث عبد الرحمن بن يزيد: ( أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدات السدس: ثنتين من قبل الأب، وواحدةً من قبل الأم )، وهذا الحديث به أخذ الحنابلة، فرأوا أنه لا يرث أكثر من ثلاث جدات، والحديث ليس فيه حصر، فيه إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم ورَّثَ ثلاث جدات، لكن لم يرد فيه ما يدل على أنه لا يرث أكثر من ذلك، والمالكية رأوا أن الجدة في الأصل لم يرد لها ميراث في كتاب الله، وقد جاء في الحديث الصحيح توريث الجدة -أم الأم- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عن أمير المؤمنين عمر توريث الجدة أم الأب أيضاً، فيختصر على ذلك، وقد انعقد عليه الإجماع، فلا يتعدى الإجماع، والنص، على مذهب المالكية أنه لا يتعدى الإجماع والنص بالتوريث، فيقتصر على اثنتين: الإجماع والنص، فالإجماع منعقد على أن أم الأم ترث السدس، وأن أم الأب ترث السدس، الإجماع منعقد على هاتين، والنص هو الحديث الذي ذكرناه، فيه المرفوع توريث النبي صلى الله عليه وسلم لأم الأم.

فالإجماع يبدأ به؛ لأنه لا يعلل، النص يرجع إليه من ناحية الإسناد، والإجماع لا يعلل، حتى لو كان مستنده ضعيفاً، فيقوى بالإجماع، لا، لو كان صحيحاً لم يكن الخلاف في المسألة، فهو مرسل، و عبد الرحمن بن يزيد ليس من كبار التابعين، والحنابلة يرونه من كبارهم، ويرون أنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك احتجوا بحديثه.

عدد الجدات الوارثات

بالنسبة لعدد الجدات الوارثات، اختلف فيه الناس على ثلاثة أقوال:

القول الأول: حصر الجدات الوارثات في اثنتين: أم الأم وأمهاتها وإن علون، وأم الأب وأمهاتها وإن علون كذلك.

وكل طبقة تحجب التي فوقها، فلا يمكن أن يرث بتركة واحدة أكثر من اثنتين، هذا مذهب المالكية، ودليله كما قال ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد": أنه يقتصر على الإجماع والسنة؛ لأن هذا هو الذي ورد في السنة وإجماع الصحابة، فلا يزاد عليه؛ ولذلك المالكية يرون أن أم أبي الأب التي فصلت عن الميت بذكرين لا ترث؛ لأنها أدلت بذكر من جهة الأب غير الأب، فمن أدلت بذكر غير الأب لا ترث، وهذه القاعدة عند المالكية، المالكية طبعاً معهم أبو ثور وبعض التابعين.

القول الثاني: مذهب الحنابلة: وهو أن لا يرث أكثر من ثلاث جدات: أم الأم، وأم الأب، وهما محل إجماع، وأم الجد أبي الأب، ومن كان من أمهاتهن وإن علون، نعم بمحض الأمومة، ويستدلون بالحديث المرسل عن إبراهيم النخعي، قد أخرجه سعيد بن منصور في سننه وغيره: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات: ثنتين من قبل الأب، وواحدةً من قبل الأم )، (ثنتين من قبل الأب) معناه: أم الأب وأم أبي الأب، (وواحدة من قبل الأم): وهي أم الأم.

وكذلك المرسل الذي سبق وهو حديث عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، وكلاهما مرسل.

والقول الثالث: مذهب الجمهور؛ أي الحنفية والشافعية في الراجح عندهم: أنه لا حصر للجدات الوارثات، وإن كثرن فلهن السدس، إن لم يتخلل ذلك جد فاسد.

فهو إذاً مذهب الجمهور؛ لأن عليه مذهبان من المذاهب الأربعة، المالكية: اثنتان لا يرث غيرهما، والحنابلة: ثلاث لا يرث غيرهن، والشافعية والحنفية: لا حد للوارثات من الجدات.

الجد الفاسد الذي لا يرث: كأبي الأم، أبو الأم لا يرث مطلقاً، وقد ذكر تفصيل هذا الخلاف ابن تيمية رحمه الله، فقال: قد تنازع الناس في الجدات، فقيل: لا يرث إلا اثنتان: أم الأم وأم الأب، وهذا قول مالك و أبي ثور، وقيل: لا يرث إلا ثلاث: هاتان وأم الجد؛ أي: من جهة الأب؛ لما روى إبراهيم النخعي: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات: جدتيك من قبل أبيك، وجدتك من قبل أمك )، وهذا مرسل حسن؛ لأن مراسيل إبراهيم من أحسن المراسيل، فأخذ به أحمد، ولم يرد في النص إلا توريث هؤلاء، لكنه ليس فيه أسلوب حصر في أنه ورثهن، لكن ليس فيه أنه منع أكثر من ذلك.

وقيل: يرث جنس الجدات المدليات بوارث، وهو قول الأكثرين كـأبي حنيفة و الشافعي، وغيرهما، وهو وجه في مذهب أحمد، والوجه ليس مطابقاً للرواية، فالرواية: ما روي عن الإمام أحمد من قوله، أو كان مخرجاً على قوله، والوجه ما قال به بعض كبار أصحابه أصحاب.

اشتراك الجدات في الميراث

المسألة الأخرى في الجدات هي: متى يشتركن في السدس؟ فقد عرفنا أن ميراث الجدات السدس، فمتى يشتركن؟ ومتى يسقط بعضهن بعضاً؟ فهذه المسألة نحتاج إلى كتابتها، لنا في هذه المسألة أربع حالات:

الحالة الأولى: أن يكن في درجة واحدة، ومن جهة واحدة.

المسألة الأولى: ميراث الجدات إذا اجتمعن.

الحالة الأولى: أن يكن في درجة واحدة، ومن جهة واحدة، كأم أم الأب، وأم أبي الأب.

والحالة الثانية: أن يكن في درجة واحدة، ومن جهتين: كأم الأم، وأم الأب، كأم الأب وأم الأم سيان، لاحظوا أم الأم أقوى، نعم.

الحالة الثالثة: كون بعضهن أقرب من بعض، ومن جهة واحدة، كأم الأم وأمها؛ أي: أم أم الأم، هذه إحداهن أقرب من الأخرى، ومن جهة واحدة؛ أي: يدلين بالأم جميعاً.

الحالة الرابعة: كون بعضهن أقرب من بعض ومن جهتين؛ أي: وهن يدلين بالجهتين معاً؛ جهة الأب وجهة الأم، ومن جهتين، وهذه الحالة فيها صورتان:

الصورة الأولى: كون القربى من جهة الأم؛ كأم الأم، وأم أبي الأب.

الصورة الثانية: كون القربى من جهة الأب؛ كأم الأب، وأم أم الأم.

نعم، واضح الآن، تفاوت الجدات، فالأولى أن يكُنَّ في درجة واحدة، معناه: قربهن للميت متساوٍ، الفصيلة التي من جهة الأم بالأم فقط، والتي من جهة الأب بالأب فقط، فهذا أقرب الجدات، أو الفصيلة التي من جهة الأم بدرجتين: هي أم أم الأم، والتي من جهة الأب كذلك: هي أم أم الأب، ولكن بالتساوي، فهذه الحالة الأولى: هي أن يكن بدرجة واحدة ومن جهة واحدة.

الحالة الثانية: أن يكنَّ في درجة واحدة، ولكن من جهتين.

الحالة الأولى: من جهة واحدة، هذه أم أبي الأب، وهذه أم أم الأب. فهمتم؟

الحالة الثانية: اتفقتا في الدرجة، ولكن اختلفتا في الجهة، إحداهما مدلية بالأب، والأخرى مدلية بالأم، فإحداهما أم الأب، والأخرى أم الأم، وهما متساويتان، أو: إحداهما أم أم الأم، والأخرى أم أبي الأب، فاستويتا، فتكون الدرجة متساوية، وإذا أردتم الإجماع بالنسبة للمذهب المالكي، فقولوا: أم أم الأب، وأم أم الأم، فاستويتا.

الحالة الثالثة: كون بعضهن أقرب من بعض، ومن جهة واحدة، كأم الأم، وأم أم الأم، أو: أم الأب، وأم أم الأب، أو أم أبي الأب، فإذا كانت إحداهن أم الأب، فهي أقرب وفوقها أم أبي الأب، فهي أبعد، وهما يدليان بشخص واحد وهو الأب، أو كانت أم الأم وأمها أم أم الأم، فهما تدليان في الأم، فهما من جهة واحدة، ولكن إحداهما أقرب من الأخرى.

أما الرابعة، فهي كون بعضهن أقرب من بعض، معناه: لم يقع التساوي، ومن جهتين، فكانت أم الأم معها أم أبي الأب، أو: أم أم الأب مثلاً، وهذه إما أن تكون القربى هي التي تدلي بالأب، أو: أن تكون هي التي تدلي بالأم، فإن كانت القربى هي التي تدلي بالأم وهذه الصورة الأولى لهذه الحالة، بأن كان للميت أم أم، وله أم أبي الأب أب، أو أم أم الأب، نعم من غير تساوي، فالتي تدلي بالأم أقرب.

والصورة الثالثة: أن تكون التي تدلي بالأب فأقرب، فله أم أبيه مباشرةً حياً، وأم أم أمه حية مثلاً، فهنا اختلفت الجهة، واختلفت الدرجة، وكانت القربى هي التي تدلي بالأب، فالدرجة إذا قلناها معناه: القرب من الميت، والجهة معناه: جهة الإدلاء: هل هي الأب أو الأم مثلاً الجدات؟ جهة الإدلاء: إما أن تدلي بالأب أو بالأم، الجدة لا تدلي إلا بأب أو أم، والدرجة معناه: أن تكون قربى أو بعدى.

إذاً، الآن واضح الحالات الأربع، نذكر حكم هذه الحالات الأربع.

فالحكم الآن في هذه المسائل: يرثن جميعاً إذا استوين في الدرجة، بحيث لا تكون إحداهن أعلى من الأخرى، سواء اتحدت الجهة أو اختلفت، كما في الحالة الأولى والحالة الثانية.

فإذاً؛ الحالة الأولى: أن يكن في درجة واحدة، ومن جهة واحدة.

والحالة الثانية: أن يكن في درجة واحدة، ومن جهتين، هذه لا تحجب واحدة الأخرى؛ لتساويهما بالدرجة، سواء اتحدت جهة الإدلاء أو اختلفت؛ فإذاً الحالتان الأوليان يرث فيهما الجميع؛ فلا حذف فيهما.

ثانياً: تسقط القربى البعدى بالاتفاق، إذا اتحدت الجهة أو اختلفت، والقربى من جهة الأم، كما في الحالة الثالثة والصورة الأولى من الحالة الرابعة.

الحالة الثالثة كاملةً، وهي: كون بعضهن أقرب من بعض من جهة واحدة، كأم الأم وأمهاتها، فأم الأم مسقطة لأمهاتها؛ لأنها أقرب إلى الميت منهن، كما أنها هي تسقط بالأم، فهي تحجب أمهاتها.

وكذلك الصورة الأولى من الحالة الرابعة: وهي أن تكون القربى من جهة الأم، فهي أم الأم مباشرة، فإنها تحجب أم أم الأب، أو أم أبي الأب البعدى من جهة الأب، فالقربى من جهة الأم تحجب البعدى من جهة الأب.

ثم بعد ذلك، إذا كانت البعدى من جهة الأم مع القربى من جهة الأب، وهذه الصورة الثانية من الحالة الرابعة، هذه محل خلاف، فعند الحنابلة والحنفية، وهو أحد القولين للشافعية: أن القربى من جهة الأب تسقط البعدى من جهة الأم.

هذا المذهب مساوٍ لما ذكرنا في القربى من جهة الأم، يجعل أنه لا فرق بين القربى من جهة الأم، والقربى من جهة الأب، كما أن القربى من جهة الأم تحجب البعدى من جهة الأب؛ فكذلك القربى من جهة الأب تحجب البعدى من جهة الأم قياساً، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، وقول للشافعية.

المسألة الأخرى من ميراث الجدة: هي ميراث الجدة أم الأب، أو أم أبي الأب مع الأب، فمذهب الحنابلة أنها ترث معه، ومذهب الجمهور أنه يحجبها فلا ترث معه، ودليل الحنابلة في ذلك أنها لا ترث بجهته، فهي لا ترث من جهة الأبوة، وإنما ترث من جهة الأمومة، فلا يحجبها هو، كما أن الأم لا تحجب أولادها الإخوة لأم، فهم يرثون مع وجود الأم، فكذلك الأب لا يحجب أمه -أي: الجدة- فترث معه.

ومذهب الجمهور؛ أي: الحنفية والمالكية والشافعية: أنه يحجبها؛ لأنها تدلي به، كما أن الأم تحجب أمها، فالأم تحجبهما معاً، الأم تحجب كل الجدات، فكذلك الأب على الأقل يحجب التي من جهته هو، لا يستطيع أن يحجب التي من جهة الأم، لكن يحجب التي من جهته هو؛ لأنها لا تدلي إلا به، واستدل الحنابلة بحديث عن ابن مسعود: ( أن أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم الأب وابنها حي )، ولكن الحديث يمكن أن يحمل على أن ابنها غير وارث، فالعبرة في الحياة بالوارث فقط، فقد يكون حياً غير وارث، كما إذا كان الابن رقيقاً وأمه حرةً، والميت حر، فجدته أم أبيه ترثه، وأبوه الحي لا يرثه، وكذلك إذا كان متصفاً بمانع من موانع الإرث الأخرى: كالقتل، والردة، أو الكفر الباطن.

فإذاً هذه هي مسائل ميراث الجدة، والمؤلف رحمه الله اختصر فيها اختصاراً كثيراً، فقال:

(فالسدس بينهن بالسويه في القسمة العادلة الشرعيه)

(وإن تكن قربى لأم حجبت أم أب بعدى وسدساً سلبت)

(وإن تكن بالعكس فالقولان في كتب أهل العلم منصوصان)

وهو هنا يذكر مذهب الشافعية فقط.

(لا تسقط البعدى على الصحيح واتفق الجل على التصحيح)

على تصحيح هذا القول.

(وكل من أدلت بغير وارث فما لها حظ من الموارث)

(كل من أدلت) معناها: كل جدة أدلت بغير وارث: كأم أبي الأم ونحوها، أم أبي أم الأب، وهي كل جدة فصلت بذكر غير الأب، وغير الجد عند البقية، عند الذين يورثون أم أبي الأب، فهي كل مفصولة بذكر غير وارث، فهي الجدة الفاسدة التي لا ترث؛ فلذلك قال:

(وكل من أدلت بغير وارث فما لها حظ من الموارث)

والموارث: مفاعل أصلها: مفاعيل (مواريث)، ولكن المفاعل والمفاعيل يقع التبادل بين الجمعين كما تعرفون: وكـ(المفاعيل)، لا كـ(المفاعل) يجيء كذا العكس سوى الفواعل، كما قال ... المختار.

(وتسقط البعدى بذات القرب في المذاهب الأولى فقل لي حسبي)

(تسقط البعدى بذات القرب)، وهذا الخلاف إنما هو في: إذا كانت القربى من جهة الأب تدلي بالأب، وكانت البعدى تدلي بالأم، فإن القربى التي تدلي بالأب مسقطة للبعدى التي تدلي بالأم، على القول المشهور عند الشافعية، وقد ذكرنا الخلاف فيه؛ فلذلك قال:

(وتسقط البعدى بذات القرب في المذهب الأولى فقل لي حسبي)

معناه: يكفيني هذا من مسائل الجدات.

(وقد تناهت قسمة الفروض من غير إشكال ولا غموض)

انتهى الكلام في الفروض، وبعده يصل إلى التعصيب بإذن الله، ونأخذ الآن بعض الأسئلة:

ووصلنا في ذكر بنت الابن والأخت لأب إلى ذكر القريب المشئوم والقريب المبارك، فالقريب المشئوم هو الذي لولاه لورثت المرأة التي يعصبها، والقريب المبارك هو الذي لولاه لسقطت المرأة التي يعصبها، فبالنسبة للأخت لأب لا يعصبها إلا أخوها، إلا أخ لأب، وبالنسبة لبنت الابن يعصبها أخوها، ويعصبها ابن عمها؛ لأنه ابن ابن أيضاً؛ فإذاً الأخت لأب لا يعصبها إلا واحد وهو الأخ لأب، وبنت الابن يعصبها أخوها وابن عمها الذي هو في درجتها ومساوٍ لها، أو أدنى منها، فالفريضة مثلاً فيها: أخت شقيقة، وزوج، وأخت لأب وأخ لأب، هذه الفريضة أصلها من اثنين، الزوج له النصف، والأخت الشقيقة لها النصف، والأخت لأب، ليس لها شيء؛ لأن الفريضة استكملت فرائضها في الأصل هنا بسبب وجود الأخ المعصب؛ لأنها لو لم يكن لها أخ معصب لعالت المسألة، فكانت من سبعة؛ لأنها في الأصل هي الآن من ستة فتصير من سبعة، تعول بالسدس، فتكون الأخت لأب وارثةً للسدس، فتكون المسألة: الأخت الشقيقة لها ثلاثة، والزوج له ثلاثة، والأخت لأب لها واحد، لكن بوجود أخيها المعصب سقطت؛ لأن الفريضة في أصلها فيها نصفان، فاكتملت لأصحاب الفروض، فهذا الأخ الآن مشئوم على أخته؛ لأنه هو الذي أسقطها، ولولاه لورثت.

وفي مقابل هذه المسألة مثلاً في بنت الابن: لو ماتت امرأة فتركت أبوين، وزوجاً، وبنتاً، وبنت ابن ومعها أخوها أو ابن عمها المعصب، فأصل المسألة من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشرة، وتسقط منها بنت الابن بسبب وجود المعصب، ولو كان المعصب غير موجود لعالت المسألة فكانت من خمسة عشر، عالت إلى خمسة عشر، وورثت هي السدس فيها، فالأبوان لهما السدسان، والزوج له الربع، وبنت الصلب لها النصف، وبنت الابن لو انفردت عن المعصب لكان لها السدس في الأصل، فتعول المسألة من اثني عشرة إلى خمسة عشرة؛ لأنها أصلاً عائلة إلى ثلاثة عشر، وأصل الاثنا عشر سيأتي أنه يعول إلى ثلاثة عشر، وإلى خمسة عشر، وإلى سبعة عشر، فهنا عالت المسألة إلى ثلاثة عشر، لكن لو لم يكن فيها هذا المعصب لعالت إلى خمسة عشر، فهذا المعصب مشئوم على بنت الابن؛ لأنه لولاه لورثت.

وفي مقابل ذلك -أي: العكس- لو مات ميت عن أختين شقيقتين، ماتت امرأة عن زوج، وأختين شقيقتين، وأخت لأب، وأخ لأب، فالزوج وارث للنصف، والأختان الشقيقتان وارثتان للثلثين، فأصل المسألة من ستة، وعالت من سبعة، والأصل: أن الأخت لأب لا ترث في هذه المسألة.

لكن إذا توفي رجل عن زوجة، وأختين شقيقتين وأخت لأب، وأخ لأب، فالأختان الشقيقتان ترثان الثلثين، والزوجة ترث الربع، وما بقي فهو للعاصب وهو الأخ لأب مع أخته، فلولاه لسقطت، لولا الأخ لأب لسقطت؛ لأنها ما لها إلا السدس تكملة الثلثين، والثلثان قد استكملهما الأختان.

وكذلك بنت الابن، إذا كان للميت بنتان لصلبه، فإنها لا ترثه إلا إذا كانت عاصبةً، فإن عصبها أخوها أو ابن عمها؛ لأنها هي لا ترث إلا تكملة الثلثين اللذين هما نصيب البنات، فهذا الذي لولاه لسقطت يسمى مباركاً، والذي لولاه لورثت يسمى مشئوماً في اصطلاح الفرضية.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح متن الرحبية [5] 3572 استماع
شرح متن الرحبية [7] 3110 استماع
شرح متن الرحبية [11] 3026 استماع
شرح متن الرحبية [2] 2798 استماع
شرح متن الرحبية [9] 2683 استماع
شرح متن الرحبية [13] 2632 استماع
شرح متن الرحبية [3] 2594 استماع
شرح متن الرحبية [12] 2404 استماع
شرح متن الرحبية [14] 2351 استماع
شرح متن الرحبية [8] 2168 استماع