شرح متن الرحبية [9]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قال المؤلف رحمه الله:

(والثلث فرض الأم حيث لا ولد ولا من الإخوة جمع ذو عدد)

هذا هو الفرض الخامس من الفروض المقدرة في كتاب الله، وهو الثلث، وقد جاء ذكره في القرآن في موضعين: في موضع ذكر فريضة الأم، وفي موضع ذكر الإخوة لأم، ويرثه صنفان: الأم، والإخوة لأم إذا تعددوا.‏

شروط ميراث الأم للثلث

والأم ترثه بثلاثة شروط:

الشرط الأول: ألا يكون للميت فرع وارث، فإن كان للميت فرع وارث كابن، أو ابن ابن، أو بنت، أو بنت ابن، فإن الأم ترث السدس كما سيأتي.

الشرط الثاني: ألا تكون المسألة إحدى العمريتين، وقد سبق ذكر العمريتين اللتين ترث الأم فيهما ثلث الباقي، وهي: أم وأب وزوج، والثانية: أم وأب وزوجة.

وسبق الخلاف في العمريتين على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنها ترث الثلث، وهذا مذهب عبد الله بن عباس وداود الظاهري.

القول الثاني: أنها ترث ثلث الباقي، وهذا مذهب الجمهور، المذاهب الأربعة.

القول الثالث: التفريق بين مسألة الزوج فترث الثلث، وفي مسألة الزوجة ترث ثلث الباقي وهذا مذهب محمد بن سيرين، والسبب لئلا يزيد حظها على حظ الأب.

الخلاف حول حجب نقصان الأم من الثلث إلى السدس

الشرط الثالث من شروط ميراث الأم للثلث: ألا يكون للميت عدد من الإخوة، فإن كان للميت عدد من الإخوة، فإنهم يحجبون الأم حجب نقصان من الثلث إلى السدس، كما سيأتي في الحجب، وهذه المسألة اختلف فيها من جهتين:

الجهة الأولى: في جنس من يحجب الأم من الإخوة، فذهب جمهور أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم إلى أن الجنس لا اعتبار له في هذا الباب، سواء كان العدد من الإخوة ذكوراً، أو إناثاً، أو متنوعين، فإنهم يحجبون الأمة من الثلث إلى السدس.

القول الثاني: مذهب معاذ بن جبل: أن الإخوة الذين يحجبون الأم عند تعددهم من الثلث إلى السدس لا بد أن يكون فيهم ذكر، كأن يكونوا ذكرين، أو ثلاثة ذكور، أو أنثى وذكر، أو أنثى وذكرين مثلاً، لكن الإناث الخلص لا يحجبن الأم من الثلث إلى السدس عند معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ وسبب ذلك: أن الجمع في أصله مذكر، فإطلاقه على الذكور نص، وإطلاقه على الإناث وحدهن مقابل للنص، فرأى معاذ أن قوله: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، يختص بالذكور؛ لأنه لو كان يشمل الإناث لقال: إن كان له إخوة أو أخوات، فلأمه السدس.

أما الموضع الثاني الذي فيه خلاف: فهو عدد الإخوة الذين يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، وقد اختلف الناس في ذلك على قولين:

القول الأول: أن المقصود العدد، سواء كان اثنين، أو ثلاثةً، أو أكثر، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين، وهو مذهب المذاهب الأربعة، أن العدد يشمل اثنين فصاعداً، سواء كانا ذكرين، أو أنثيين، أو ذكراً وأنثى فصاعداً.

القول الثاني: مذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فإنه يرى أن أقل الجمع ثلاثة، وأن ما كان أقل من ثلاثة لا يسمى عدداً، فلا يكون جمعاً، فيرى أن قوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] لا يتناول إلا ثلاثةً فصاعداً، فيرى أن الأم إذا كان للميت أخوان، أو أخ وأخت، فإنها ترث الثلث حتى يكونوا ثلاثة إخوة؛ والسبب: هو الخلاف في أقل الجمع -أقل ما يطلق عليه لفظ الجمع- وقد سبقت الإشارة إلى هذا في ميراث البنتين، فقد سبق أن الله نص على ميراث ما كان فوق اثنتين، ولم ينص في القرآن على ميراث الاثنتين من البنات، فالجمهور قاسوا الاثنتين على ما فوق اثنتين، وابن عباس لم ير هذا القياس، الإخوة الذين يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، سواء كانوا إخوةً أشقاء، أو إخوةً لأب، أو إخوةً لأم، أو منوعين، فإن كان للميت أخت لأب وأخ لأم، فإنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، وإن كان للميت أخت شقيقة، وأخت لأب، وأخت لأم مثلاً، فإن الحجب يحصل بذلك، فلا عبرة بجهة الإخوة، جهة الإخوة معناه: سواء كانت شقاقةً، أو لأب، أو لأم، فلا اعتبار لذلك؛ لأن الله أطلق فقال: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11].

لذلك قال المؤلف رحمه الله: (والثلث فرض الأم)، والأم هنا لا تدخل فيها الجدة، فالجدة لا ترث الثلث أبداً، سيأتي ذكرها فيمن يرثون السدس، وهي ترثه على اعتبار أنها أم؛ لأن الجدة لا ذكر لها في كتاب الله، لما وزع الله التركة لم يضع سهماً للجدة، فلا ذكر لها في كتاب الله، كما أنه لا ذكر للجد أيضاً في كتاب الله، ولكن الجد جعل مكان الأب، كما أن الجدة جعلت مكان الأم، ويستثنى من ذلك مواضع، ومنها: ميراث الثلث، فهو نصيب الأم دون الجدة، فالجدة لا ترث الثلث أبداً.

(والثلث فرض الأم حيث لا ولد)، معناه: الشرط الأول من شروط توريثها الثلث: ألا يكون للميت فرع وارث، قال: (حيث لا ولد، ولا من الإخوة جمع ذو عدد)، هذا الشرط الثاني: ألا يكون للميت عدد من الإخوة، ولما قال: (جمع) عرف أنه يمكن أن يرد الإشكال في أقل ما يطلق عليه الجمع؛ فلذلك قال: (ذو عدد)، فالمقصود: بالجمع التعدد مطلقاً، وهذا مذهب الجمهور خلافاً لـابن عباس، ولذلك فسر فقال: (كاثنين) سواء كانا ذكرين أو أنثيين، أو كان أحدهما ذكراً والأخرى أنثى، (أو ثنتين): كذلك لو انفرد الإناث وحدهن يحجبنها، خلافاً لـمعاذ بن جبل، أو (ثلاث)، وهذه من الإناث أيضاً، (حكم الذكور فيه كالإناث): فلا فرق بين انفراد الذكور، وانفراد الإناث، والاشتراك.

(ولا إبن ابن معها أو بنته): اضطر هنا لقطع همزة الوصل وهي همزة ابن، فابن من الأسماء العشرة التي همزتها همزة وصل، تذكرها؟ وفي اسم ابن ابن حذف، فالهمزة هنا همزة وصل، ولكن المؤلف اضطر لقطعها؛ أي: لجعلها همزة قطع، فقال: (ولا إبن ابن معها أو بنته) معناه: الشرط الثالث من شروط ميراث الأم للثلث: ألا يكون للميت فرع وارث، كابن، أو بنت، أو ابن ابن، أو بنت ابن، فهؤلاء فروع وارثون، فلا ترث الأم معهم الثلث، وإنما ترث السدس.

(ففرضها الثلث كما بينته): إذا اجتمعت الشروط الثلاثة.

الشرط الثالث هو: ألا تكون إحدى العمريتين، وهذا الذي أشار إليه بقوله: (وإن يكن زوج وأم وأب فثلث الباقي لها مرتب، وهكذا مع زوجةٍ)، هذه إذا كانت إحدى العمريتين، فإنها لا ترث ثلث المال، وإنما ترث ثلث الباقي، وذلك في فريضتين اشتهرتا بالعمريتين، لقضاء عمر بن الخطاب فيهما، وهما: زوج وأبوان، أو زوجة وأبوان، فزوج إذا لم يكن للميت فرع وارث كم نصيبه؟ النصف، والأبوان الأب والأم لهما النصف الباقي، فيرثانه للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأب ثلثاه، وللأم ثلثه، فيكون نصيب الأم ثلث الباقي، وهو الربع في هذه الصورة.

الصورة الثانية: أن تكون الفريضة: زوجة وأبوان، فللزوجة الربع؛ لأنه ليس للميت فرع وارث، وللأبوين ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأب النصف، وللأم الربع، فالصورة الأولى: للأم فيها السدس؛ لأن الزوج أخذ ثلاثةً من ستة، والأبوان ورثا ثلاثةً، فللأب اثنان وللأم واحد، فللأب الثلث وللأم السدس، والصورة الثانية: الزوجة ترث الربع، فالمسألة من أربعة: أخذت الزوجة واحداً، وبقي ثلاثةٌ للأبوين؛ فيرثانها للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأب اثنان، وللأم واحد، وهو ثلث الباقي؛ أي: الربع.

فلذلك قال: (وإن يكن زوج وأم وأب)؛ أي: إن يكن الوارث مطلقاً زوج وأم وأب (فثلث الباقي لها مرتب)؛ أي: ثلث الباقي للأم مرتب، والباقي معناه: بعد نصيب الزوج.

(وهكذا مع زوجة) معناه: لها أيضاً ثلث الباقي بعد نصيب الزوجة إذا ورث الأبوان والزوجة، (مع زوجة فصاعداً): طبعاً تعدد الزوجات لا أثر له في الميراث، أصناف تعددهم لا يؤثر في الميراث: بنت الابن، والأخت لأب حين وجود البنت والشقيقة، والزوجات مطلقاً، والجدات كذلك -الوارثات- فهذه الأجناس تعددها لا يزيدها، بخلاف البنتين، بنت الصلب مثلاً إذا تعددت، فنصيبها يزداد، والأخت الشقيقة إذا تعددت، فنصيبها يزداد، أو الأخت لأب مع عدم الشقيقة مثلاً، أو بنت الابن مع عدم الشقيقة وعدم المعصِّب، كذلك الإخوة لأم فنصيبهم يزداد مع التعدد؛ لأن الواحد منهم نصيبه السدس، فإذا كانوا عدداً ورثوا الثلث، لكن الزوجات لو كن أربعاً فنصيبهن إذا كان للميت فرع وارث هو الثمن، وإذا لم يكن للميت فرع وارث فهو الربع مطلقاً، كثرن أو كن واحدةً، وهكذا في البقية الذين لا يزدادون بالتعدد؛ فلذلك قال: (فلا تكن عن العلوم قاعدا): هذه نصيحة لك ألا تقعد عن العلوم، فالقعود عن العلوم، معناه: الانقطاع في الطريق، كالإنسان الذي كان سائراً في الطريق فقعد، فالعلم طريق وعر طويل، فيحتاج إلى الصبر عليه والمثابرة والمواصلة.

والأم ترثه بثلاثة شروط:

الشرط الأول: ألا يكون للميت فرع وارث، فإن كان للميت فرع وارث كابن، أو ابن ابن، أو بنت، أو بنت ابن، فإن الأم ترث السدس كما سيأتي.

الشرط الثاني: ألا تكون المسألة إحدى العمريتين، وقد سبق ذكر العمريتين اللتين ترث الأم فيهما ثلث الباقي، وهي: أم وأب وزوج، والثانية: أم وأب وزوجة.

وسبق الخلاف في العمريتين على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنها ترث الثلث، وهذا مذهب عبد الله بن عباس وداود الظاهري.

القول الثاني: أنها ترث ثلث الباقي، وهذا مذهب الجمهور، المذاهب الأربعة.

القول الثالث: التفريق بين مسألة الزوج فترث الثلث، وفي مسألة الزوجة ترث ثلث الباقي وهذا مذهب محمد بن سيرين، والسبب لئلا يزيد حظها على حظ الأب.

الشرط الثالث من شروط ميراث الأم للثلث: ألا يكون للميت عدد من الإخوة، فإن كان للميت عدد من الإخوة، فإنهم يحجبون الأم حجب نقصان من الثلث إلى السدس، كما سيأتي في الحجب، وهذه المسألة اختلف فيها من جهتين:

الجهة الأولى: في جنس من يحجب الأم من الإخوة، فذهب جمهور أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم إلى أن الجنس لا اعتبار له في هذا الباب، سواء كان العدد من الإخوة ذكوراً، أو إناثاً، أو متنوعين، فإنهم يحجبون الأمة من الثلث إلى السدس.

القول الثاني: مذهب معاذ بن جبل: أن الإخوة الذين يحجبون الأم عند تعددهم من الثلث إلى السدس لا بد أن يكون فيهم ذكر، كأن يكونوا ذكرين، أو ثلاثة ذكور، أو أنثى وذكر، أو أنثى وذكرين مثلاً، لكن الإناث الخلص لا يحجبن الأم من الثلث إلى السدس عند معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ وسبب ذلك: أن الجمع في أصله مذكر، فإطلاقه على الذكور نص، وإطلاقه على الإناث وحدهن مقابل للنص، فرأى معاذ أن قوله: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، يختص بالذكور؛ لأنه لو كان يشمل الإناث لقال: إن كان له إخوة أو أخوات، فلأمه السدس.

أما الموضع الثاني الذي فيه خلاف: فهو عدد الإخوة الذين يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، وقد اختلف الناس في ذلك على قولين:

القول الأول: أن المقصود العدد، سواء كان اثنين، أو ثلاثةً، أو أكثر، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين، وهو مذهب المذاهب الأربعة، أن العدد يشمل اثنين فصاعداً، سواء كانا ذكرين، أو أنثيين، أو ذكراً وأنثى فصاعداً.

القول الثاني: مذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فإنه يرى أن أقل الجمع ثلاثة، وأن ما كان أقل من ثلاثة لا يسمى عدداً، فلا يكون جمعاً، فيرى أن قوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] لا يتناول إلا ثلاثةً فصاعداً، فيرى أن الأم إذا كان للميت أخوان، أو أخ وأخت، فإنها ترث الثلث حتى يكونوا ثلاثة إخوة؛ والسبب: هو الخلاف في أقل الجمع -أقل ما يطلق عليه لفظ الجمع- وقد سبقت الإشارة إلى هذا في ميراث البنتين، فقد سبق أن الله نص على ميراث ما كان فوق اثنتين، ولم ينص في القرآن على ميراث الاثنتين من البنات، فالجمهور قاسوا الاثنتين على ما فوق اثنتين، وابن عباس لم ير هذا القياس، الإخوة الذين يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، سواء كانوا إخوةً أشقاء، أو إخوةً لأب، أو إخوةً لأم، أو منوعين، فإن كان للميت أخت لأب وأخ لأم، فإنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، وإن كان للميت أخت شقيقة، وأخت لأب، وأخت لأم مثلاً، فإن الحجب يحصل بذلك، فلا عبرة بجهة الإخوة، جهة الإخوة معناه: سواء كانت شقاقةً، أو لأب، أو لأم، فلا اعتبار لذلك؛ لأن الله أطلق فقال: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11].

لذلك قال المؤلف رحمه الله: (والثلث فرض الأم)، والأم هنا لا تدخل فيها الجدة، فالجدة لا ترث الثلث أبداً، سيأتي ذكرها فيمن يرثون السدس، وهي ترثه على اعتبار أنها أم؛ لأن الجدة لا ذكر لها في كتاب الله، لما وزع الله التركة لم يضع سهماً للجدة، فلا ذكر لها في كتاب الله، كما أنه لا ذكر للجد أيضاً في كتاب الله، ولكن الجد جعل مكان الأب، كما أن الجدة جعلت مكان الأم، ويستثنى من ذلك مواضع، ومنها: ميراث الثلث، فهو نصيب الأم دون الجدة، فالجدة لا ترث الثلث أبداً.

(والثلث فرض الأم حيث لا ولد)، معناه: الشرط الأول من شروط توريثها الثلث: ألا يكون للميت فرع وارث، قال: (حيث لا ولد، ولا من الإخوة جمع ذو عدد)، هذا الشرط الثاني: ألا يكون للميت عدد من الإخوة، ولما قال: (جمع) عرف أنه يمكن أن يرد الإشكال في أقل ما يطلق عليه الجمع؛ فلذلك قال: (ذو عدد)، فالمقصود: بالجمع التعدد مطلقاً، وهذا مذهب الجمهور خلافاً لـابن عباس، ولذلك فسر فقال: (كاثنين) سواء كانا ذكرين أو أنثيين، أو كان أحدهما ذكراً والأخرى أنثى، (أو ثنتين): كذلك لو انفرد الإناث وحدهن يحجبنها، خلافاً لـمعاذ بن جبل، أو (ثلاث)، وهذه من الإناث أيضاً، (حكم الذكور فيه كالإناث): فلا فرق بين انفراد الذكور، وانفراد الإناث، والاشتراك.

(ولا إبن ابن معها أو بنته): اضطر هنا لقطع همزة الوصل وهي همزة ابن، فابن من الأسماء العشرة التي همزتها همزة وصل، تذكرها؟ وفي اسم ابن ابن حذف، فالهمزة هنا همزة وصل، ولكن المؤلف اضطر لقطعها؛ أي: لجعلها همزة قطع، فقال: (ولا إبن ابن معها أو بنته) معناه: الشرط الثالث من شروط ميراث الأم للثلث: ألا يكون للميت فرع وارث، كابن، أو بنت، أو ابن ابن، أو بنت ابن، فهؤلاء فروع وارثون، فلا ترث الأم معهم الثلث، وإنما ترث السدس.

(ففرضها الثلث كما بينته): إذا اجتمعت الشروط الثلاثة.

الشرط الثالث هو: ألا تكون إحدى العمريتين، وهذا الذي أشار إليه بقوله: (وإن يكن زوج وأم وأب فثلث الباقي لها مرتب، وهكذا مع زوجةٍ)، هذه إذا كانت إحدى العمريتين، فإنها لا ترث ثلث المال، وإنما ترث ثلث الباقي، وذلك في فريضتين اشتهرتا بالعمريتين، لقضاء عمر بن الخطاب فيهما، وهما: زوج وأبوان، أو زوجة وأبوان، فزوج إذا لم يكن للميت فرع وارث كم نصيبه؟ النصف، والأبوان الأب والأم لهما النصف الباقي، فيرثانه للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأب ثلثاه، وللأم ثلثه، فيكون نصيب الأم ثلث الباقي، وهو الربع في هذه الصورة.

الصورة الثانية: أن تكون الفريضة: زوجة وأبوان، فللزوجة الربع؛ لأنه ليس للميت فرع وارث، وللأبوين ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأب النصف، وللأم الربع، فالصورة الأولى: للأم فيها السدس؛ لأن الزوج أخذ ثلاثةً من ستة، والأبوان ورثا ثلاثةً، فللأب اثنان وللأم واحد، فللأب الثلث وللأم السدس، والصورة الثانية: الزوجة ترث الربع، فالمسألة من أربعة: أخذت الزوجة واحداً، وبقي ثلاثةٌ للأبوين؛ فيرثانها للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأب اثنان، وللأم واحد، وهو ثلث الباقي؛ أي: الربع.

فلذلك قال: (وإن يكن زوج وأم وأب)؛ أي: إن يكن الوارث مطلقاً زوج وأم وأب (فثلث الباقي لها مرتب)؛ أي: ثلث الباقي للأم مرتب، والباقي معناه: بعد نصيب الزوج.

(وهكذا مع زوجة) معناه: لها أيضاً ثلث الباقي بعد نصيب الزوجة إذا ورث الأبوان والزوجة، (مع زوجة فصاعداً): طبعاً تعدد الزوجات لا أثر له في الميراث، أصناف تعددهم لا يؤثر في الميراث: بنت الابن، والأخت لأب حين وجود البنت والشقيقة، والزوجات مطلقاً، والجدات كذلك -الوارثات- فهذه الأجناس تعددها لا يزيدها، بخلاف البنتين، بنت الصلب مثلاً إذا تعددت، فنصيبها يزداد، والأخت الشقيقة إذا تعددت، فنصيبها يزداد، أو الأخت لأب مع عدم الشقيقة مثلاً، أو بنت الابن مع عدم الشقيقة وعدم المعصِّب، كذلك الإخوة لأم فنصيبهم يزداد مع التعدد؛ لأن الواحد منهم نصيبه السدس، فإذا كانوا عدداً ورثوا الثلث، لكن الزوجات لو كن أربعاً فنصيبهن إذا كان للميت فرع وارث هو الثمن، وإذا لم يكن للميت فرع وارث فهو الربع مطلقاً، كثرن أو كن واحدةً، وهكذا في البقية الذين لا يزدادون بالتعدد؛ فلذلك قال: (فلا تكن عن العلوم قاعدا): هذه نصيحة لك ألا تقعد عن العلوم، فالقعود عن العلوم، معناه: الانقطاع في الطريق، كالإنسان الذي كان سائراً في الطريق فقعد، فالعلم طريق وعر طويل، فيحتاج إلى الصبر عليه والمثابرة والمواصلة.

(وهو للاثنين أو اثنتين من ولد الأم بغير مين)

الصنف الثاني من الذين يرثون الثلث: الإخوة لأم، فقال: (وهو للاثنين أو اثنتين من ولد الأم بغير مين)، فهو للاثنين؛ أي: للعدد من أولاد الأم، سواء كانوا اثنين أو أكثر، أو اثنتين فأكثر؛ فنصيبهم الثلث؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].

شروط استحقاق الإخوة لأم لفرض الثلث

ويرثون الثلث بثلاثة شروط:

الشرط الأول: ألا يكون للميت أصل وارث من الذكور، فإن كان له أب أو جد، فإن الأب والجد يحجبان الإخوة لأم.

الشرط الثاني: ألا يكون للميت فرع وارث، فالفرع الوارث يحجب الإخوة لأم، مطلقاً، سواء كان ابناً، أو ابن ابن، أو بنتاً، أو بنت ابن، وإن نزلوا، فالفروع مطلقاً تحجب الإخوة لأم.

الشرط الثالث: التعدد، فإن كان أخ واحد لأم أو أخت واحدة لأم فله السدس، كما سيأتي في الذين يرثون السدس.

فإذاً شرط ميراث الإخوة لأم للثلث ثلاثة:

الأول: عدم وجود الأصل الوارث من الذكور.

الثاني: عدم وجود الفرع الوارث مطلقاً، سواء كان من الذكور أو من الإناث، وهذان الشرطان هما قول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12]، فالكلالة معناه: من لا وارث له من الأصول الذكور، ولا وارث له من الفروع، الكلالة: هي ألا يكون للإنسان وارث من الأصول الذكور، وألا يكون له وارث من الفروع مطلقاً، سواء كان من الذكور، أو من الإناث، هذا هو الراجح في تفسير الكلالة.

الثالث: التعدد: فهو نص كتاب الله؛ لأن الله قال: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، والقرآن هنا صريح في التعدد مطلقاً، سواء كان اثنين أو أكثر؛ لأنه قال: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:12]، فهذا يشمل الاثنين وما زاد عليهما.

خصائص الإخوة لأم في الميراث

والإخوة لأم لهم خصائص في الميراث نحتاج إلى التعريج عليها قليلاً، فنذكر خمس خصائص من خصائص الإخوة لأم، خمسة أحكام تختص بالإخوة لأم، وهذا الاختصاص تقريبي، وإلا فسيأتي بعض الاستثناء فيه.

الأول: أنه لا فرق بين ذكرهم وأنثاهم إذا انفرد، فالذكر منهم يرث السدس إذا انفرد، والأنثى ترث السدس إذا انفردت؛ إذاً هذا الحكم الأول.

الثاني: أنه لا فرق بين الذكور والإناث منهم عند التعدد في الميراث، فإذا كان للميت أختان لأم فلهما الثلث، وإذا كان له أخوان لأم فلهما الثلث، وإن كان له أخت وأخ لأم فلهما الثلث؛ فإذاً لا فرق بين الذكور والإناث أيضاً عند التعدد وعند الانفراد، فهذان حكمان.

الثالث: أنهم يدلون بالأم، ومع ذلك يحجبونها حجب نقصان، وهذا الحكم يشتركون فيه مع الإخوة الأشقاء أيضاً أو لأب، لكن الإخوة الأشقاء هم الذين يدلون بالأم والأب معاً، فالإخوة لأم يدلون بالأم، ليس لهم علاقة بالميت إلا الأم، ومع ذلك يحجبونها من الثلث إلى السدس، وإن اشترك معهم الإخوة في الحجب، لكن الإخوة لأب يدلون بالأب، والإخوة الأشقاء يدلون بالأب والأم معاً، لكن الإخوة لأم لا يدلون إلا بالأم، وهم يحجبونها حجب نقصان من الثلث إلى السدس.

الرابع: أنهم يدلون بأنثى ويرثون، فالأصل أن الذكر المدلي بأنثى لا يرث، كابن البنت مثلاً، ابن البنت لا يرث، وابن الأخت لا يرث، وهؤلاء يدلون بأنثى، ومع ذلك يرثون، فعلاقتهم بالميت هي الأنثى، ومع ذلك يرثون، لكن يستثنى من هذا الجدة أم الأم، فهي أيضاً تدلي بأنثى، ومع ذلك ترث، الجدة أم الأم هي تدلي بأنثى، ومع ذلك ترث، فيمكن أن يقال: يختص هذا بذكورهم، فذكور الإخوة لأم رجال يدلون بامرأة، ومع ذلك يرثون، ويختص هذا بهم.

الخامس: أنهم يرثون مع من يدلون به، فأمهم لا تحجبهم، فالأب لا يرث معه أحد من الإخوة؛ لأنه حاجب لهم، والأم يرث معها أولادها الذين هم إخوة لأم، وهم يدلون بها، وهذا الحكم أغرب الأحكام الخمسة، أنهم يرثون مع من يدلون به، ابن الابن لا يرث مع وجود الابن، والجدة لا ترث مع وجود الأم، والإخوة لا يرثون مع وجود الأب، والجد لا يرث مع وجود الأب، والأعمام لا يرثون مع وجود الأب، لكن أولاد الأم يرثون مع وجودها هي، وبقي فيهم مسألة أخرى لا تختص بالإخوة لأم، ولكنها مسألة اختلاف في قضية الإخوة الذين يحجبون الأم حجب نقصان من الثلث إلى السدس، فمذهب الجمهور أنه بمجرد وجودهم -سواء كان الأب موجوداً أو غير موجود- فإنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، وذهب بعض المتأخرين من الحنابلة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الإخوة لا يحجبون الأم حجب نقصان إلا إذا كانوا وارثين، ومعنى ذلك: عدم وجود الأب، واستدل ابن تيمية بقول الله تعالى: وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، فلم يقل: ولأبيه الباقي، فلم يذكر الأب أصلاً؛ فدل ذلك على أن الفريضة ليس فيها أب؛ لأنه لو كان فيها أب لقال: فلأبيه كذا، أو فلأمه السدس والباقي لأبيه، فلما لم يذكر الله الأب في هذه الفريضة، دل ذلك على عدم وجوده أصلاً، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الحجب -حجب الإخوة لأم- سببه مشاركتهم في الميراث، فإذا كانوا لا يشاركون في الميراث فما علة حجبهم لها؟ لماذا تنقص الأم وهم لا ينالون ما نقصوها؟ ( ومن قتل قتيلاً فله سلبه )، فهم قتلوها ولم ينالوا سلبها، واللغز الذي تعرفونه، وهو: وفيهم وفي الحجب أمر عجب؛ لأنهم قد حَجَبوا وحُجِبوا، أو قد حَجَبوا إذ حُجبوا، سيأتينا إن شاء الله.

مذهب الجمهور: أن الحجب حاصل، سواء ورثوا أو لم يرثوا، معناه: سواء كان الأب موجوداً أو غير موجود، فإذا مات ميت وترك أبوين وأخوين شقيقين، أو لأب، أو لأم، أو مختلفين، فإن الأم لا ترث إلا السدس، والباقي كله للأب فرضاً وتعصيباً، هذا مذهب الجمهور، ومذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض المتأخرين من الحنابلة: أنه إذا كانت المسألة هكذا فإن الأم ترث الثلث، والأب يرث الثلثين، وليس للإخوة شيء، وإنما يحجبون الأم إذا كانوا يرثون، فيوفرون لأنفسهم شيئاً من نصيب الأم، كما إذا كان للميت أم وأخوان مثلاً، فالأم لها السدس، والأخوان يرثان الباقي، ولكن يجاب عما استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية ومن معه: بأن الإخوة لأم يحجبونها قطعاً إجماعاً حجب نقصان، وهم مع ذلك لا يزداد نصيبهم، فنصيبهم لا يزداد عن الثلث أبداً، الإخوة لأم لا يزيدون عن الثلث إذا تعددوا، ومع ذلك يحجبون الأم قطعاً إلى السدس؛ فدل هذا على أن التوفير لا يقصد به زيادة نصيب الوارث، إذ لو كان كذلك لما نقصوا إلا قدر ما يستحقونه، فهمتم الاستدلال؟

شيخ الإسلام ابن تيمية قال: يقول الله تعالى: وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، (( وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ )) هذه فريضة يرث فيها الأبوان، فللأب الثلثان، وللأم الثلث، (( فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ )) يقول: معناه: إخوة وأم فقط من غير أب، (( فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ))، فالأم لها السدس والباقي للإخوة؛ لأنهم يرثون ما بقي بعدها تعصيباً، وهي توفر عليهم من الثلث ما بقي، فهمت؟ ويجاب عن هذا الاستدلال بأنه لو كان كذلك لما حجبت بالإخوة لأم؛ لأن نصيبهم ثابت لا يزداد ولا ينقص، فالإخوة لأم عند العدد يحجبون الأم حجب نقصان من الثلث إلى السدس، وهم يرثون الثلث بالإجماع بين ابن تيمية وغيره؛ فلذلك قال:

(وهو للاثنين أو اثنتين من ولد الأم بغير مين)

(وهكذا إن كثروا أو زادوا فما لهم فيما سواه زاد )

(فما لهم فيما سواه زاد)، معناه: لو زاد عددهم وكثروا، فإنه لا يزداد نصيبهم عن الثلث، فنصيبهم الثلث دائماً، والزاد: هو ما يتزود به الإنسان؛ أي: يصحبه لعدة السفر، وقد قال الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197].

(ويستوي الإناث والذكور فيه كما قد أوضح المسطور)

المسطور: هو القرآن، وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ [الطور:1-2].

وقد أوضح أن الذكر والأنثى من الإخوة لأم سواء؛ لأنه قال: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، فهذا عند الانفراد ساواهما: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، والأصل في الاشتراك: التساوي، فهذان حكمان نص الله عليهما في كتابه، فبين أنه لا فرق بين الذكر والأنثى من أولاد الأم؛ أي: من الإخوة لأم.

(ويستوي الإناث والذكور فيه كما قد أوضح المسطور).