فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الطلاق [2]


الحلقة مفرغة

قول الرجل لزوجته: علي الحرام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

وقفنا عند قول المؤلف: [وإن قال: علي الحرام إن نوى امرأته فظهار، وإلا فلغو].

الحنابلة يرون أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت علي حرام، فإنه يكون ظهاراً، ودليلهم في هذا: أن تحريم الرجل امرأته عليه بقوله: أنت علي كظهر أمي تشبيه لزوجته بأقربائه، فإذا لم يجز للزوج أن يأتي أقرباءه لحرمتهم فإن الزوجة تشبههم بالحرمة، فذلك مثلما لو قال لامرأته: أنت علي حرام، وهذا وجه جاء عن الحنابلة بجعل قوله لأهله: أنت علي حرام في منزلة الظهار.

والقول الآخر في المسألة، قالوا: إن الله سبحانه وتعالى قد وصف قول المظاهر بأنه منكر من القول وزور، ومن المعلوم أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت علي حرام، يعني: أنه حرم الحلال، ومن المعلوم أن تحريم الحلال لم يقصد به الاعتقاد إنما يقصد به الفعل، يعني: أنه لا يريد أن يأتيها، ففرق بين المظاهر وبين من قال لامرأته: أنت علي حرام.

ثم إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أكثر الصحابة وأجلهم، كـأبي بكر و عمر و عثمان و ابن مسعود و جابر و ابن عباس قد قالوا في الرجل إذا قال: علي الحرام، أو قال لامرأته: أنت علي حرام، فهو يمين يكفرها، وقد صح في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( إذا قال الرجل لامرأته: أنت علي حرام فهو يمين يكفرها، ولقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ) وقد اختلف أهل العلم في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1]، هل حرم النبي صلى الله عليه وسلم عليه أحد أزواجه، أم حرم عليه أحد إمائه، أم حرم عليه العسل، فأقول: وأيٍ كان من هذه الأقوال إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه، ومنع نفسه ما كان مباحاً، فإذا قال الرجل في العسل: هو علي حرام، يعني: لا أطعمه، وإذا قال لأهله: أنت علي حرام، يعني: لا أطؤك، وكلا الأمرين في المعنى سواء، لكنه لا يمكن أن يكون بمعنى: أنت علي كظهر أمي، فالأقرب والله أعلم أن الرجل إذا قال: أنت علي حرام فهو يمين يكفرها.

وهناك قول عند الحنابلة أنه إن نواه طلاقاً وقع طلاق، وهذا بعيد كما قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله؛ لأن الحرام لا يمكن أن يكون طلاقاً ولا يحتمله اللفظ؛ لأن الرجل لو طلق امرأته فإن الحنابلة يقولون: تقع طلقة واحدة، وبعضهم قال: ما لم ينوه أكثر، نقول: لا يمكن؛ لأن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق فلا تحرم عليه؛ ولهذا روي عن علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت علي حرام فهو طلاق بتة، يعني: ثلاثاً، فهو إما أن يقال: طلاق ثلاثاً، وإما ألا يقال: الطلاق ألبتة؛ لأن طلاق الرجل لامرأته لا يعد تحريماً، وله أن يأتي أهله بعد الطلقة الأولى والثانية أيضاً، وتعد رجعة.

على كل حال فالأقرب والله أعلم أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت علي حرام فإنه لا يخلو من حالين:

الأولى: إن قصد حثها أو حضها على الفعل فإنه يكون يميناً، ولعله أظهر، مثلما لو قال: إن خرجت فأنت طالق، فهو الحلف بالطلاق أو الحلف بالحرمة.

الثانية: إن قال ابتداءً: أنت علي حرام، فالراجح، والله أعلم أيضاً أنه يكون يميناً.

يقول المؤلف: (وإلا)، يعني: إن لم ينو امرأته بقوله: أنت علي حرام (فلغو)؛ لأنه ليس يميناً، وليس فيه لفظ اليمين، ولا لفظ الجلالة ولا صفة من صفاته، فصار لغواً، وهذا القول الأول.

والقول الآخر في المسألة: أنه يكون يميناً، وقولنا: إنه يكون يميناً، يعني: أنه يجري مجرى اليمين في اللزوم والكفارة، لا أنه يمين ابتداءً، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

من طلق زوجته ثم أشرك ضرتها

قال المؤلف رحمه الله: [ومن طلق زوجة ثم قال لضرتها: شركتك أو أنت شريكتها أو مثلها وقع عليهما].

وهذا واضح، فإنه جعل الزوجة الثانية في حكم الزوجة الأولى، والزوجة الأولى طالق فهذا لفظ صريح، فقد جعل حكم الثانية مثل حكم الأولى، مثلما لو قال: لزوجتيه أنت طالق وأنت مثلها، فهكذا لو قال: أنت شريكتها فالحكم واحد، فهذا صريح لا يحتاج إلى نية.

الآن سوف نفصل كلام الحنابلة، نحن قلنا: إن الرجل إذا قال: علي الحرام لأفعلن كذا، أو علي الطلاق لتفعلن كذا أو لأفعلن كذا، وكان عنده نساء، فهذا في حكم اليمين، أما لو قال: علي الطلاق ابتداءً، فإنه يكون طلاقاً، أما الحنابلة فجعلوا الحكم واحداً على أنه طلاق؛ ولهذا قالوا: ولو قال: علي الطلاق منجزاً أو معلقاً أو محلوفاً به وقع واحدة، وقلنا: إن الراجح خلاف ذلك، لكننا سوف نمشي على كلام المؤلف، بعدما بينا القول الراجح.

من حلف بالطلاق ومعه أكثر من زوجه

قال المؤلف رحمه الله: [وإن قال: علي الطلاق أو امرأتي طالق ومعه أكثر من امرأة، فإن نوى امرأة معينة انصرف إليها، وإن نوى واحدة مبهمة أخرجت بقرعة].

صورة المسألة: إذا كان رجل عنده ثلاث نساء أو أربع نساء، وقال: امرأتي طالق، قلنا: هل تنوي امرأة معينة؟ فإن قال: نعم، قلنا: انصرفت إلى مريم التي نويت مثلاً، وإن قال: أنا نويت واحدة لكني لم أحدد، فنقول: يضرب بين نسائك القرعة، فأيتهن وقعت عليها القرعة طلقت؛ لأن القرعة تقوم مقام الاختيار وقت التنازع، قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( ولو يعلمون ما في العتمة والصبح ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليها لاستهموا ).

يقول المؤلف: [وإن لم ينو شيئاً طلق الكل].

صورة المسألة: شخص عنده ثلاث نساء أو أربع نساء، فقال: امرأتي طالق، نقول له: هل نويت امرأة معينة؟ قال: لا، قلنا له: هل نويت امرأة مبهمة لم تحددها؟ قال: لا، أنا قلت: امرأتي طالق، فنقول: إن لفظ: امرأتي طالق هو لفظ مفرد، والمفرد في لغة العرب يعم كل أفراد اللفظ. فعلى هذا فإن نساءك كلهن يطلقن؛ لأن اللفظ المفرد يصلح لتعميم جميع نسائك، وهو محل لوقوع طلاقهن.

مدى وقوع الطلاق بالقلب

قال المؤلف رحمه الله: [ومن طلق في قلبه لم يقع].

القاعدة الفقهية في ذلك: (أن الله تجاوز لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به)، فلو حدث نفسه بالطلاق ولم يطلق لا يقع الطلاق؛ لأن الله تجاوز عن ذلك، والأصل في الطلاق هو اللفظ؛ لقوله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1]، ولا يسمى طلاقاً إلا باللفظ، وأما في النفس فإنه لا بد من تقييد ذلك؛ لقوله تعالى: وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة:8]، فلا يسمى قولاً إذا كان حديث نفس إلا بالتقييد، نحو: (يقولون في أنفسهم).

مدى وقوع الطلاق ممن حرك به شفتيه ولم يسمعه

قال المؤلف رحمه الله: [فإن تلفظ به أو حرك لسانه وقع ولو لم يسمعه].

هذا مذهب الحنابلة، قالوا: إن تلفظ الزوج بالطلاق أو حرك لسانه بذلك ولو لم يسمع كلامه فإنه يقع الطلاق؛ لأنه تكلم به.

والقول الآخر في المسألة، قالوا: لا يسمى كلاماً بتحريك الشفتين إلا أن يسمع كلامه، كما قالوا في قراءة الفاتحة في حق المنفرد والمأموم، إذا قلنا: إن قراءة الفاتحة في حق المأموم ركن، فلا بد أن يسمع نفسه، فتحريك الشفتين من غير سماع النفس لا يسمى كلاماً، وهذا الحكم لا يأخذه الموسوس، فإن الموسوسين يحركون ألسنتهم وأيديهم وقلوبهم ومع ذلك يشكون، وهذا مرض كما هو مذهب ابن القيم رحمه الله، أن الموسوس لا يقع عليه طلاق.

مدى وقوع الطلاق بالكتابة

قال المؤلف رحمه الله: [ومن كتب صريح طلاق زوجته وقع].

الكتابة في الطلاق تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: كتابة تظهر في الورق.

والقسم الثاني: كتابة لا تظهر ولا تبين.

فالقسم الأول: كتابة تظهر بما يبين، كالكتابة على الورق، فهذا عند الحنابلة يأخذ حكم الصريح، فإن امرأته حينئذ تطلق ولا ينظر إلى نيته.

القسم الثاني: كتابة لا تظهر ولا تبين، مثل: الكتابة على الهواء، جاءت امرأته قالت: طلقني، فكتب في الهواء: طالق، فهذه لا تقع، ولو كتب في الماء لا يقع، ولو كتب على وسادة بأصبعه لا يقع؛ لأن هذا لا يظهر ولا يبين، هذا هو مذهب الحنابلة رحمهم الله، على أن الكتابة إذا تبينت وظهرت تأخذ حكم الصريح.

وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وهو منصوص الشافعي ورواية عند الحنابلة إلى أن الكتابة كناية، فإن نواه وقع وإلا فلا يقع، فلو كتب في رسالة جوال إلى جوال امرأته: أنت مطلقة، فلما قرأت قالت: زوجي طلقني، قال: لا، أنا ما طلقت، قالت: أنت كتبت، قال: أنا ما كتبت مطلقة أنا كاتب مطلِقة، واسم الفعل لا يأخذ حكم الصريح؛ لأننا قلنا: إن الطلاق يقع بقول: أنت طالق وما تصرف منه غير أمر ومضارع واسم فاعل، وهنا قال: أنا كاتب مطلِقة فليس فيه مشكلة، ثم إن الكتابة على مذهب الجمهور تكون كناية وأنا لم أنو الطلاق ولكني أقول: مطلِقة بمعنى: أنك تاركة أمر بيتك وأولادك.

والأقرب والله أعلم جمعاً بين الأقوال أن نقول: إن الكتابة إذا كان فيها سؤال المرأة الطلاق، أو دلت قرائن الأحوال على إرادته، مثل: أن يذهب إلى القاضي وقد كتب ورقة وطلب من القاضي أن يثبت ذلك فأثبت القاضي بناءً على ورقته بعدما أشهد على توقيعه فإنه يعد طلاقاً صريحاً أو في حكم الصريح، وإلا فلا، وهذا قريب من قول الجمهور، فإذا دلت قرائن الأحوال مثل: سؤال المرأة الطلاق أو دلت بعض القرائن فإنها تطلق امرأته ولا ينظر إلى نيته، وأما إذا كتب من غير سؤال المرأة للطلاق ولا دلت عليه قرائن الأحوال فإننا ننظر إلى نيته ويدين فيما بينه وبين الله.

قال المؤلف: [فلو قال: لم أرد].

يعني: على مذهب الحنابلة كتب: أنت طالق، ثم قال: لم أرد إلا تجويد خطي، فأنا: أنظر الخط، [أو غم أهلي]، يقول المؤلف: [قبل حكما]، أما على القول بأن الكتابة تأخذ حكم الكناية فلا إشكال؛ لأننا ننظر نيته، لكن الإشكال إذا كانت الكتابة تأخذ حكم الصريح، فالأولى إذا كانت تأخذ حكم الصريح مطلقاً على مذهب الحنابلة فإننا نقول: لا يقبل حكماً ويقبل فيما بينه وبين الله، والفرق بين الأمرين أنه لو طلق فقال لامرأته: أنا لم أطلق، أنا أقصد غمك، أو أنا أقصد تجويد خطي فقبلت المرأة ذلك، فهذا يدين بينه وبين الله، أما لو لم تقبل المرأة فإنها تذهب إلى القاضي، فلا يقبل قوله حكماً، لكن إذا كانت المرأة -على كلام المؤلف- تريد الطلاق وقال: إنما أردت غم أهلي، قال المؤلف: (قبل حكماً)، ويدين فيما بينه وبين الله.

والأولى أن نقول: يدين فيما بينه وبين الله ولا يقبل حكماً، لأننا إذا قلنا: يقبل حكماً ففيه منازعة؛ ولهذا قال في الكافي: وإن قصد غم أهله فظاهر كلام أحمد أنه يقع؛ لأن ذلك لا ينافي الوقوع فيغم أهله بوقوع الطلاق بهم، وأما إذا قلنا: إن كتابة الطلاق من غير وجود قرائن الأحوال لا بد فيه من نية على مذهب الجمهور, فإنه لا بد أن يدين ويبين في ذلك، وهل يحلف؟ الحنابلة لا يرون الحلف في الطلاق فيما بينهم، وهو مذهب أبي حنيفة .

وذهب الشافعي رحمه الله و أبو يوسف إلى أنه له أن يحلف، وهذا أظهر، والله أعلم.

مدى وقوع الطلاق بالإشارة

قال المؤلف رحمه الله: [ويقع -أي: الطلاق- بإشارة الأخرس فقط].

قلنا: إنه لو قال الناس للرجل: هل طلقت امرأتك؟ فأشار برأسه أن نعم، ولم يتلفظ بقوله: نعم، فإنه لا يقع؛ لأن هذه إشارة, والإشارة لا تقبل إلا من الأخرس.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

وقفنا عند قول المؤلف: [وإن قال: علي الحرام إن نوى امرأته فظهار، وإلا فلغو].

الحنابلة يرون أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت علي حرام، فإنه يكون ظهاراً، ودليلهم في هذا: أن تحريم الرجل امرأته عليه بقوله: أنت علي كظهر أمي تشبيه لزوجته بأقربائه، فإذا لم يجز للزوج أن يأتي أقرباءه لحرمتهم فإن الزوجة تشبههم بالحرمة، فذلك مثلما لو قال لامرأته: أنت علي حرام، وهذا وجه جاء عن الحنابلة بجعل قوله لأهله: أنت علي حرام في منزلة الظهار.

والقول الآخر في المسألة، قالوا: إن الله سبحانه وتعالى قد وصف قول المظاهر بأنه منكر من القول وزور، ومن المعلوم أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت علي حرام، يعني: أنه حرم الحلال، ومن المعلوم أن تحريم الحلال لم يقصد به الاعتقاد إنما يقصد به الفعل، يعني: أنه لا يريد أن يأتيها، ففرق بين المظاهر وبين من قال لامرأته: أنت علي حرام.

ثم إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أكثر الصحابة وأجلهم، كـأبي بكر و عمر و عثمان و ابن مسعود و جابر و ابن عباس قد قالوا في الرجل إذا قال: علي الحرام، أو قال لامرأته: أنت علي حرام، فهو يمين يكفرها، وقد صح في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( إذا قال الرجل لامرأته: أنت علي حرام فهو يمين يكفرها، ولقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ) وقد اختلف أهل العلم في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1]، هل حرم النبي صلى الله عليه وسلم عليه أحد أزواجه، أم حرم عليه أحد إمائه، أم حرم عليه العسل، فأقول: وأيٍ كان من هذه الأقوال إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه، ومنع نفسه ما كان مباحاً، فإذا قال الرجل في العسل: هو علي حرام، يعني: لا أطعمه، وإذا قال لأهله: أنت علي حرام، يعني: لا أطؤك، وكلا الأمرين في المعنى سواء، لكنه لا يمكن أن يكون بمعنى: أنت علي كظهر أمي، فالأقرب والله أعلم أن الرجل إذا قال: أنت علي حرام فهو يمين يكفرها.

وهناك قول عند الحنابلة أنه إن نواه طلاقاً وقع طلاق، وهذا بعيد كما قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله؛ لأن الحرام لا يمكن أن يكون طلاقاً ولا يحتمله اللفظ؛ لأن الرجل لو طلق امرأته فإن الحنابلة يقولون: تقع طلقة واحدة، وبعضهم قال: ما لم ينوه أكثر، نقول: لا يمكن؛ لأن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق فلا تحرم عليه؛ ولهذا روي عن علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت علي حرام فهو طلاق بتة، يعني: ثلاثاً، فهو إما أن يقال: طلاق ثلاثاً، وإما ألا يقال: الطلاق ألبتة؛ لأن طلاق الرجل لامرأته لا يعد تحريماً، وله أن يأتي أهله بعد الطلقة الأولى والثانية أيضاً، وتعد رجعة.

على كل حال فالأقرب والله أعلم أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت علي حرام فإنه لا يخلو من حالين:

الأولى: إن قصد حثها أو حضها على الفعل فإنه يكون يميناً، ولعله أظهر، مثلما لو قال: إن خرجت فأنت طالق، فهو الحلف بالطلاق أو الحلف بالحرمة.

الثانية: إن قال ابتداءً: أنت علي حرام، فالراجح، والله أعلم أيضاً أنه يكون يميناً.

يقول المؤلف: (وإلا)، يعني: إن لم ينو امرأته بقوله: أنت علي حرام (فلغو)؛ لأنه ليس يميناً، وليس فيه لفظ اليمين، ولا لفظ الجلالة ولا صفة من صفاته، فصار لغواً، وهذا القول الأول.

والقول الآخر في المسألة: أنه يكون يميناً، وقولنا: إنه يكون يميناً، يعني: أنه يجري مجرى اليمين في اللزوم والكفارة، لا أنه يمين ابتداءً، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

قال المؤلف رحمه الله: [ومن طلق زوجة ثم قال لضرتها: شركتك أو أنت شريكتها أو مثلها وقع عليهما].

وهذا واضح، فإنه جعل الزوجة الثانية في حكم الزوجة الأولى، والزوجة الأولى طالق فهذا لفظ صريح، فقد جعل حكم الثانية مثل حكم الأولى، مثلما لو قال: لزوجتيه أنت طالق وأنت مثلها، فهكذا لو قال: أنت شريكتها فالحكم واحد، فهذا صريح لا يحتاج إلى نية.

الآن سوف نفصل كلام الحنابلة، نحن قلنا: إن الرجل إذا قال: علي الحرام لأفعلن كذا، أو علي الطلاق لتفعلن كذا أو لأفعلن كذا، وكان عنده نساء، فهذا في حكم اليمين، أما لو قال: علي الطلاق ابتداءً، فإنه يكون طلاقاً، أما الحنابلة فجعلوا الحكم واحداً على أنه طلاق؛ ولهذا قالوا: ولو قال: علي الطلاق منجزاً أو معلقاً أو محلوفاً به وقع واحدة، وقلنا: إن الراجح خلاف ذلك، لكننا سوف نمشي على كلام المؤلف، بعدما بينا القول الراجح.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب اللعان 2341 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الطلاق [1] 1958 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الحج [2] 1773 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الحج [3] 1761 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الطلاق [3] 1751 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الظهار 1397 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الحج [1] 1323 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الخلع وكتاب الطلاق 822 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الحج [4] 802 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الطلاق [4] 714 استماع