فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الخلع وكتاب الطلاق


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الخلع.

وشروطه سبعة:

الأول: أن يقع من زوج يصح طلاقه.

الثاني: أن يكون على عوض، ولو مجهولاً ممن يصح تبرعه من أجنبي وزوجة، لكن لو عضلها ظلماً لتختلع لم يصح.

الثالث: أن يقع منجزاً.

الرابع: أن يقع الخلع على جميع الزوجة.

الخامس: ألا يقع حيلة لإسقاط يمين الطلاق.

السادس: ألا يقع بلفظ الطلاق بل بصيغته الموضوعة له.

السابع: ألا ينوي به الطلاق.

فمتى توفرت الشروط كان فسخاً بائناً لا ينقص به عدد الطلاق.

وصيغته الصريحة لا تحتاج إلى نية وهي: خلعت وفسخت وفاديت، والكناية: باريتك وأبرأتك وأبنتك، فمع سؤال الخلع وبذل العوض يصح بلا نية، وإلا فلا بد منها ويصح بكل لغة من أهلها كالطلاق].

المراد بالخلع

قال المؤلف رحمه الله: (كتاب الخلع).

والخلع في اصطلاحهم: فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج منها أو من غيرها بألفاظ مخصوصة، وهذا على رأي الحنابلة والجمهور، وإن كان الأقرب -والله أعلم- أنه ليس في الخلع لفظ خاص، فمتى وجد العوض جاز وسمي خلعاً سواء كان بلفظ الطلاق أو بأي لفظ كان، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله، ونسبه إلى مذهب أحمد وقدماء أصحابه، ولا يلزم أن تدفع المرأة هذا العوض، بل يجوز من أجنبي ولو من غير رضاها كما سوف يأتي.

صفة الخلع في الكتاب والسنة

يباح الخلع لسوء العشرة فإذا كرهت الزوجة زوجها، وأرادت أن تدفع الصداق أو أزيد من ذلك أو أقل جاز ذلك.

قال أبو العباس بن تيمية : والخلع الذي جاء به الكتاب والسنة أن تكون المرأة كارهة زوجها، فتريد أن تدفع الصداق أو بعضه فتفتدي من نفسها، كما يفتدي الأسير فهذا الذي جاء به الكتاب والسنة، وأما إذا كان كل منهما مريداً لصاحبه فهذا الخلع محدث في الإسلام.

وهذا هو الخلع الذي جاء به الكتاب والسنة، وهو أمر ذهب إليه عامة أهل العلم خلافاً لبعضهم كما نقل عن بكر بن عبد الله المزني ، وإن كان هذا أمر معروف لدى أئمة الإسلام، إلا أن أهل العلم قالوا: يكره طلب الخلع من المرأة مع استقامة حال الزوجين، واستدلوا على ذلك بما رواه ابن ماجه وغيره كما في حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة )، وهذا الحديث أخرجه الخمسة إلا النسائي ، وبعض أهل العلم تكلم في إسناده، وإن كان الأقرب أن الحديث لا بأس به.

وهذا الحديث ظاهر في التحريم وليس في الكراهة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فحرام عليها رائحة الجنة )، وهذا هو الأظهر والله تبارك وتعالى أعلم.

مدى اشتراط استئذان المرأة زوجها في الخلع

يستحب للزوج إذا كرهته المرأة أن يجيب على طلبها، وهذا بناء على أنه لم يقصر في ذلك، ومسألة استحباب قبول الزوج مبنية عند الحنابلة على أن الخلع لا بد فيه من إذن صاحبه، وهو الزوج.

والقول الآخر في المسألة: إن الخلع حق للمرأة متى ما كرهت زوجها جاز لها ذلك من غير إذن الزوج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري وغيره: ( عندما جاءت امرأة ثابت وقالت: يا رسول الله! والله ما أعيب على ثابت من خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال: اقبل الحديقة وأمره أن يفارقها ) فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتردين حديقته؟ ) لم ينظر فيه إلى طلب وإلى رضا الزوج، وهذا القول أظهر، والله أعلم.

وأما حديث: ( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة )، فالمشهور في كتب الفقهاء أنهم يقولون: رواه البخاري في صحيحه، وهذا الحديث رواه البخاري نعم في صحيحه، لكنه ذكره على سبيل التضعيف، حيث أنه روى بعد ذلك من طريق خالد بن معدان مرسلاً وقال: وهو أظهر، فقوله: ( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) هذه رواية ضعيفة ضعفها البخاري في صحيحه.

قال المؤلف رحمه الله: (كتاب الخلع).

والخلع في اصطلاحهم: فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج منها أو من غيرها بألفاظ مخصوصة، وهذا على رأي الحنابلة والجمهور، وإن كان الأقرب -والله أعلم- أنه ليس في الخلع لفظ خاص، فمتى وجد العوض جاز وسمي خلعاً سواء كان بلفظ الطلاق أو بأي لفظ كان، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله، ونسبه إلى مذهب أحمد وقدماء أصحابه، ولا يلزم أن تدفع المرأة هذا العوض، بل يجوز من أجنبي ولو من غير رضاها كما سوف يأتي.

يباح الخلع لسوء العشرة فإذا كرهت الزوجة زوجها، وأرادت أن تدفع الصداق أو أزيد من ذلك أو أقل جاز ذلك.

قال أبو العباس بن تيمية : والخلع الذي جاء به الكتاب والسنة أن تكون المرأة كارهة زوجها، فتريد أن تدفع الصداق أو بعضه فتفتدي من نفسها، كما يفتدي الأسير فهذا الذي جاء به الكتاب والسنة، وأما إذا كان كل منهما مريداً لصاحبه فهذا الخلع محدث في الإسلام.

وهذا هو الخلع الذي جاء به الكتاب والسنة، وهو أمر ذهب إليه عامة أهل العلم خلافاً لبعضهم كما نقل عن بكر بن عبد الله المزني ، وإن كان هذا أمر معروف لدى أئمة الإسلام، إلا أن أهل العلم قالوا: يكره طلب الخلع من المرأة مع استقامة حال الزوجين، واستدلوا على ذلك بما رواه ابن ماجه وغيره كما في حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة )، وهذا الحديث أخرجه الخمسة إلا النسائي ، وبعض أهل العلم تكلم في إسناده، وإن كان الأقرب أن الحديث لا بأس به.

وهذا الحديث ظاهر في التحريم وليس في الكراهة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فحرام عليها رائحة الجنة )، وهذا هو الأظهر والله تبارك وتعالى أعلم.

يستحب للزوج إذا كرهته المرأة أن يجيب على طلبها، وهذا بناء على أنه لم يقصر في ذلك، ومسألة استحباب قبول الزوج مبنية عند الحنابلة على أن الخلع لا بد فيه من إذن صاحبه، وهو الزوج.

والقول الآخر في المسألة: إن الخلع حق للمرأة متى ما كرهت زوجها جاز لها ذلك من غير إذن الزوج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري وغيره: ( عندما جاءت امرأة ثابت وقالت: يا رسول الله! والله ما أعيب على ثابت من خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال: اقبل الحديقة وأمره أن يفارقها ) فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتردين حديقته؟ ) لم ينظر فيه إلى طلب وإلى رضا الزوج، وهذا القول أظهر، والله أعلم.

وأما حديث: ( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة )، فالمشهور في كتب الفقهاء أنهم يقولون: رواه البخاري في صحيحه، وهذا الحديث رواه البخاري نعم في صحيحه، لكنه ذكره على سبيل التضعيف، حيث أنه روى بعد ذلك من طريق خالد بن معدان مرسلاً وقال: وهو أظهر، فقوله: ( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) هذه رواية ضعيفة ضعفها البخاري في صحيحه.

قال المؤلف رحمه الله: (وشروطه سبعة) هذه الشروط بناءً على رأي المؤلف، وإن كان في بعض الشروط خلاف كما سوف يأتي بيانه.

الأول: أن يقع من زوج يصح طلاقه

قال المؤلف رحمه الله: (الأول: أن يقع من زوج يصح طلاقه).

فإذا وقع الخلع من زوج يصح طلاقه جاز؛ لأن الطلاق مجرد إسقاط من غير تحصيل عوض، فلا يجوز هذا الإسقاط مع تحصيل العوض للزوج من باب أولى، فالنكاح قيد أسقطه الطلاق، فهذا القيد أسقط من غير تحصيل عوض، فإذا كان الطلاق يصح من غير تحصيل عوض فلا يجوز هذا الإسقاط مع وجود الخلع من باب أولى؛ لأن الحنابلة كما سوف يأتي في المذهب عندهم أنه يصح طلاق الصبي المميز إذا كان يعقل الطلاق.

وذهب الجمهور من الأئمة الثلاثة وغيرهم إلى أن الطلاق لا يصح إلا من بالغ.

ولهذا جاء في شرح هذه الكلمة من المنار قالوا: سواء كان مسلماً أو ذمياً وهذا صحيح، حراً أو عبداً وهذا صحيح، وهو موافق لقول الأئمة الأربعة وغيرهم، كبيراً كان أو صغيراً يعقل؛ ولهذا قالوا: ولأن الطلاق مجرد إسقاط من غير تحصيل عوض، فيجوز هذا الإسقاط مع وجود العوض من باب أولى.

ولكننا نقول: هذا تعليل قوي، إلا أن هذا لا يلزم منه أن يكون الصبي المميز يصح خلعه؛ لأنه ربما لا يعلم، هذا بناءً على رأي الحنابلة: أن الخلع لا بد فيه من إذن الزوج.

وعلى القول الراجح فإن الخلع حق للزوجة، يجوز أن تعتاض بما تصدق به عليها في المهر، ولا ينظر فيه إلى إذن الزوج، وعلى هذا فيصح خلع الصبي ولو قلنا إن طلاقه لا يصح، فعلى هذا ليس كل من صح طلاقه صح خلعه، أو ليس كل من صح خلعه صح طلاقه، وأصح العبارتين الثانية: ليس كل من صح خلعه صح طلاقه، وإن كان كل من صح طلاقه صح خلعه؛ لأن الطلاق إسقاط من غير تحصيل عوض بخلاف الثاني، والله أعلم.

الثاني: أن يكون على عوض

قال المؤلف رحمه الله: (الشرط الثاني: أن يكون على عوض).

فإذا كان ثمة خلع من غير عوض فلا يصح؛ لقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، فعلق الشارع عدم الإثم وعدم الحرج في حال وجود العوض، وهذا القول نسبه أبو العباس إجماعاً، وإن كان في المسألة خلاف، ولكن هذا هو الراجح -والله أعلم- أنه لا يصح خلع إلا بوجود عوض من قبل الزوجة أو طرفها، لا بد لوجود خلع من عوض من جهة الزوجة أو منها.

هذا الخلع لا يلزم منه أن يكون معيناً؛ ولهذا قال المؤلف: (ولو مجهولاً) فلو قالت: خالعني بما معي من المال فقال: خالعتك، أو قالت: على ما بيدي فقال: خالعتك جاز، سواء كان ما بيدها كثيراً أم قليلاً، أو قال لها: خالعتك بما في حسابك لدى البنك الفلاني فقبلت، فإذا فيه عشرة ريالات صح الخلع، ولو قالت: خالعني بما لي من الوصية في وقفة من أوقافها التي لها جاز ذلك، لم؟ قال العلماء: لأن الخلع إبراء وإسقاط، والإبراء والإسقاط يجوز الاعتياض عنه لا على وجه المعاوضة، هذه فائدة مهمة.

كثيرون يظنون أن مجرد وجود المال يسمى معاوضة والأمر ليس كذلك، فلا يلزم من وجود المال أن يسمى الشيء معاوضة، فجائز أن يكون الصلح عن عدم ليس عن معاوضة، والنكاح فيه مال ولكن ليس هو معاوضة، فالقاعدة أن الإبراء والإسقاط يصح الاعتياض عنه لا على وجه المعاوضة، مثل ذلك في الصور المعاصرة: إذا كان إنسان له رقم من شركة الاتصالات مثلاً جاز أن يعتاض عن هذا الرقم ويعطيه شخصاً آخر، لم؟ لأن هذا إبراء وإسقاط على حقه بمال لا على وجه المعاوضة، فلا يقال لنا: لا يجوز؛ لأنك لا تملك هذا الرقم، نحن نقول: لم أبعه على أنه ملك لي، ولكني بعته لأن لي حق الانتفاع، فأسقطت حقي بعوض، فنقول: الإبراء والإسقاط يجوز الاعتياض عنه لا على وجه المعاوضة.

قول المؤلف: (أن يكون على عوض ولو مجهولاً ممن يصح تبرعه) لم قال المؤلف: (ممن يصح تبرعه؟) لأن العوض بذل مال، وبذل المال لا يصح إلا ممن يصح تبرعه، والذي يصح تبرعه هو المكلف غير المحجور عليه، فلو كانت المرأة تتعامل بالتجارة وحجر عليها وطلبت من الزوج أن يخالعها فقال: أخالعك في العمارة الفلانية فقبلت لا يصح خلعها؛ لأن المال الذي سوف تبذله محجور عليها؛ ولهذا قلنا: (ممن يصح تبرعه من أجنبي وزوجته)، فهذا يدل على ما ذكرناه في تعريف الحنابلة وهو: فراق الزوج من الزوجة أو من غيرها بألفاظ مخصوصة، فلا يلزم أن تدفع الزوجة العوض بل يصح من أجنبي.

قول المؤلف: (لكن لو عضلها ظلماً لتختلع لم يصح).

الظلم أنواع: أن يمنعها حقوقها حتى تفتدي فهذا ظلم، أو لا يعطيها حقها من المعاشرة ويجعلها كالمعلقة، فهذا ظلم، ويتركها حتى تفتدي من نفسها، تقول له: طلقني، فيقول: لا، أعطيني المهر، وهو ظالم لها لا يؤدي حقها، المؤلف يقول: لو عضلها لتختلع فخالعت لم يصح الخلع هذا ما ذهب المؤلف إليه؛ قالوا: لقوله تعالى: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19]، والقاعدة عند الحنابلة أن النهي يقتضي الفساد، وهذا منهي وهو فاسد، وعلى هذا فعقد الخلع فاسد، فيقولون: إن كان هذا الخلع المحرم بلفظ الطلاق صار طلاقاً وجاز لها مطالبة الزوج بالعوض، وإن كان بغير لفظ الطلاق كلفظ الخلع لم يزل عقد النكاح باقياً، هذا في مذهب الحنابلة هو العضل من قبل الزوج حتى تفتدي المرأة بنفسها إن كان بلفظ الطلاق صح طلاقاً وحرم على الزوج أخذ العوض، وإن كان بغير لفظ الطلاق كلفظ: فاديتك أو أبرأتك أو خالعتك صار لاغ وعقد النكاح بحاله، فلا يجوز لها أن تتزوج زوجاً آخر.

والقول الآخر في المسألة وهو قول لبعض الأصحاب قالوا: إذا كان الزوج قد عضل الزوجة حتى تفتدي من نفسها فيصح الخلع ويحرم أخذ العوض؛ لأنه يجوز للزوجة أن تطالب بالفسخ إذا منع الزوج الزوجة حقها فيثبت الخلع الذي هو الفسخ ويحرم أخذ العوض، وهذا القول أظهر، والله تبارك وتعالى أعلم.

الثالث: أن يقع منجزاً

قال المؤلف رحمه الله: (الثالث -أي: الشرط الثالث- أن يقع منجزاً).

يعني: يقع الخلع منجزاً، ومعنى منجزاً أي: غير معلق، فلو قال الزوج: إن بذلت لي ألف ريال خالعتك وإلا فلا، هذا خلع أم ليس بخلع؟ قالوا: هذا خلع ولكنه معلق، وعلى هذا قالوا: لا يصح التعليق في الخلع؛ لأن مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يصح التعليق في المعاوضات، والخلع فيه نوع معاوضة فلا يصح التعليق فيه، هذا دليل الحنابلة والجمهور.

وإذا قلنا بصحة التعليق في المعاوضات إذا كان فيه منفعة للطرفين أو أحدهما ولم يتضمن محرماً جاز وهو اختيار أبو العباس بن تيمية وتلميذه ابن القيم قلنا: جاز التعليق في عوض الخلع.

أعيد على عجل: مذهب الحنابلة وتبعهم على ذلك الجمهور قالوا: لا يصح أن يكون الخلع معلقاً بحيث يقول الزوج: إن بذلت لي ألف ريال أو مائة ألف ريال أو خمسين ألف ريال طلقتك، وإلا فلا طلاق بيننا، قالوا: هذا خلع لا يصح؛ لأنه لا يصح التعليق في عقود المعاوضات، فهكذا لا يصح التعليق في الخلع، وهذا مبني على أن عقود المعاوضات لا يصح التعليق فيها.

والراجح والله تبارك وتعالى أعلم أن التعليق في عقود المعاوضات إذا كان فيه منفعة للطرفين أو أحدهما، ولم يتضمن ما حرمه الله ورسوله جاز، وهذا اختيار ابن تيمية و ابن القيم وإن كنت أقول: إنه لا بد من قيد إذا كان ثمة وقت وزمن يمكن أن يصار إليه، يعني يقول: إن بذلت لي الخلع لمدة سنة أو شهر أو ستة أشهر، فلا بد من التحديد حتى لا يكون العقد ضرراً، وعلى هذا فهذا الشرط الراجح خلافه.

الرابع: أن يقع الخلع على جميع الزوجة

قال المؤلف رحمه الله: (الرابع: أن يقع الخلع على جميع الزوجة).

وهذا بناءً على القول الراجح يكون الرابع أم الثالث؟ يكون الثالث، يقول المؤلف: أن يقع على جميع الزوجة، فلو قال: خالعت يدك، أو رأسك أو رجلك، فإن الحنابلة يقولون: لا يصح؛ لأن الخلع فسخ، فلا يصح خلع جزء منها، ولو قيل بصحة خلع جزء لا ينفك عنها بالغالب إلا بموتها لجاز، مثل رأسك ونحو ذلك، وهذا القول ربما يكون أظهر.

وإن كان قول: خالعت يدك أو غيرها، إذا قصد الخلع الشرعي جاز أيضاً ولو قال: خالعت يدك، وقصد بالخلع الخلع المعروف عند الفقهاء جاز أيضاً؛ لأن هذا هو المراد، والله أعلم، وعلى هذا فهذا الشرط أيضاً لا يصح في القول الراجح.

الخامس: ألا يقع حيلة لإسقاط يمين الطلاق

قال المؤلف رحمه الله: (الخامس: ألا يقع حيلة لإسقاط يمين الطلاق)، أي: فراراً من وقوع الطلاق المعلق.

صورة المسألة: لو قال الرجل لزوجته: إن غربت الشمس فأنت طالق، فصلى الفجر ثم أتى إلى زوجته، وحصل بينهما شجار، فقال: إن غربت شمس هذا اليوم فأنت طالق، فذهبوا إلى فقيه صاحب حيل، فقال الزوج: أريدها، وقالت: أريده، فما الحيلة؟ قال: خالعها قبل غروب الشمس، فيقول: خالعتك بألف ريال، وتقول له: قبلت، وتعطيه ألف ريال فيقع الخلع، حتى إذا غربت شمس هذا اليوم وقع الطلاق على أجنبي، فخالعها بألف ريال، فدفعت له ألف ريال، والآن صارت منه أجنبية، ثم بعد وقوع هذا يراجعها أو يتزوجها، ومعلوم أن الخلع لا يحسب من عدد الطلاق.

هذا هو الذي قال به أبو العباس بن تيمية : وإن كان كل منهما مريداً لصاحبه فهذا محدث في الإسلام؛ ولهذا قال أبو العباس بن تيمية : إن هذا الخلع لا يصح؛ لأن القصد من الخلع هو فكاك عقد النكاح وإسقاطه؛ لأن المرأة كارهة للزوج، وهذا الخلع الذي هو حيلة لإسقاط الطلاق مناقض لمقصود الخلع، فهو حيلة لإبقاء النكاح لا إلى إسقاطه، وكل ما كان مخالفاً لمقصود العقد فهو باطل هذا هو مذهب الحنابلة، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية .

في الشرح قال المؤلف: واختار ابن القيم في إعلام الموقعين أنه يحرم ويصح، أي: يقع ولكنه يأثم، قال: ونصره من عشرة أوجه، الذي وجدته في إعلام الموقعين لـابن القيم رحمه الله أنه نصر قول شيخه، وأيده بالنصر، وقال رحمه الله: ولم يقع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أصحابه قط خلع حيلة، ولا في زمن التابعين ولا تابعيهم، ولا نص عليه أحد من الأئمة الأربعة، وجعله طريقاً للتخلص من الحنث، ثم قال: والله تعالى لا يشرع عقداً لا يقصد واحداً من المتعاقدين حقيقته، وإنما يقصدان به ضد ما شرعه الله له فإنه شرع الخلع لتخلص المرأة من الرجل، والمتحيل يفعله لبقاء النكاح، فالشارع شرعه لقطع النكاح والمتحيل يفعله لدوام النكاح، فهذا نص من ابن القيم على أن خلع الحيلة لا يصح لإبطال الطلاق.

نعم ذكر ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين، هذا الكلام في المجلد الثالث صفحة مائتين وثمانية عشرة، وقال رحمه الله في صفحة ثلاثمائة وخمسة وتسعين: حيلة بالجواز نقل عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة ولها صور جوزها، لكنه ليس فيه إلا يمين الطلاق، يقول: إن لم تخالعيني فأنت طالق، وقالت هي: إن لم أخالعك فملكي ليس لي بل هو حرام، أو كلمة نحوها، فذهب الزوج إلى أبي حنيفة فقال أبو حنيفة : احضر زوجتك فحضرا جميعاً، فقال أبو حنيفة : قولي: خالعتك بمائة ألف، فقالت: خالعتك بمائة ألف، قال: قل لا أقبل، فقال الرجل: لا أقبل، قال: قم، الزوجة زوجتك، وأنتما في عقدكما.

هو قال: إن لم تخالعيني أليس كذلك؟ ولو قال: إن لم أخالعك فأنت طالق هذا شيء آخر، فقال: إن لم تخالعيني، قالت: خالعتك، فرفض الزوج، فوجد منها الخلع، ولكنه لم يقبل وانتهى هذا اليمين، هذا صحيح، لكنه ليس بمثل صورتنا نحن ألا يقع حيلة بإسقاط يمين الطلاق، وهو فرار من الطلاق المعلق على مستقبل كما ذكره أبو العباس بن تيمية .

السادس: ألا يقع بلفظ الطلاق

قال المؤلف رحمه الله: (السادس: ألا يقع بلفظ الطلاق بل بصيغته الموضوعة له).

وهذا بناءً على أن الخلع لو كان بلفظ الطلاق صار طلاقاً، والراجح والله أعلم، وهو مذهب أحمد وقدماء أصحابه، وهو المنقول عن ابن عباس وأصحابه، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الخلع يصح ما دام فيه عوض بأي لفظ كان سواء كان بلفظ الطلاق أم كان بغير لفظ الطلاق، ولا يحسب به عدد الطلاق، خلافاً للحنابلة.

السابع: ألا ينوي به الطلاق

قال المؤلف رحمه الله: (السابع: ألا ينوي به الطلاق).

وعلى هذا فلو كان بلفظ الطلاق أو نيته صار طلاقاً رجعياً أو بائناً على حسب ما يكون هذا الخلع الذي هو بلفظ الطلاق هو رقم ثلاثة من الطلاق أم كان هو الأول أو الثاني فيكون رجعياً، وعلى القول الراجح أن الخلع ولو كان بلفظ الطلاق ما دام العوض موجوداً صار خلعاً وافتداءً، وعلى هذا فالشرط السابع والشرط السادس والشرط الثالث والشرط الرابع الراجح خلافه، فعلى هذا الشروط الصحيحة ثلاثة: الشرط الأول: أن يقع من زوج يصح طلاقه، والثاني: أن يكون على عوض ولو مجهولاً، والثالث: ألا يقع حيلة لإسقاط الطلاق.

قال المؤلف رحمه الله: (الأول: أن يقع من زوج يصح طلاقه).

فإذا وقع الخلع من زوج يصح طلاقه جاز؛ لأن الطلاق مجرد إسقاط من غير تحصيل عوض، فلا يجوز هذا الإسقاط مع تحصيل العوض للزوج من باب أولى، فالنكاح قيد أسقطه الطلاق، فهذا القيد أسقط من غير تحصيل عوض، فإذا كان الطلاق يصح من غير تحصيل عوض فلا يجوز هذا الإسقاط مع وجود الخلع من باب أولى؛ لأن الحنابلة كما سوف يأتي في المذهب عندهم أنه يصح طلاق الصبي المميز إذا كان يعقل الطلاق.

وذهب الجمهور من الأئمة الثلاثة وغيرهم إلى أن الطلاق لا يصح إلا من بالغ.

ولهذا جاء في شرح هذه الكلمة من المنار قالوا: سواء كان مسلماً أو ذمياً وهذا صحيح، حراً أو عبداً وهذا صحيح، وهو موافق لقول الأئمة الأربعة وغيرهم، كبيراً كان أو صغيراً يعقل؛ ولهذا قالوا: ولأن الطلاق مجرد إسقاط من غير تحصيل عوض، فيجوز هذا الإسقاط مع وجود العوض من باب أولى.

ولكننا نقول: هذا تعليل قوي، إلا أن هذا لا يلزم منه أن يكون الصبي المميز يصح خلعه؛ لأنه ربما لا يعلم، هذا بناءً على رأي الحنابلة: أن الخلع لا بد فيه من إذن الزوج.

وعلى القول الراجح فإن الخلع حق للزوجة، يجوز أن تعتاض بما تصدق به عليها في المهر، ولا ينظر فيه إلى إذن الزوج، وعلى هذا فيصح خلع الصبي ولو قلنا إن طلاقه لا يصح، فعلى هذا ليس كل من صح طلاقه صح خلعه، أو ليس كل من صح خلعه صح طلاقه، وأصح العبارتين الثانية: ليس كل من صح خلعه صح طلاقه، وإن كان كل من صح طلاقه صح خلعه؛ لأن الطلاق إسقاط من غير تحصيل عوض بخلاف الثاني، والله أعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب اللعان 2342 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الطلاق [1] 1961 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الطلاق [2] 1899 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الحج [2] 1774 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الحج [3] 1763 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الطلاق [3] 1753 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الظهار 1398 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الحج [1] 1328 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الحج [4] 804 استماع
فقه الأسرة - كتاب دليل الطالب - كتاب الطلاق [4] 716 استماع