أسماء الله الحسنى - الخالق والخلاق


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

الاسمان الخامس عشر والسادس عشر من أسماء ربنا الحسنى: الخالق والخلاق.

أما الخالق فقد ورد في أحد عشر موضعاً من القرآن الكريم, ومنها الآيات التي في خواتيم سورة الحشر: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ المُصَوِّرُ[الحشر:23-24].

وكما في قوله تعالى: فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ[المؤمنون:14].

وفي قوله سبحانه: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ[الواقعة:58-59].

وأما الخلاق فقد ورد مرتين في قول الله عز وجل في سورة الحجر: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ[الحجر:86].

وفي خواتيم سورة ياسين: بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ[يس:81].

الخالق والخلاق معناهما واحد, لكن الخلاق مبالغة تدل على كثرة خلقه وإنشائه وإيجاده جل جلاله.

أيها الإخوة الكرام! الخلق وصف وصف به رب العالمين جل جلاله، وكذلك وصف به الناس, كما في قول الله عز وجل على لسان عيسى عليه السلام: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ المَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ[آل عمران:49], وكذلك في قول الله عز وجل: وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا[العنكبوت:17] لكن المعنى مختلف, فإذا قلنا بأن الله عز وجل خالق, وأن الله عز وجل يخلق, فمعناه أنه جل جلاله ينشئ ويخترع ويوجد على غير مثال سابق, أو على مثال لم يسبق إليه؛ ولذلك الله عز وجل قال: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ[الزمر:6].

وأما بالنسبة للمخلوق فيوصف بأنه يخلق ولكن يراد به وجهان: الكذب، والتقدير.

فالكذب، كما في قول الله عز وجل: وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا[العنكبوت:17], (تخلقون) بمعنى: تختلقون، أي: الكذب.

وبمعنى: التقدير، كما في قول المسيح عليه السلام: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ[آل عمران:49], أخلق. أي: أقدر وأشكل, وليس معنى ذلك أنه يوجد شيئاً من العدم, فالإيجاد من العدم ليس إلا لله عز وجل، فهو سبحانه وتعالى يوجد ويبدع ويخترع, قال سبحانه: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا[الفرقان:2]، وقال أيضاً: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[القمر:49]، وقال أيضاً: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ[الأنبياء:104].

قد حدثنا ربنا جل جلاله في القرآن الكريم عن مخلوقاته, وكيف أنه أبدعها؟ فحدثنا عن خلق السموات والأرض, وعن خلق الإنسان, وعن خلق الدواب والأنعام, وعن خلق الأفلاك والشمس والقمر, يقول الله عز وجل عن خلق السموات والأرض: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ[الأنعام:73] وقال سبحانه: اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ[الطلاق:12] وقال جل جلاله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ[الأعراف:54], وهناك آيات كثيرة تتحدث عن خلق السموات والأرض.

ويبين ربنا أن الذي خلق السموات والأرض على عظمها وسعتها قادر على خلق هذا الإنسان الضعيف المحدود, قال سبحانه: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[غافر:57].

ويحدثنا القرآن كذلك عن خلق الليل والنهار, والشمس والقمر قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ[الأنبياء:33]، وقال أيضاً: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[فصلت:37].

وحدثنا الله سبحانه وتعالى عن خلق الدواب فقال: وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ[النحل:5-6] إلى أن قال: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ[النحل:8] .

وقال أيضاً: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ[يس:71-72].

وحدثنا عن خلق الموت والحياة فقال: الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا[الملك:2].

وحدثنا عن خلق الإنسان وكيف أنه انتقل من طور إلى طور فقال سبحانه: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا[نوح:13-14].

وقال أيضاً: خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ[النحل:4] .

وقال أيضاً: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى[غافر:67] .

وقال سبحانه: خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ[الرحمن:3-4] .

وقال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ[الأنعام:2] .

وقال جل وعلا: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ[الحجر:26]، وقال أيضاً: خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ[الرحمن:14] .

وقال أيضاً: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ[الروم:20].

والحديث عن الأطوار قد ذكر مرة من تراب, ومرة من طين, ومرة من صلصال من حمأ مسنون, ومرة من صلصال كالفخار, ومرة من نطفة, ولا تعارض بين هذه الآيات, فالله عز وجل يبين الأطوار التي مر بها هذا الإنسان, وجماع ذلك قول ربنا: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ[السجدة:7-9].

وكذلك يحدثنا ربنا عن أطوار هذا الإنسان وهو في رحم أمه فيتول: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ[المؤمنون:13-14].

ويبين ربنا أيضاً الأطوار التي يمر بها هذا الإنسان في مراحل عمره فيقول: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ[الروم:54].

أيها الإخوة الكرام! نحن نؤمن بأن ربنا خالق وأن ربنا خلاق جل جلاله, وأنه خالق كل شيء, وأنه لا خالق سواه, خالق الإنسان وخالق عمله: وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ[الصافات:96].

ما هي آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين (الخالق والخلاق)؟

أولاً: الإيمان بوحدانيته وألوهيته جل جلاله, وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده, وكل ما عبد سواه فهو معبود بباطل.

فإذا كنت موقناً أيها الإنسان! بأن الله تعالى هو الذي خلقك ولا خالق غيره, فمن العيب أن تصرف عبادة لأحد سواه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ[البقرة:21]؛ لأنه خلقكم فاعبدوه جل جلاله.

قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56] .

وقال أيضاً: ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ[الأنعام:102].

وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: ( يا عبادي! إني ما خلقتكم لأستكثر بكم من قلة, ولا لأستأنس بكم من وحشة, ولا لأستعين بكم على أمر قد عجزت عنه, ولكني خلقتكم لتعبدوني طويلاً, وتذكروني كثيراً, وتسبحوني بكرة وأصيلاً ). فهذه الغاية التي من أجلها خلقت أيها الإنسان!

ثانياً: ينبغي أن تتأمل في مخلوقات الله عز وجل, كيف عددها ونوعها وكثرتها؟ من ذا الذي يحيط بأسرارها؟ من ذا الذي يحصي أعدادها؟ من الذي يدركها كلها؟

قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ[النحل:10-13].

ثالثاً: ينبغي للعاقل أن يستدل بخلق الله تعالى على نفي الربوبية عمن سواه كما قال تعالى: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ[يونس:34].

وقال سبحانه: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[الرعد:16].

وقال أيضاً: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ[الأعراف:191].

وقال أيضاً: أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ[النحل:21].

رابعاً: ينبغي أن تستدل بالخلق على البعث, فإن الله الذي خلقك أولاً قادر على أن يعيدك ثانياً, قال الله عز وجل: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ[يس:78-79] .

وقال الله سبحانه: وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا[مريم:66-67], وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27]، وقال سبحانه: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ[الأنبياء:104].

خامساً: ينبغي لك أن تستدل بالخلق على صفات الخالق, وأنه حي قدير عليم سميع بصير متكلم مريد جل جلاله, فتستدل بالخلق على العلم, فهذه المخلوقات التي تسير على ناموس واحد لا يتخلف خالقها عليم, خالقها قدير, خالقها سميع بصير، قال سبحانه: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ[المؤمنون:115] .

وقال: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ[الأنبياء:16] .

وقال أيضاً: مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ[الدخان:39].

ثم إن الخلق دليل على القدرة؛ ولذلك ربنا جل جلاله قال لعبده زكريا بعدما بلغ من الكبر عتياً, واشتعل الرأس شيباً، قال: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا[مريم:7], ثم كأن زكريا عليه السلام استبعد واستكثر, فالله عز وجل قال له: قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا[مريم:9].

ولما استبعدت مريم أن يكون لها مولود من غير زواج قال الله عز وجل: قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا[مريم:21].

ولذلك من قدرته وعلمه جل جلاله أنه يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ))[الشورى:49-50].

أسأل الله أن يرزقنا العلم النافع، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
أسماء الله الحسنى - الفتاح 2429 استماع
أسماء الله الحسنى - القاهر والقهار 2146 استماع
أسماء الله الحسنى - الرحمن الرحيم 2122 استماع
أسماء الله الحسنى - العزيز 2026 استماع
أسماء الله الحسنى - الاسم العلم الله 1998 استماع
أسماء الله الحسنى - الحكم والحاكم والحكيم 1990 استماع
أسماء الله الحسنى - السميع 1982 استماع
أسماء الله الحسنى - اللطيف 1960 استماع
أسماء الله الحسنى - القدوس 1936 استماع
أسماء الله الحسنى - الرازق والرزاق 1750 استماع