أسماء الله الحسنى - العزيز


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين!

الاسم الحادي عشر من أسماء ربنا الحسنى جل جلاله (العزيز), وهذا الاسم المبارك ورد في القرآن اثنتين وتسعين مرة, مقروناً بأسماء أخرى, فتارة يقرن باسم الله الحكيم، قال تعالى: وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[البقرة:260], وتارة باسم الله العليم، قال تعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[غافر:2]، وتارة باسم الله الرحيم، قال تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ[الشعراء:9], وتارة بالغفور، قال تعالى: إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ[فاطر:28], وتارة بالغفار، قال تعالى: رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ[ص:66], وتارة بالقهار، قال تعالى: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ[ص:9], وتارة بالمقتدر، قال سبحانه: كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ[القمر:42], وقال الله عز وجل: وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ[آل عمران:4].

وهذا الاسم مأخوذ من العزة, والعزة هي الغلبة, فالله عزيز أي: منيع لا يغلب ولا يقهر جل جلاله, فهو عزيز في نقمته إذا انتقم, عزيز في قهره إذا قهر, لا ينال ولا يغالب ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

له العزة كلها: عزة القوة, وعزة المنعة, وعزة الغلبة, وقد امتنع أن يناله أحد من المخلوقات, ودانت له جميع الموجودات لعظمته جل جلاله, وخضعت لجبروته.

إذا كنا نؤمن بهذا الاسم الحسن فمن لوازم إيماننا به أن نوحده, وأن نفرده بالعبادة, إذ الشركة تنافي كمال العزة, لو كان لله شريك لما كانت عزته كاملة جل جلاله، قال سبحانه: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[الروم:40].

ومن لوازم الإيمان بأنه عزيز: تبرئته جل جلاله من كل نقص, وتبرئته من كل عيب, وتنزيهه عن كل سوء, والإيمان بهذا الاسم يعطي المسلم شجاعة وثقة به جل جلاله, فهو يؤمن برب لا يمانع ولا يغالب ولا يرد أمره, ما شاء الله كان, وإن لم يشأ الناس, وما لم يشأ الله لم يكن وإن شاء الناس، قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[التكوير:29].

ومصداق هذا في القرآن: قصة موسى عليه السلام مع فرعون، فموسى عليه السلام رجل واحد, يقف أمام هذا الجبار العنيد الفاجر الذي كان يقول: أنا ربكم الأعلى, يقف أمامه يناظره, ويحاججه ويرد عليه كلمة بكلمة في أدب جم, وخلق عالٍ مع إقرار لتوحيد الله رب العالمين, لماذا؟

لأنه يعلم أن الله عز وجل معه, وهو العزيز الذي لا يغلب، قال تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه:46], فلما أظهر موسى عليه السلام ضعفه أمام رب العالمين قال الله عز وجل: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه:46].

وكذلك نبي الله يوسف عليه السلام, يتآمر عليه إخوانه وتتآمر عليه امرأة العزيز, ثم يتآمر عليه النسوة اللائي قطعن أيديهن, وهو في هذا كله ثابت كالطود الشامخ؛ لأنه مؤمن بهذا الرب العزيز.

وكذلك قصة عيسى عليه السلام مع اليهود, فقد تآمروا عليه ومكروا به, لكنه عليه الصلاة والسلام ما قصر في دعوته إلى أن رفعه الله إليه قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[النساء:157-158].

وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تتآمر عليه الدنيا كلها, ويسخر منه كفار قريش, وهو عليه الصلاة والسلام ثابت القدم على الدين, رابط الجأش, ( يطوف بالكعبة فيغمزه المشركون بكلمة فيعرض عنهم, ثم يطوف ثانية فيغمزونه بكلمة فيعرض عنهم, ثم غمزوه الثالثة فالتفت إليهم وقال: تعلمون معشر قريش! لقد جئتكم بالذبح, فصار القوم وقد ألقى الله الرعب في قلوبهم كل يقول له: انصرف أبا القاسم والله ما كنت جهولاً ).

إن العزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله, فالعزة من الله وحده، قال تعالى: قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[آل عمران:26], فمن طلب العزة من غير الله فقد ضل ضلالاً مبيناً.

وهذا شأن المنافقين, فالمنافقون يطلبون العزة من الكافرين, قال الله عز وجل: بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا[النساء:138-139], فهؤلاء المنافقون يزيدهم الله عز وجل ذلاً كلما ازدادوا بالكفار تشبثاً.

لو نظرنا في القرآن نجد دائماً أن اسم الله (العزيز) يقرن باسمه الرحيم: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ[الشعراء:9], وتارة يقرن باسم الله الحكيم: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[المائدة:118], فتذكر عزته جل جلاله وبطشه وقوته مع ذكر رحمته وذكر حكمته, ولا تتنافى مع الرحمة والحكمة, فهو رحيم بلا ذل, وعزته محكومة بحكمته وعدله جل جلاله.

إذا أردت أن تكون عزيزاً فعود نفسك على العفو عمن أساء إليك, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة أقسم عليهن ), وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ( ما نقص مال من صدقة, وما ظلم عبد مظلمة فعفا إلا زاده الله بها عزاً, وما تواضع أحداً لله إلا رفعه الله ).

والقرآن الكريم سماه الله عز وجل عزيزاً, فكما سماه مهيمناً سماه كذلك عزيزاً، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[فصلت:41-42].

قال قتادة رحمه الله: أعزه الله؛ لأنه كلامه وحفظه من الباطل.

أسأل الله أن يزيدنا إيماناً! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة الكرام! من مظاهر عزة ربنا جل جلاله: إحياء الموتى, فالميت بعدما فارقت روحه جسده, وبعدما صار رميماً, فالله عز وجل يحييه لينال جزاءه يوم القيامة؛ ولذلك إبراهيم عليه السلام لما قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ[البقرة:260], أي: أربعة مختلفات: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ[البقرة:260], أي اذبحهن وانتف ريشهن وقطعهن واخلط أجزاءهن: ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[البقرة:260], فمن عزته جل جلاله أنه يحيي الموتى.

من عزته جل جلاله أنه أوحى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأخبار الماضين, وقصص الغابرين، قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[آل عمران:62].

ومن عزته أنه أرسل الرسل ليقطع حجة الناس، قال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[النساء:165].

ومن عزته أنه أوجب العقوبات, تنكيلاً بالعصاة والمجرمين، قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[المائدة:38].

ومن عزته جل جلاله تقليب الليل والنهار, وفلق الصبح من الليل، قال تعالى: إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[الأنعام:95-96].

ومن عزته أنه منفرد بالملك والملكوت جل جلاله, لا شريك له ولا منازع ولا نظير ولا معاون، قال تعالى: قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[سبأ:27].

ومن عزته جل جلاله أنه قهر العباد بالموت, ما من كبير ولا أمير ولا غني ولا ملك إلا وقد قهره رب العالمين بالموت، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ[الملك:2].