أسماء الله الحسنى - الكبير والمتكبر


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع المرسلين.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين!

اسمان من أسماء ربنا الحسنى: الثالث عشر والرابع عشر: الكبير والمتكبر.

الله جل جلاله سمى نفسه: (المتكبر)، وورد هذا الاسم في موضع واحد من القرآن في خواتيم سورة الحشر، قال تعالى: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ[الحشر:23].

وسمى نفسه بـ(الكبير) جل جلاله، وقد جاء هذا الاسم في ستة مواضع من القرآن الكريم، كقول ربنا جل جلاله: الْكَبِيرُ المُتَعَالِ[الرعد:9]، وقوله سبحانه: فَالْحُكْمُ للهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ[غافر:12]، وقوله: وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ[الحج:62]، وقوله أيضاً: قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ[سبأ:23].

أيها الإخوة الكرام! إذا آمنا بأن الله عز وجل كبير, وبأنه متكبر فإن لهذا الإيمان آثار:

الإيقان بأن الله تعالى أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته

أولاً: أن نوقن بأن الله عز وجل أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته, وأكبر من أن نحيط به علماً, وينبغي أن نقطع الأطماع عن الإحاطة به جل جلاله, كما قال سبحانه: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الأنعام:103], وكما قال سبحانه: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا[طه:110]، وقال أيضاً: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ[البقرة:255], فهو أكبر جل جلاله من أن نعرف ذاته أو أن نعرف كيفية صفاته.

التكبر لا يليق إلا بالله تعالى وحده

ثانياً: ينبغي أن نعلم أن التكبر لا يليق إلا به جل جلاله, فما ينبغي لك يا ابن آدم! أن تتكبر قط, مهما أوتيت من جاه أو من مال، أو من علم أو من حسب، أو من قوة أو من عشيرة وأنصار, أو من جمال أو غير ذلك من الأسباب التي تدفع إلى الكبر, فإنما أنا عبد وأنت عبد, وصفة العبد: التذلل والخشوع والخضوع والتواضع, وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: ( ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ).

وبالمقابل من يتكبر فالله عز وجل يضعه؛ ولذلك قال القائل:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تكن كالدخان يرفع نفسه إلى طبقات الجو وهو وضيع

يعني الآن لو نظرت في صفحة الماء ترى النجم, ولكن النجم رفيع عال, وبالمقابل الدخان يرفع نفسه في طبقات الجو, لكنه في نهاية الأمر دخان, عما قليل يتبخر, وقال الآخر:

يا مظهر الكبر إعجاباً بصورته انظر خلاك فإن النتن تثريب

لو فكر الناس فيما في بطونهم ما استشعر الكبر شبان ولا شيب

ولذلك تجدون أعلم الناس وأفضل الناس وسيد الناس محمد صلى الله عليه وسلم كان أعظم الناس تواضعاً, وكان من تواضعه عليه الصلاة والسلام أنه ينهى أصحابه عن القيام له: ( لا تقوموا كما تقوم الأعاجم لملوكها ).

وكان من تواضعه أنه يدخل السوق ويحمل متاعه بنفسه ويركب الحمار ويردف خلفه, ويسلم على الصبيان, ويجيب دعوة من دعاه صلوات ربي وسلامه عليه, ولربما تستوقفه المرأة العجوز في بعض طرق المدينة فتقول: يا رسول الله! إن لي إليك حاجة، فيقول لها: ( يا أم فلان! انظري أي طرق المدينة شئت أذهب معك حتى أقضي حاجتك ).

ولذلك الله جل جلاله وعد المتكبرين بأشد العذاب يوم القيامة: فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ[الأحقاف:20], واستكبارهم أعظمه التكبر على الله عز وجل، قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ[الصافات:35], كانوا يستكبرون على هذه الكلمة ويقولون: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ[ص:5]، وقال تعالى: أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ[الجاثية:31], فكان جزاؤهم الطبع على قلوبهم، كما قال تعالى: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ[غافر:35].

عواقب من تكبر على الله وعلى عباد الله

ثالثاً: من آثار الإيمان بهذين الاسمين العظيمين الجليلين: أن نوقن أنه ما من متكبر ولا طاغية على وجه الأرض تكبر على الله وتكبر على عباد الله إلا وسيقسمه الله عز وجل, وسيأخذه أخذ عزيز مقتدر في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى, قال الله عز وجل: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ[فصلت:15].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس ).

ومن أعظم عواقب الكبر -والعياذ بالله-: أنه يصد عن اتباع الحق, فالمتكبر يرى الحق رأي العين, يراه بعينه ويسمعه بأذنه, ولربما يلمسه بيده ومع ذلك يعرض عنه, قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ[غافر:56] حملهم على الجدال التكبر والعياذ بالله.

وقال نبي الله نوح عليه السلام مخاطباً ربه: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا[نوح:7], وقال تعالى عن الوليد بن المغيرة طاغية بني مخزوم: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا[المدثر:11-17].

قال المفسرون: يكلف صعود جبل في نار جهنم -والعياذ بالله- كلما بلغ قمته هوى إلى قعره, والسبب هو كما قال الله عز وجل: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ[المدثر:18-24], أيقن أن القرآن لا يمكن أن يكون كلاماً لبشر, ومع ذلك منعه الكبر والعياذ بالله.

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ[الأعراف:40].

أيضاً من عواقب الكبر: أنه يمنع من السؤال, يمنع من طلب العلم, فتجد المتكبر يجهل قضايا هو مسئول عنها, والله عز وجل سيحاسبه عليها, وربما لا يحسن الطهارة, وربما لا يحسن الصلاة, وربما لا يقيم لسانه بفاتحة الكتاب, ويمنعه الكبر من أن يسأل ومن أن يتعلم، قال الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ[الحج:8-9], وهو مع جهله يريد أن يجادل وأن يتكلم: لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[الحج:9-10].

قال القائل:

ليس العمى طول السؤال وإنما تمام العمى طول السكوت على الجهل

ولذلك لم يزل سلفنا رحمهم الله يذمون من اتصف بهذه الصفة التي ينبغي أن تكون لله عز وجل وحده, فهو الكبير المتكبر، ومن ذلك أنهم قالوا: من أعجب برأيه ضل, ومن استغنى بعقله زل, ومن تكبر على الناس ذل, ومن خالط الأنذال حقر, ومن جالس العلماء وقر.

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: التواضع أن تخضع للحق وتنقاد له ممن سمعت, ولو كان من صبي قبلته منه, ولو كان من أجهل الناس قبلته منه.

وقال سعيد بن جبير رحمه الله: لا يزال الرجل عالماً ما طلب العلم, فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون, وأبلغ من ذلك أن الشافعي رحمه الله الذي ملأ طباق الأرض علماً يقول تلميذه الحميدي رحمه الله: صحبت الشافعي من مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه المسائل ويستفيد مني الحديث, فالإمام الشافعي يستفيد من تلميذه الحميدي، وكان يقول لتلميذه الآخر الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله، يقول له: أنتم أعلم بالحديث مني, فإذا بلغك حديث فأعلمنيه لأكتبه. فهكذا تواضع العلماء.

نسأل الله أن يرزقنا هذا الخلق الكريم! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أولاً: أن نوقن بأن الله عز وجل أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته, وأكبر من أن نحيط به علماً, وينبغي أن نقطع الأطماع عن الإحاطة به جل جلاله, كما قال سبحانه: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الأنعام:103], وكما قال سبحانه: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا[طه:110]، وقال أيضاً: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ[البقرة:255], فهو أكبر جل جلاله من أن نعرف ذاته أو أن نعرف كيفية صفاته.