فتاوى نور على الدرب [522]


الحلقة مفرغة

السؤال: نحن مجموعة من الشابات المسلمات من جنسيات مختلفة نعمل بإحدى الدول الخليجية معلمات وطبيبات والدولة توفر سكناً جماعياً للمعلمات العازبات، علماً بأن السفر من وإلى الدولة هذه بالطائرة، فهل نعتبر مخالفات لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً فوق ثلاث ليال من غير ذي محرم )؟ وهل المال الذي نجمعه يعتبر مالاً حراماً؟ وما حكم الشرع في سفرنا وإقامتنا من غير محرم لمدة عام في جماعة من النسوة المسلمات؟

الجواب: من المعلوم أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: ( لا تسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرم )، ولم يقيده بثلاث، والتقييد اختلف مقداره، فبعضه يومٌ وليلة وبعضه ثلاثة أيام؛ ولهذا اعتبر العلماء رحمهم الله أن السفر مطلق، فكل ما يسمى سفراً فإنه لا يجوز للمرأة أن تقوم به إلا مع محرم، ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم )، وفي حديث ابن عباس الذي ذكرته قال: ( فقال رجلٌ: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك )، فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدع الغزو وأن يخرج مع امرأته يحج معها، وهذا دليلٌ على تأكد المحرم، وفي هذا الحديث لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل، أي: لم يقل له: هل مع زوجتك نساء؟ هل هي آمنة أو غير آمنة؟ هل هي شابة أم عجوز؟ كل ذلك لم يكن، فدل على أن الأمر عام، وأن الحكم لا يختص بحالٍ دون حال، وأنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم.

أما ما ذكر في السؤال من أنهن نساءٌ من أجناسٍ شتى حضرن إلى إحدى الدول الخليجية للتعليم والطب وغير ذلك، فإن هذا الأمر كما قلن في صدر السؤال: إنهن حائرات، فأنا أيضاً حائرٌ فيه، ولا أفتي فيه بشيء، والله أعلم.

السؤال: ما حكم بيع عملة بعملة أخرى بالأجل؟

الجواب: بيع عملة بعملةٍ أخرى مع التأجيل لا يجوز على القول الذي أختاره، ومن المعلوم أن هذه العملات الورقية لم تخرج قديماً وإنما خرجت حديثاً؛ ولهذا اختلف العلماء في حكمها حتى أوصلها بعض العلماء إلى ستة أقوال، وأختار منها أنا أنه لا يجوز فيها النسيئة ويجوز فيها الفضل، بمعنى أنه لا يجوز أن أبدل ديناراً بدولار مع التأجيل، سواءٌ كان ذلك مؤجلاً أو تأخر القبض وهو غير مؤجل، فإذا أردت أن أبيع دولاراتٍ بدنانير وجب أن آخذ الدولارات وأسلم الدنانير في المجلس بدون تأخير، وهكذا أيضاً لو أردت أن أبيع الدولار بريالات سعودية فإنه لا بد من أخذ العوض في المجلس يداً بيد، أما الزيادة والنقصان فليس بحرام؛ وذلك لاختلاف الجنس، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد )، واختلاف الجنس يكون باختلاف الدولة المصدرة لهذا النقد، وباختلاف المادة التي صنع منها هذا النقد.

وبناءً على ذلك؛ فإذا صرف الإنسان عشرة ريالات سعودية من الورق بتسعة ريالات سعودية من المعدن فإن ذلك لا بأس به، لكن لا بد أن يكون يداً بيد.

وخلاصة الجواب: أن هذه الأوراق النقدية يجري فيها ربا النسيئة بمعنى أنه يحرم تأخير القبض من الجانبين أو من أحدهما عن مجلس العقد، وأما ربا الفضل فليس بحرام؛ لاختلاف الجنس، فتجوز الزيادة والنقصان، ولا حرج في هذا، وعليه فإذا أبدلت عملة بعملة أخرى على وجه التأجيل فإن ذلك حرام لا يجوز، أو صرفت عملة بعملة أخرى على وجهٍ حال لكن لم يقبض العوضان في المجلس فإن ذلك أيضاً لا يجوز.

السؤال: لقد سبق أن وعدت ابن صديق لي بأن أزوجه ابنتي بلا مهر، فهذا الشاب أعرفه فهو على مستوىً رفيع من الخلق والدين، ولكن تبين لي أن المهر من حق الزوجة بعد أن ذكر لي صديقي ذلك، فماذا أعمل هل أدفع لابنتي من جيبي مهراً، علماً بأنني سأقوم بكافة متطلبات الزواج؟ أفيدونا يا فضيلة الشيخ مأجورين.

الجواب: الأمر كما سمعت أن المهر حقٌ للزوجة؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] ، ولقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] .

وإذا كنت وعدت ابن صديقك أن تزوجه بلا مهر فأنت زوجه وقل له: أعطني من المهر ما تيسر ولو ريالاً واحداً، والباقي تكمله أنت لابنتك، وتكون بذلك مأجوراً على وفائك بالوعد من وجه، ومأجوراً من وجهٍ آخر إذا كان هذا الشاب مستقيماً، ولا يجد ما يدفعه مهراً كاملاً لابنتك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك للخير، وأن يرزقهما الذرية الطيبة.

السؤال: ما حكم من يستهزئ بالحجاب ولا يأمر أهله به؟

الجواب: الحجاب هو عبارة عن ستر الوجه وما تكون به الفتنة من بقية الأعضاء، هذا هو الحجاب الشرعي خلافاً لما يظنه بعض الناس من أن الحجاب الشرعي أن تستر المرأة كل بدنها إلا الوجه والكفين، وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لغير زوجها ومحارمها، ولنا في ذلك رسالة أسميناها الحجاب، ولغيرنا في ذلك أيضاً رسائل، وقد ألفت في هذا مؤلفات كثيرة والحمد لله.

ومن استهزأ بالحجاب فإن كان قصده الاستهزاء به كشريعةٍ وسنةٍ من سنن الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه على خطرٍ عظيم، ويخشى أن يكون هذا ردةً عن دين الله؛ لأن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، كما قال الله تبارك وتعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].

وأما إن كان يستهزئ به لا على أنه شريعة لكن على أنه قول اختاره من يفعله ويتحجب فهذا لا يكفر لكنه أخطأ خطأً عظيماً؛ لأن الاستهزاء بقول غيرك من أهل العلم وإن كنت عالماً لا يحل، ما دامت المسألة مبنية على الاجتهاد، فإنه ليس اجتهادك أولى بالصواب من اجتهاد الآخر، وليس اجتهاده أولى بالصواب من اجتهادك، والصواب من اجتهاديكما ما وافق الكتاب والسنة، ونحن نعلم أن الخير كل الخير بستر الوجه عن الرجال الأجانب بقطع النظر عن دلالة الكتاب والسنة والنظر الصحيح على وجوب ستر الوجه، لكن هو من الناحية العقلية أن ستره لا شك أحفظ للمرأة، وأبعد للفتنة، والإنسان العاقل إذا رأى ما وقعت فيه المجتمعات التي لا تستر الوجه من الشر يعرف أن الخير كل الخير في ستر الوجه، وأنه واجبٌ عقلاً، وإن قدر أنه ليس فيه أدلة شرعية تدل على الوجوب، مع أن فيه أدلةً شرعيةً تدل على الوجوب لا شك عندنا في ذلك، انظر إلى تلك المجتمعات هل اقتصر نساؤها على كشف الوجه فقط والكفين فقط؟ لا، كشفن الوجوه، والنحور، والشعور، والأذرعة، والأقدام، والسيقان، وحصل بذلك شرٌ كثير، لكن انظر إلى المرأة المختمرة المغطية لوجهها تجد أنها في سلامة، وفي أمان، وفي حشمة، ووقار، لا يطمع بها الطامعون، ولا يحوم حولها السافلون، واختر لنفسك ما شئت.

ونصيحتي لهذا الرجل: أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، وأن يلزم أهله من بنات وأخوات وزوجات بما تدل عليه الأدلة الشرعية من ستر الوجه، حتى تسلم نساؤه ويسلم دينه، ويكون قد رعاهن حق الرعاية، فإن الإنسان مسئولٌ عن أهله يوم القيامة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( الرجل راعٍ في أهله ومسئولٌ عن رعيته ).

السؤال: كيف تكون المحبة في الله؟

الجواب: تكون المحبة في الله بأن تحب الرجل لكونه عابداً صالحاً، لا لأنه قريبك، ولا لأن عنده مالاً، ولا لأنه يعجبك فيه خلقه ومنظره وما أشبه ذلك، لا تحبه إلا لدينه وتقواه، هذه هي المحبة في الله، وفي هذا الحال تجد أن كل واحدٍ منكما يعين الآخر على طاعة الله، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادل، وشابٌ نشأ في طاعة الله، ورجلٌ قلبه معلقٌ في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ). والشاهد هنا قوله: ( رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ).

ولكني أحذر غاية التحذير ولا سيما النساء من أن تكون هذه المحبة في الله محبةً مع الله؛ لأن بعض الناس يغرم بمحبة أخيه في الله، أو تغرم المرأة بمحبة أختها في الله، حتى تكون محبة هذا الإنسان في قلبها أو في قلب الرجل أشد من محبة الله؛ لأنه يكون دائماً هو الذي في قلبه وهو الذي على ذكره إن نام نام على ذكره، وإن استيقظ استيقظ على ذكره، وإن ذهب أو رجع فهو على ذكره، فينسي ذكره ذكر الله عز وجل، وهذا شركٌ في المحبة، قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] ، وفعلاً تحصل الشكوى من هذا الأمر، أن تحب المرأة زميلتها أو معلمتها محبةً شديدةً تستولي على قلبها وفكرها وعقلها، حتى تكون هي التي على بالها دائماً، وتنسى بذكرها ذكر الله، وهذا خطأ وخطر.

والواجب على المرء إذا وقع في هذا الداء أن يحاول الدواء ما استطاع، ولكن كيف الدواء وقد وصلت الحال إلى هذه المنزلة؟ الدواء أن يذكر أولاً: أن محبة الله تعالى فوق كل شيء، ويصرف قلبه لمحبة الله، ومما يقوي محبة الله في قلب العبد دوام ذكر الله، وكثرة قراءة القرآن، وكثرة الأعمال الصالحة، والإعراض عن شهوات النفس وهوى النفس.

ثانياً: أن يبتعد بعض الشيء عن هذا الذي وقع في قلبه محبته إلى هذه المنزلة، يبتعد عنه بعض الشيء ويتلهى بأمرٍ آخر، فإن لم ينفع فليجتنبه نهائياً، يقطع الصلة بينه وبينه حتى يهدأ هذا الحب، وتزول هذه الحرارة وتسكن، ثم يعود إلى محبته المحبة العادية، ومن أجل كثرة الشكوى من هذا أحببت أن أنبه عليه ألا تكون المحبة في الله ترتقي إلى أن تكون محبةً مع الله؛ لأن هذا نوعٌ من الشرك في المحبة.

السؤال: ماذا تقولون -يا فضيلة الشيخ- في صلاة الضحى؟

الجواب: نقول في صلاة الضحى ما تبين لنا من الأدلة: أنها سنة دائمة، والعلماء رحمهم الله اختلفوا فيها لكن الذي أرى أنها سنة دائمة يفعلها الإنسان كل يوم؛ لأنه لو لم يكن من ذلك إلا أنها تجزئ عن الصدقات، فإن كل يومٍ تطلع فيه الشمس يصبح على كل عضوٍ من أعضاء الإنسان صدقة، وأعضاء الإنسان قيل: إنها ثلاثمائة وستون عضواً، كل عضو يحتاج إلى صدقة منه كل يوم تطلع فيه الشمس، كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنها ليست صدقة المال بل هي صدقة المال وغيره، ففي كل تسبيحةٍ صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، وكل تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، وإعانة الرجل على مهمته صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وكل قولٍ يقرب إلى الله صدقة، وكل قولٍ يقرب إلى الله صدقة، وبسط الوجه صدقة، وحسن الخلق صدقة، كل هذه صدقات، كل فعل الخير، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( وفي بضع أحدكم صدقة )، يعني أن الرجل إذا أتى أهله فهو صدقة، ( قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، يكون عليه وزر إذا وضعها في الحرام، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر )، ثم أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في حديثٍ آخر: ( أنه يجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى )، فلو لم يكن من فوائد المحافظة على صلاة الضحى إلا هذا الحديث لكان كافياً، فأرى أن الإنسان يستمر عليها.

السؤال: هل الحركة ناسياً تبطل الصلاة؟ وهل الحركة البسيطة المتعمدة تبطل الصلاة؟ وكم عدد الحركات التي تبطل الصلاة؟

الجواب: بمناسبة هذا السؤال أحب أن أوسع في الجواب أقول: الحركة في الصلاة خمسة أقسام: واجبة، وسنة، ومباحة، وحرام، ومكروهة.

فالحركة الواجبة: كل حركة تتوقف عليها صحة الصلاة فهي واجبة، مثال ذلك: رجل يصلي إلى غير القبلة مجتهداً، فجاءه إنسان أعلم منه بدلالات القبلة وقال: القبلة عن يمينك، فهنا يجب أن ينصرف إلى القبلة، وهذه حركةٌ واجبة؛ لأنه لو لم يفعل لبطلت صلاته، ودليل هذا ما وقع لأهل قباء رضي الله عنهم حين أتاهم آتٍ وهم في صلاة الصبح فقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنزل عليه قرآن، وأمر أن يستقبل الكعبة فانصرفوا، وكانت وجوههم إلى الشام والكعبة خلفهم، فانصرفوا، فكانت وجوههم إلى الكعبة وظهورهم إلى الشام، واستمروا في صلاتهم. ومثل هذا الانصراف واجب؛ لأنهم لو بقوا على ما هم عليه لبطلت صلاتهم، ومثالٌ آخر: رجل يصلي ثم ذكر أن في شماغه نجاسة، فهنا يجب عليه أن يخلع هذا الشماغ، وهذه الحركة واجبة؛ لأنه لو استمر في صلاته دون أن يلقي شماغه لبطلت الصلاة، وقد وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين كان ذات يومٍ يصلي بأصحابه فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما انصرف من الصلاة سألهم يعني: لماذا خلعوا نعالهم؟ ( قالوا: يا رسول الله! رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال لهم: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً فخلعهما )، فدل ذلك على أن الإنسان إذا علم أن في شيء من ثيابه أو ملابسه نجاسة فإنه يخلعه، لكن لو كانت النجاسة في الثوب ولا يمكن خلعه إلا بتعريه فهنا لا مناص من قطع الصلاة، يقطعها ويأخذ ثوباً طاهراً.

إذاً: الحركة الواجبة في الصلاة كل حركةٍ تتوقف عليها صحة الصلاة فإنها حركة واجبة.

الحركة المستحبة في الصلاة: كل حركة يتوقف عليها فعل مستحب، ومن ذلك: تقدم المأموم إلى فرجةٍ في الصف أمامه، ومن ذلك حركة المأمومين بعضهم إلى بعض إذا ظهرت بينهم فرجة، ومن ذلك إذا وقف المأموم الواحد إلى يسار الإمام فإنه يحركه حتى يكون عن يمينه، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام يصلي من الليل وكان ابن عباس رضي الله عنهما قد نام عنده تلك الليلة، فقام ابن عباس رضي الله عنهما يصلي عن يسار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخذ برأسه من ورائه، فأداره عن يمينه، وهذه حركة مستحبة؛ لأن بها تمام الصلاة، ولا يتوقف فعل هذا التمام إلا بهذه الحركة، على أن بعض العلماء قال: إن هذه من الحركة الواجبة؛ لأنه لا يجوز للمأموم أن يصلي عن يسار الإمام مع خلو يمينه، فالمسألة خلافية، منهم من أوجب ذلك أي: أن يكون المأموم الواحد عن يمين الإمام، ومنهم من جعل ذلك من قبيل المستحب؛ لأنه ليس فيه إلا فعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفعل الرسول المجرد لا يدل على الوجوب، هذان قسمان: الواجب والمستحب، الواجب متى؟ إذا توقف عليه صحة الصلاة، وإن شئت فقل: إذا توقف عليه فعل واجبٍ في الصلاة، والمستحب إذا توقف عليه فعل مستحبٍ في الصلاة.

المحرم كل حركة كثيرة متوالية لغير ضرورة، أو يسيرة محرمة، مثال الأول: أن يعبث الإنسان في قلمه، في ساعته، في غترته، في مشلحه، في نقوده، يخرجها من جيبه ويعددها وما أشبه ذلك، فهذه الحركة إذا كانت كثيرة ومتوالية لغير ضرورة فإنها تبطل الصلاة، أما إذا كانت حركة متفرقة تحرك يسيراً في الركعة الأولى، ويسيراً في الثانية، ويسيراً في الثالثة، ويسيراً في الرابعة، لو جمعت هذه الحركات لكانت كثيرة، لكن بتفرقها تكون يسيرة، فهذه ليست محرمة ولا تبطل الصلاة، كذلك لو كانت لضرورة مثل أن يتحرك الإنسان دفاعاً عن نفسه كعدوٍ هاجمه، أو سبعٌ هاجمه، أو ثعبان هاجمه، فهذا للضرورة ولا يبطل الصلاة، وقولنا: أو وسيلة محرمة مثل أن يحرك رأسه يلتفت إلى امرأة ينظر إليها بشهوة وهي لا تحل له فإن هذه حركةٌ يسيرة محرمة تبطل الصلاة؛ لأنها محرمة.