تفسير سورة الأنبياء (7)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ * وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ * أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ [الأنبياء:39-43].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل ذكره: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الأنبياء:39]. وقد عرفنا أن الكفار هم الذين لم يعترفوا بأنه لا إله إلا الله وبأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذبوا بالدار الآخرة، دار الجزاء على الكسب والعمل في هذه الدنيا. فهؤلاء لو يعرفوا كما قال تعالى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ [الأنبياء:39]، أي: حينما يلقون في أتون جهنم، فتحرقهم من ورائهم ومن أمامهم ومن فوقهم ومن تحتهم. وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الأنبياء:39] بأي ناصر، حتى يخرجهم من جهنم، ويبعدهم عنها. ولو عرفوا هذا لما قالوا: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الأنبياء:38]؟ في الآية التي قبل هذه. فقد كانوا يقولون: متى هذا الوعد يا محمد! الذي تعدنا به إن كنت من الصادقين؟ فهم يستعجلون العذاب، ويسألون: متى يأتينا العذاب هذا الذي تخوفنا به وتهددنا به؟ فقال تعالى رداً عليهم لما قالوا: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الأنبياء:38]؟ قال تعالى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:39] بالله ورسوله ولقائه! لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الأنبياء:39]. فلا أحد يكف النار عنهم، ولن يكفوها هم بأيديهم ولا بمنازلهم، ولا بأي شيء. وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الأنبياء:39]. ولو علموا هذا لما قالوا هات العذاب، ولو آمنوا وأيقنوا بالعذاب الآتي في الدار الآخرة لم يجرءوا على أن يقولوا: هات هذا العذاب، وعجله لنا، ولكن كفرهم وجحودهم وتكذيبهم وإنكارهم لكل ما جاء به رسول الله هو الذي حملهم على أن يتعنتروا وأن يقولوا: أتنا بالعذاب إن كنت من الصادقين.

وهكذا يخبر تعالى رداً على قولهم: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ [الأنبياء:38] الذي تعدنا به يا محمد؟! فإن كنت من الصادقين فيما تقول فهات العذاب. فقال عز من قائل: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الأنبياء:39]. وهم لم يقولوا هذا القول إلا لأنهم لم يعرفوا ولم يعلموا، ووالله لو عرفوا ما طالبوا بالعذاب؛ إذ لا أحد يقدر على عذاب الله أو يقوى عليه.

قال تعالى: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ [الأنبياء:40]، أي: بل تأتيهم الساعة فجأة، وليس كما يريدون هم في قولهم: هاتها يا محمد! أو هات العذاب، أو متى كذا؟ فهي لا يأتي إلا في غفلة، والناس غافلون، فلا يعلمون إلا وقد دقت الساعة، وطلعت الشمس من مغربها. وحتى العذاب الدنيوي لو أراد الله أن يعذبهم يأتيهم فجأة، وهم يشتغلون ويعملون، وإذا العذاب ينزل بهم، كما قال تعالى: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ [الأنبياء:40]، أي: تحيرهم. فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ [الأنبياء:40]. ولا أحد ينصرهم، ولن يستطيعوا رد العذاب إذا أراده الله، وليس هناك يد ترده، لا عذاب الدنيا ولا عذاب الآخرة. ومن أراد الله خذلانه وانكساره فلن ينصره أحد بعد أن هزمه الله وأذله. وَلا هُمْ يُنظَرُونَ [الأنبياء:40].

قال تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ [الأنبياء:41]. يقول الله تعالى لنبيه ومصطفاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ [الأنبياء:41]. والاستهزاء والسخرية والضحك والأباطيل تعرفونها بينكم. وقد استهزئ برسل الله من نوح عليه السلام إلى عيسى، فما من رسول إلا استهزئوا به وسخروا منهم، وطالبوه بالعذاب حتى ينزل بهم العذاب. فإذاً: لا تكرب يا رسول الله! ولا تحزن، بل اصبر وتحمل؛ فإن العاقبة للمتقين. ونحن لا يمكننا أن نتصور ما كان يلاقيه الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، ولن يقوى أحد أو يصبر على أن يستهزأ به، ويسخر منه الليل والنهار، وهو يبلغهم دعوة الله عز وجل، ولكن كان الله تعالى يصبره، ويحمله على الصبر، ويذكره بمن مضى وسبق من الرسل، وكيف أوذوا في سبيل الله، وكيف صبروا، وكيف انتصروا، وكانت العاقبة الحسنى لهم. فقال تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ [الأنبياء:41]. والاستهزاء والسخرية والضحك معروف. فقد كان يصلي حول البيت فجاء عقبة بن أبي معيط بسلا بعير ووضعه على صدره، ومشركوا مكة حوله يضحكون ويتمرغون في الأرض، وليس هناك استهزاء أكثر من هذا.

وقد استهزئ بنا وسخر منا، ولم نبلغ دعوة الله، ولم نبينها للناس، ولا دعوناهم إليهم. ومن دعا منكم واستهزئ به وسخر منه نقول له: اصبر، ولكننا سكتنا فقط.

فقال تعالى هنا: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ [الأنبياء:41]. وقد بينا أن الرسل كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، أولهم نوح، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم. وعلمنا أن كل رسول نبي، وأحلف بالله أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول. فلا ننسى هذا. فكل رسول نبي؛ إذ قبل أن يرسله إلى القوم ينبئه ويعلمه ويوحي إليه، ثم يرسله، فالنبوة قبل الرسالة. ولهذا عدد الرسل محدود بثلاثمائة وأربعة عشر على عدة قوم طالوت، وعلى عدة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في بدر، وأما الأنبياء، فأهل العلم يقولون: إنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً مائة وأربعة وعشرون ألفاً، ويروون هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ [الأنبياء:41]، أي: أحاط، بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأنبياء:41]، أي: ذاك العذاب الذي كانوا يقولون: ائتنا به، أي: هات ما تهددنا به، وافعل بنا ما تريد. فهذا الذي كانوا يسخرون به هو الذي نزل بهم، وحل بدارهم وأهلكهم. وقد عرفتم ما أصاب ثمود، فقد بقوا ثلاثة أيام وهم كالأنعام جاثمون على ركبهم، ثم أتتهم في اليوم الرابع صيحة واحدة أخرجت قلوبهم، وكانوا أمة كاملة. وعاد قبلها في جنوب الجزيرة جاءتهم ريح سبع ليال وثمانية أيام، ودمرت كل شيء، فأسقطت المباني، وهدمت كل شيء، ولم يبق منهم أحد، كما قال تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأنبياء:41]، أي: أحاط بهم ونزل بهم العذاب الذي سخروا منه، فأحاط بالساخرين بالرسل مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأنبياء:41] ويضحكون ويلعبون، ولا يعترفون بأن لله عذاباً يعذبهم به.

وهؤلاء كما تسمع بالسياق كانوا يؤمنون بالله، ويشركون به الأصنام والأوثان، ولم يكونوا بلاشفة لا يؤمنون بالله ولقائه. وهذه قاعدة قرآنية نحلف عليها بالله، وهي: أنه لم توجد أمة على وجه الأرض تنكر وجود الله، ولئن سألت أحدهم: من خلق السماوات، أو من خلق هذا الخلق الذي نعيش بينهم وأوجدهم لا يقول: أمي ولا جدي ولا قبيلتي، بل يقول: الله، وليس هناك جواب إلا الله، وكما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]. وقال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت:61]. فيا عجباً كيف يصرفون إذاً عن توحيده وعن عبادته!

والذي كانوا مع نوح كانوا مثل الذين كانوا مع موسى وغيره، فقد كانوا يؤمنون بوجود الله. وأما الشيوعية وخليفتها العلمانية اللتان أقامهما اليهود من أجل إبعاد البشرية عن الله، ومن أجل أن تسودهم الهمجية والضلال، والفسق والفجور فقد وأوجدتا كلمة: لا إله والحياة مادة. ولآن العلمانيين يقولون: كل شيء للعلم، والعلم هو كل شيء. وهذا معناه: أن الله لا وجود له، وأنه ليس هو الخالق ولا الرازق، ولا المدبر ولا المعطي ولا المانع، بل العلم هو كل شيء. فاعرفوا هذه الحقيقة، وهي: أن اليهود بنو عمنا عليهم لعائن الله يحلمون بإيجاد مملكة بني إسرائيل، التي تحكم العالم من الشرق إلى الغرب، وحتى يصلون إلى هذا نظروا فإذا أصحاب الديانات أصعب من غيرهم من الكافرين والمشركين، فعملوا على وضع الشيوعية، وغرسوها في أوروبا الصليبية، وفعلت فعلتها، ونجحوا في ذلك، فقد أصبح ثلاثة أرباع النصارى شيوعيين، لا يؤمنون بالله، ويضحكون من الدين، وأصبحت كنائس مغلقة لا يدخلها أحد، وانتقلت المحنة إلى العرب والمسلمين بعنوان: الاشتراكية، فهي من وضع اليهود؛ من أجل ألا يعبد الله، ومن أجل أن تصبح البشرية حيوانات يركبون عليها، ويسوقونها كما شاءوا.

قال تعالى لرسوله: قُلْ [الأنبياء:42] يا رسولنا! لهم: مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42]؟ فاسألهم: من الذي يحفظكم من الله بالليل وأنتم نائمون من أن يسلط عليكم ملك الموت؟ أو يحفظكم بالنهار وأنتم تشتغلون في مزارعكم ومصانعكم؟ فلن يستطيعوا أن يقولوا: فلان أو فلان. وقولوا الآن لليهود ولروسيا وللكفر: مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42]؟ فإنهم لا يستطيعون أن يقولوا: يحفظنا فلان، ولا أن يقولوا: أو أمتنا أو سلاحنا.

وقوله: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ [الأنبياء:42] أي: يحفظكم ويصونكم مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42] إذا أراد العذاب بكم وأنتم نائمون في الليل، أو وأنتم يقظون، تعملون بالنهار على حد سواء؟ والله لا أحد، فقد أهلك أمماً قبلكم، ولم يستطع أحد أن يدفع عنها العذاب، أو يرد عنها البلاء. ‏

سبب كفر الكافرين

قال تعالى: بَلْ هُمْ [الأنبياء:42] أي: هؤلاء المشركون الكفرة في مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:42]. والمراد بالذكر هنا القرآن. ولو كانوا يسمعون إلى قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يطلبون منه أن يقرأ عليهم، أو يؤمنون بكتاب الله ما وقفوا هذه المواقف المزرية أبداً، ولا سخروا ولا استهزئوا، ولكنهم معرضون عن كتاب الله. وهذه البشرية اليوم بالملايين والله كلهم معرضون عن كتاب الله إلا من شاء الله من المسلمين، فاليهود لا يقرءون القرآن، ولا يريدون أن يعرفوا ما فيه، والنصارى لا يريدون أن يقرءوا القرآن، ولا يريدون أن يتعلموا ما فيه، وكذلك المجوس والمشركون لا يريدون أبداً. وهذا إعراض، ولهذا إذا دقت ساعة هلاكهم تقرأ عليهم هذه الآية: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:42]. فهذا الذي جعلهم يستهزئون ويسخرون، وجعلهم لا يؤمنون بعذاب الله وقدرته عليهم، وأنه قادر على أن يعذبهم إن شاء بالليل أو بالنهار. فالسبب هو: غفلتهم وإعراضهم، وعدم ذكرهم، فهذا هو الذي سبب هذا.

فالذكر هو القرآن، فالقرآن ذكر، وهو الذكر الحكيم. وقد علمنا أنه لا يمكن أن تقرأ آيات ولا تذكر الله، بل ما إن تقول بسم الله الرحمن الرحيم: طه * مَا أَنْزَلْنَا [طه:1-2] إلا وخطر ببالك الله، وذكرت أنه الذي نزل القرآن. فقراءة القرآن كلها ذكر لله عز وجل، وتورث الذكر في النفس.

كما أن ذكر الله ذكر عذابه .. ذكر وعده .. ذكر وعيده .. ذكر قدرته .. ذكر جلاله وكماله. وهذا الذكر أيضاً يخوف العبد، فلا يجرؤ على أن يكذب ويعصي ويتمرد. ونعم فالذكر يكون بلا إله إلا الله، وبسبحان الله، وبالحمد لله، وبالله أكبر. وهذا الذكر يحفظ العبد من أن يقع فيما حرم الله، ومن أراد أن يتأكد فليقل: لا إله إلا الله أو سبحان الله والحمد لله ثم ينطق بالباطل أو يفعل الشر، فإنه لا يستطيع، واقرءوا لذلك أو اسمعوا اقرأ عليكم توجيه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأمته إذ قال له: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]. فهذا توجيه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأمته، فهو يقول له: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]، إذ كان الكتاب ما تم كله، أي: اقرأ ما أوحي إليك منه. والمؤمنون يقرءون لأن قراءة القرآن تقوي الإيمان، فقراءة القرآن تجعل العبد كأنه يشاهد الله، فلا يقوى على أن يعصيه، أو يخرج عن طاعته. وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]. وإقام الصلاة على الوجه المطلوب تجعل النفس تزكو وتطيب وتطهر، ولا يصبح فيها دخان أبداً، ولا ظلمة ولا عفن ولا نتن، وبذلك لا يستطيع ولا يقدر والله ذو النفس الزكية والروح الطيبة الطاهرة على أن يقول كلمة سوء، أو يمد يده أو يمشي برجله إلى ما لا يحبه الله ولا يرضاه. وهذا المعنى خفي على كثير من النفس.

وإذا كانت النفس زكية طاهرة نقية فسبب زكاتها وطهارتها ونقائها: إقام الصلاة وذكر الله والعبادات. وصاحب هذه النفس الزكية المستنيرة المشرقة لا يقدر على أن يعصي الله، ووالله ما يستطيع ذلك، وإن زلت القدم وأعماه الشيطان يوماً فوالله إنه يكون في تلك الساعة لا يذكر الله، ولا يخطر بباله نهائياً كالميت، والدليل على هذا كما قلنا: أن صاحب الجسم السليم عيناه تبصران، وأنفه يشم الرائحة، ولسانه ينطق؛ لكمال حياته، وإذا أصيب بالعمى أو بالصمم أو بغير ذلك فإنه يتعطل، فلا يبصر ولا يسمع. وكذلك النفس إذا طابت وطهرت تصبح أهلاً للخير، وإذا تدست وأظلمت تصبح متهيئة للشر والعياذ بالله. وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، أي: أكبر من تلاوة الكتاب وأكبر من إقام الصلاة في عصمة العبد، والواقع يشهد أن كل من يغفل ويقول سوءاً أو يفعل منكراً أنه يكون ناسياً ذكر الله، ولم يكن يذكر الله أبداً. وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]. وهذا الرابع، وهو مراقبة الله، والذين يعيشون دائماً يراقبون الله في كل حركاتهم وسكناتهم فهذه المراقبة تمنعهم من الوقوع في الباطل والشر والفساد.

إذاً: قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42]؟ أي: لا أحد. إذاً: فلا يجرموا ولا يفسقوا، ولكنهم عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:42]. فهذا هو السبب.

وقد قلت لكم واستعجلت: العالم بأسره الآن سوى جماعة المسلمين لا يقرءون القرآن، والأصل أن يجتمعوا عليه فقد بلغهم والله أنه كتاب الله، وأنه نزل من عند الله، وسمع هذا من هو في البادية ومن في المدن، ولكنهم معرضون إعراضاً كاملاً، فهم لا يفكرون فيه، ولا يسألون على من نزل، ولا كيف نزل، ولا ماذا فيه، ولا لماذا يدعون إليه أبداً، بل أعرضوا عنه أعراضاً كاملاً، وصدق الله العظيم: بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:42]. ولا يلتفتون إليه أبداً. هذا سبب سخريتهم وجهلهم، وظلمهم وفسادهم.

قال تعالى: بَلْ هُمْ [الأنبياء:42] أي: هؤلاء المشركون الكفرة في مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:42]. والمراد بالذكر هنا القرآن. ولو كانوا يسمعون إلى قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يطلبون منه أن يقرأ عليهم، أو يؤمنون بكتاب الله ما وقفوا هذه المواقف المزرية أبداً، ولا سخروا ولا استهزئوا، ولكنهم معرضون عن كتاب الله. وهذه البشرية اليوم بالملايين والله كلهم معرضون عن كتاب الله إلا من شاء الله من المسلمين، فاليهود لا يقرءون القرآن، ولا يريدون أن يعرفوا ما فيه، والنصارى لا يريدون أن يقرءوا القرآن، ولا يريدون أن يتعلموا ما فيه، وكذلك المجوس والمشركون لا يريدون أبداً. وهذا إعراض، ولهذا إذا دقت ساعة هلاكهم تقرأ عليهم هذه الآية: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:42]. فهذا الذي جعلهم يستهزئون ويسخرون، وجعلهم لا يؤمنون بعذاب الله وقدرته عليهم، وأنه قادر على أن يعذبهم إن شاء بالليل أو بالنهار. فالسبب هو: غفلتهم وإعراضهم، وعدم ذكرهم، فهذا هو الذي سبب هذا.

فالذكر هو القرآن، فالقرآن ذكر، وهو الذكر الحكيم. وقد علمنا أنه لا يمكن أن تقرأ آيات ولا تذكر الله، بل ما إن تقول بسم الله الرحمن الرحيم: طه * مَا أَنْزَلْنَا [طه:1-2] إلا وخطر ببالك الله، وذكرت أنه الذي نزل القرآن. فقراءة القرآن كلها ذكر لله عز وجل، وتورث الذكر في النفس.

كما أن ذكر الله ذكر عذابه .. ذكر وعده .. ذكر وعيده .. ذكر قدرته .. ذكر جلاله وكماله. وهذا الذكر أيضاً يخوف العبد، فلا يجرؤ على أن يكذب ويعصي ويتمرد. ونعم فالذكر يكون بلا إله إلا الله، وبسبحان الله، وبالحمد لله، وبالله أكبر. وهذا الذكر يحفظ العبد من أن يقع فيما حرم الله، ومن أراد أن يتأكد فليقل: لا إله إلا الله أو سبحان الله والحمد لله ثم ينطق بالباطل أو يفعل الشر، فإنه لا يستطيع، واقرءوا لذلك أو اسمعوا اقرأ عليكم توجيه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأمته إذ قال له: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]. فهذا توجيه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأمته، فهو يقول له: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]، إذ كان الكتاب ما تم كله، أي: اقرأ ما أوحي إليك منه. والمؤمنون يقرءون لأن قراءة القرآن تقوي الإيمان، فقراءة القرآن تجعل العبد كأنه يشاهد الله، فلا يقوى على أن يعصيه، أو يخرج عن طاعته. وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]. وإقام الصلاة على الوجه المطلوب تجعل النفس تزكو وتطيب وتطهر، ولا يصبح فيها دخان أبداً، ولا ظلمة ولا عفن ولا نتن، وبذلك لا يستطيع ولا يقدر والله ذو النفس الزكية والروح الطيبة الطاهرة على أن يقول كلمة سوء، أو يمد يده أو يمشي برجله إلى ما لا يحبه الله ولا يرضاه. وهذا المعنى خفي على كثير من النفس.

وإذا كانت النفس زكية طاهرة نقية فسبب زكاتها وطهارتها ونقائها: إقام الصلاة وذكر الله والعبادات. وصاحب هذه النفس الزكية المستنيرة المشرقة لا يقدر على أن يعصي الله، ووالله ما يستطيع ذلك، وإن زلت القدم وأعماه الشيطان يوماً فوالله إنه يكون في تلك الساعة لا يذكر الله، ولا يخطر بباله نهائياً كالميت، والدليل على هذا كما قلنا: أن صاحب الجسم السليم عيناه تبصران، وأنفه يشم الرائحة، ولسانه ينطق؛ لكمال حياته، وإذا أصيب بالعمى أو بالصمم أو بغير ذلك فإنه يتعطل، فلا يبصر ولا يسمع. وكذلك النفس إذا طابت وطهرت تصبح أهلاً للخير، وإذا تدست وأظلمت تصبح متهيئة للشر والعياذ بالله. وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، أي: أكبر من تلاوة الكتاب وأكبر من إقام الصلاة في عصمة العبد، والواقع يشهد أن كل من يغفل ويقول سوءاً أو يفعل منكراً أنه يكون ناسياً ذكر الله، ولم يكن يذكر الله أبداً. وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]. وهذا الرابع، وهو مراقبة الله، والذين يعيشون دائماً يراقبون الله في كل حركاتهم وسكناتهم فهذه المراقبة تمنعهم من الوقوع في الباطل والشر والفساد.

إذاً: قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42]؟ أي: لا أحد. إذاً: فلا يجرموا ولا يفسقوا، ولكنهم عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:42]. فهذا هو السبب.

وقد قلت لكم واستعجلت: العالم بأسره الآن سوى جماعة المسلمين لا يقرءون القرآن، والأصل أن يجتمعوا عليه فقد بلغهم والله أنه كتاب الله، وأنه نزل من عند الله، وسمع هذا من هو في البادية ومن في المدن، ولكنهم معرضون إعراضاً كاملاً، فهم لا يفكرون فيه، ولا يسألون على من نزل، ولا كيف نزل، ولا ماذا فيه، ولا لماذا يدعون إليه أبداً، بل أعرضوا عنه أعراضاً كاملاً، وصدق الله العظيم: بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:42]. ولا يلتفتون إليه أبداً. هذا سبب سخريتهم وجهلهم، وظلمهم وفسادهم.

قال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا [الأنبياء:43]؟ أي: ألهم آلهة تمنعهم من دوننا؟ وأم هذه زيدت لتقوية الكلام.

وقوله: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا [الأنبياء:43] ومن عذابنا؟ والجواب: لا والله، فأصنامهم وأحجارهم وتماثيلهم لا تنفع، بل حتى عيسى الذي عبدوه هو ووالدته، وحتى ما عبد من جهال المسلمين الذين عبدوا الأقطاب والبدلاء والأولياء، فهؤلاء لا ينفعونهم، كما قال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا [الأنبياء:43]؟ ثم قال تعالى: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ [الأنبياء:43]. ومن أراد الله أن يخذله أو ينزله إلى الأعماق السفلى من الضلال والفساد فلن ينجيه أحد، ولن ينقذه مخلوق، فضلاً عن الأصنام والأحجار والأوهام. وقد عاش المسلمون فترة من الزمان يعتقدون أن الأقطاب والبدلاء بأيديهم الحياة، ويعتقدون أن الأولياء الذين دفنوهم وبنوا على قبورهم القباب يشفعون لهم، ويدخلون الجنة بهم، وعبدوهم بالذبح والنذر والحلف، وما إلى ذلك، وأما فلان من الأقطاب والبدلاء فالله يقول فيهم: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا [الأنبياء:43]؟ والجواب: لا، فهم لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ [الأنبياء:43] لو أراود أن ينصروهم، فهم مهزومون ومخذولون، فلا يستطيعون أن ينصروهم. وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ [الأنبياء:43]. ولا نجيرهم ولا نصحبهم ولا يصحبوننا، وفلان صاحب فلان، بمعنى: يجيره، فإذا استجار به أجاره، فهو مجير له، فهو لا يجيرهم ولا يصاحبهم، ومن ثم انقطعت حججهم، ولكنهم لم يسكتوا، بل في الآيات الآتية الصراع دائر، حتى يختم الله بخاتمة السعادة، وينصر الله دينه، ويفتح مكة على رسوله والمؤمنين.