تفسير سورة الأنبياء (14)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ * وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ * حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:92-97].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا عز وجل: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92]. واذكروا ما تقدم في الآيات السالفة، فقد تضمنت ذكر مجموعة من أنبياء الله ورسله، وهم: إبراهيم ونوح ولوط وداود وسلميان وأيوب وذو النون وذو الكفل، وكل هؤلاء دينهم واحد، ألا وهو الإسلام، فكل هؤلاء الأنبياء والرسل دينهم الإسلام. فلما عرض تعالى ذلك العرض لأولئك الأنبياء والمرسلين خاطب البشرية ونحن أول من يخاطبهم قائلاً: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ [الأنبياء:92]، أي: إن هذه ملتكم ملة الإسلام ملة واحدة. فقد عبد به نوح ربه، وعبده به إبراهيم، وعبده به داود وسليمان، وعبده به موسى وعيسى، وعبده به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الملة بمعنى الدين، وهي عبادات خلق الله تعالى البشرية من أجلها، فالعلة من خلق الإنسان هي أن يعبد الله عز وجل.

معنى العبادة

العبادة هي: طاعة الله فيما أمر به وفيما نهى عنه، وهي أعمال القلوب وهي الاعتقادات، وأعمال الألسن وهي الأقوال والذكر والدعاء، وأعمال الجوارح كالصلاة والجهاد.

ثم تبقى أشياء أحلها لقوم وحرمها على آخرين، أو أن أقواماً فرض عليهم كذا، وفرض على أقوام أخرى، وهذا يعود إلى تربيته لعباده، فهو يشرع لهم ما يصلحهم وينفعهم، فيحل ما يزيد في كمالهم، ويحرم ما يؤذيهم ويضر بهم.

أما الملة التي هي أن يعبد الله وحده فهي واحدة، واقرءوا هذه الآية الكريمة: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ [الأنبياء:92]. وأمتكم بمعنى: ملتكم ملة واحدة، ألا وهي الإسلام.

وقد عرفنا الإسلام، فهو: إسلام القلب والوجه لله، أي: أن تسلم قلبك لله، فلا يتقلب إلا في طلب رضا الله، وتسلم وجهك له، فلا تلتفت إلى غير الله، ويتبع ذلك أعضائك، فسمعك وبصرك ويدك ورجلك تكون كلك لله.

ثم يقول تعالى: وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، أي: خالقكم ورازقكم ومربيكم، وليس لكم خالق ولا رازق ولا مربٍ غيري، إذاً: فاعبدوني، أي: أطيعوني فيما آمركم به وأنهاكم عنه؛ إذ العبادة هي: الطاعة مقرونة بالخشوع والخضوع، أي: أن تذل لله وتعبده في ذلة وخشوع. فتلكم هي العبادة.

وقد عرفنا أن سر العبادة هو أن نكمل ونسعد في الحياتين في الدنيا والآخرة. فسر العبادة وعلتها هي أن نكمل ونسعد في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة التي لا محال من إتيانها.

فهكذا يقول تعالى هنا يعلمنا، فهو فيقول: اعلموا إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. آمنا بالله ولقائه.

العبادة هي: طاعة الله فيما أمر به وفيما نهى عنه، وهي أعمال القلوب وهي الاعتقادات، وأعمال الألسن وهي الأقوال والذكر والدعاء، وأعمال الجوارح كالصلاة والجهاد.

ثم تبقى أشياء أحلها لقوم وحرمها على آخرين، أو أن أقواماً فرض عليهم كذا، وفرض على أقوام أخرى، وهذا يعود إلى تربيته لعباده، فهو يشرع لهم ما يصلحهم وينفعهم، فيحل ما يزيد في كمالهم، ويحرم ما يؤذيهم ويضر بهم.

أما الملة التي هي أن يعبد الله وحده فهي واحدة، واقرءوا هذه الآية الكريمة: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ [الأنبياء:92]. وأمتكم بمعنى: ملتكم ملة واحدة، ألا وهي الإسلام.

وقد عرفنا الإسلام، فهو: إسلام القلب والوجه لله، أي: أن تسلم قلبك لله، فلا يتقلب إلا في طلب رضا الله، وتسلم وجهك له، فلا تلتفت إلى غير الله، ويتبع ذلك أعضائك، فسمعك وبصرك ويدك ورجلك تكون كلك لله.

ثم يقول تعالى: وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، أي: خالقكم ورازقكم ومربيكم، وليس لكم خالق ولا رازق ولا مربٍ غيري، إذاً: فاعبدوني، أي: أطيعوني فيما آمركم به وأنهاكم عنه؛ إذ العبادة هي: الطاعة مقرونة بالخشوع والخضوع، أي: أن تذل لله وتعبده في ذلة وخشوع. فتلكم هي العبادة.

وقد عرفنا أن سر العبادة هو أن نكمل ونسعد في الحياتين في الدنيا والآخرة. فسر العبادة وعلتها هي أن نكمل ونسعد في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة التي لا محال من إتيانها.

فهكذا يقول تعالى هنا يعلمنا، فهو فيقول: اعلموا إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. آمنا بالله ولقائه.

قال تعالى: وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ [الأنبياء:93]. فقد كانت الملة - وهي الدين- واحدة، وهي الإسلام من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم مزقوه وقطعوه وفرقوه، فهؤلاء يهود، وهؤلاء نصارى، وهؤلاء مجوس، وهؤلاء مشركين، وهؤلاء كذا. وهم الذين قطعوه ومزقوه هذا التمزيق، وإلا والله فقد كان ديناً واحداً.

وقد بعث الله موسى، وأوحى إليه أن يفعل الناس كذا وكذا، وأن يقولوا كذا، ويعتقدوا كذا، وأنه يجب أن يفعلوا، ولما مات موسى جاء الله بعيسى، وأوحى إليه كذا وكذا، وأنه يجب أن يفعلوه، ولما رفع عيسى جاء محمد، وأمره الله بكذا، وأنه يجب أن يفعله، ولكن الملة كانت واحدة، كما قال تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92]. ولكنهم بسبب الأهواء والأطماع والشهوات ونزغات الشيطان قطعوا أمرهم بينهم زبراً وجماعات، وطوائف مجوسية .. يهودية .. صليبية .. بوذية .. هندوسية، وغيرها كما تعلمون. وهذا هو الذي قاله تعالى: وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ [الأنبياء:93]. فقد تقطعوه ومزقوه، فتشتتوا وتفرقوا؛ حتى لا يعبدوا الله عز وجل، وسوف يرجعون إليه ويلقون جزائهم، فقد قال تعالى: كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ [الأنبياء:93]. المستقيمون والمعوجون، والمؤمنون والكافرون، والصالحون والمفسدون، والجزاء ليس في هذه الدنيا، إنما هو في الدار الآخرة، فإذا رجعوا إلى الله جازاهم.

وقوله تعالى: وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [الأنبياء:93]. معنى التقطيع: كل ذهب بقطعة، فأصبحوا مللاً ونحلاً، والدين واحد، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92]. فدينكم هو الإسلام، وهو واحد، وهو دين الأبيض والأسود، ولكن الشياطين والأهواء والأطماع والمفاسد البشرية مزقت الأديان، وها نحن الآن يهود ونصارى ومجوس وبوذيين وغير ذلك، مع أن ربنا واحد، والقرآن كتاب الله واحد، ومحمد رسوله، وقد نسخ الشرائع الأولى، وأتى بالشريعة الخاتمة العامة التي هي شريعة البشر كلهم، ولكنهم لم يعبدوا الله بما شرع أن يعبد به؛ بسبب الأهواء والأطماع والأغراض الفاسدة. ولكنهم سيرجعون إلى الله، كما قال تعالى: كُلٌّ إِلَيْنَا [الأنبياء:93]، لا إلى غيرنا رَاجِعُونَ [الأنبياء:93]. وثم يتم الجزاء بحسب العمل في هذه الدنيا، فمن كان عمله صالحاً نجا وسعد، ومن كان عمله خاسراً باطلاً خسر وهلك.

قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء:94]. وهذا خبر عظيم، فمن يعمل من الصالحات من الناس أو من الجن بشرط أن يكون مؤمناً، فالجملة وَهُوَ مُؤْمِنٌ [الأنبياء:94] حالية، أي: والحال أنه مؤمن.

والمراد من الصالحات: ما شرعه الله من العبادات، وهي أقوال وأعمال واعتقادات، فتلك هي الصالحات. فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ [الأنبياء:94]. ومن هنا للتبعيض؛ إذ لا يمكن لإنسان أن يعمل كل الصالحات، ولكن يعمل ما في استطاعته وقدرته. فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ [الأنبياء:94] والحال أنه مؤمن، فالإيمان شرط في قبول العمل الصالح، ولو أن كافراً فإنه لو يبني ألف مسجد ومسجد فوالله ما يثاب عليه، ولو أن مشركاً يتصدق بالمليارات ويصوم الدهر ويقوم الليل فوالله لم يستفيد من ذلك شيئاً، فلا بد من الإيمان أولاً، ولهذا أولاً يدخل في الإسلام بأن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فإذا آمن فبعد ذلك يسلم قلبه ووجهه لله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد الله.

قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ [الأنبياء:94]. والصالحات: جمع صالحة، فكل عبادة صالحة، والذكر والدعاء والاستغفار والعبادة والصيام وكل ما شرع الله من العبادات القولية أو الفعلية هي العمل الصالح؛ لأنها تصلح النفس وتزكيها وتطهرها.

الإيمان شرط فيها؛ لقوله: وَهُوَ مُؤْمِنٌ [الأنبياء:94]. والجزاء فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء:94]. فسعيه ما يضيع أبداً، ولا يجحد ولا ينكر، بل يجزى على الصالحات كلها، حتى النظرة التي ينظرها لله، والكلمة يقولها لله، فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ [الأنبياء:94]، ولا جحود أبداً، بل يثاب على الصالحات كلها ما دام عملها وهو مؤمن، وعملها كما بينها رسول الله لعباد الله. وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء:94]. فلله عز وجل الملائكة الكرام الكاتبين، يكتبون كل عمل صالح يعمله العبد المؤمن، حتى النظرة لله أو إغماض العين لله تكتب، فلا يضيع من الصالحات شيء؛ لأن هناك ملائكة وكلهم الله بهذه المهمة كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]. ولذلك فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ [الأنبياء:94] أبداً، وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء:94]. ولا تضيع ولا حسنة واحدة.

قال تعالى: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء:95]. بل هو ممتنع امتناعاً كاملاً؛ لأن التحريم امتناع، والحرمة: المنع، فقال هنا: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ [الأنبياء:95]، أي: مدينة من المدن أهلكها الله أنها ترجع إلى الله وتتوب.

وهذه الآية تحمل ثلاثة معانٍ، والقرآن حمال الوجوه، كما قال علي رضي الله عنه: القرآن حمال الوجوه.

فقوله تعالى: وَحَرَامٌ [الأنبياء:95] أي: ممتنع على قرية، والقرية دائماً المدينة الكبيرة، والمراد منها أهلها، وليس التراب والطين، بل أهل القرية.

فقوله: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا [الأنبياء:95]، أي: مضى في كتاب المقادير أننا إذا أهلكناهم أنهم لا يتوبون ولا يرجعون إلى الإسلام أبداً؛ لأن الله قضى أنه يهلكهم، هذا وجه من أوجه معنى قوله: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء:95]. واللام مزيدة؛ لتقوية الكلام.

ومعنى آخر وهو: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء:95] إلى الحياة الدنيا بعدما يهلكهم ويدمرهم.

ومعنى ثالث: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء:95] إلينا للجزاء يوم القيامة والحساب. هذه ثلاثة أوجه.

قال تعالى بين متى يعود أهل هذه القرية ويتم ذلك، فقال: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ [الأنبياء:96]، أي: حتى إذا فتحت سدود وسد يأجوج ومأجوج، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ [الأنبياء:96]، أي: من كل صوب وأرض مرتفعة ينسلون مسرعين.

هنا معاشر المستمعين والمستمعات! من عقيدة السلف الصالح العقيدة التي هي مصدرها كتاب الله -أي: قول الله- وقول رسوله: أن هناك أمة عظيمة لا تعد ولا تحصى، موجودة الآن، وبيننا وبينها جبل، وقد عجزت البشرية عن رؤيته، ولم تنفعهم طائراتهم ولا غيرها، ووالله ما وقف عليهم أحد، فقد أعماهم الله، وهما أمتان، أمة يأجوج ومأجوج، ويأجوج ومأجوج من بني آدم ومن أولاد آدم، وهم يعيشون على حال لا يعلمها إلا الله، وهم يعملون كل يوم وليلة على أن يفتحوا الجبل، أو يخرجوا منه، وكلما فتحوا شيئاً انسد عنهم؛ لأن الله لم يرد أن يخرجوا، حتى يأذن الله بذلك، فينفتح، فيتدفقون، حتى تكون ساقتهم في العراق وأولهم في فلسطين، فيشربون والله المياه في البحار والبحيرات والأنهار، وهم من كل حدب وصوب ينسلون زاحفين.

وهذه الأمة موجودة

وإذا أردتم أن تعرفوا هذا فاقرءوا الآيات في سورة الكهف: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [الكهف:93-97]. حتى إذا جاء أمر الله اندك دكاً، والمسافة الزمنية قريبة جداً؛ لأن يأجوج ومأجوج من علامات الساعة الكبرى، ويخرجون وقد نزل عيسى عليه السلام، فزمنهم واحد، فالدابة ويأجوج ومأجوج ونزول عسى هذه كلها في وقت واحد متقارب.

قال تعالى: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [الأنبياء:97]، أي: وعد لقاء الله عز وجل. فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:97]. وهذا في عرصات القيامة في ساحة فصل القضاء، وهم محشورون في أرض واحدة بين يدي الله، ثم أبصارهم تشخص، ولا يستطيعون أبداً أن يلتفتوا يميناً أو شمالاً. وهؤلاء الذين شاخصة أبصارهم هم الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:97]. ويقولون: يَا وَيْلَنَا [الأنبياء:97]! أي: يا هلاكنا احضر. قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97]. فيعترفون بأنهم لم يكونوا غافلين، بل كانوا متعمدين الكفر، عاملين به، بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97].

إذاً: قوله تعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ [الأنبياء:96] هما أمتان عظيمتان. وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ [الأنبياء:96] في طريقهم إلى البشرية. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [الأنبياء:97]. وهو يوم الساعة يوم القيامة عندما تقوم القيامة. فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:97]. وهم يقولون: يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا [الأنبياء:97]. ثم يكذبون أنفسهم فيقولون: بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97]. وثم يتم العذاب والجزاء.