تفسير سورة الأنبياء (5)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء:30-33].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا عز وجل: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]. المراد من الذين كفروا أي: كفروا بالله رباً وإلهاً، وكفروا بتوحيد الله والإيمان بالله، وكفروا برسالة رسوله، وكفروا بلقاء الله والبعث الآخر، وما يتم فيه من جزاء، فهؤلاء الكافرون أبيضهم كأسودهم، وأولهم كآخرهم، يكفرون بالله، وينكرون وجوده ويجحدونه، ويكذبون بتوحيده وينفونه، أو يكذبون برسله، وعلى رأسهم إمامهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى لهم: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:30] أعظم آية تدل على وجود الله، وعلى علم الله، وعلى قدرة الله، وعلى حكمة الله؟ ومن ثم يعرفون أنه لا إله إلا هو، ولا ألوهية لغيره، ولا يعبد سواه.

معنى الرتق

قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا [الأنبياء:30]. والرتق هو: الاتصال ببعضها البعض، واعلموا أن القرآن الكريم كما قال علي بن أبي طالب : القرآن حمال الوجوه. ففي هذه الآية وجهان صحيحان سليمان من قال بهما لم يخطئ.

الوجه الأول: أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة من سديم وبخار، ثم فتقهما الله عز وجل، فجعل سبع سماوات، وجعل سبع أرضين من تلك الكتلة، فقد كَانَتَا رَتْقًا [الأنبياء:30]. والرتق: الكتلة، ومنه امرأة رتقاء إذا كان فرجها ملتحماً، ويقولون: امرأة فتقاء رتقاء.

والله تعالى يقول هنا: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:30] بنا وجحدوا آياتنا وكذبوا برسلنا، وكذبوا لقاءنا، وكذبوا ما يجب لنا عليهم من عبادة وطاعة، أولم ينظروا إلى السماوات والأرض بأبصارهم كيف كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30]؟

والوجه الثاني: أن السماء الآن رتقاء، والأرض كذلك، فينزل الماء من السماء فتنشق السماء فتنزل الأمطار، وتنشق الأرض فتنبت النباتات. فيكون معنى قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30] أي: فتحناهما وفرقنا بينهما. والوجهان مشرقان صحيحان.

فقد كانت السموات والأرض قبل خلقهما كتلة من سديم أو بخار، ففتقهما الله، وجعل سبع سماوات وسبع أرضين.

والوجه الثاني: كَانَتَا رَتْقًا [الأنبياء:30] لا ينزل من السماء مطر ولا تنشق ولا تتحلل، والأرض كذلك، فأنزل الله تعالى ماء السماء على الأرض، فتتحلل الأرض ويدخلها الماء، وتنبت النباتات، وتتكون الأشجار والثمار. والذي فعل هذا هو الله، ولا يقول أحد: إنه غير الله أبداً، والملاحدة يقولون: لا ندري، والعلمانيون يقولون: العلم، والشيوعيين يقولون: لا إله والحياة مادة، ويقولون: الطبيعة، وكل هذا تخبط وحيرة وفتنة، والطريق الصحيح السليم أن نؤمن بالله خالق كل شيء، ورب كل شيء، وإله المخلوقات، وبيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، ولا عجب. والآن الملايين والبلايين من العرب والعجم ومن كل أجناس العالم الذين يؤمنون بالله منهم واحد في الألف أو واحد في المليون، والبقية لا يؤمنون؛ لأنهم لا ينظرون، كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ [الأنبياء:30] فإذا نظروا وتأملوا علموا أنها كانت رتقاء ففتقها الله وحلها، وجعل فيها هذه السماوات السبع والأرضين السبع، وإن بعد هذا عنهم لم يصدقوا أخبار الأنبياء، والرسل يخبرون بهذا الخبر، أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة من سديم أو بخار، ثم حللها الله وفتقها، وجعل منها السماوات والأرضين، فإن عموا عن هذا وبعد عنهم فلينظروا إلى السماء الآن وسيرون أن المطر ينزل منها، وسيعلمون من فتقها وفتحها، وأنها ليست أيديهم ولا صواريخهم، فهم لا يضربون السماء حتى ترطب وتمطر الأمطار. وكذلك الأرض الذي يفتحها ويحلها ويفتقها الله، فهو الذي يفتق السماء والأرض، فليؤمنوا به، ولكن بعضهم جهلة عميان لا يعرفون شيئاً، وبعضهم يحملهم على الكفر عنادهم، والطلب لعزتهم وكمالهم، فهم لا يريدون أن يسلموا حتى لا يصبحون كغيرهم من الناس، وبعضهم مفتون فتنة شيطانية، لا هم له إلا أن يعلم الناس الضلال والكفر، والعياذ بالله. والله تعالى يقول وقوله الحق: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:30] بنا وبآياتنا وبرسلنا وبلقائنا وبشرائعنا وبرحمتنا، وينظرون إلى السماوات والأرض، وأنها كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30].

الماء أصل الحياة

قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]. وهذه نظرية أخرى، وهي: أن كل شيء حي أصله الماء، فالشجر والنباتات والحيوانات والجن وجميع المخلوقات الأصل فيها الماء، فقد جعل الله تعالى من الماء كل شيء حي، فإذا رأيت حياة في كائن من الكائنات فقل: أصلها الماء، ولولا الماء ما كان. ولم يفعل هذا أجدادنا ولا آباؤنا ولا صناعنا، وإنما الله الذي أخبر عن نفسه وقال: وَجَعَلْنَا [الأنبياء:30]، أي: نحن رب العزة والجلال والكمال مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]. فكل حي تشاهدونه في الأرض أصله الماء، من حبة الخردل إلى النخلة .. إلى الزيتونة .. إلى الرمانة .. إلى غير ذلك، فهذه النباتات على اختلافها وتنوعها الأصل فيها الماء، والماء لم يخلقه آباؤنا ولا أجدادنا، بل لو تجتمع البشرية كلها على خلق قطرة من الماء والله ما تخلقها، ولا تقدر عليها. إذاً: فليؤمنوا. ولكن السبب الذي منعهم من الإيمان هو ما علمتم، وهو أن بعضهم جهال مقلدون عميان، وبعضهم يعرفون ويكفرون للحفاظ على مناصبهم أو مراكزهم، وبعضهم يكفرون بسبب العناد والمكابرة، فيقولون: لن نسلك ولن نمشي وراءك يا محمد!

وهكذا يقول تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30]؟ أي: ما المانع أن يؤمنوا؟ وأي شيء يصرفهم عن الإيمان، وأن يقولوا: آمنا بالله .. آمنا بلقاء الله .. آمنا برسول الله .. آمنا بكتاب الله .. آمنا بشرع الله، ويقبلون ويقدمون أنفسهم ووجوههم لله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويعيشون على طاعة الله وطاعة رسول الله، فيكملون في آدابهم وأخلاقهم، ومعارفهم وعلومهم، ويسعدون في أنفسهم وفي حياتهم الدنيا، وأما الآخرة فهي دار السعادة لهم بحق؟ ولذلك قال تعالى: أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30]؟ فهو يوبخهم هنا؛ إذ لم يصرفهم عن الإيمان صارف، ولم يمنعهم مانع من الإيمان بالله، وهو خالقهم ورازقهم، وخالق كل شيء، ومدبر كل شيء، وهو الذي يحيي ويميت، وهم يشاهدون الحياة والموت في كل مكان، فليسألوا: من يفعل هذا؟ فيجابون: إنه الله، الذي هو فوق سماواته السبع، يدبر الكون كله، وله قدرة عظيمة لا يحدها شيء، وله جميع الكمالات، وصفاته في كتابه واضحة بينة، ولكنهم لا يسألون أبداً ولا يفكرون، فالشياطين قد أعمتهم وأغلقت قلوبهم، فهم لا يفهمون أبداً.

قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا [الأنبياء:30]. والرتق هو: الاتصال ببعضها البعض، واعلموا أن القرآن الكريم كما قال علي بن أبي طالب : القرآن حمال الوجوه. ففي هذه الآية وجهان صحيحان سليمان من قال بهما لم يخطئ.

الوجه الأول: أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة من سديم وبخار، ثم فتقهما الله عز وجل، فجعل سبع سماوات، وجعل سبع أرضين من تلك الكتلة، فقد كَانَتَا رَتْقًا [الأنبياء:30]. والرتق: الكتلة، ومنه امرأة رتقاء إذا كان فرجها ملتحماً، ويقولون: امرأة فتقاء رتقاء.

والله تعالى يقول هنا: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:30] بنا وجحدوا آياتنا وكذبوا برسلنا، وكذبوا لقاءنا، وكذبوا ما يجب لنا عليهم من عبادة وطاعة، أولم ينظروا إلى السماوات والأرض بأبصارهم كيف كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30]؟

والوجه الثاني: أن السماء الآن رتقاء، والأرض كذلك، فينزل الماء من السماء فتنشق السماء فتنزل الأمطار، وتنشق الأرض فتنبت النباتات. فيكون معنى قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30] أي: فتحناهما وفرقنا بينهما. والوجهان مشرقان صحيحان.

فقد كانت السموات والأرض قبل خلقهما كتلة من سديم أو بخار، ففتقهما الله، وجعل سبع سماوات وسبع أرضين.

والوجه الثاني: كَانَتَا رَتْقًا [الأنبياء:30] لا ينزل من السماء مطر ولا تنشق ولا تتحلل، والأرض كذلك، فأنزل الله تعالى ماء السماء على الأرض، فتتحلل الأرض ويدخلها الماء، وتنبت النباتات، وتتكون الأشجار والثمار. والذي فعل هذا هو الله، ولا يقول أحد: إنه غير الله أبداً، والملاحدة يقولون: لا ندري، والعلمانيون يقولون: العلم، والشيوعيين يقولون: لا إله والحياة مادة، ويقولون: الطبيعة، وكل هذا تخبط وحيرة وفتنة، والطريق الصحيح السليم أن نؤمن بالله خالق كل شيء، ورب كل شيء، وإله المخلوقات، وبيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، ولا عجب. والآن الملايين والبلايين من العرب والعجم ومن كل أجناس العالم الذين يؤمنون بالله منهم واحد في الألف أو واحد في المليون، والبقية لا يؤمنون؛ لأنهم لا ينظرون، كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ [الأنبياء:30] فإذا نظروا وتأملوا علموا أنها كانت رتقاء ففتقها الله وحلها، وجعل فيها هذه السماوات السبع والأرضين السبع، وإن بعد هذا عنهم لم يصدقوا أخبار الأنبياء، والرسل يخبرون بهذا الخبر، أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة من سديم أو بخار، ثم حللها الله وفتقها، وجعل منها السماوات والأرضين، فإن عموا عن هذا وبعد عنهم فلينظروا إلى السماء الآن وسيرون أن المطر ينزل منها، وسيعلمون من فتقها وفتحها، وأنها ليست أيديهم ولا صواريخهم، فهم لا يضربون السماء حتى ترطب وتمطر الأمطار. وكذلك الأرض الذي يفتحها ويحلها ويفتقها الله، فهو الذي يفتق السماء والأرض، فليؤمنوا به، ولكن بعضهم جهلة عميان لا يعرفون شيئاً، وبعضهم يحملهم على الكفر عنادهم، والطلب لعزتهم وكمالهم، فهم لا يريدون أن يسلموا حتى لا يصبحون كغيرهم من الناس، وبعضهم مفتون فتنة شيطانية، لا هم له إلا أن يعلم الناس الضلال والكفر، والعياذ بالله. والله تعالى يقول وقوله الحق: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:30] بنا وبآياتنا وبرسلنا وبلقائنا وبشرائعنا وبرحمتنا، وينظرون إلى السماوات والأرض، وأنها كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30].

قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]. وهذه نظرية أخرى، وهي: أن كل شيء حي أصله الماء، فالشجر والنباتات والحيوانات والجن وجميع المخلوقات الأصل فيها الماء، فقد جعل الله تعالى من الماء كل شيء حي، فإذا رأيت حياة في كائن من الكائنات فقل: أصلها الماء، ولولا الماء ما كان. ولم يفعل هذا أجدادنا ولا آباؤنا ولا صناعنا، وإنما الله الذي أخبر عن نفسه وقال: وَجَعَلْنَا [الأنبياء:30]، أي: نحن رب العزة والجلال والكمال مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]. فكل حي تشاهدونه في الأرض أصله الماء، من حبة الخردل إلى النخلة .. إلى الزيتونة .. إلى الرمانة .. إلى غير ذلك، فهذه النباتات على اختلافها وتنوعها الأصل فيها الماء، والماء لم يخلقه آباؤنا ولا أجدادنا، بل لو تجتمع البشرية كلها على خلق قطرة من الماء والله ما تخلقها، ولا تقدر عليها. إذاً: فليؤمنوا. ولكن السبب الذي منعهم من الإيمان هو ما علمتم، وهو أن بعضهم جهال مقلدون عميان، وبعضهم يعرفون ويكفرون للحفاظ على مناصبهم أو مراكزهم، وبعضهم يكفرون بسبب العناد والمكابرة، فيقولون: لن نسلك ولن نمشي وراءك يا محمد!

وهكذا يقول تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30]؟ أي: ما المانع أن يؤمنوا؟ وأي شيء يصرفهم عن الإيمان، وأن يقولوا: آمنا بالله .. آمنا بلقاء الله .. آمنا برسول الله .. آمنا بكتاب الله .. آمنا بشرع الله، ويقبلون ويقدمون أنفسهم ووجوههم لله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويعيشون على طاعة الله وطاعة رسول الله، فيكملون في آدابهم وأخلاقهم، ومعارفهم وعلومهم، ويسعدون في أنفسهم وفي حياتهم الدنيا، وأما الآخرة فهي دار السعادة لهم بحق؟ ولذلك قال تعالى: أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30]؟ فهو يوبخهم هنا؛ إذ لم يصرفهم عن الإيمان صارف، ولم يمنعهم مانع من الإيمان بالله، وهو خالقهم ورازقهم، وخالق كل شيء، ومدبر كل شيء، وهو الذي يحيي ويميت، وهم يشاهدون الحياة والموت في كل مكان، فليسألوا: من يفعل هذا؟ فيجابون: إنه الله، الذي هو فوق سماواته السبع، يدبر الكون كله، وله قدرة عظيمة لا يحدها شيء، وله جميع الكمالات، وصفاته في كتابه واضحة بينة، ولكنهم لا يسألون أبداً ولا يفكرون، فالشياطين قد أعمتهم وأغلقت قلوبهم، فهم لا يفهمون أبداً.

قال تعالى: وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ [الأنبياء:31]. جمع راسية أو راسٍ، وهو الثابت، ومنه رست السفينة أي: ثبتت، والذي جعل هو الله ربنا ورب كل شيء، فهو الذي جعل هذه الأرض التي نعيش على سطحها، وتحملنا أحيان على ظهرها، وأمواتاً في بطنها، كما قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا [المرسلات:25-26]. فالأحياء على ظهر الأرض، وليس في بطنها، والأموات ليسوا على ظهرها، وإنما في بطنها. وسبحان الله العظيم! فهي كالمرأة إذا ولدت ولداً تحمله على ظهرها، ولا تدخله في بطنها، ولهذا قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا [المرسلات:25]، أي: كافية. أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا [المرسلات:26-27]. ولا يمتن بهذه المنن أحد سوى الله. فليفكروا وليعقلوا وليتدبروا.

وسورة وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] من عجيب القرآن. ويذكر ابن عباس ويقول: لقد حفظتها أمي لما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بها المغرب في مسجده هذا. فقد سمعتها مرة فحفظتها، ونحن نقرؤها أعواماً ولا نحفظها، وهي صلت المغرب وراء الرسول صلى الله عليه وسلم فقرأ في صلاة المغرب: بالمرسلات فحفظتها. وفيها قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:25-28]. فيا ويلهم! لأن من كذب الله وكذب رسوله لم تطب نفسه، ولن تزكو وتطهر، ولن تكون إلا أخبث ما تكون، وأصحاب الأنفس الخبيثة مصيرهم والله جهنم في عالم الشقاء، وهي النار وبئس القرار، فهي مصير كل ذي نفس خبيثة والعياذ بالله. ‏

الفلاح مرهون بزكاة النفس والخسران مرهون بتدسيتها

الذي لا يؤمن بالله ولقائه ولا يعمل صالحاً، ولا يتجنب فاسداً لن تزكو نفسه أبداً. وهذه الحقيقة الناس عنها غافلون. فنذكرهم ونقول: يا زوارنا الكرام! اعلموا أن الله قد حكم حكماً، وحكمه لا يعقب عليه، فقال: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]. هذا الحكم العظيم يقول تعالى فيه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. فقد صدر حكم الله. ومفهوم هذا الحكم: أنه قد أفلح من زكى نفسه، وقد خاب وخسر من دسى نفسه. والإنسان هو الذي يزكي نفسه وهو الذي يخبثها، إلا أن الله عز وجل أنزل المزكيات، وبين المخبثات، فما أمر الله باعتقاده أو قوله أو عمله أو الاتصاف به ففعله مزكٍ للنفس، مطهر لها، وكل ما نهى الله عنه وحرمه وندد بأصحابه وتوعدهم بعذابه ففعل ذلك أو اعتقاده أو قوله والله إنه لمدسٍ للنفس ومخبث لها، فقد قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. ومعنى أفلح: نجح، كما تقولون في الامتحانات أو في التجارة، فأفلح: فاز، والفوز الحق ليس هو ربحك الدار والعمارة، ولا البعير والسيارة، بل الفوز الحق هو أن تزحزح هكذا بعيداً عن النار، وتدخل الجنة، واسمعوا بيان الله في ذلك، فقد قال: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]. وهذا الحكم لن ينقضه أحد، لا أمريكا ولا روسيا التي تعنترت وكفرت بالله، فهي لم تستطاع أن تحيي ستالين أو لينين ، فقد اجتمع أطباءهم كلهم، وقاموا وقعدوا، ولكنه مات رغم أنوفهم. فليؤمنوا بالله. إذاً: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185] حق. ولا أحد ينقض هذا الحكم، وهكذا أحكام الله لا تنقض: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]. وهذا الخبر واضح. فاسمعوا يا معشر العمال! لا تطالبوا الله بالأجر اليوم، فأجركم يوم ينتهي عملكم، فأجر العمل لا تأخذه من أول النهار، وإنما تأخذه آخر النهار، وإذا كان شهرياً لم تأخذه أول الشهر، وإنما آخره، وكذلك أعمالنا كلها الجزاء عليها بعد الموت، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، وكيفية توفينا أجورنا كما قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]. فهذا الفوز هو أن تبعد عن عالم الشقاء، وأن تجد نفسك في عالم السعادة الجنة دار الأبرار.

سبب إرساء الأرض بالجبال

قال تعالى: وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ [الأنبياء:31]. وتميد: تميل، وإذا الجبال مالت وتحركت فإن الأرض تخسف بالناس. والجبال جمع جبل، مثل جبال التبت، وجبال كذا، والعالم بأسره فيه جبال. وهذه الجبال لم يوجدها أجدادنا، ولم يجمعوا لها الطين والتراب، وإنما أوجد هذه الجبال الله، والله هو خالقنا ورازقنا، ورب كل شيء ومليكه، فلنقل: آمنا به.

وربنا يحب ما شيئاً نقدمه، فهو يحب ذكره وشكره، فاذكروه واشكروه. وهو يكره شيئاً ويبغضه ولا يحبه منا، فهو يبغض المفاسد والشرور والخبث من كل نوع، فعلينا أن نتجنبها.

وقد جعل الجبال رَوَاسِيَ [الأنبياء:31] والسبب هو: أَنْ تَمِيدَ [الأنبياء:31]، أي: كراهة أن تميد بهم، وإذا مادت بهم هلكوا.

فقوله: وَجَعَلْنَا فِيهَا [الأنبياء:31]، أي: في الأرض فِجَاجًا سُبُلًا [الأنبياء:31]. ويصح أيضاً أن تقول: جعلنا في الجبال -أي: بينها- طرقاً وسبلاً. والقرآن حمال الوجوه، فالكل صحيح أيضاً.

فقوله: وَجَعَلْنَا فِيهَا [الأنبياء:31] أي: في الأرض، فِجَاجًا سُبُلًا [الأنبياء:31]. جمع فج، وهو: الطريق الواسع، والسبل جمع سبيل، وهو: الطريق المفتوح؛ حتى نصل إلى أغراضنا وأهدافنا. والذي جعل هذه الطرق بين الجبال وجعلها في الأرض هو الله، وأما نحن فلم نفعل شيئاً أبداً. وهذا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء:31] إلى مصالحهم وحاجاتهم، وأغراضهم وأهدافهم، ولولا السبل والطرق لما تعرفت أنت منزلك، ولم تعرف بستانك، ولم تعرف بلادك. فالله هو الذي أوجد هذه السبل، وهذه الفجاج الواسعة في العالم، فهيا نحمده قائلين: الحمد لله. ولنحمده على هذا الإنعام كله، وأنت الذي يصنع لك إبرة فقط تشكره وتثني عليه، والذي يهبك الحياة بكاملها لا تقول له: الحمد لله! فالحمد لله. وذكر الله وشكره علة هذه الحياة، وسر هذا الوجود.

فهو تعالى يقول معلماً مربياً هادياً: وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء:31]، أي: كي يهتدوا.

الذي لا يؤمن بالله ولقائه ولا يعمل صالحاً، ولا يتجنب فاسداً لن تزكو نفسه أبداً. وهذه الحقيقة الناس عنها غافلون. فنذكرهم ونقول: يا زوارنا الكرام! اعلموا أن الله قد حكم حكماً، وحكمه لا يعقب عليه، فقال: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]. هذا الحكم العظيم يقول تعالى فيه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. فقد صدر حكم الله. ومفهوم هذا الحكم: أنه قد أفلح من زكى نفسه، وقد خاب وخسر من دسى نفسه. والإنسان هو الذي يزكي نفسه وهو الذي يخبثها، إلا أن الله عز وجل أنزل المزكيات، وبين المخبثات، فما أمر الله باعتقاده أو قوله أو عمله أو الاتصاف به ففعله مزكٍ للنفس، مطهر لها، وكل ما نهى الله عنه وحرمه وندد بأصحابه وتوعدهم بعذابه ففعل ذلك أو اعتقاده أو قوله والله إنه لمدسٍ للنفس ومخبث لها، فقد قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. ومعنى أفلح: نجح، كما تقولون في الامتحانات أو في التجارة، فأفلح: فاز، والفوز الحق ليس هو ربحك الدار والعمارة، ولا البعير والسيارة، بل الفوز الحق هو أن تزحزح هكذا بعيداً عن النار، وتدخل الجنة، واسمعوا بيان الله في ذلك، فقد قال: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]. وهذا الحكم لن ينقضه أحد، لا أمريكا ولا روسيا التي تعنترت وكفرت بالله، فهي لم تستطاع أن تحيي ستالين أو لينين ، فقد اجتمع أطباءهم كلهم، وقاموا وقعدوا، ولكنه مات رغم أنوفهم. فليؤمنوا بالله. إذاً: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185] حق. ولا أحد ينقض هذا الحكم، وهكذا أحكام الله لا تنقض: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]. وهذا الخبر واضح. فاسمعوا يا معشر العمال! لا تطالبوا الله بالأجر اليوم، فأجركم يوم ينتهي عملكم، فأجر العمل لا تأخذه من أول النهار، وإنما تأخذه آخر النهار، وإذا كان شهرياً لم تأخذه أول الشهر، وإنما آخره، وكذلك أعمالنا كلها الجزاء عليها بعد الموت، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، وكيفية توفينا أجورنا كما قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]. فهذا الفوز هو أن تبعد عن عالم الشقاء، وأن تجد نفسك في عالم السعادة الجنة دار الأبرار.