فقه العبادات - الصلاة [17]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخوتي المشاهدين والمشاهدات! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن ينفعنا بما نسمع ونقول، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أيها الإخوة والأخوات! كنا قد تحدثنا في درس سابق عن بعض مسائل الصلاة التي ذكر أهل العلم بأنها مكروهة، وذكرنا الخلاف: هل هي مكروهة أم لا؟ على تفاصيل وتفريعات لعلها تكون كافيةً بما يتناسب مع الوقت الذي قد خصص لهذا البرنامج.

ولعلنا نكمل بعض المسائل التي ذكر أهل العلم أنه يجوز للإنسان أن يفعلها حال الصلاة.

عد الآيات في الصلاة

الشيخ: فمن المسائل التي ذكرها أهل العلم مسألة عد الآي، هل يجوز للإنسان أن يعد الآيات، أو يعد التسبيحات، بحيث إذا ركع وقال: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم أو كان في صلاة العيد يكبر سبعاً في الركعة الأولى، وخمساً في الركعة الثانية، فهل له أن يعد بإصبعه أم لا؟

جاء في ذلك حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعد الآي في الصلاة)، ولكن هذا الحديث ضعيف، ولا يصح في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث.

وأحسن شيء في الباب ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيده)، وفي رواية: (بيمينه)، وهذا الحديث ضعيف؛ تفرد به محمد بن قدامة ، و محمد بن قدامة لا يصح تفرده، ولهذا فالذي يظهر أن أصح الروايات في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيده)، وهذا سواء كان في صلاة أو خارج الصلاة فكل ذلك يدل على الجواز.

وقد كان بعض السلف كـأبي عبد الرحمن السلمي و الحسن البصري وغيرهما يرون أنه لا بأس بعد الآي في الصلاة، وهذا يدل على جوازه.

ومما يدل على جوازه أيضاً ما رواه أهل السنن من حديث سليمان بن يسار : ( كان أمير مكة يصلي بنا، يقول: فحزرنا قيامه فركوعه قدر عشر تسبيحات، ثم قال في آخر الحديث: قال أبو هريرة : إن هذا لأشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم)، وجه الدلالة قوله: (فحزرنا) وهذا الحزر لا يتأتى في الغالب إلا بمساعدة الأصابع.

وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية)، وهذا لا يتأتى في الغالب إلا مع نوع حزر وعد، ولهذا لا حرج إن شاء الله أن يعد الإنسان بأصابعه أو بقلبه، فكل ذلك جائز، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الفتح على الإمام

الشيخ: ومن المسائل أيضاً الفتح على الإمام، يعني: إذا أخطأ الإمام في القراءة أو غيرها فإنه يفتح عليه، والفتح على الإمام أنواع:

النوع الأول: أن يفتح على إمامه في ركن، سواء كان ركناً قولياً أو فعلياً، والركن القولي مثل الفاتحة، فإذا أخطأ الإمام ولحن لحناً يحيل المعنى في قراءة الفاتحة، فإن الراجح أنه يجب عليه أن يفتح عليه، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، ومنهم مالك و الشافعي و أحمد ؛ خلافاً لـأبي حنيفة لأنه لا يرى وجوب الفاتحة إلا في ركعتين، فإذا كان قد قرأ في بعض ذلك فإنه يرى أن ذلك مباح، والراجح أنه إذا كان في الفاتحة فإنه يجب عليه أن يفتح على إمامه.

النوع الثاني: أن يفتح على إمامه إذا أخطأ الإمام في ركن، مثل أن يقوم في موضع الجلوس، أو جلس والواجب أن يقوم؛ على المؤتم فيجب أن يبين لإمامه لأجل ألا يختلف عليه الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فلا تختلفوا علي)، وهذا من الاختلاف، فحينما يعلمون أنه أخطأ ويطلب منهم المساعدة فلابد من الفتح عليه، ويخطئ في ذلك بعض الناس حينما لم يفتح على إمامه.

النوع الثالث: الفتح على الإمام في قراءة ليست واجبة، مثل أن يقرأ بعد الفاتحة سورة، فإن الحنابلة والمالكية قالوا: إن الفتح على الإمام في غير الفاتحة من القراءة جائز.

وذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه مستحب، وهو أيضاً مذهب أبي حنيفة ؛ لأن أبا حنيفة لا فرق عنده بين الفاتحة وغيرها.

ولعل ما ذهب إليه الشافعي أقرب، فقد روى أهل السنن: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، فلما سلم قال لـأبي بن كعب : أكنت صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك أن تفتح علي؟).

وهذا يدل على أنه ينبغي أن يفتح على الإمام، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)، وهذا يدل على الأمر، ولا فرق بين أن يكون الفتح بالقراءة أو غيرها، والخلاف إنما هو في الاستحباب أو الوجوب، وعلى هذا فالراجح هو مذهب الشافعي رحمه الله أن الفتح على الإمام في قراءة ليست واجبة مستحب لحديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني).

قتل الحية والعقرب في الصلاة

الشيخ: ومن المسائل أيضاً جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة، وقد جاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الأسودين في الصلاة)، والمقصود بالأسودين هما الحية والعقرب.

وهذا الحديث إسناده جيد، فإنه يرويه ضمضم بن جوس ، عن أبي هريرة ، وإسناده لا بأس به، وقد صححه غير واحد من أهل العلم.

وقد قسم الفقهاء رحمهم الله الحركة في الصلاة إلى أحوال:

الحال الأولى: إذا كانت الحركة كثيرة من غير ضرورة ولا تفريق بينهما -يعني ما بين ركعة وركعة ثانية- فإنها مبطلة للصلاة ولو سهواً، فإن أطال الفعل عرفاً من غير ضرورة ولا تفريق تبطل الصلاة ولو كان عن سهو؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الصلاة لشغلاً)، كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، وقال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)، والحركة الخارجة عن الصلاة هي من أفعال الناس وليست من العبادة، فقالوا: إنها مبطلة.

والراجح والله أعلم أن ذلك إن كان عن عمد فإن الصلاة تبطل، وهذا مذهب الحنابلة وإن كان يريد أن يقتل الحية والعقرب وكان التحرك طويلاً كأن بدأ يلاحقها بحيث يظن من رآه أنه خارج الصلاة فإن صلاته باطلة؛ لأنه فعل ذلك متعمداً.

الحال الثانية: إن كانت الحركة يسيرة بحيث انحرف عن القبلة فإن الصلاة باطلة؛ لأنه فعل ذلك متعمداً، وهو يعلم أنه في الصلاة.

الحال الثالثة: أن يفعل ذلك ساهياً، وصورتها فيما لو سلم الإمام ولم يكمل الصلاة، فتحرك المأموم، فهذه الحركة ولو طالت من غير ضرورة ولا تفريق فإن الصلاة صحيحة خلافاً للحنابلة.

ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عمران بن حصين في قصة ذي الخويصرة حينما قال: (صلينا صلاة الظهر ثلاث ركعات، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته، ثم أخبر فخرج يجر إزاره، ثم أكمل بهم ركعة).

وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم تحرك فخرج من المسجد، ثم ذهب إلى بيته، وقد حل بعض ثيابه، ثم خرج، فهذه كلها حركات، ويدل ذلك على أن هذه الحركة وإن كثرت لا تبطل لأن هذه الإطالة لمصلحة الصلاة، ولهذا كان الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطل الصلاة، كما في قصة ذي اليدين ، فإنه قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : (أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: لم أنس ولم تقصر، قال: بلى قد نسيت)، وهذا كلام لمصلحة الصلاة، فلا حرج إن شاء الله، ولكن إذا طال الفصل جداً بطلت الصلاة، فالبطلان هنا لأجل إطالة الفصل لا لأجل الحركة، خلافاً للحنابلة فإنهم يقولون: لأجل الحركة، وأما الإطالة فهي شيء آخر، فهم يرون البطلان من وجهين: إن طال الفصل، أو طالت الحركة.

والراجح أنه إن طالت الحركة ولم يطل الفصل فلا حرج في ذلك إذا كان ذلك لمصلحة الصلاة، كما في قصة ذي اليدين، وكما في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

التسبيح للرجال والتصفيق للنساء عندما ينوب الإمام شيء في صلاته

الشيخ: ومن المسائل أيضاً أنه إذا ناب الإمام شيء في صلاته فإن كان المأموم رجلاً فإنه يسبح، وإذا كان امرأةً فإنها تصفق لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : (التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء)، وفي رواية: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفق النساء)، وهذا يدل على أن المرأة إذا نابها شيء في صلاتها فإنها تصفق.

وصفة التصفيق كما ذكر بعض الفقهاء كالحنابلة فقالوا: تصفق بظهر كفها مع باطن الأخرى؛ لأجل ألا يكون فيه نوع من الطرب وغير ذلك؛ لأن بعض الفقهاء منع أن تصفق المرأة براحتيها؛ لأن هذا الصوت له أثر من حيث الطرف.

والراجح والله أعلم أنه يجوز أن تصفق المرأة سواء بظهر كف مع باطنه الآخر كما قال بعض الفقهاء، أو بباطن راحتيها بالراحة الأخرى فكل ذلك جائز؛ لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

وهذا يدل على أن الفقهاء رحمهم الله كانوا يتورعون من إقدام النساء على مخالطة الرجال، أو على الدخول في أتون مجالس الرجال، حتى لا يقع في ذلك إغراء وغير ذلك، ولكن نقول: إن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم مطلقة، وإن كان بعض الفقهاء قد نظر إلى المعنى، وهذا يعطينا دلالة على أن ما يريده بعض المغرضين من استلال بعض الكلمات التي تأتي من هنا أو هناك من كلام بعض الفقهاء لا يسعفهم؛ لأنهم كانوا رضي الله عنهم وأرضاهم سداً منيعاً ضد أي انفتاح أو غير ذلك مما يريده المغرضون، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27]، وعلى هذا فإن المرأة تصفق.

قال بعض الفقهاء: فإن كان زوجها أو بعض محارمها يصلي بها وليس ثمة أجانب فلو سبحت فجائز، خاصةً إذا لم يستطع المصلي أن يفقه شيئاً من صلاته، بحيث لو صفقت وهو لا يدري فربما قام وربما جلس، فلو قالت بعض الآيات التي تبين له الفعل مثل أن تقول: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، فلا حرج، والرجل مثلها. وسوف يأتي إن شاء الله تفصيل هذه المسائل في مسألة الكلام في الصلاة.

البصاق في الصلاة

الشيخ: من المسائل أيها الإخوة والأخوات! البصاق في الصلاة. والبصاق في الصلاة أقسام:

القسم الأول: أن يبصق تلقاء وجهه وهو يصلي أو يبصق عن يمينه وهذا القسم محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه ما دام هو يصلي، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً، ولكن عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها)، والحديث رواه البخاري من حديث أبي هريرة .

وعلى هذا فلا يجوز أن يبصق الإنسان تلقاء وجهه، ولهذا عندما ( رأى صلى الله عليه وسلم نخاعةً في قبلة المسجد جعل يحكها ويقول: أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإن الله قبل وجه أحدكم إذا كان يصلي).

وفي حديث الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن الله قبل وجه أحدكم، فإذا التفت فإن الله يلتفت عنه)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا هذا الحديث وقلنا: إسناده جيد، وهذا يدل على أن العبد إذا صلى فإن الله يكون قبل وجهه، وهذا إقبال من الله يليق بجلاله وعظمته، وهو مستو على عرشه، بائن من خلقه، كما قال أهل السنة والجماعة، وقرره أبو العباس بن تيمية في كتابه العظيم العقيدة الواسطية، وذكر هذا الحديث في صفة القرب، وبين أن هذا القرب قرب يليق بجلاله وعظمته، وهو عال على خلقه، مستو على عرشه جل جلاله، وتقدست أسماؤه.

فهذا القسم الأول، وهو أن يتنخع المصلي قبل وجهه أو عن يمينه.

القسم الثاني: أن يتنخع عن يساره أو تحت قدمه، فهذا إن كان يستطيع أن يتنخع بمنديل أو بثوب فإنه ينبغي له أن يصنع ذلك؛ لما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أو يصنع هكذا وبصق بثوبه ثم جعل يحكه بثوبه )، وهذا يدل على أنه ينبغي أن يصنع ذلك، فإن كان لا يستطيع فينظر، فإن كان في المسجد فإنه لا يجوز أن يبصق في المسجد؛ لما جاء في صحيح البخاري من حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)، وهذا يدل على أن البصاق في المسجد محرم، حتى لو دفنها بعد ذلك فإن ذلك محرم.

وأما ما ذكره بعض الفقهاء كـالقاضي عياض: أن البصاق لا بأس به إذا كان يدفنها؛ لأن البصاق خطيئة ودفنها حسنة، ولكن الراجح هو مذهب عامة أهل العلم أن البصاق في المسجد محرم، سواء كان في قبلة المسجد أو في المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من الكلام، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن).

وفي حديث أنس عندما بال الرجل في المسجد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن المساجد لم تبن لهذا، إنما بنيت لذكر الله، والصلاة وقراءة القرآن ).

وهذا يدل على وجوب تطهير المساجد، وقد قالت عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب)، والحديث عند أبي داود، وبعض الفقهاء قد ضعفه، فهذا يدل على أن البصاق في المسجد لا يجوز، وأما إذا كان ليس في المسجد، مثل أن يكون خارج المسجد فإنه يبصق تحت قدمه أو عن يساره فيدفنها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري : (ولكن عن يساره تحت قدمه فيدفنها)، والله أعلم.

وأما إن ابتدرته بحيث لا يستطيع أن يجد منها مناصاً، فإن بعض أهل العلم قال: إذا كان في المسجد تراب فدفنها فلا حرج لتعارض أمرين؛ لأنه لو ابتلعها بعدما خرجت عالماً ذاكراً مختاراً بطلت صلاته؛ لأن لها جرماً، فأصبحت مثل الأكل والشرب، ولو بصق فدفن فإن هذه خطيئة ولكن كفارتها دفنها، ولعل هذا القول قوي، وهو إذا كان في المساجد مثل الرمال، وأما المساجد التي تكون فيها الفرش فإنه يبصق بثوبه، فإذا شق ذلك عليه فلا حرج أن يقطع صلاته إذا كانت لها جرم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: فمن المسائل التي ذكرها أهل العلم مسألة عد الآي، هل يجوز للإنسان أن يعد الآيات، أو يعد التسبيحات، بحيث إذا ركع وقال: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم أو كان في صلاة العيد يكبر سبعاً في الركعة الأولى، وخمساً في الركعة الثانية، فهل له أن يعد بإصبعه أم لا؟

جاء في ذلك حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعد الآي في الصلاة)، ولكن هذا الحديث ضعيف، ولا يصح في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث.

وأحسن شيء في الباب ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيده)، وفي رواية: (بيمينه)، وهذا الحديث ضعيف؛ تفرد به محمد بن قدامة ، و محمد بن قدامة لا يصح تفرده، ولهذا فالذي يظهر أن أصح الروايات في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيده)، وهذا سواء كان في صلاة أو خارج الصلاة فكل ذلك يدل على الجواز.

وقد كان بعض السلف كـأبي عبد الرحمن السلمي و الحسن البصري وغيرهما يرون أنه لا بأس بعد الآي في الصلاة، وهذا يدل على جوازه.

ومما يدل على جوازه أيضاً ما رواه أهل السنن من حديث سليمان بن يسار : ( كان أمير مكة يصلي بنا، يقول: فحزرنا قيامه فركوعه قدر عشر تسبيحات، ثم قال في آخر الحديث: قال أبو هريرة : إن هذا لأشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم)، وجه الدلالة قوله: (فحزرنا) وهذا الحزر لا يتأتى في الغالب إلا بمساعدة الأصابع.

وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية)، وهذا لا يتأتى في الغالب إلا مع نوع حزر وعد، ولهذا لا حرج إن شاء الله أن يعد الإنسان بأصابعه أو بقلبه، فكل ذلك جائز، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: ومن المسائل أيضاً الفتح على الإمام، يعني: إذا أخطأ الإمام في القراءة أو غيرها فإنه يفتح عليه، والفتح على الإمام أنواع:

النوع الأول: أن يفتح على إمامه في ركن، سواء كان ركناً قولياً أو فعلياً، والركن القولي مثل الفاتحة، فإذا أخطأ الإمام ولحن لحناً يحيل المعنى في قراءة الفاتحة، فإن الراجح أنه يجب عليه أن يفتح عليه، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، ومنهم مالك و الشافعي و أحمد ؛ خلافاً لـأبي حنيفة لأنه لا يرى وجوب الفاتحة إلا في ركعتين، فإذا كان قد قرأ في بعض ذلك فإنه يرى أن ذلك مباح، والراجح أنه إذا كان في الفاتحة فإنه يجب عليه أن يفتح على إمامه.

النوع الثاني: أن يفتح على إمامه إذا أخطأ الإمام في ركن، مثل أن يقوم في موضع الجلوس، أو جلس والواجب أن يقوم؛ على المؤتم فيجب أن يبين لإمامه لأجل ألا يختلف عليه الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فلا تختلفوا علي)، وهذا من الاختلاف، فحينما يعلمون أنه أخطأ ويطلب منهم المساعدة فلابد من الفتح عليه، ويخطئ في ذلك بعض الناس حينما لم يفتح على إمامه.

النوع الثالث: الفتح على الإمام في قراءة ليست واجبة، مثل أن يقرأ بعد الفاتحة سورة، فإن الحنابلة والمالكية قالوا: إن الفتح على الإمام في غير الفاتحة من القراءة جائز.

وذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه مستحب، وهو أيضاً مذهب أبي حنيفة ؛ لأن أبا حنيفة لا فرق عنده بين الفاتحة وغيرها.

ولعل ما ذهب إليه الشافعي أقرب، فقد روى أهل السنن: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، فلما سلم قال لـأبي بن كعب : أكنت صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك أن تفتح علي؟).

وهذا يدل على أنه ينبغي أن يفتح على الإمام، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)، وهذا يدل على الأمر، ولا فرق بين أن يكون الفتح بالقراءة أو غيرها، والخلاف إنما هو في الاستحباب أو الوجوب، وعلى هذا فالراجح هو مذهب الشافعي رحمه الله أن الفتح على الإمام في قراءة ليست واجبة مستحب لحديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني).

الشيخ: ومن المسائل أيضاً جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة، وقد جاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الأسودين في الصلاة)، والمقصود بالأسودين هما الحية والعقرب.

وهذا الحديث إسناده جيد، فإنه يرويه ضمضم بن جوس ، عن أبي هريرة ، وإسناده لا بأس به، وقد صححه غير واحد من أهل العلم.

وقد قسم الفقهاء رحمهم الله الحركة في الصلاة إلى أحوال:

الحال الأولى: إذا كانت الحركة كثيرة من غير ضرورة ولا تفريق بينهما -يعني ما بين ركعة وركعة ثانية- فإنها مبطلة للصلاة ولو سهواً، فإن أطال الفعل عرفاً من غير ضرورة ولا تفريق تبطل الصلاة ولو كان عن سهو؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الصلاة لشغلاً)، كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، وقال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)، والحركة الخارجة عن الصلاة هي من أفعال الناس وليست من العبادة، فقالوا: إنها مبطلة.

والراجح والله أعلم أن ذلك إن كان عن عمد فإن الصلاة تبطل، وهذا مذهب الحنابلة وإن كان يريد أن يقتل الحية والعقرب وكان التحرك طويلاً كأن بدأ يلاحقها بحيث يظن من رآه أنه خارج الصلاة فإن صلاته باطلة؛ لأنه فعل ذلك متعمداً.

الحال الثانية: إن كانت الحركة يسيرة بحيث انحرف عن القبلة فإن الصلاة باطلة؛ لأنه فعل ذلك متعمداً، وهو يعلم أنه في الصلاة.

الحال الثالثة: أن يفعل ذلك ساهياً، وصورتها فيما لو سلم الإمام ولم يكمل الصلاة، فتحرك المأموم، فهذه الحركة ولو طالت من غير ضرورة ولا تفريق فإن الصلاة صحيحة خلافاً للحنابلة.

ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عمران بن حصين في قصة ذي الخويصرة حينما قال: (صلينا صلاة الظهر ثلاث ركعات، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته، ثم أخبر فخرج يجر إزاره، ثم أكمل بهم ركعة).

وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم تحرك فخرج من المسجد، ثم ذهب إلى بيته، وقد حل بعض ثيابه، ثم خرج، فهذه كلها حركات، ويدل ذلك على أن هذه الحركة وإن كثرت لا تبطل لأن هذه الإطالة لمصلحة الصلاة، ولهذا كان الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطل الصلاة، كما في قصة ذي اليدين ، فإنه قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : (أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: لم أنس ولم تقصر، قال: بلى قد نسيت)، وهذا كلام لمصلحة الصلاة، فلا حرج إن شاء الله، ولكن إذا طال الفصل جداً بطلت الصلاة، فالبطلان هنا لأجل إطالة الفصل لا لأجل الحركة، خلافاً للحنابلة فإنهم يقولون: لأجل الحركة، وأما الإطالة فهي شيء آخر، فهم يرون البطلان من وجهين: إن طال الفصل، أو طالت الحركة.

والراجح أنه إن طالت الحركة ولم يطل الفصل فلا حرج في ذلك إذا كان ذلك لمصلحة الصلاة، كما في قصة ذي اليدين، وكما في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2580 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2561 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2438 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2389 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2348 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2238 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2235 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2185 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2112 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2091 استماع