شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [3]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النذر.

لا يصح إلا من بالغ عاقل ولو كافراً، والصحيح منه خمسة أقسام:

المطلق، مثل أن يقول: لله عليَّ نذر ولم يسمِّ شيئاً، فيلزمه كفارة يمين.

الثاني: نذر اللجاج والغضب، وهو تعليق نذر بشرط يقصد المنع منه، أو الحمل عليه، أو التصديق، أو التطبيق، فيخير بين فعله وبين كفارة يمين.

الثالث: نذر مباح، كلبس ثوبه، وركوب دابته، فحكمه كالثاني، وإن نذر مكروهاً من طلاق أو غيره استحب أن يكفر ولا يفعله.

الرابع: نذر المعصية، كشرب خمر، وصوم يوم الحيض، والنحر، فلا يجوز الوفاء به ويكفر.

الخامس: نذر التبرر مطلقاً أو معلقاً، كفعل الصلاة والصيام والحج ونحوه، كقوله: إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب، فلله عليَّ كذا، فوجد الشرط لزمه الوفاء به، إلا إذا نذر صدقة بماله كله، أو بمسمى منه يزيد على ثلث الكل، فإنه يجزيه قدر الثلث، وفيما عداه يلزمه المسمى، ومن نذر صوم شهر لزمه التتابع، وإن نذر أياماً معدودة لم يلزمه إلا بشرط أو نية].

تقدم لنا بقية أحكام الأيمان، وذكرنا من ذلك ما يتعلق بجامع الأيمان، وإلى أي شيء ترجع اليمين، وذكرنا أن هذا ينقسم إلى مراتب:

المرتبة الأولى: الرجوع إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ، والمرتبة الثانية: الرجوع إلى سبب اليمين وما هيجها، والمرتبة الثالثة: الرجوع إلى التعيين، والمرتبة الرابعة: الرجوع إلى دلالة الاسم، وتقدم لنا أن الدلالات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: دلالة شرعية، ودلالة لغوية، ودلالة عرفية.

تقدم الكلام على هذه المسألة، وذكرنا ضوابطها.

تعريف النذر ومشروعيته

قال رحمه الله: (باب النذر).

النذر في اللغة: الإيجاب، يقال: نذر دم فلان، أي: أوجب قتله.

وأما في الاصطلاح فإنه إيجاب مكلف مختار نفسه لله تعالى شيئاً غير محال بكل ما يدل عليه. أو نقول: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى شيئاً غير محال بكل ما يدل عليه.

والأصل في النذر: القرآن، والسنة، والإجماع، أما القرآن فقول الله عز وجل: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7] ، وأما السنة فحديث عائشة في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، وسيأتينا كثير من الأحاديث، والإجماع في الجملة على أحكامه.

حكم النذر

النذر خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، والخلاصة في حكمه أن نقول: بأن النذر ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: النذر المعلق الذي يعلقه على النجاة من كربة، أو الفوز بمنحة، أو تحصيل منحة، فهذا مكروه، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه محرم، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كأن يقول: إن شافاني الله من هذا المرض لله عليّ أن أصوم شهراً، أو إن نجحت في الامتحان فلله عليّ أن أتصدق بألف ريال، هذا حكم النذر المعلق، أي: نذر الطاعة المعلق على تحصيل منحة، أو النجاة من محنة، فهذا أقل أحواله الكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وأخبر أنه (إنما يستخرج به من البخيل)، ولأن هذا الناذر كأنه يسيء الظن بالله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى لا يفرج كربته ولا يزيل عسرته ولا يهبه ما يريد إلا إذا شرط له شرطاً، هذا فيه نوع سوء ظن، ولأن الإنسان يلزم نفسه بما جعل الله عز وجل في سعة منه.

ولهذا كثير من الذين ينذرون الآن يتحرجون، ويقعون في المآزق، ويتلمسون المخارج، يعني امرأة نذرت أن تصوم سبع سنوات، وأخرى نذرت أن تصوم سنتين إن شفى الله أختها، والثالثة نذرت أن تصوم طول العمر، كيف تصوم طول العمر، تريد مخرجاً، (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، هذا صيام الدهر، يعني يجب أن توفي بالنذر، وهي الآن تريد مخرجاً.

القسم الثاني: النذر المطلق، كأن يقول: لله عليّ أن أصوم لله يوماً دون أن يكون معلقاً على تحصيل منحة أو النجاة من محنة، لله عليّ أن أصوم يوماً، أو أن أتصدق بمائة، أو أن أصلي كذا وكذا، فهذا موضع خلاف، قيل: بالكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وقيل: بأنه مستحب؛ لأن الله سبحانه وتعالى أثنى على الموفين بالنذر، فقال سبحانه وتعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7].

وعلى كل حال هو أهون من القسم الأول، يعني القسم الأول لا إشكال في كراهته، لكن هذا أهون، والأحوط للمسلم أن لا ينذر، يعني لا يلزم نفسه بشيء جعلها الله سبحانه وتعالى في سعة منه.

قال رحمه الله: (باب النذر).

النذر في اللغة: الإيجاب، يقال: نذر دم فلان، أي: أوجب قتله.

وأما في الاصطلاح فإنه إيجاب مكلف مختار نفسه لله تعالى شيئاً غير محال بكل ما يدل عليه. أو نقول: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى شيئاً غير محال بكل ما يدل عليه.

والأصل في النذر: القرآن، والسنة، والإجماع، أما القرآن فقول الله عز وجل: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7] ، وأما السنة فحديث عائشة في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، وسيأتينا كثير من الأحاديث، والإجماع في الجملة على أحكامه.

النذر خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، والخلاصة في حكمه أن نقول: بأن النذر ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: النذر المعلق الذي يعلقه على النجاة من كربة، أو الفوز بمنحة، أو تحصيل منحة، فهذا مكروه، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه محرم، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كأن يقول: إن شافاني الله من هذا المرض لله عليّ أن أصوم شهراً، أو إن نجحت في الامتحان فلله عليّ أن أتصدق بألف ريال، هذا حكم النذر المعلق، أي: نذر الطاعة المعلق على تحصيل منحة، أو النجاة من محنة، فهذا أقل أحواله الكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وأخبر أنه (إنما يستخرج به من البخيل)، ولأن هذا الناذر كأنه يسيء الظن بالله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى لا يفرج كربته ولا يزيل عسرته ولا يهبه ما يريد إلا إذا شرط له شرطاً، هذا فيه نوع سوء ظن، ولأن الإنسان يلزم نفسه بما جعل الله عز وجل في سعة منه.

ولهذا كثير من الذين ينذرون الآن يتحرجون، ويقعون في المآزق، ويتلمسون المخارج، يعني امرأة نذرت أن تصوم سبع سنوات، وأخرى نذرت أن تصوم سنتين إن شفى الله أختها، والثالثة نذرت أن تصوم طول العمر، كيف تصوم طول العمر، تريد مخرجاً، (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، هذا صيام الدهر، يعني يجب أن توفي بالنذر، وهي الآن تريد مخرجاً.

القسم الثاني: النذر المطلق، كأن يقول: لله عليّ أن أصوم لله يوماً دون أن يكون معلقاً على تحصيل منحة أو النجاة من محنة، لله عليّ أن أصوم يوماً، أو أن أتصدق بمائة، أو أن أصلي كذا وكذا، فهذا موضع خلاف، قيل: بالكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وقيل: بأنه مستحب؛ لأن الله سبحانه وتعالى أثنى على الموفين بالنذر، فقال سبحانه وتعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7].

وعلى كل حال هو أهون من القسم الأول، يعني القسم الأول لا إشكال في كراهته، لكن هذا أهون، والأحوط للمسلم أن لا ينذر، يعني لا يلزم نفسه بشيء جعلها الله سبحانه وتعالى في سعة منه.

قال رحمه الله: (لا يصح إلا من بالغ عاقلٍ).

يعني: يشترط لصحة النذر أن يكون الناذر بالغاً عاقلاً مختاراً، ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم النبي صلى الله عليه وسلم: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق)، وكذلك أيضاً الاختيار؛ لقول الله عز وجل: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، فيشترط التكليف والاختيار؛ لأن النذر إلزام وتكليف، فما دام أنه إلزام وتكليف فإنه يشترط له التكليف والاختيار.

قال: (ولو كافراً).

يعني يصح النذر من الكافر، ويدل لذلك حديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يوفي بنذره)، فهو نذر وهو في الجاهلية، مما يدل على ما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى، لكن الكافر إذا كان النذر عبادة يفتقر إلى نية، فإنه لا يوفي به إلا بعد إسلامه.

قال رحمه الله: (والصحيح منه خمسة أقسام: المطلق).

النذر من حيث الجملة ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: قسم غير منعقد، وهذا يدخل تحته صور:

الصورة الأولى: إذا نذر لغير الله عز وجل، فهذا شرك وهو غير منعقد، كما لو قال: للولي الفلاني عليَّ كذا وكذا ونحو ذلك، أو لصاحب القبر أو للضريح أو نحو ذلك علي كذا وكذا، فهذا شرك، والنذر عبادة لا تصرف إلا لله عز وجل.

الصورة الثانية: لو نذر فعلاً مستحيلاً، كما لو نذر أن يقلب الحجر ذهباً، أو أن يصعد إلى السماء ونحو ذلك، فهذا نذر غير منعقد.

الصورة الثالثة: نذر المعصية، هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله، هل هو نذر منعقد أو ليس منعقداً؟ كما لو قال: لله عليَّ أن أشرب الدخان أو أن أستمع إلى الغناء.

الصورة الرابعة: إذا نذر شيئاً لا يملكه، كما لو نذر أن يتصدق بمال فلان ونحو ذلك، فهذا أيضاً نذر غير منعقد، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نذر لابن آدم فيما لا يملك)، هذا بالنسبة للقسم الأول، وهو النذر غير المنعقد.

القسم الثاني: النذر المنعقد، ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أقسامه.

النذر المطلق

قال: (والصحيح منه خمسة أقسام:

المطلق، مثل: أن يقول: لله عليَّ نذر ولم يسم شيئاً فيلزمه كفارة يمين).

هذا القسم الأول: النذر المطلق، كما لو قال: لله عليَّ نذر ولم يسم، لم يقل: لله عليَّ صلاة، أو صيام، أو اعتكاف أو صدقة، لم يسم شيئاً، فيقول المؤلف رحمه الله: يصح ويلزمه كفارة يمين، ويدل لذلك حديث عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفارة النذر كفارة يمين)، أخرجه مسلم في صحيحه، وفي سنن الترمذي وابن ماجه : (كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين).

نذر اللجاج والغضب

قال رحمه الله: (الثاني: نذر اللجاج والغضب).

ويسمى بنذر اليمين، يعني النذر الذي يكون الحامل عليه هو الغضب واللجاج والخصام، وعرفه بقوله: (وهو تعليق نذر بشرط يقصد منه المنع أو الحمل عليه أو التصديق أو التكذيب).

هذا النذر الذي يقصد منه المنع من الشرط المعلق عليه، أو الحمل عليه، أو التصديق، أو التكذيب، كما لو قال: إن كلمتك فعليَّ صيام شهر، يقصد من ذلك أن يمنع نفسه، إن لم أضربك فعليَّ صيام شهر، يقصد بذلك الحث، إن لم يكن هذا الخبر صدقاً فعليَّ صيام شهر، إن كان هذا الخبر كذباً أو كان صدقاً فعليَّ صيام شهر.

إذاً: النذر الذي يقصد منه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، يسمى بنذر اللجاج والغضب، أو نذر اليمين.

هذا حكمه قال المؤلف: (فيخير بين فعله وكفارة يمين).

فلو قال: إن شربت الدخان فعليَّ أن أصوم شهراً، قصده هنا أن يمنع نفسه من الدخان، ثم شرب الدخان، نقول: أنت بين خيارين: إما أن تكفر كفارة يمين، أو أنك تصوم شهراً، قال: إن تركت صلاة الجماعة فعليَّ أن أتصدق بألف ريال، نقول: أنت بالخيار، إما أن تكفر كفارة يمين، أو تتصدق بألف ريال إذا ترك صلاة الجماعة، ويدل لذلك أنه مخير بفعله وبين كفارة يمين، وهذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم.

وقد جاء في ذلك حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين)، أخرجه النسائي والطحاوي والطيالسي وغيرهم، لكنه ضعيف لا يثبت، فالصحابة رضي الله عنهم أفتوا ليلى بنت العجماء لما حلفت بالكفر بالله عز وجل على مولاها أن يطلق زوجته، لها مولى فحلفت على هذا المولى أن يطلق زوجته، حلفت بالنذر: كل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق امرأتك، فأفتاها الصحابة رضي الله عنهم بأن عليها كفارة يمين، فدل ذلك على أن نذر اليمين.. النذر لا يقصد به الحث والمنع والتصديق والتكذيب؛ لأنه ما يجب الوفاء به، إما أن يوفي به، وإما أن يكفر كفارة يمين.

نذر المباح أو المكروه

قال رحمه الله: (الثالث: نذر مباح، كلبس ثوبه وركوب دابته، فحكمه كالثاني).

كما لو قال: لله عليَّ نذر أن ألبس ثوبي، أو أن أركب سيارتي، أو أن آكل من هذا الطعام ونحو ذلك، فيقول لك المؤلف رحمه الله: أن حكمه حكم القسم الثاني، ومعنى ذلك أنه مخير بين أن يفعل ذلك، وبين أن يكفر كفارة يمين، وهذا هو المشهور من المذهب، ودليلهم على ذلك ما تقدم من حديث عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفارة النذر كفارة يمين) رواه مسلم .

والرأي الثاني قول الحنفية والشافعية: أنه لا كفارة عليه، واستدلوا على ذلك بحديث أبي إسرائيل، فإنه نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم، وأن يصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه)، فما كان طاعة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمامه، وما لم يكن طاعة لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمامه.

هو نذر أن يقوم ولا يقعد، وأن يقوم في الشمس ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليتكلم وليقعد وليستظل وليتم صومه)، الآن ننظر نذر أبي إسرائيل تضمن طاعة وغير طاعة، الطاعة هي الصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وليتم صومه)، أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام الصوم، وكونه يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم، هذا أقرب إلى المعصية، الله غني عن تعذيب نفسك، كونه يقوم ولا يقعد في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم، هذا تشبه بأهل الجاهلية، فهذا أقرب إلى المعصية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ألا يفعل هذه المعصية.

قالوا: النبي صلى الله عليه وسلم ما أمره بالكفارة، يعني هذه الأشياء إما أن تكون مباحة، أو تكون معصية، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخالفها، وما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة.

لكن الذي يظهر والله أعلم الأحوط ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله؛ لحديث عقبة : (كفارة النذر كفارة يمين)، وما فعله أبو إسرائيل رضي الله عنه أقرب إلى أن يكون معصية.

وبهذا نفهم أيضاً مسألة أخرى في النذر، وهي أنه إذا نذر طاعة وغير طاعة، فالطاعة هي التي يجب أن يوفى به، أما نذر غير الطاعة فلا يجب أن يوفى به، فكل أقسام النذر ما يجب أن توفي بها، إلا نذر الطاعة، ونذر الطاعة له صورتان: الصورة الأولى: النذر المعلق على حصول منحة، أو النجاة من كربة، يجب أن توفي به، قال: إن شفاني الله من هذا المرض تصدقت بألف ريال، شفاه الله يجب أن يوفي به.

والصورة الثانية: النذر المطلق، لله عليَّ أن أتصدق بألف ريال، يجب أن يوفي به، هذا نذر الطاعة بقسميه هو الذي يجب أن توفي به، النذر المعلق على حصول منحة والنجاة من كربة، أو النذر المطلق.

وأيضاً لابد أن نفرق بين نذر اليمين ونذر الطاعة المعلق؛ لأن كلاً من نذر اليمين ونذر الطاعة المعلق فيه تعليق، لكن نذر اليمين ما يجب الوفاء به، ونذر الطاعة المعلق يجب الوفاء به، فمثلاً نذر يمين إذا قال: إن شربت الدخان فعليَّ أن أصوم شهراً، ما يجب أن توفيه.

لكن نذر الطاعة المعلق لو قال: إن سلمت من هذا المرض فعليَّ أن أصوم شهراً، فنقول: يجب أن توفي به، فهذه مسألة لابد أن نتنبه لها، وهي ما يتعلق بالفرق بين نذر اليمين ونذر الطاعة المعلق، وأيضاً نفهم كما دل له حديث أبي إسرائيل أن جميع أنواع النذر لا يجب الوفاء بها إلا نذر الطاعة بقسميه، كما ذكرنا أن نذر الطاعة له قسمان: نذر معلق على حصول منحة والنجاة من كربة، والنذر المطلق.

قال رحمه الله: (وإن نذر مكروهاً من طلاق أو غيره استحب له أن يكفر ولا يفعله)؛ لأن ترك المكروه أولى من فعله، وإن فعله فلا كفارة؛ لأنه حقق النذر، لو قال: لله عليَّ نذر أن أطلق زوجتي، أو لله عليَّ نذر أن أتحرك في الصلاة، هنا نذر مكروهاً من المكروهات، فيقول المؤلف: يستحب أن يكفر كفارة يمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة يمين)، ولا يفعله.

نذر المعصية

قال رحمه الله: (الرابع: نذر المعصية، كشرب خمر وصوم يوم الحيض والنحر، فلا يجوز الوفاء به).

ونذر المعصية هذا مما اختلف فيه العلماء رحمهم الله، هل هو منعقد، أو ليس منعقداً.

على كل حال عندنا مسألتان:

المسألة الأولى: أنه لا يجوز الوفاء به؛ لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، رواه البخاري .

المسألة الثانية: هل تجب فيه الكفارة أو لا تجب فيه الكفارة؟ المشهور من المذهب أنه تجب فيه الكفارة، وهو مذهب الحنفية، وقد جاء في حديث عائشة زيادة في غير صحيح البخاري: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه، وكفارته كفارة يمين)، وهذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقالوا أيضاً: هذا هو الوارد عن الصحابة -يعني إيجاب الكفارة- رضي الله عنهم، فهو الوارد عن ابن مسعود كما في مصنف عبد الرزاق وجاء عن ابن عباس وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه جاء مرفوعاً وهو لا يثبت، وهذه الآثار كلها ضعيفة.

الرأي الثاني في هذه المسألة: رأي المالكية والشافعية، أنه إذا نذر أن يفعل معصية فإنه لا كفارة عليه، ودليلهم على ذلك ما تقدم من قصة أبي إسرائيل رضي الله عنه، فإن أبا إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتم صومه، وأن يقعد، وأن يستظل، وأن يتكلم، ومع ذلك ما أوجب عليه النبي صلى الله عليه وسلم كفارة.

ويمكن أن يؤيد قول الحنابلة والحنفية في إيجاب الكفارة حديث عقبة : (كفارة النذر كفارة يمين)، وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها أبا إسرائيل فنقول قد جاء في ذلك دليل آخر، وهذه مسألة أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأنه قد يتخلف بعض الحكم لوجوده في دليل آخر.

نذر التبرر

قال رحمه الله: (الخامس: نذر التبرر مطلقاً أو معلقاً).

هذا نذر الطاعة، سواء كان مطلقاً كما لو قال: لله عليَّ أن أصوم يوماً، أو كان معلقاً على حصول منحة أو النجاة من محنة، فهذا يجب الوفاء به.

قال: (كفعل الصلاة والصيام والحج ونحوه).

كالعمرة والصدقة وعيادة المريض.

قال رحمه الله: (كقوله: إن شفى الله مريضي، أو سلم الغائب، فلله عليَّ كذا، فوجد الشرط لزم الوفاء به).

لحديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه).

قال رحمه الله: (إلا إذا نذر الصدقة بماله كله، أو بمسمى منه يزيد على ثلث الكل، فإنه يجزيه قدر الثلث).

القاعدة: أن من نذر أن يطيع الله فليطعه، لكن استثنى المؤلف رحمه الله هذه المسألة، إذا نذر أن يتصدق بماله كله، فإنه يكفيه الثلث، أو بمسمى من ماله، كما لو قال: لله عليَّ أن أتصدق بألف، ننظر للألف هذا، إن كان أزيد من الثلث ما عنده إلا ألفان، فيكفيه قدر الثلث، وإن كان بقدر الثلث فإنه يجب عليه أن يخرجه.

إذاً نذر الصدقة بماله كله، فإن كان بقدر الثلث، يجزي عنه الثلث، كذلك إذا نذر الصدقة بمسمى من ماله، كألف أو ألفين، فإن كان هذا الثلث فأقل يخرجه، وإن كان أكثر من الثلث فإنه لا يلزمه إلا الثلث، واستدلوا على ذلك بقصة أبي لبابة، وأنه لما تاب الله عز وجل عليه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له أنه ينخلع من ماله صدقة لله عز وجل بعد أن تاب الله عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يجزي عنك الثلث)، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وكذلك أيضاً البخاري في التاريخ الكبير، والطبراني في الكبير، والبيهقي، وإسناده صحيح.

والمشهور من المذهب أنه إذا نذر بمسمى من ماله فإنه يجب عليه أن يخرجه مطلقاً، سواء إن كان الثلث أو أقل أو أكثر، وعلى هذا يكون الماتن في هذه المسألة خالف المذهب.

إذاً: عندنا صورتان:

الصورة الأولى: إذا نذر الصدقة بجميع ماله يجزي عنه الثلث، على القولين.

الصورة الثانية: إذا نذر بمسمى يزيد على الثلث، يعني نذر ألف ريال، فعلى رأي الماتن يخرج قدر الثلث، وعلى الرأي المشهور من المذهب أنه يجب الوفاء بجميع المسمى، سواء كان الثلث أو أزيد من الثلث.

قال: (والصحيح منه خمسة أقسام:

المطلق، مثل: أن يقول: لله عليَّ نذر ولم يسم شيئاً فيلزمه كفارة يمين).

هذا القسم الأول: النذر المطلق، كما لو قال: لله عليَّ نذر ولم يسم، لم يقل: لله عليَّ صلاة، أو صيام، أو اعتكاف أو صدقة، لم يسم شيئاً، فيقول المؤلف رحمه الله: يصح ويلزمه كفارة يمين، ويدل لذلك حديث عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفارة النذر كفارة يمين)، أخرجه مسلم في صحيحه، وفي سنن الترمذي وابن ماجه : (كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين).

قال رحمه الله: (الثاني: نذر اللجاج والغضب).

ويسمى بنذر اليمين، يعني النذر الذي يكون الحامل عليه هو الغضب واللجاج والخصام، وعرفه بقوله: (وهو تعليق نذر بشرط يقصد منه المنع أو الحمل عليه أو التصديق أو التكذيب).

هذا النذر الذي يقصد منه المنع من الشرط المعلق عليه، أو الحمل عليه، أو التصديق، أو التكذيب، كما لو قال: إن كلمتك فعليَّ صيام شهر، يقصد من ذلك أن يمنع نفسه، إن لم أضربك فعليَّ صيام شهر، يقصد بذلك الحث، إن لم يكن هذا الخبر صدقاً فعليَّ صيام شهر، إن كان هذا الخبر كذباً أو كان صدقاً فعليَّ صيام شهر.

إذاً: النذر الذي يقصد منه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، يسمى بنذر اللجاج والغضب، أو نذر اليمين.

هذا حكمه قال المؤلف: (فيخير بين فعله وكفارة يمين).

فلو قال: إن شربت الدخان فعليَّ أن أصوم شهراً، قصده هنا أن يمنع نفسه من الدخان، ثم شرب الدخان، نقول: أنت بين خيارين: إما أن تكفر كفارة يمين، أو أنك تصوم شهراً، قال: إن تركت صلاة الجماعة فعليَّ أن أتصدق بألف ريال، نقول: أنت بالخيار، إما أن تكفر كفارة يمين، أو تتصدق بألف ريال إذا ترك صلاة الجماعة، ويدل لذلك أنه مخير بفعله وبين كفارة يمين، وهذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم.

وقد جاء في ذلك حديث عمران بن حصين: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين)، أخرجه النسائي والطحاوي والطيالسي وغيرهم، لكنه ضعيف لا يثبت، فالصحابة رضي الله عنهم أفتوا ليلى بنت العجماء لما حلفت بالكفر بالله عز وجل على مولاها أن يطلق زوجته، لها مولى فحلفت على هذا المولى أن يطلق زوجته، حلفت بالنذر: كل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق امرأتك، فأفتاها الصحابة رضي الله عنهم بأن عليها كفارة يمين، فدل ذلك على أن نذر اليمين.. النذر لا يقصد به الحث والمنع والتصديق والتكذيب؛ لأنه ما يجب الوفاء به، إما أن يوفي به، وإما أن يكفر كفارة يمين.