عمدة الفقه - كتاب النكاح [3]


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المشاهدون الكرام متابعي قناة المجد الأكاديمية العلمية! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس المبارك، ضمن دروس كتاب النكاح من عمدة الفقه، حيث يسرنا في بدء هذا اللقاء أن نرحب بصاحب الفضيلة الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية، فباسمكم جمعياً نرحب بالدكتور عبد الله ، فأهلاً ومرحباً بكم!

الشيخ: حياكم الله، وبالإخوة المستمعين والمستمعات والحاضرين!

المقدم: ترحيبنا موصول بكم، ونسعد كثيراً بتواصلكم معنا، وبمشاركاتكم عبر اتصالاتكم الهاتفية على أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم على الشاشة، وكذلك عبر تواصلكم من خلال الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الشيخ في نهاية كل درس، وكذلك عبر أسألتكم التي ترسل على الموقع الخاص بالأكاديمية، فأهلاً ومرحباً بكم وبالإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك! نستأذنكم يا شيخ عبد الله قبل أن نمضي قدماً في شرح درس هذا اليوم، أن نقف مع إجابات الدرس الماضي.

الشيخ: حسناً كعادتنا.

حكم وجود الشاهد في عقد النكاح

المقدم: نعم كالعادة، كان السؤال عن حكم وجود الشاهدين في عقد النكاح، وهل يصح النكاح مع وجود الإعلان من غير إشهاد؟ حقيقة بعث مجموعة من الإخوة المشاركين بإجابتهم، ومن هؤلاء الأخت خديجة من المغرب، تقول في إجابتها عن حكم الشاهدين في عقد النكاح:

الشاهدان شرط من شروط عقد النكاح، وهذا مذهب الجمهور بخلاف الإمام مالك رحمه الله.

واستدلوا بحديث جابر رضي الله عنه: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل )، لكن إسناده ضعيف، وقال ابن عباس: لا نكاح إلا ببينة، وإسناده صحيح.

وقال أبو هريرة : فإنما الزانية هي التي تنكح نفسها.

حكم النكاح بالإعلان من غير شهود

المقدم: أما جواب السؤال الثاني: فهل يصح النكاح مع وجود الإعلان من غير إشهاد؟

الجواب: إعلان النكاح يكون بإظهاره وإشهاره، إما بالأفراح أو الذكر والإعلان، مثل فلان بن فلان تزوج فلانة.

وقال عامة أهل العلم إنه مستحب.

وقال الزهري : كل نكاح ليس فيه إعلان، وطلب من الشهود أن يكتموه فإنه نكاح سر لا يصح، ولكن إذا توفرت فيه الشروط يجوز مع الكراهة، قال أبو العباس بن تيمية : إن الإعلان أشد وأولى من الإشهاد، فإن وجد الإعلان للنكاح من غير إشهاد صح، بعكس ما لو وجد إشهاد من غير إعلان، قال شيخ الإسلام : هذا ينظر فيه، وأما إن لم يوجد إشهاد ولا إعلان، فهذا باطل عند عامة أهل العلم، ثم سردت مجموعة من الأحاديث.

الشيخ: هذا جواب حسن، لكن دائماً إذا سألنا سؤالاً نذكر القول الراجح الذي نختاره، حتى لا تطول الأجوبة.

وعلى هذا فنقول: الصواب أن الإشهاد في النكاح شرط، وهو قول الجمهور خلافاً لـمالك ؛ لحديث جابر ، وقول ابن عباس و أبي هريرة ، وأما الإعلان فالصواب أنه مستحب، إلا أن الزهري أوجب ذلك إذا كتم الشاهدان الشهادة.

والراجح أنه إذا توفرت الشروط الأربعة أو الخمسة على الخلاف الذي سوف نذكره، فإن النكاح حينئذ صحيح، ولو كتم الشاهدان.

المقدم: جميل، ثم يلحظ أن بعض الإخوة ينقل نص الدرس.

الشيخ: نقل الكلام بحذافيره لا نريده، نحن نريد طلبة علم وطالبات علم يفهمون ويتبعون الدليل، أما أن يكون حفظاً فهذا ليس بطالب علم، ولهذا قال ابن عبد البر : أجمع أهل العلم على أن ناقل الفقه ليس بفقيه.

وقال: أجمعوا على أن المقلد ليس بفقيه.

والفرق بينه وبين الفقيه أن الفقيه هو الذي يستنبط الأحكام ويعرف الأدلة بمدلولاتها، يعني الدليل ووجه الدلالة فيه، هذا هو طالب العلم، أما أن ينقل فلا.

وأنا حينما أذكر بعض الأقوال فلأن المستمعين من بلاد شتى، فبعضهم قد أخذ مذهب مالك ، وبعضهم أخذ مذهب الشافعي ، وبعضهم أخذ مذهب أبي حنيفة ، فحسن أن يعرف دليل كل إمام اقتدي به، وإن كنا لا نريد التوسع، فنذكر ما خالف الحنابلة، وقلنا ما هو الراجح أخذناه، وإلا ذكرناه من غير استدلال له.

المقدم: جميل، نستأذنكم أيضاً أن نشكر الإخوة الذين تواصلوا معنا:

الأخ نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية أيضاً بعث بإجابة وإن كانت مختصرة نوعاً ما.

الأخت السعدية أم عبد الرحمن من المغرب كذلك بعثت بمشاركة وإجابة عن هذا السؤال.

حفيدة الصحابة من السعودية أيضاً بعثت بإجابة.

الأخت خلود من السعودية، و طالب العلم الشرعي من المغرب، و مريم من السعودية.

وأيضاً طالب العلم الشرعي ، يمكن البعض يرسل أكثر من رسالة إلكترونية!

الأخ محمد من السعودية بعث أيضاً بإجابة، وأبو علاء الشامي من سوريا، و طلحة من السعودية، و لؤلؤ إبراهيم أيضاً من السعودية.

نشكر جميع الإخوة الذين تواصلوا معنا بإجابتهم للسؤال الذي طرح في الدرس الماضي، ونستأذنكم يا شيخ لإكمال الدرس.

المقدم: نعم كالعادة، كان السؤال عن حكم وجود الشاهدين في عقد النكاح، وهل يصح النكاح مع وجود الإعلان من غير إشهاد؟ حقيقة بعث مجموعة من الإخوة المشاركين بإجابتهم، ومن هؤلاء الأخت خديجة من المغرب، تقول في إجابتها عن حكم الشاهدين في عقد النكاح:

الشاهدان شرط من شروط عقد النكاح، وهذا مذهب الجمهور بخلاف الإمام مالك رحمه الله.

واستدلوا بحديث جابر رضي الله عنه: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل )، لكن إسناده ضعيف، وقال ابن عباس: لا نكاح إلا ببينة، وإسناده صحيح.

وقال أبو هريرة : فإنما الزانية هي التي تنكح نفسها.

المقدم: أما جواب السؤال الثاني: فهل يصح النكاح مع وجود الإعلان من غير إشهاد؟

الجواب: إعلان النكاح يكون بإظهاره وإشهاره، إما بالأفراح أو الذكر والإعلان، مثل فلان بن فلان تزوج فلانة.

وقال عامة أهل العلم إنه مستحب.

وقال الزهري : كل نكاح ليس فيه إعلان، وطلب من الشهود أن يكتموه فإنه نكاح سر لا يصح، ولكن إذا توفرت فيه الشروط يجوز مع الكراهة، قال أبو العباس بن تيمية : إن الإعلان أشد وأولى من الإشهاد، فإن وجد الإعلان للنكاح من غير إشهاد صح، بعكس ما لو وجد إشهاد من غير إعلان، قال شيخ الإسلام : هذا ينظر فيه، وأما إن لم يوجد إشهاد ولا إعلان، فهذا باطل عند عامة أهل العلم، ثم سردت مجموعة من الأحاديث.

الشيخ: هذا جواب حسن، لكن دائماً إذا سألنا سؤالاً نذكر القول الراجح الذي نختاره، حتى لا تطول الأجوبة.

وعلى هذا فنقول: الصواب أن الإشهاد في النكاح شرط، وهو قول الجمهور خلافاً لـمالك ؛ لحديث جابر ، وقول ابن عباس و أبي هريرة ، وأما الإعلان فالصواب أنه مستحب، إلا أن الزهري أوجب ذلك إذا كتم الشاهدان الشهادة.

والراجح أنه إذا توفرت الشروط الأربعة أو الخمسة على الخلاف الذي سوف نذكره، فإن النكاح حينئذ صحيح، ولو كتم الشاهدان.

المقدم: جميل، ثم يلحظ أن بعض الإخوة ينقل نص الدرس.

الشيخ: نقل الكلام بحذافيره لا نريده، نحن نريد طلبة علم وطالبات علم يفهمون ويتبعون الدليل، أما أن يكون حفظاً فهذا ليس بطالب علم، ولهذا قال ابن عبد البر : أجمع أهل العلم على أن ناقل الفقه ليس بفقيه.

وقال: أجمعوا على أن المقلد ليس بفقيه.

والفرق بينه وبين الفقيه أن الفقيه هو الذي يستنبط الأحكام ويعرف الأدلة بمدلولاتها، يعني الدليل ووجه الدلالة فيه، هذا هو طالب العلم، أما أن ينقل فلا.

وأنا حينما أذكر بعض الأقوال فلأن المستمعين من بلاد شتى، فبعضهم قد أخذ مذهب مالك ، وبعضهم أخذ مذهب الشافعي ، وبعضهم أخذ مذهب أبي حنيفة ، فحسن أن يعرف دليل كل إمام اقتدي به، وإن كنا لا نريد التوسع، فنذكر ما خالف الحنابلة، وقلنا ما هو الراجح أخذناه، وإلا ذكرناه من غير استدلال له.

المقدم: جميل، نستأذنكم أيضاً أن نشكر الإخوة الذين تواصلوا معنا:

الأخ نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية أيضاً بعث بإجابة وإن كانت مختصرة نوعاً ما.

الأخت السعدية أم عبد الرحمن من المغرب كذلك بعثت بمشاركة وإجابة عن هذا السؤال.

حفيدة الصحابة من السعودية أيضاً بعثت بإجابة.

الأخت خلود من السعودية، و طالب العلم الشرعي من المغرب، و مريم من السعودية.

وأيضاً طالب العلم الشرعي ، يمكن البعض يرسل أكثر من رسالة إلكترونية!

الأخ محمد من السعودية بعث أيضاً بإجابة، وأبو علاء الشامي من سوريا، و طلحة من السعودية، و لؤلؤ إبراهيم أيضاً من السعودية.

نشكر جميع الإخوة الذين تواصلوا معنا بإجابتهم للسؤال الذي طرح في الدرس الماضي، ونستأذنكم يا شيخ لإكمال الدرس.

الشيخ: لعلكم تذكرون أننا وصلنا إلى قول المؤلف: (ولا يصح تزويج الأبعد مع وجود أقرب منه)؛ وذكرنا صورة المسألة.

وصورة المسألة: ما لو زوج الأخ لأب مع وجود الأخ لأبوين، وقلنا: لا يصح، لأنه افتيات في حق الولي القريب؛ ولأن الولاية ثابتة للأولياء، ويقدم فيها من هو أقرب في المال الذي هو في الميراث وفي العصبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن وأحمد : ( أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك ).

إلا أن الأئمة رحمهم الله جوزوا تقديم الأبعد مع وجود الأقرب، وهذا الوجود وجود حسي، لكن لا أثر له في الوجود الحكمي، بمعنى أنه ربما يكون الولي القريب موجوداً، والولي البعيد يزوج مع وجود الولي القريب، إلا أن الولي القريب هنا مع وجوده حساً إلا أنه غير موجود حكماً، بمعنى أنه لا أثر لوجوده؛ لأنه لم تتوفر فيه شروط الولاية، أو لأن الولاية متعذرة في القريب، ربما تكون متعذرة، أو أن يكون الولي القريب قد أسقط بعض حق المولى عليه.

الحالة الأولى لجواز تزويج الأبعد مع وجود الأقرب

الشيخ: نشرح الآن مراد الأئمة، قالوا: لا يجوز تزويج البعيد مع وجود أقرب منه, إلا أن يكون القريب صبياً, فالصبي لا يصح أن يكون ولياً, وهو مذهب الشافعي و أحمد خلافاً لـمالك و أبي حنيفة .

وأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه أن أم سلمة قالت لابنها: ( قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ), قلنا هذا الحديث الذي استدل به مالك ليس فيه دلالة لأمرين:

أولاً: ليس فيه دلالة على أن عمر هذا كان صغيراً كما قال الإمام أحمد .

الثاني: أن الحديث ضعيف, فإن في سنده ابن عمر بن أبي سلمة وهو مجهول, كما أشار إلى ذلك أهل العلم, هذا واحد.

الحالة الثانية لجواز تزويج الأبعد مع وجود الأقرب

الشيخ: الثاني: يجوز تزويج البعيد مع وجود القريب, عندما يكون القريب منتفياً حكماً, وهو أن يكون الولي الأقرب مجنوناً, فالجنون مانع من ثبوت التصرف لنفسه, فكيف يصح التصرف للغير.

فإن الجنون مانع من صحة التصرف للنفس, فإذا كان كذلك فإنه مع الغير من باب أولى وأحرى, وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود و أحمد من حديث عائشة , وكذا عند البيهقي من حديث علي : ( رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم عليه الصلاة والسلام: والمجنون حتى يفيق ), فالمجنون لا تصح ولايته.

الحالة الثالثة لجواز تزويج الأبعد مع وجود الأقرب

الشيخ: الثالث: يقول المؤلف: (أو مخالفاً لدينها), ذكرنا من شروط الولاية الاتفاق في الدين, بأن يتفق الولي والمولى عليه في الإسلام, ولهذا قالوا: لا يصح أن يتولى المسلم نكاح كافرة, ولا يصح أن يتولى الكافر نكاح مسلمة.

أما عدم صحة تولي الكافر نكاح مسلمة, فلقول الله تعالى: وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71], وقال تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141].

وقد جاء من حديث ابن عباس : ( لا نكاح إلا بولي مرشد ), والرشد من أعظمه الرشد في الدين, وهذا الحديث لا يصح مرفوعاً, والصواب وقفه على ابن عباس كما رواه غير واحد من أهل العلم عن مسعر عن سعيد عن ابن عباس .

وعلى هذا فنقول: إن الاتفاق في الدين من شرط الولاية, فلو وجد قريب غير مسلم فإنه لا يزوج, بل يزوج الولي الأبعد؛ لأنه مسلم.

الحالة الرابعة لجواز تزويج الأبعد مع وجود الأقرب

الشيخ: الرابع: يقول المؤلف: (أو عاضلاً لها), العضل في اللغة: هو المنع.

وفي اصطلاح الفقهاء هو: أن يمنع الولي المرأة كفؤاً رضيت ورغب بها -أي الزوج- بما يصح مهرا.

فإذا منع الولي الزوجة من كفؤ لها لدينه وكفاءته, لكنه منع من ذلك لأجل رغبة في مال ابنته, أو رغبة في ازدياد المهر حتى ينتفع, فإنه والحالة هذه يكون عاضلاً, وعلى هذا فإذا عضل سقط حقه في الولاية, ويكون الولي هو الذي بعده.

وعلى هذا ذكر الحنابلة وغيرهم أن الأب إذا منع ابنته من كفؤ رضيته بدينه وماله ويساره ونسبه, لكن منع من ذلك ليتاجر بها, فإذا منع ثلاث مرات, فإنه تسقط ولايته ويعد فاسقاً، وتكون الولاية لمن بعده من الأخ أو الابن أو غيرهم.

وهذا ينبغي أن ينتبه لمثله, ولا يجوز أن يمنع الولي موليته من حق لها, فيحرمها من الأولاد, ويحرمها من الاستمتاع المباح الذي أذن به الشارع ورغب فيه.

المقدم: لكن عفواً دكتور عبد الله هل لها أن ترفع مثلاً للقضاء, أو أنها مباشرة تنتقل الولاية؟

الشيخ: أحسنت! إذا كان الأمر كذلك فإنها تذكر ذلك لأوليائها الذين بعد هذا الولي, فإن لم يصنعوا شيئاً فإنها ترفع أمرها إلى السلطان, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد من حديث عائشة : ( فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي به ), والسلطان هنا هو الحاكم أو القاضي أو غيرهما.

الحالة الخامسة لجواز تزويج الأبعد مع وجود الأقرب

الشيخ: الخامس: يقول المؤلف: (أو غائباً غيبة بعيدة).

أحياناً يكون الولي القريب موجوداً, ولكن حضوره لإبرام العقد متعذر, وحينئذ هل نقول: تنتقل الولاية من القريب إلى البعيد؟

نقول: نعم, ولكن اختلف العلماء ما هي المسافة؛ ولهذا قال: (أو غائباً غيبة بعيدة).

ما هي الغيبة هنا؟ للفقهاء كلام طويل, فبعضهم قدر ذلك بمسافة قصر, ومعلوم أن مسافة القصر في السابق ليست كمسافة القصر عندنا الآن, الآن لو غاب مسافة ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو عشرة أيام, فلا تشكل شيئاً في زماننا؛ ولهذا نقول: الأقرب أن نضع ضابطاً كما أشار إلى ذلك الإمام المرداوي وقبله ابن قدامة رحمهم الله, فنقول: تحدد الغيبة هنا بضابط, وهي الغيبة التي تفوت بها مصلحة المخطوبة, أو يفوت بها كفؤ رضيته وهو راغب فيها, فهنا نقول: يجوز تزويج الأبعد مع وجود الأقرب.

أعيد الضابط: والغيبة هو أن تمنع هذه الغيبة المرأة من كفؤ رضيته, أو كفؤ راغب فيها, فأحياناً يخطب هذا الكفؤ هذه البنت, لكن وليها مسافر في الغرب للدراسة, ويشق عليه الحضور, فيقال للخاطب: انتظر شهرين حتى يأتي! فيقول: أنا لا أنتظر, ولا أريد الانتظار, فإن تزوجوني وإلا تركتها!

فحينئذ نقول: يزوج الأبعد مع وجود الأقرب, وإن كنت أحب أن يتصل به، خاصة مع وجود وسائل الاتصال الحديثة، ويبين له الاستئذان.

وإن كان -وهو أفضل- يستطيع أن يوكل الولي البعيد وهو في بلده بوكالة شرعية فهذا أحب وأولى؛ لأن المؤلف ذكر أنه يقدم وكيل الولي القريب على الولي البعيد؛ لأن الوكيل يقوم مقام الموكل.

وعلى هذا يتحدد البعد والغيبة بالغيبة التي يفوت بها كفؤ رضيته المرأة، أو ربما يرغب عنها بسبب طول المدة كما ذكرنا.

الشيخ: نشرح الآن مراد الأئمة، قالوا: لا يجوز تزويج البعيد مع وجود أقرب منه, إلا أن يكون القريب صبياً, فالصبي لا يصح أن يكون ولياً, وهو مذهب الشافعي و أحمد خلافاً لـمالك و أبي حنيفة .

وأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه أن أم سلمة قالت لابنها: ( قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ), قلنا هذا الحديث الذي استدل به مالك ليس فيه دلالة لأمرين:

أولاً: ليس فيه دلالة على أن عمر هذا كان صغيراً كما قال الإمام أحمد .

الثاني: أن الحديث ضعيف, فإن في سنده ابن عمر بن أبي سلمة وهو مجهول, كما أشار إلى ذلك أهل العلم, هذا واحد.

الشيخ: الثاني: يجوز تزويج البعيد مع وجود القريب, عندما يكون القريب منتفياً حكماً, وهو أن يكون الولي الأقرب مجنوناً, فالجنون مانع من ثبوت التصرف لنفسه, فكيف يصح التصرف للغير.

فإن الجنون مانع من صحة التصرف للنفس, فإذا كان كذلك فإنه مع الغير من باب أولى وأحرى, وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود و أحمد من حديث عائشة , وكذا عند البيهقي من حديث علي : ( رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم عليه الصلاة والسلام: والمجنون حتى يفيق ), فالمجنون لا تصح ولايته.

الشيخ: الثالث: يقول المؤلف: (أو مخالفاً لدينها), ذكرنا من شروط الولاية الاتفاق في الدين, بأن يتفق الولي والمولى عليه في الإسلام, ولهذا قالوا: لا يصح أن يتولى المسلم نكاح كافرة, ولا يصح أن يتولى الكافر نكاح مسلمة.

أما عدم صحة تولي الكافر نكاح مسلمة, فلقول الله تعالى: وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71], وقال تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141].

وقد جاء من حديث ابن عباس : ( لا نكاح إلا بولي مرشد ), والرشد من أعظمه الرشد في الدين, وهذا الحديث لا يصح مرفوعاً, والصواب وقفه على ابن عباس كما رواه غير واحد من أهل العلم عن مسعر عن سعيد عن ابن عباس .

وعلى هذا فنقول: إن الاتفاق في الدين من شرط الولاية, فلو وجد قريب غير مسلم فإنه لا يزوج, بل يزوج الولي الأبعد؛ لأنه مسلم.