خطب ومحاضرات
شرح كتاب فضل الإسلام [5]
الحلقة مفرغة
قال رحمه الله تعالى: [ باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه.
وقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]، وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [النساء:60]، وقوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] قال ابن عباس رضي الله عنه: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية كان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة.. تمام الحديث قوله: وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي) يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة! رواه الترمذي .
ورواه أيضاً من حديث معاوية عند أحمد وأبي داود وفيه: (إنه سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله) وتقدم قوله: (ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية) ].
وجوب الإقرار والتسليم بكل ما جاء في الدين والعمل بما يستطاع منه
فقوله: (باب: وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه)، يفيد أن على المسلم التسليم الكامل لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والإذعان المطلق، والإيمان بالدين كله دون الأخذ ببعض وترك بعض، وهذا من حيث الإقرار والتسليم، أما من حيث العمل فلا شك أنه لا يلزم المسلم إلا ما يستطيع: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وهذا أمر معلوم بالضرورة؛ وهو أن الأصل في المسلم أن يسلم لله عز وجل، ويقر بالدين كله، وكل ما يرد إلى المسلم مما جاء في كتاب الله عز وجل وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسلم مقر به سلفاً، ولا يتردد إذا ورد له الدليل، فهذا أمر لا يمكن أن يدفعه أحد، التسليم المطلق جملة وتفصيلاً لكل ما يرد ويصح من الدين، فمن ورده أي أمر من أمور الدين وجب أن يقر به، لكن يبقى الجانب الآخر وهو العمل يجب عليه بعد ما يقر ويعلم أن يعمل بما يستطيع.
وأحكام الإسلام على نوعين: الفرائض والأركان، فهذه باستطاعة كل إنسان في الجملة، إلا من عرض له عارض، ولا دخل لهذه المدارك والقدرة العقلية أو القدرة العلمية، فأركان الإسلام يعملها العالم ويعملها أبسط الناس وأجهل الناس وكذلك سائر فرائض الدين، إلا من عرض له عارض كإنسان ما استطاع الصيام لمرض عارض فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكنه يجب أن يبقى إقراره بالصيام وأنه واجب وفرض، وأنه متى ما تمكن سيصوم على سبيل الوجوب.
وأيضاً فما أشار إليه الشيخ أننا إذا قلنا: إنه يجب على المسلم الدخول في الإسلام كله، فمن هنا لا يسعه أن يخرج عن مقتضى الدين في أي أمر من الأمور معتقداً أنه يسعه الخروج عن هذا الأمر، سواء كان في الأمور العامة كالتشريع عموماً أو التقنين، أو كان في الأمور الجزئية، كمسائل الحلال القطعي أو الحرام القطعي، حتى الجزئيات منها، فمثلاً: لا يسع المسلم أن يقول: أنا أقر بالإسلام كله، لكن عندي شك في تحريم الربا، فهذه وإن كانت تسمى فرعية أو حكماً من الأحكام من جملة الدين إلا أنه ما قال: إن لم يقر به فقد خرج من مقتضى الإسلام، ولم يدخل في الدين كله، ولذلك أورد الشيخ الآيات الدالة على هذا المعنى؛ مثل قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]، أي: ادخلوا في الدين جميعاً وأنتم جميعاً ادخلوا في الدين، فهذا خطاب من الله عز وجل للمؤمنين بأن يدخلوا في الإسلام كله ويتركوا ما سواه، فالسلم هنا بمعنى الإسلام.
وجوب التحاكم إلى الإسلام وتحريم التحاكم إلى الطاغوت
فهذه المسألة من المسائل الخطيرة، وهي مسألة التحاكم إلى الطاغوت، والتحاكم سواء كان جزئياً أو كلياً لابد أن يدخل فيه التفصيل فيمن حكم بغير ما أنزل الله، أو حكَّم غير ما أنزل الله، ولا فرق بين الحكم والتحاكم من حيث التنظير العام، وقد نفرق في الصور الفردية، أما من حيث الأصل فكلها عدول عن شرع الله عز وجل، وسواء كان في مسألة التشريع العام أو التقنين أو في مسائل جزئية كالربا أو الزنا أو نحو ذلك، فإن هذه الجزئية إن صح التعبير يحكمها ما يحكم الأمر الكلي في التحاكم، لكن كل هذه الأمور لابد من التفصيل فيها، ولا يلزم للخروج من الإسلام الاستحلال فقط، بل الإعراض الكلي وترك جنس العمل يعتبر عدم إذعان لدين الله عز وجل، فكلمة (استحلال) من الكلمات المجملة التي لم يتفق عليها المتنازعون في هذه المسألة التي أثيرت في الآونة الأخيرة، والتي قال فيها علماؤنا حفظهم الله والتي يجب الاجتماع عليها.
ومن هنا أوصي إخواني طلاب العلم بقاعدة معلومة عند السلف وهي أنه إذا اختلف طلاب العلم في أمر من الأمور مهما كانت اجتهاداتهم، ثم وصل هذا الاختلاف إلى أهل الحل والعقد من العلماء الكبار مثل اللجنة الدائمة أو هيئة كبار العلماء أو غيرها من الهيئات المعتبرة أو العلماء المعتبرين ثم قالوا قولتهم، فيجب الاجتماع على هذه المقولة خوفاً من الفرقة والفتنة والشذوذ والتشرذم الذي وقع بين كثير ممن يدعون السلفية الآن، واستجابة لأمر الله عز وجل، ولنفترض أن أحد طلاب العلم له رأي آخر يرى أنه الرأي الراجح، فيفترض أنه في مثل هذه المسألة التي حسمها العلماء أن يتراجع مادامت المسألة خلافية، ويجب على المسلم أن يتهم نفسه وقدرته واستطاعته، مادام أن الأمر قد تكلم فيه العلماء، لكن إذا كان الأمر من باب التجوز وأنه قد يكون لبعض طلاب العلم رأي يخالف رأي هيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة؛ فإنه يجب عليه أن يسكت عندما يصل النزاع إلى افتراق الناس، وأن يكون هذا مؤيداً وهذا معارضاً، فيجب على طالب العلم إذا تكلم العالم الكبير أن يسكت جمعاً للكلمة وخوفاً من الفرقة، والقاعدة التي اتفق عليها السلف في مثل هذه الأمور في مصالح الأمة العظمى أنه يجب الاجتماع على الرأي المرجوح وترك الرأي الراجح عند صاحبه، وإن كان يرى أنه هو الأحق وأن الدليل معه؛ لأن الآخرين معهم دليل كذلك، فالمسألة لم تكن قطعية، ولو كانت قطعية ما ورد فيها خلاف بين أهل العلم المعتبرين، وأشير بهذا إلى مسألة مثارة في الاستدلال وعدم الاستدلال، ومسألة الإيمان وما قيل في بعض مقولات الإرجاء ونحو ذلك، فالأدب الذي يجب أن يلتزمه طالب العلم؛ أنه إذا تكلم العلماء أن يسكت وإن كان يرى أنه محق أو مظلوم أو غير ذلك من العبارات التي قد يقتنع بها شخص أو أكثر، فلا يسعه أن يسكت ويثير الفتنة، ولا يرد على العلماء ولو بأدب؛ لأنه إذا وصل الأمر إلى أن رأس الأمة من العلماء الكبار يدخلون في الموضوع، فما دخلوا إلا لأن الأمر يجب أن تجتمع عليه الكلمة، وما دخلوا إلا لأنهم خافوا الفرقة.
إذاً: يجب على طالب العلم أن يذعن ويتهم نفسه ويبدي رأيه في وقت آخر إذا كان له رأي عندما تهدأ الأمور، أما في مثل هذه الظروف فأرى أن مصادمة رأي أهل العلم أو الوقوف ضد رأيهم، أو الإصرار على رأي يخالف ما اتفقوا عليه وعلموه أنه نوع من عدم الصبر، ونوع مما قد يستغل في تفريق الأمة نسأل الله السلامة والعافية.
لزوم جماعة المسلمين وبيان أن التفرق خروج عن مقتضى الدين
فهؤلاء ما دخلوا في الإسلام كله، بل لجئوا إلى البدع والأهواء فخرجوا من مقتضى هذا الأصل.
ثم ذكر حديث الافتراق وهو مثل هذه الآيات، لكن فيه بيان أن هناك من يخرج عن مقتضى كمال الإسلام، فيخل بالمنهج السليم، فإنه يكون خرج من مقتضى الإذعان الكامل وفارق السنة والجماعة، وإن لم يخرج من مسمى الإسلام.
وعلى هذا فإن الذين خالفوا أصل الدخول في الإسلام كله هم على نوعين: منهم من خرج بمخالفته، وهم من ارتكب ما يوجب الردة.
والنوع الثاني: من خرج عن مقتضى السنة، لكنه ما دخل في الإسلام وهم أهل الأهواء والبدع الذين فارقوا السنة والجماعة مفارقة تقتضي خروجهم من السنة.
هذا الباب في بيان عموم الدين وضرورة التزام الدين كله من قبل المسلم ومن قبل عموم المسلمين أيضاً.
فقوله: (باب: وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه)، يفيد أن على المسلم التسليم الكامل لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والإذعان المطلق، والإيمان بالدين كله دون الأخذ ببعض وترك بعض، وهذا من حيث الإقرار والتسليم، أما من حيث العمل فلا شك أنه لا يلزم المسلم إلا ما يستطيع: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وهذا أمر معلوم بالضرورة؛ وهو أن الأصل في المسلم أن يسلم لله عز وجل، ويقر بالدين كله، وكل ما يرد إلى المسلم مما جاء في كتاب الله عز وجل وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسلم مقر به سلفاً، ولا يتردد إذا ورد له الدليل، فهذا أمر لا يمكن أن يدفعه أحد، التسليم المطلق جملة وتفصيلاً لكل ما يرد ويصح من الدين، فمن ورده أي أمر من أمور الدين وجب أن يقر به، لكن يبقى الجانب الآخر وهو العمل يجب عليه بعد ما يقر ويعلم أن يعمل بما يستطيع.
وأحكام الإسلام على نوعين: الفرائض والأركان، فهذه باستطاعة كل إنسان في الجملة، إلا من عرض له عارض، ولا دخل لهذه المدارك والقدرة العقلية أو القدرة العلمية، فأركان الإسلام يعملها العالم ويعملها أبسط الناس وأجهل الناس وكذلك سائر فرائض الدين، إلا من عرض له عارض كإنسان ما استطاع الصيام لمرض عارض فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكنه يجب أن يبقى إقراره بالصيام وأنه واجب وفرض، وأنه متى ما تمكن سيصوم على سبيل الوجوب.
وأيضاً فما أشار إليه الشيخ أننا إذا قلنا: إنه يجب على المسلم الدخول في الإسلام كله، فمن هنا لا يسعه أن يخرج عن مقتضى الدين في أي أمر من الأمور معتقداً أنه يسعه الخروج عن هذا الأمر، سواء كان في الأمور العامة كالتشريع عموماً أو التقنين، أو كان في الأمور الجزئية، كمسائل الحلال القطعي أو الحرام القطعي، حتى الجزئيات منها، فمثلاً: لا يسع المسلم أن يقول: أنا أقر بالإسلام كله، لكن عندي شك في تحريم الربا، فهذه وإن كانت تسمى فرعية أو حكماً من الأحكام من جملة الدين إلا أنه ما قال: إن لم يقر به فقد خرج من مقتضى الإسلام، ولم يدخل في الدين كله، ولذلك أورد الشيخ الآيات الدالة على هذا المعنى؛ مثل قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]، أي: ادخلوا في الدين جميعاً وأنتم جميعاً ادخلوا في الدين، فهذا خطاب من الله عز وجل للمؤمنين بأن يدخلوا في الإسلام كله ويتركوا ما سواه، فالسلم هنا بمعنى الإسلام.
استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح كتاب فضل الإسلام [6] | 2330 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [10] | 2316 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [1] | 2172 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [4] | 1813 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [11] | 1729 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [9] | 1716 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [7] | 1623 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [3] | 1504 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [2] | 1417 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [8] | 1255 استماع |