خطب ومحاضرات
شرح كتاب فضل الإسلام [4]
الحلقة مفرغة
قال رحمه الله تعالى: [ باب وجوب الاستغناء بمتابعته الكتاب عن كل ما سواه.
وقول الله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] الآية.
روى النسائي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه رأى في يد
باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام.
وقوله تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا [الحج:78].
عن الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله) رواه أحمد والترمذي ، وقال: حديث حسن صحيح.
وفي الصحيح: (من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية)، وفيه: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟).
قال أبو العباس : كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بل (لما اختصم مهاجري وأنصاري، فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال صلى الله عليه وسلم: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟) وغضب لذلك غضباً شديداً. انتهى كلامه رحمه الله تعالى ].
كلام الشيخ رحمه الله واضح، لكن يحسن أن نقف بعض الوقفات لنعرف لماذا ساق هذه النصوص تحت هذه العناوين وتحت العنوان الأصل في فضل الإسلام.
كمال الإسلام ووجوب الاستغناء به عما سواه
ثم أكد ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى مع عمر ورقة من التوراة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد جئتكم بها بيضاء نقية) يعني: الملة والديانة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.. بيضاء نقية لا يشوبها شائب، ولا تخفى على أحد، فهي بيّنة كاملة نقية من أي شائبة، وهذا وصف للدين وللإسلام إلى قيام الساعة؛ لأن هذا مقتضى ختم النبوة وكمال الدين وحفظه، والنبي صلى الله عليه وسلم غضب حينما رأى مع عمر هذه القطعة، إنما أراد سد ذريعة الحاجة إلى غير هذا الدين حتى وإن كان من الأديان التي جاء بها النبيون من قبل؛ لأن الله عز وجل ختم هذه الأديان بهذا الدين وجعله ناسخاً لها، ولأن ما جاءت به الكتب السابقة التوراة والإنجيل قد حُرّف وبُدّل، وحتى لو لم يُحرّف ولم يُبدّل، فإن الله عز وجل ختمها ونسخها بهذا الإسلام، ولذلك بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا هو مقتضى أمر الله، ويشهد لهذا أن عيسى عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان فإنه يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
حرمة الانتساب إلى غير الإسلام تديناً واعتقاداً
ثم الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام، وهو من مباني هذا الدين والجهاد باقٍ وماضٍ إلى يوم القيامة وليس من الشعائر التي انتهت كما يزعم كثير من المفتونين والجاهلين والمنهزمين الذين زعموا أن الجهاد مرحلة لم يعد لها تشريع الآن ولا مبرر، وهذا خلاف مقتضى قطعيات النصوص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالإجمال والتفصيل أن الجهاد باقٍ إلى قيام الساعة، وأن المسلمين سيجاهدون حتى أثناء قيام أشراط الساعة الكبرى، فيجاهدون الدجال وشيعة الدجال ، ويجاهدون أهل الباطل حتى مع قيام علامات الساعة الكبرى، والمؤمنون والمسلمون أهل السنة لا يضرهم ولا يثنيهم قيام علامات الساعة الكبرى عن إقامة شرع الله ودينه ولا الجهاد.
وكذلك الهجرة إذا جاء مقتضاها، وقد اختلف العلماء في الهجرة هل هي باقية أو انتهت؟ والصحيح أن الهجرة باقية إذا وجد مقتضاها بشروطها التي يعرفها الراسخون في العلم.
والجماعة: هي اجتماع المسلمين على الحق والسنة، وهي من ضرورات الإسلام، فلا دين إلا بجماعة، ولا يتحقق الدين الأكمل كما رضيه الله عز وجل للأمة إلا بالجماعة، وهذا لعموم الأمة، ولا يستثنى من ذلك إلا حالات الضرورة للأفراد لا للمجموعة كما ورد في حديث الفتن.
وقوله: (فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع) فهذا من نصوص الوعيد، بمعنى أنه يخرج من مقتضى كمال الإسلام ومتطلبات الإسلام، والخروج عن الجماعة قد يقتضي الردة إذا تضمن أمراً من الأمور التي فيها ردة علمية أو عملية وأحياناً لا يقتضي الردة وهو الغالب، فإن مفارقة الجماعة قد تكون بالعصيان، وقد تكون بالتمرد، وقد تكون بالخروج، وقد تكون بتبني آراء خارجة عن آراء الجماعة كالعقيدة ونحوها، أو بالبدع ونحو ذلك.. كل ذلك يعد خروجاً عن الجماعة، لكن لا يقتضي الخروج من الملة إلا في حالات قليلة.
وقوله: (ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم) يعني: من أهلها أو من حطبها (فقال رجل: يا رسول الله! وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله) فدعوى المسلم هو أن يدّعي الانتساب لهذا الإسلام ولدين الله عز وجل، ويعتز بإيمانه بالله، ولا ينتسب إلا إلى جماعة المسلمين، إلى أهل السنة والجماعة.
ثم ذكر الحديث وهو في الصحيح: (من فارق الجماعة شبراً فميتته جاهلية)، وهو عندي مختصر ويبدو أن عندي كلمات ساقطة، وفيه: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟).
قال أبو العباس بن تيمية : (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن) ويقصد بذلك دعوى السنة والجماعة (من نسب) يعني: من انتسب إلى نسبه أو قبيلته وذويه، وجعل ذلك شعاراً له يتدين به، فهذه دعوى جاهلية، أو انتسب إلى شخص وجعله هو معقد الولاء والبراء كمتعصبة المذاهب، وجعله معقد الولاء والبراء يوالي ويعادي على هذا الشخص، فهذا نوع من الانتساب، فهو من الجاهلية، أو بلد، وهو كذلك وهذا مما بدأ يظهر بين المسلمين، حيث بدأ كثير من المسلمين ينتسب إلى البلد ويعتز به، وإلى الوطن ويعتز به اعتزازاً دينياً، وهذا خلط عند الناس، لأن هناك فرقاً بين الانتماء للبلد من حيث الانتساب له؛ لأنه من أهله وساكنيه، وبين خدمة البلد خدمة تؤدي إلى نصر دين الله عز وجل والتكافل بين المجتمع كما أمر الله، وبين العصبية التي تؤدي إلى المعاداة والموالاة على هذا البلد، أو التي تؤدي إلى تقديس الوطن فهذا من الجاهلية التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
(أو جنس) كذلك الجنس يرجع إلى جنس النسب أو إلى جنس الأفكار أو المذاهب أو الأقوال أو غير ذلك، لكن الغالب أن الجنس يقصد به القبيلة أو العجم أو العرب ونحو ذلك، أو مذاهب سواء كانت فقهية أو عقدية أو فكرية أو سياسية أو غيرها، أو طريقة كالطرق الصوفية، أو المناهج الخاصة للأفراد وللجماعات وللأشخاص، كل ذلك من عزاء الجاهلية، ويدخل في هذا ما يقع فيه كثير من المسلمين من الانتماءات والتحزبات والجماعات التي يكون لها ولاء وبراء وتفضل عليها غيرها من بقية المسلمين أو تحصر السنة بنفسها، أو تحصر الحق بنفسها وللمنتمين إليها، أو يكون للمنتمين إليها خصائص يختصون بها أو يتميزون عن غيرهم، كما هو حاصل في كثير من فئات المنتسبين للدعوات في عصرنا هذا، فإن هذا من عزاء الجاهلية، بل ويدخل في دعاوى الجاهلية والعزاء الممنوع شرعاً التميز عن أهل السنة والجماعة حتى ولو بشعار السنة والجماعة، أو بشعار السلفية، فلو أن طائفة من الناس بين أناس هم في الجملة على مذهب السلف كسائر العلماء وطلاب العلم في هذا البلد، ثم سموا أنفسهم عندنا في هذه البلاد بالسلفيين من دون غيرهم من العلماء الكبار وطلاب العلم وسائر المجتمع الذين هم على السنة، فهذه هي العصبية والحزبية التي ينهون عنها، فينبغي التفطن لذلك.
أما في البلاد التي تقل فيها السنة، ولا يتميز أهل الحق وأهل السنة إلا بأن يتداعوا وينتسبوا للسنة والجماعة أو للسلفية فأرجو ألا يكون في ذلك حرج، لكن لا يتميزون عن بعضهم، أو يحجروا السلفية على طائفة منهم، وقد حصل هذا حتى في خارج هذه البلاد، فبعض طلاب العلم والدعاة الذين هم في الجملة على السنة والجماعة، نجدهم يتميزون عن غيرهم من الذين هم على السنة والجماعة بوصف السلفية، ويتميز بوصف السنة ويحجر الأمر أكثر مما ينبغي، ويقع في التشدد والتنطع، أو يقع في الحزبية تحت شعار (لا حزبية) وهذا أمر ينبغي التفطن له.
ثم ذكر أنه لما اختصم مهاجري وأنصاري، فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال صلى الله عليه وسلم: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)، مع أن الأنصاري والمهاجري ما انتسبوا انتساباً دينياً، إنما انتسبوا انتساب بلد أو فئة، فالأنصار أهل المدينة، والمهاجرون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، فهم فئتان من فئات المسلمين كلهم، ومع ذلك لما ميز كل واحد منهم فئته عن الأخرى، ولا أظنه يقصد بذلك أنهم هم أصحاب الدين والمنهج السليم فقط، إنما قصدوا أنهم في الواقع هذا من المهاجرين وهذا من الأنصار، لكنه خصهم وناداهم، وهذا نوع من التفريق والتحريض، تحريض المؤمنين بعضهم على بعض وتفريق المؤمنين عن بعضهم البعض، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من دعاوى الجاهلية، وغضب لذلك غضباً شديداً، ولذلك ينبغي أن نتنبه لما يقع فيه كثير من المسلمين عن جهل أو عن قصد من الانتساب للبلاد أو الانتساب للفئة دون التفطن لهذا المعنى الخطير.
يشير الشيخ هنا إلى أن من فضل الإسلام الكمال، وأنه يغني عن أي حاجة أو مبدأ أو مذهب أو ما يتدين به الناس، فكأنه يشير بذلك إلى أن من فضل الإسلام أنه جاء كاملاً لا يمكن أن يحتاج الناس بعده لا إلى شرائع ولا مبادئ ولا مذاهب وانتماءات ولذلك استشهد بالآية وهي قوله عز وجل: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، وهذا فيه إفادة العموم في أن الإسلام جاء كاملاً، ولا يمكن أن يحتاج الناس بعده إلى أي أمر من أمور الدين والتشريع في العقيدة ولا في الأحكام.
ثم أكد ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى مع عمر ورقة من التوراة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد جئتكم بها بيضاء نقية) يعني: الملة والديانة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.. بيضاء نقية لا يشوبها شائب، ولا تخفى على أحد، فهي بيّنة كاملة نقية من أي شائبة، وهذا وصف للدين وللإسلام إلى قيام الساعة؛ لأن هذا مقتضى ختم النبوة وكمال الدين وحفظه، والنبي صلى الله عليه وسلم غضب حينما رأى مع عمر هذه القطعة، إنما أراد سد ذريعة الحاجة إلى غير هذا الدين حتى وإن كان من الأديان التي جاء بها النبيون من قبل؛ لأن الله عز وجل ختم هذه الأديان بهذا الدين وجعله ناسخاً لها، ولأن ما جاءت به الكتب السابقة التوراة والإنجيل قد حُرّف وبُدّل، وحتى لو لم يُحرّف ولم يُبدّل، فإن الله عز وجل ختمها ونسخها بهذا الإسلام، ولذلك بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا هو مقتضى أمر الله، ويشهد لهذا أن عيسى عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان فإنه يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح كتاب فضل الإسلام [6] | 2330 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [10] | 2316 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [1] | 2172 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [5] | 1886 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [11] | 1729 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [9] | 1716 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [7] | 1623 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [3] | 1504 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [2] | 1417 استماع |
شرح كتاب فضل الإسلام [8] | 1255 استماع |