شرح كتاب فضل الإسلام [6]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر.

وقوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:144]، وقوله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25].

وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم، لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وفيه: (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أمراء الجور ما صلوا)، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: (أن رجلاً تصدق بصدقة، ثم تتابع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) رواه مسلم ، وله مثله من حديث أبي هريرة ولفظه: (من دعا إلى هدى، ثم قال: ومن دعا إلى ضلالة).

باب ما جاء أن الله احتجز التوبة على صاحب البدعة.

هذا مروي من حديث أنس ومن مراسيل الحسن ، وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: كان عندنا رجل يرى رأياً فتركه، فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أشعرت أن فلاناً ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه).

وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذلك فقال: لا يوفق للتوبة ].

بين الشيخ في هذا الباب أموراً تخفى على كثير من الناس، وهي خطر البدعة وحكمها وأنها أشد من كبائر الذنوب، وأن صاحب البدعة غالباً لا يوفق للتوبة، وهذا فيه إشارة صريحة إلى فضل التمسك بالسنة، وأن المستمسك بالسنة بإذن الله موفق ومعان ومهتدٍ، حتى وإن وقع منه شيء من التقصير فإن الله عز وجل سوف يوفقه للتوبة ويعينه عليها، بخلاف صاحب الكبيرة، فمن فضل السنة أن صاحبها يوفق للتوبة، وهذا داخل في عموم فضل الإسلام.

ثم ذكر الشيخ الأدلة على أن البدعة أشد من الكبائر، فاستدل بقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وهذا فيه إشارة إلى أن أعظم البدع الشرك بالله.

أقسام البدع

ولهذا فإن أقسام البدع ثلاثة:

القسم الأول: البدع المكفرة، وهي بدع الشرك، والبدع التي تخل بأصول الإسلام الناقضة للدين، أو إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، أو الإعراض عن الدين بالكلية، حتى ولو لم يكن في ذلك شيء من الشرك الصريح، فإنه يعد من البدع الكفرية.

والقسم الثاني من البدع: البدع المغلظة التي هي من كبائر الذنوب بل من أعظم الكبائر، والبدع المغلظة هي الأكثر مما يقع فيه كثير من أهل البدع في العصور المتأخرة، والتي منها على سبيل المثال: الموالد البدعية والبناء على القبور، واتخاذ المزارات والمشاهد، والتبرك بما لم يرد الشرع ببركته.. ونحو ذلك، هذه بدع كبيرة ومغلظة.

والقسم الثالث: بدع صغيرة، يقع فيها أكثر جهلة المنتسبين للبدع إذا لم يقعوا في كبائر البدع، وقد يقع فيها بعض المنتسبين للسنة، مثل: التزام السبحة عند التسبيح، أو التزام شعار معين، أو تقليد الأشخاص، ومثل بعض التصرفات التي تكون عند المآكل وفي الجنائز، فهذه غالباً من أنواع البدع الصغيرة.

إذاً: الشرك هو أعظم أنواع البدع، ولذلك أدخله الشيخ هنا للاستدلال على أن البدع أشد من الكبائر، كذلك الكذب على الله عز وجل وارد في قوله سبحانه: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:144]، وهو باب واسع يدخل فيه التشريع بما لم يشرعه الله عز وجل، والابتداع أي: إحداث البدع، ونسبة البدع إلى الشرع، والقول بأنها من شرع الله ودينه، كل هذا داخل في الافتراء والكذب على الله.

ثم استدل بقوله عز وجل: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25]، فهذا أراد به أن صاحب البدعة مرتكب ذنباً عظيماً، ومما يتحمله صاحب البدعة أنه يتحمل أوزار الذين يقلدونه إلى يوم القيامة.

قتل الخوارج

ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم)، وهذا من أدلة دقة فقه الشيخ رحمه الله، والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب فقهه قريب من فقه البخاري في عمق ودقة الاستنباط بعبارة وجيزة وإشارة وجيزة، فسياقه لهذا الحديث على هذا الوجه والاختصار يقصد به أن البدعة أغلظ من كبائر الذنوب، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح قتل الخوارج لبدعهم، ومع ذلك لم يجز قتل أمراء الجور؛ لأن عملهم من أنواع المعاصي وليس من أنواع البدع، فالجور عظيم والظلم عظيم، ومع ذلك أمرنا بألا نقاتل أمراء الجور والظالمين في حين أننا أمرنا أن نقاتل الخوارج؛ لأن الخوارج أصحاب بدعة، ولأن الظلمة وأئمة الجور أصحاب معاصٍ، وهذا دليل على أن البدعة أعظم من المعصية، ولذلك جاز قتل المبتدع ولم يجز قتل صاحب الكبيرة إلا لموجب شرعي.

السنة الحسنة والبدعة الحسنة

ثم ذكر حديث جرير : (أن رجلاً تصدق بصدقة ثم تتابع الناس)، والحديث يمثل قاعدة عظيمة من قواعد الشرع: (أن من سن سنة حسنة)، أي: من عمل بسنة من سنن الإسلام؛ لأنه لا يمكن أن تكون سنة حسنة إلا والإسلام جاء بها؛ لأن الله عز وجل أكمل الدين، والعكس: (من سن سنة سيئة)، يعني: ابتدع بدعة، (فعليه وزرها ووزر من عمل بها)، وهذا الحديث يقلبه أهل الأهواء بالاستدلال على مشروعية البدع، وقالوا: إن البدع الحسنة مشروعة، بدلالة هذا الحديث، وأنها تدخل في السنة الحسنة، فمن ابتدع صلاة أو تسبيحاً أو صدقة أو نحو ذلك مما لم يشرع فكل ذلك داخل في الحسن، فيكون ابتداعه من السنة الحسنة، ولا شك أن هذا قلب للحقائق؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين النوعين.

وأيضاً: أن السنة الحسنة لا يمكن أن تكون حسنة إلا وقد أقرها الشرع، فإذا أقرها الشرع فالأصل أنها مشروعة، لكن الإنسان قد يبدع في الوسيلة، فمن سن سنة حسنة، أو وسيلة تؤدي إلى أمر مشروع، وعلى سبيل المثال: المؤسسات الخيرية كلها من السنة؛ لا بذاتها وإنما لأنها أدت إلى العمل بالسنة، والعمل بمقتضى الإسلام بتعاون المسلمين، ومن التعاون على البر والتقوى، ومن نشر المبرات والخيرات بين الناس، والعلم النافع والصدقات وتعاضد المسلمين بينهم.

إذاً: الوسيلة المؤدية إلى تطبيق السنة تعتبر سنة حسنة، ولذلك فإن كل من أحدث مشروعاً خيرياً انتفع به المسلمون وصار فيه قدوة فقد سن سنة حسنة؛ لأنه جاء على مقتضى السنة.

وأيضاً: قد يرد أن السنن تنسى أحياناً ويغفل عنها، فمن أحياها فقد سن سنة حسنة، والدليل على هذا ما في الحديث نفسه: (أن رجلاً تصدق بصدقة)، والصدقة من السنن التي سنها الله وسنها رسوله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: هذا الرجل إنما عمل عملاً أدى إلى دفع الناس إلى العمل بالمشروع، فعمله الذي هو سنة حسنة من أداء الصدقة، وفعل الصدقة، فهو قام بوسيلة إلى عمل الخير، ولم يحدث عملاً جديداً، ولم يكن هو المشرع للصدقة، أو ابتدع حكماً شرعياً لا في العقيدة ولا في الشرع، إنما عمل بمقتضى ما أمر به الله وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم على وسيلة أو بفعل كان فيه قدوة، وكذلك بقية النصوص: (من دعا إلى هدى)، ثم قال: (من دعا إلى ضلالة) والمعنى واحد.

ولهذا فإن أقسام البدع ثلاثة:

القسم الأول: البدع المكفرة، وهي بدع الشرك، والبدع التي تخل بأصول الإسلام الناقضة للدين، أو إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، أو الإعراض عن الدين بالكلية، حتى ولو لم يكن في ذلك شيء من الشرك الصريح، فإنه يعد من البدع الكفرية.

والقسم الثاني من البدع: البدع المغلظة التي هي من كبائر الذنوب بل من أعظم الكبائر، والبدع المغلظة هي الأكثر مما يقع فيه كثير من أهل البدع في العصور المتأخرة، والتي منها على سبيل المثال: الموالد البدعية والبناء على القبور، واتخاذ المزارات والمشاهد، والتبرك بما لم يرد الشرع ببركته.. ونحو ذلك، هذه بدع كبيرة ومغلظة.

والقسم الثالث: بدع صغيرة، يقع فيها أكثر جهلة المنتسبين للبدع إذا لم يقعوا في كبائر البدع، وقد يقع فيها بعض المنتسبين للسنة، مثل: التزام السبحة عند التسبيح، أو التزام شعار معين، أو تقليد الأشخاص، ومثل بعض التصرفات التي تكون عند المآكل وفي الجنائز، فهذه غالباً من أنواع البدع الصغيرة.

إذاً: الشرك هو أعظم أنواع البدع، ولذلك أدخله الشيخ هنا للاستدلال على أن البدع أشد من الكبائر، كذلك الكذب على الله عز وجل وارد في قوله سبحانه: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:144]، وهو باب واسع يدخل فيه التشريع بما لم يشرعه الله عز وجل، والابتداع أي: إحداث البدع، ونسبة البدع إلى الشرع، والقول بأنها من شرع الله ودينه، كل هذا داخل في الافتراء والكذب على الله.

ثم استدل بقوله عز وجل: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25]، فهذا أراد به أن صاحب البدعة مرتكب ذنباً عظيماً، ومما يتحمله صاحب البدعة أنه يتحمل أوزار الذين يقلدونه إلى يوم القيامة.

ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم)، وهذا من أدلة دقة فقه الشيخ رحمه الله، والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب فقهه قريب من فقه البخاري في عمق ودقة الاستنباط بعبارة وجيزة وإشارة وجيزة، فسياقه لهذا الحديث على هذا الوجه والاختصار يقصد به أن البدعة أغلظ من كبائر الذنوب، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح قتل الخوارج لبدعهم، ومع ذلك لم يجز قتل أمراء الجور؛ لأن عملهم من أنواع المعاصي وليس من أنواع البدع، فالجور عظيم والظلم عظيم، ومع ذلك أمرنا بألا نقاتل أمراء الجور والظالمين في حين أننا أمرنا أن نقاتل الخوارج؛ لأن الخوارج أصحاب بدعة، ولأن الظلمة وأئمة الجور أصحاب معاصٍ، وهذا دليل على أن البدعة أعظم من المعصية، ولذلك جاز قتل المبتدع ولم يجز قتل صاحب الكبيرة إلا لموجب شرعي.