خطب ومحاضرات
قواعد تنفع طالب العلم
الحلقة مفرغة
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: أيها المشاهدون الكرام! أيتها المشاهدات الكريمات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. طابت أوقاتكم بالخير والمسرات.
أهلاً ومرحباً بكم أيها المشاهدون الكرام مع حلقة جديدة من حلقات هذا البرنامج, والتي تأتيكم عبر فضائية قناة المجد العلمية، نسعد وإياكم أيها الإخوة والأخوات بصحبة صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء.
باسمكم أيها الإخوة والأخوات! نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور.
أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ!
الشيخ: حياكم الله وحيا الله الإخوة المستمعين والمستمعات.
المقدم: أسأل المولى الكريم سبحانه وتعالى أن يجزيكم عنا خير الجزاء, وأن يجعل ما تقدمونه في ميزان حسناتكم.
المجال فضيلة الدكتور مفتوح لكم على بركة الله تعالى نبدأ حلقة هذا اليوم بعد الترحيب بالإخوة ودعوتهم للتواصل معنا, وذلك من خلال الأرقام الهاتفية، والموقع الإلكتروني الذي يظهر أمامكم على الشاشة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل, أو نظلم أو نظلم، أو نجهل أو يجهل علينا، اللهم اجعلنا للمتقين إماماً، وبعد:
أحبتي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الدرس وهو الدرس الأخير لشرح عمدة الفقه من كتاب الحج أن يكون خاتمة خير وبركة، وصلاح في ديننا ودنيانا، وأن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعل ما علمنا وتعلمنا حجة لنا لا علينا, إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
وقد تحدثنا -أخي العزيز- في درس سابق عن بعض القواعد التي ينبغي لطالب العلم أن يراعيها حق الرعاية، وذكرنا طريقة الطلب، واهتمام طالب العلم بمسألة تعظيم النص، وأنه يجب على طالب العلم أن يعظم النص، وأشرنا إلى أمثلة كثيرة من الأخطاء التي قد يرتكبها طالب العلم في سيره في طلب العلم.
ولعلي في هذه الجلسة أتحدث عن بعض القواعد، أو بعض النقاط، أو بعض الأشياء التي ينبغي لطالب العلم والسالك في التفقه في الدين أن يراعيها، وأن يهتم بها.
وهذه القواعد تحدث عنها أهل العلم فليست ببدعة من القول, بل قد تحدثوا فيها وأطنبوا، وكل من قرأ كتب أبي العباس ابن تيمية أو كتب القرافي خاصة كتابه العظيم: الفروق, أو الموافقات للشاطبي سيجد أنهم قد أشاروا إلى شيء من هذا الأمر.
مراعاة الناس والرفق بهم في كل ما لم يرد في تحريمه نص شرعي
فالأصل فيه هو أن يخفف على الناس؛ لأنك تجد في بعض كتب الفقهاء أن كل واحد منهم قد تعصب لإمامه.
فالإمام الكبير مثل الإمام أبي حنيفة أو الإمام مالك أو الإمام الشافعي أو الإمام أحمد , ربما ذكر حكماً شرعياً وخفيت عليه سنة، كما قال غير واحد من أهل العلم: وما من إمام من أئمة الإسلام إلا وقد خفيت عليه سنة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن تيمية رحمه الله وغيره, فتجد أن المقلد لهذا الإمام من أصحاب المذاهب تأتيه هذه السنة من قبل مذهب آخر، ويطلع عليها, فيحاول أن يذكر بعض التقييدات لكي يبقي الحكم الذي قال به إمامه.
ونحن نقول: كل ما لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في تحريمه فالأصل فيه أن يخفف على الناس، وأن يرفق بهم.
وأذكر من ذلك ما ذكره ابن تيمية رحمه الله في مسألة المزارعة والمساقاة، وأن أكثر الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية وبعض الحنابلة حرموه وحاولوا أن يبرروا بعض التصرفات التي يعملها الناس؛ هل هي إجارة على المساقاة على الزرع, أو إجارة على الأرض؟ فحاولوا أن يقولوا: إجارة على الأرض ودخلت الزروع تبعاً، ولا يستطيعون أن يستقلوها؛ لأنها دخلت في بعض القضايا.
فيقول ابن تيمية رحمه الله عندما ذكر ذلك: والقول الثاني هو جواز ذلك وهو قول أكثر السلف وهو فعل عمر ، ثم قال: وكلما احتاج الناس إلى معاملة من المعاملات فيما يحتاجون إليه مما لم يرد نص شرعي في تحريمه فالأصل فيه أن يخفف على الناس، ثم قال: وكل من تقيد ببعض الضوابط التي لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في وجودها تجد أنه يتأول بعض النصوص حتى يطبق هذا الأمر.
ولهذا نقول: الأصل مراعاة حاجة الناس فيما لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في تحريم ذلك.
ولعل من أمثلة ذلك ما يحفظه السامعون خلف الشاشة, وما يحفظه كثير من الطلبة قصة حديث عائشة كما في الصحيحين لـعائشة : ( لولا حدثان قومك بالكفر لرأيت أن أجعل للبيت بابين: باب يدخل منه, وباب يخرج منه، ولكن أجد أن قلوبهم ربما تجد في ذلك )، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فتجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك هذا من باب الحاجة، وهي التأليف.
وأمر آخر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب العرية احتاجوا إلى أكل الرطب وليس عندهم إلا التمر، فرخص لهؤلاء بعض التعاملات لأجل أنه يشق عليهم أن يروا الناس يأكلون الرطب وهم لا يأكلونها.
يقول أهل العلم: وينبغي أن تقيد الرخص والحاجة بضوابط منها: أن لا يرد نص شرعي في التحريم، فإذا جاء النص قلنا: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فلا حاجة بنا إلى أن نتأول النصوص بدعوى أنها حاجة للأمة, ولا تقوم قائمة الأمة إلا بها، ونحن لو لم نتدخل لتركها أهل الخير، فمثل هذه الكلمات ربما تفقد النص روحه الشرعي.
جواز العمل بالقول المرجوح في المسائل العملية رعاية لمصلحة أعظم
ولعلي أذكر من ذلك، أنك تجد بعض طلبة العلم ربما يكون إمام مسجد، وفي مسجده أناس ربما تمذهبوا بمذهب غير المذهب الذي تمذهب به, أو أن في مسجدهم رجالاً كباراً في السن لم يعتادوا بعض السنن التي ربما لو فعلها طالب العلم لأثارت ضجة.
فيقول أهل العلم: إنه يعمل بالعمل المفضول رعاية لمصلحة الجماعة، وإن كان العمل بالمفضول مرجوحاً، ولكن لرعاية ما هو أعظم من ذلك، إلا إذا كان هذا الإمام يقتدى بفعله، وكان له قدم في العلم، والناس يقتدون به، ولا يحدث شغب في مخالفة الناس فحينئذ نقول: يجب أن تحيي هذه السنن, يعني: الوجوب السلوكي لا الوجوب الشرعي, بمعنى: أنه ينبغي لك أن لا تخالف هذا الأمر، بحيث تطبق السنة فيعتاد الناس هذه السنة؛ لأجل أنك إمام يقتدى بفعلك.
المقدم: جميل، وهذا ليس مسوغاً أن الإنسان مثلاً يراعي جميع المأمومين.
الشيخ: بالجملة.
المقدم: نعم, أحياناً الإنسان يأمل أن يراعي وضعهم، وكذلك يعمل على إحياء مثل هذه السنة.
الشيخ: جميل! وهذا لا يعني أنه يترك السنة، ولكن مرة تلو مرة، بحيث يحبب إليهم السنة، ولقد جاء في الأثر: ( خير الناس من حبب الخلق إلى الله، وحبب الله إلى خلقه )، يعني: بحيث يحب الناس هذه السنة.
أذكر مثالاً على هذا: ما ذكره ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثاني والعشرين, فقد ذكر أن الإمام أحمد رحمه الله استحب القنوت في صلاة الوتر، قال: ولو أم إمام قوماً لا يرون القنوت في الوتر -مع أنه يرى ذلك- قال: أرى أنه لا يقنت بهم؛ رعاية لمصلحة الجماعة.
ولا يعني أن ذلك إبطال للنص حاشا وكلا، ولكنك لو تأملت لوجدت أمامك مصلحتين: مصلحة تأليف قلوب الناس وتحبيبهم إلى الخير, ومصلحة تطبيق السنة المستحبة وليست الواجبة، وهناك فرق. فينظر إذا كانت هذه السنة سوف تبطل البتة فنقول: لا, ينبغي أن تراعى هذه المصلحة، لكن إذا كان الإنسان يقول: لا, أنا سوف أفعلها. أولاً: أتكلم بالكلام ولا أفعل بالفعل, ثم شيئاً فشيئاً حتى يعتادها الناس.
نقول: هذا مطلب شرعي، بل إن ابن تيمية رحمه الله ذكر أنه جاءته رسالة من بعض طلاب العلم وقد اختلفوا في مسألة: هل المنافقون يرون الله سبحانه وتعالى في العرصات أو لا يرونه؟
وهذه المسألة اختلف فيها السلف والخلف حتى إن بعض طلاب العلم اتهم البعض بالتكفير وعدمه، فـابن تيمية كتب رسالة في هذا الباب، يبين أهمية ائتلاف القلوب، واجتماع مصلحة الناس والاعتصام بالجماعة، ثم تكلم كلاماً طويلاً في هذا الأمر، وقال بعد ذلك: وأما هذه المسألة فقد تحدثنا فيها في غير ما كتاب من كتبنا فلتراجع، ولم يجب، والناس يريدون منه الإجابة؛ لأنه رأى أن من المصلحة عدم الإجابة.
وهذا من العمل بالمرجوح؛ لأن بث العلم وعدم كتمانه مطلب شرعي، لكن كتمان هذا الأمر لأجل أنه يثير بلبلة فيه مصلحة الجماعة.
ولهذا قال علي بن أبي طالب : حدثوا الناس بما يعرفون, أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!
وقال ابن مسعود : ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تدركه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
لا اجتهاد مع النص
وهذا يرد كثيراً جداً, نقول: إن الأئمة رحمهم الله حاشاهم كما قال ابن تيمية في المجلد الثامن عشر: ولا يكاد يوجد إمام من أئمة الإسلام خالف نصاً شرعياً يعلم ثبوته حتى أبو حنيفة؛ لأن بعض الناس يقولون: إن أبا حنيفة يخالف النص, يقول ابن تيمية : حتى إن الإمام أبا حنيفة ليخالف القياس لأجل أثر عن ابن مسعود ، فهو يرى أن اتباع الصحابي أولى من الأخذ بالقياس، قال: فإذا كان ذلك في صحابي؛ فكيف بمحمد صلى الله عليه وسلم؟!
ولهذا قرر ابن تيمية هذا الأمر وألف كتابه العظيم: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ثم تجد بعض طلاب العلم حينما يذكر مسألة يقول: والعجب أن مالكاً بلا لفظ: الإمام مالك أو أحمد أو الشافعي أو أبا حنيفة تركوا الدليل, والدليل واضح في هذا المسألة, ولا اجتهاد مع النص.
وهذه القاعدة: لا اجتهاد مع النص ينبغي أن تكون مفهومة بطريقتها الصحيحة، فلا اجتهاد مع النص شيء, ولا اجتهاد مع فهم النص شيء آخر، بل إننا نقول: المعنى الثاني خطأ، فإن الاجتهاد في فهم النص أولى لكن الاجتهاد مع النص ما وجد إمام من أئمة الإسلام يخالف النص بحجة الاجتهاد.
فـمالك رحمه الله حينما جاءه حديث: ( من صام رمضان ثم أتبعة ستاً من شوال ) لم يعمل به، مع أن الحديث صحيح، لا لأنه حديث صحيح وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، حاشاه رحمه الله، ولكنه رأى أن عمل أهل المدينة -وهم أكثر الصحابة- تركوه فقال: تركهم لهذا الأمر دليل أن بعض الرواة ربما زاد هذه اللفظة، أو ربما ذكر ذلك عن صحابي فرفعها الراوي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتركها مالك من باب أن الصحابة لا يجمعون على ترك الخير.
وهذا اجتهاد من مالك رحمه الله.
لكن ينبغي أن تعرف أن الأئمة ما تركوا النص؛ لأنه نص ثابت عندهم، حاشاهم, لكنهم رأوا أن فهم النص يختلف من إمام إلى إمام آخر.
وعلى هذا فنقول: لا اجتهاد مع النص معناه: لا اجتهاد مع نص ثابت توفرت فيه شروطه وأركانه؛ ولهذا تجد بعض الناس -حتى بعض الذين ربما ليس لهم قدم صدق في العلم- يقولون: لا بأس بتبرج المرأة؛ لأن المجتمع الآن لا بد له منه, ولأن العالم أصبح قرية واحدة, فلا بد للمرأة أن تكشف وجهها وشعرها وأن تختلط؛ فهذه حاجة لا بد منها، والصحابة كانوا في عهدهم على طريقة معينة واعتبارات معينة، وتقاليد معينة.
أقول: أعوذ بالله, هذا هو الذي يقال فيه: لا اجتهاد مع النص.
وتجدهم يقولون: عمر بن الخطاب ترك العمل بحكم مع أنه ثابت بالنص، يقول الله تعالى في كتابه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا [المائدة:38]، فـعمر ترك القطع زمن الرمادة, وترك إخراج زكاة المؤلفة قلوبهم وهي موجودة في القرآن!
فنقول: هذا من الخلل في الفرق بين الاجتهاد مع النص، والاجتهاد في فهم النص.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما كان له أن يترك نصاً شرعياً يعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم عمله، وهو الذي قال حينما استقبل الحجر: ( والله إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر, ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله رضي الله عنه ).
فـعمر رضي الله عنه إنما ترك قطع اليد في السرقة زمن الرمادة؛ لأنه رأى أن شروط السرقة لم تتوفر في ذلك الوقت. وشروط السرقة: أن يكون من حرزه، وأن يكون السارق غير مضطر ومكره. قال: فهؤلاء مضطرون مثلهم مثل من أكل الميتة في زمن خوف الهلكة.
كذلك يقال: إن عمر بن الخطاب عندما منع إعطاء المؤلفة قلوبهم إنما منع ذلك: لأن ذلك كان في عهد ضعف الإسلام وعدم تمكنه من أعداء الدين, أما وقد قوي الإسلام وانتشر فإنه يجب أن يرعوي هؤلاء, وأن يدخلوا في الإسلام، وهذا اجتهاد من عمر رضي الله عنه, وهذه يسع فيها الخلاف، لكنه ليس فيه مصادمة لنص شرعي ثابت.
المقدم: نعم, أحسنت وبارك الله فيك على هذه التنبيهات الطيبة.
من القواعد: مراعاة حاجة الناس والرفق بهم في كل ما لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في تحريمه.
فالأصل فيه هو أن يخفف على الناس؛ لأنك تجد في بعض كتب الفقهاء أن كل واحد منهم قد تعصب لإمامه.
فالإمام الكبير مثل الإمام أبي حنيفة أو الإمام مالك أو الإمام الشافعي أو الإمام أحمد , ربما ذكر حكماً شرعياً وخفيت عليه سنة، كما قال غير واحد من أهل العلم: وما من إمام من أئمة الإسلام إلا وقد خفيت عليه سنة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن تيمية رحمه الله وغيره, فتجد أن المقلد لهذا الإمام من أصحاب المذاهب تأتيه هذه السنة من قبل مذهب آخر، ويطلع عليها, فيحاول أن يذكر بعض التقييدات لكي يبقي الحكم الذي قال به إمامه.
ونحن نقول: كل ما لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في تحريمه فالأصل فيه أن يخفف على الناس، وأن يرفق بهم.
وأذكر من ذلك ما ذكره ابن تيمية رحمه الله في مسألة المزارعة والمساقاة، وأن أكثر الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية وبعض الحنابلة حرموه وحاولوا أن يبرروا بعض التصرفات التي يعملها الناس؛ هل هي إجارة على المساقاة على الزرع, أو إجارة على الأرض؟ فحاولوا أن يقولوا: إجارة على الأرض ودخلت الزروع تبعاً، ولا يستطيعون أن يستقلوها؛ لأنها دخلت في بعض القضايا.
فيقول ابن تيمية رحمه الله عندما ذكر ذلك: والقول الثاني هو جواز ذلك وهو قول أكثر السلف وهو فعل عمر ، ثم قال: وكلما احتاج الناس إلى معاملة من المعاملات فيما يحتاجون إليه مما لم يرد نص شرعي في تحريمه فالأصل فيه أن يخفف على الناس، ثم قال: وكل من تقيد ببعض الضوابط التي لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في وجودها تجد أنه يتأول بعض النصوص حتى يطبق هذا الأمر.
ولهذا نقول: الأصل مراعاة حاجة الناس فيما لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في تحريم ذلك.
ولعل من أمثلة ذلك ما يحفظه السامعون خلف الشاشة, وما يحفظه كثير من الطلبة قصة حديث عائشة كما في الصحيحين لـعائشة : ( لولا حدثان قومك بالكفر لرأيت أن أجعل للبيت بابين: باب يدخل منه, وباب يخرج منه، ولكن أجد أن قلوبهم ربما تجد في ذلك )، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فتجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك هذا من باب الحاجة، وهي التأليف.
وأمر آخر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب العرية احتاجوا إلى أكل الرطب وليس عندهم إلا التمر، فرخص لهؤلاء بعض التعاملات لأجل أنه يشق عليهم أن يروا الناس يأكلون الرطب وهم لا يأكلونها.
يقول أهل العلم: وينبغي أن تقيد الرخص والحاجة بضوابط منها: أن لا يرد نص شرعي في التحريم، فإذا جاء النص قلنا: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فلا حاجة بنا إلى أن نتأول النصوص بدعوى أنها حاجة للأمة, ولا تقوم قائمة الأمة إلا بها، ونحن لو لم نتدخل لتركها أهل الخير، فمثل هذه الكلمات ربما تفقد النص روحه الشرعي.
القاعدة الثانية: ذكر أهل العلم جواز العمل بالقول المرجوح أو المفضول في المسائل العملية، مثل: الصلاة، وغيرها من العبادات العملية، رعاية لمصلحة أعظم.
ولعلي أذكر من ذلك، أنك تجد بعض طلبة العلم ربما يكون إمام مسجد، وفي مسجده أناس ربما تمذهبوا بمذهب غير المذهب الذي تمذهب به, أو أن في مسجدهم رجالاً كباراً في السن لم يعتادوا بعض السنن التي ربما لو فعلها طالب العلم لأثارت ضجة.
فيقول أهل العلم: إنه يعمل بالعمل المفضول رعاية لمصلحة الجماعة، وإن كان العمل بالمفضول مرجوحاً، ولكن لرعاية ما هو أعظم من ذلك، إلا إذا كان هذا الإمام يقتدى بفعله، وكان له قدم في العلم، والناس يقتدون به، ولا يحدث شغب في مخالفة الناس فحينئذ نقول: يجب أن تحيي هذه السنن, يعني: الوجوب السلوكي لا الوجوب الشرعي, بمعنى: أنه ينبغي لك أن لا تخالف هذا الأمر، بحيث تطبق السنة فيعتاد الناس هذه السنة؛ لأجل أنك إمام يقتدى بفعلك.
المقدم: جميل، وهذا ليس مسوغاً أن الإنسان مثلاً يراعي جميع المأمومين.
الشيخ: بالجملة.
المقدم: نعم, أحياناً الإنسان يأمل أن يراعي وضعهم، وكذلك يعمل على إحياء مثل هذه السنة.
الشيخ: جميل! وهذا لا يعني أنه يترك السنة، ولكن مرة تلو مرة، بحيث يحبب إليهم السنة، ولقد جاء في الأثر: ( خير الناس من حبب الخلق إلى الله، وحبب الله إلى خلقه )، يعني: بحيث يحب الناس هذه السنة.
أذكر مثالاً على هذا: ما ذكره ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثاني والعشرين, فقد ذكر أن الإمام أحمد رحمه الله استحب القنوت في صلاة الوتر، قال: ولو أم إمام قوماً لا يرون القنوت في الوتر -مع أنه يرى ذلك- قال: أرى أنه لا يقنت بهم؛ رعاية لمصلحة الجماعة.
ولا يعني أن ذلك إبطال للنص حاشا وكلا، ولكنك لو تأملت لوجدت أمامك مصلحتين: مصلحة تأليف قلوب الناس وتحبيبهم إلى الخير, ومصلحة تطبيق السنة المستحبة وليست الواجبة، وهناك فرق. فينظر إذا كانت هذه السنة سوف تبطل البتة فنقول: لا, ينبغي أن تراعى هذه المصلحة، لكن إذا كان الإنسان يقول: لا, أنا سوف أفعلها. أولاً: أتكلم بالكلام ولا أفعل بالفعل, ثم شيئاً فشيئاً حتى يعتادها الناس.
نقول: هذا مطلب شرعي، بل إن ابن تيمية رحمه الله ذكر أنه جاءته رسالة من بعض طلاب العلم وقد اختلفوا في مسألة: هل المنافقون يرون الله سبحانه وتعالى في العرصات أو لا يرونه؟
وهذه المسألة اختلف فيها السلف والخلف حتى إن بعض طلاب العلم اتهم البعض بالتكفير وعدمه، فـابن تيمية كتب رسالة في هذا الباب، يبين أهمية ائتلاف القلوب، واجتماع مصلحة الناس والاعتصام بالجماعة، ثم تكلم كلاماً طويلاً في هذا الأمر، وقال بعد ذلك: وأما هذه المسألة فقد تحدثنا فيها في غير ما كتاب من كتبنا فلتراجع، ولم يجب، والناس يريدون منه الإجابة؛ لأنه رأى أن من المصلحة عدم الإجابة.
وهذا من العمل بالمرجوح؛ لأن بث العلم وعدم كتمانه مطلب شرعي، لكن كتمان هذا الأمر لأجل أنه يثير بلبلة فيه مصلحة الجماعة.
ولهذا قال علي بن أبي طالب : حدثوا الناس بما يعرفون, أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!
وقال ابن مسعود : ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تدركه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
من القواعد التي أرى أنها من الأهمية لطالب العلم أنه قد يقول: نحن قرأنا كتب شرح العمدة, وسمعنا أقوال الأئمة, وأنت تحدثت عن أبي حنيفة الإمام الذي له أتباع كثير، وعن مالك الذي له أتباع كثير، وعن الشافعي وعن أحمد , فنلاحظ أنك أحياناً تذكر قول مالك و الشافعي أو أحمد وتأتي بالقول الآخر المخالف والدليل معه فكيف خالف هؤلاء الأئمة النص؟!
وهذا يرد كثيراً جداً, نقول: إن الأئمة رحمهم الله حاشاهم كما قال ابن تيمية في المجلد الثامن عشر: ولا يكاد يوجد إمام من أئمة الإسلام خالف نصاً شرعياً يعلم ثبوته حتى أبو حنيفة؛ لأن بعض الناس يقولون: إن أبا حنيفة يخالف النص, يقول ابن تيمية : حتى إن الإمام أبا حنيفة ليخالف القياس لأجل أثر عن ابن مسعود ، فهو يرى أن اتباع الصحابي أولى من الأخذ بالقياس، قال: فإذا كان ذلك في صحابي؛ فكيف بمحمد صلى الله عليه وسلم؟!
ولهذا قرر ابن تيمية هذا الأمر وألف كتابه العظيم: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ثم تجد بعض طلاب العلم حينما يذكر مسألة يقول: والعجب أن مالكاً بلا لفظ: الإمام مالك أو أحمد أو الشافعي أو أبا حنيفة تركوا الدليل, والدليل واضح في هذا المسألة, ولا اجتهاد مع النص.
وهذه القاعدة: لا اجتهاد مع النص ينبغي أن تكون مفهومة بطريقتها الصحيحة، فلا اجتهاد مع النص شيء, ولا اجتهاد مع فهم النص شيء آخر، بل إننا نقول: المعنى الثاني خطأ، فإن الاجتهاد في فهم النص أولى لكن الاجتهاد مع النص ما وجد إمام من أئمة الإسلام يخالف النص بحجة الاجتهاد.
فـمالك رحمه الله حينما جاءه حديث: ( من صام رمضان ثم أتبعة ستاً من شوال ) لم يعمل به، مع أن الحديث صحيح، لا لأنه حديث صحيح وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، حاشاه رحمه الله، ولكنه رأى أن عمل أهل المدينة -وهم أكثر الصحابة- تركوه فقال: تركهم لهذا الأمر دليل أن بعض الرواة ربما زاد هذه اللفظة، أو ربما ذكر ذلك عن صحابي فرفعها الراوي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتركها مالك من باب أن الصحابة لا يجمعون على ترك الخير.
وهذا اجتهاد من مالك رحمه الله.
لكن ينبغي أن تعرف أن الأئمة ما تركوا النص؛ لأنه نص ثابت عندهم، حاشاهم, لكنهم رأوا أن فهم النص يختلف من إمام إلى إمام آخر.
وعلى هذا فنقول: لا اجتهاد مع النص معناه: لا اجتهاد مع نص ثابت توفرت فيه شروطه وأركانه؛ ولهذا تجد بعض الناس -حتى بعض الذين ربما ليس لهم قدم صدق في العلم- يقولون: لا بأس بتبرج المرأة؛ لأن المجتمع الآن لا بد له منه, ولأن العالم أصبح قرية واحدة, فلا بد للمرأة أن تكشف وجهها وشعرها وأن تختلط؛ فهذه حاجة لا بد منها، والصحابة كانوا في عهدهم على طريقة معينة واعتبارات معينة، وتقاليد معينة.
أقول: أعوذ بالله, هذا هو الذي يقال فيه: لا اجتهاد مع النص.
وتجدهم يقولون: عمر بن الخطاب ترك العمل بحكم مع أنه ثابت بالنص، يقول الله تعالى في كتابه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا [المائدة:38]، فـعمر ترك القطع زمن الرمادة, وترك إخراج زكاة المؤلفة قلوبهم وهي موجودة في القرآن!
فنقول: هذا من الخلل في الفرق بين الاجتهاد مع النص، والاجتهاد في فهم النص.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما كان له أن يترك نصاً شرعياً يعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم عمله، وهو الذي قال حينما استقبل الحجر: ( والله إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر, ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله رضي الله عنه ).
فـعمر رضي الله عنه إنما ترك قطع اليد في السرقة زمن الرمادة؛ لأنه رأى أن شروط السرقة لم تتوفر في ذلك الوقت. وشروط السرقة: أن يكون من حرزه، وأن يكون السارق غير مضطر ومكره. قال: فهؤلاء مضطرون مثلهم مثل من أكل الميتة في زمن خوف الهلكة.
كذلك يقال: إن عمر بن الخطاب عندما منع إعطاء المؤلفة قلوبهم إنما منع ذلك: لأن ذلك كان في عهد ضعف الإسلام وعدم تمكنه من أعداء الدين, أما وقد قوي الإسلام وانتشر فإنه يجب أن يرعوي هؤلاء, وأن يدخلوا في الإسلام، وهذا اجتهاد من عمر رضي الله عنه, وهذه يسع فيها الخلاف، لكنه ليس فيه مصادمة لنص شرعي ثابت.
المقدم: نعم, أحسنت وبارك الله فيك على هذه التنبيهات الطيبة.
أستأذنك في أن أستعرض مجموعة من الأسئلة عبر الموقع.
التدرج في طلب العلم
لقد استفدت كثيراً من فضيلتكم في هذا الفصل, وأرجو من فضيلتكم أن توضحوا لنا منهجاً نسير عليه لنستطيع بعد ذلك -بعون الله- الترجيح بين أقوال العلماء.
ففي هذه الأيام ولله الحمد يتوفر لنا العلم، والوصول للعلماء بطرق ميسرة، لكن لا نعلم كيف سيكون الحال بعد فترة, فنود أن ترشدنا ولو بنبذة مختصرة عن كيفية تدرج فضيلتكم في تلقي العلم؟
الجواب: أنا أرى أن أفضل طريقة لطالب العلم حتى يترقى في سلم الطلب هي: أن يأخذ متناً من متون العلم الذي يريد أن يبحثه، فإن كان في الفقه: يقرأ عمدة الفقه، أو زاد المستقنع إذا كان يريد أن يتمذهب على مذهب أحمد , أو كتاب المنهاج إن تمذهب على مذهب الشافعي ، أو مختصر سيدي خليل إن تمذهب على مذهب مالك ، أو كتاب الدر المختار إن تمذهب على مذهب أبي حنيفة .
فيمسك هذا الكتاب, ثم بعد ذلك يقرأ باب الطهارة, فيقرؤه مرة تلو المرة، حتى يتمرس لسانه على عبارة الفقهاء، فإذا تمرس لسانه على عبارة الفقهاء قرأ عشر مرات, ثم يقفل هذا المتن البسيط وقد عرف شروطه بما ذكره المؤلف.
ثم يفتح كتاباً لشرح هذا الباب، ويستحسن أن يكون هذا الشرح لإمام من أئمة الإسلام في هذا الزمان؛ حتى يفهم طالب العلم عبارة الأئمة بالأسلوب العصري الذي يعيشه، ثم إذا قرأ الشرح، وشروح علمائنا كثيرة فشروح شيخنا محمد موجودة في موقعه، وشروح شيخنا عبد العزيز بن باز موجودة في موقعه أيضاً, وموجود أيضاً في التسجيلات وغيرها كثير من شروح أئمة الإسلام.
فإذا أخذ هذا الشرح وذكر الشارح كلام المؤلف والدليل عليه، حفظ طالب العلم دليل المذهب الذي يدرسه, فإذا فهم هذا الدليل، نظر قول شيخه، فإن قال: هذا الدليل ضعيف؛ لأن في سنده كذا, يحفظ هذا الإسناد؛ لأن طالب العلم أول الأمر يصعب عليه حفظ الرجال لكنه يترقى في طلب الحديث وطلب الحديث له طريقة أخرى, فيحفظ الإسناد بحيث إذا جاءه شخص آخر وقال له: يجب الوضوء من ألبان الإبل, يقول له: ما الدليل؟ فسيقول: الدليل ما رواه الإمام أحمد رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( توضئوا من ألبان الإبل )، فيقول له طالب العلم: هذا الحديث في إسناده ضعف؛ لأن في سنده الحجاج بن أرطأة و الحجاج بن أرطأة ضعيف ومدلس, هل عندك حديث غير هذا؟ فسيقول: ليس عندي إلا هذا.
فأصبح طالب العلم عنده حجة، وحجة العلم بالفقه والحديث من أقوى الحجج, حتى قال الإمام الشافعي : أناظر كل أحد إلا أصحاب الحديث، ويعني بذلك أصحاب الحديث الذين يفهمون النص مع حفظه, هذه نقطة.
النقطة الثانية: يتدرج, فإذا رأى قول أحد الأئمة المعتبرين أو شيخه الذي يدرس عليه يغاير قول الشرح يقيده ويقول: وقال الشيخ الفلاني كذا ويرجح قول شيخه ويكتبه, ويذكر دليله.
وإن استمر طالب العلم في كتاب الطهارة على هذا النمط، أنا أجزم أنه بعد سنتين سوف تكون له ملكة فقهية، والملكة الفقهية تحتاج إلى مران, فيرجع مرة ثانية إلى هذا المتن, ثم ينظر أقوال الأئمة المحققين كـابن رجب كـابن حجر كـابن عبد البر كـابن تيمية كـابن القيم ، فيذكر هذه الأقوال ويذكر أدلتها, ثم يستمر في هذا الأمر، وإذا استمر طالباً بهذه الطريقة فسوف يكون بإذن الله إماماً يقتدى به وبأقواله ويكون قوله حجة.
وهذه الطريقة تعطي طالب العلم عقلية استشكالية, وأنا أعجب حينما تجد بعض طلاب العلم إذا جاء طالب علم متميز في مجلس يقولون له: يا شيخ! نريدك أن تتحدث عن طلب العلم, فإذا تحدث تجدهم يتذكرون سؤالاً عنَّ لهم قبل ذلك فلا يسألون، وهذا من الأخطاء.
وإذا رأيت طالب العلم لم تشكل عليه مسألة فاعلم أنه ليس بطالب علم.
وفي بداية الطلب إذا كان هناك مسائل تشكل على طالب العلم، فلا بد أن يضع له كتيباً صغيراً, فأي مسألة صعبة يكتبها، حتى إذا وجد طالب علم ناقشه فيها.
وأنا أحب لطالب العلم المبتدئ -ودعونا من العوام أو الطالب الذي دخل لتوه في الطلب- أنه لا يسأل مسألة إلا وقد قرأ فيها ولو في كتاب واحد، فإذا قرأ هذه المسألة ثم سأل شيخاً فأفتاه وعنده من المسائل ما لم يذكرها الشيخ أو العالم أو طالب العلم فإنه يناقشه بنحو ما قرأ؛ لأنه ربما يكون قد قرأ قراءة عكسية تعود عليه بالضرر، ومن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه. فيقول: أنا قرأت في كذا كيت وكيت وكيت فما تقول؟
وأذكر أن أحد الإخوة كان يحفظ من الأحاديث, ثم بلغه حديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في قصة الجهنمي الذي يخرج من النار قال فيقال: ( دخلوا بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه )، وفي رواية: ( لم يعملوا خيراً قط ).
هذا الطالب ما فهم معنى: ( لم يعملوا خيراً قط )؟ فقال: كيف يدخل أحد الجنة من غير الشهادة, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لم يعملوا خيراً قط )، وخيراً هنا نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تعم, فكونهم يجوز لهم أن يدخلوا الجنة ولو لم يعملوا خيراً قط. مخالف للنص الشرعي الذي يقول الله فيه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقوله سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72].
فهذه الطريقة إذا استمر بها طالب العلم بإذن الله سوف يكون طالب علم متمكناً, أو إماماً يقتدى به, وليعلم أن العلم مع المراس والتكرار منحة من الله سبحانه وتعالى يؤتيها من يشاء؛ ( ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).
الفرق بين الركن والواجب
هذه ابنة الفاروق من السعودية تقول: فضيلة الشيخ أثابك الله, نود معرفة الفرق بين الركن والواجب؟
الجواب: الركن والواجب كلاهما بعض الفقهاء يقول فيه تفصيلات, لكن أرى أن أفضل شيء هو أن يقال: كلاهما ثبتا بأمر, يعني: كل واحد منهما جاء النص بوجوبه, وزاد الركن أمراً آخر وهو ورود النص أنه إن ترك لم تصح العبادة، أما الواجب فلا, هذا الفرق الأول.
الفرق الثاني: أن الركن داخل في ماهية العبادة, فلولا وجود الركن لما سميت عبادة في الشرع, فلا يسوغ أن نقول: صلاة من غير ركوع، ولا يسوغ أن نقول: صلاة من غير سجود, ومعلوم أن الركوع والسجود ثبت بالنص وجوبهما, كذلك سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود ثبتا بالنص, ولكن هذا نص لم يدخل في ماهية العبادة، فسبحان ربي الأعلى، أو سبحان ربي العظيم، لم يدخل في ماهية العبادة, فجائز أن يصلي ويذكر الله من غير قول: سبحان ربي العظيم وهذا يدل على الفرق الثاني, وهو: أن الركن داخل في الماهية فلولاه لم تصح العبادة ولا تسوغ, أما الواجب فلا.
الفرق الثالث: أن الواجب ثبت جبرانه بخلاف الركن, يعني: إذا كان للعبادة جبران مثل سجود السهو، أو دم لمن ترك واجباً في الحج فإن هذا يدل على وجوبه لا ركنيته؛ لأنه لو كان ركناً لم تصح العبادة إلا بفعله، هذه هي الفروق.
أقسام الرخص
الجواب: أما مسألة الرخص؛ فقد تحدثنا أنها تنقسم إلى أقسام: رخصة مستحب عملها, ورخصة واجب عملها، ورخصة مباح عملها، فهي ثلاثة أقسام.
الأول: الرخصة المستحب عملها: هي ما ثبت النص بكونها سنة. مثل: الفطر للصائم إذا سافر, فالمسافر إذا سافر الأفضل في حقه الفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس البر أن تصوموا في السفر )، وقوله لــحمزة بن عمرو كما في الصحيحين واللفظ لــمسلم : ( هي رخصة من الله, فمن أخذ بها فحسن, ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ).
فقوله عليه الصلاة والسلام -بأبي هو وأمي-: ( من أخذ بها فحسن, ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ), من المعلوم في اللغة أن قوله: لا جناح أي: أن المباح, وأن الحسن أقرب إلى السنة من غيره.
الثاني: الرخصة الواجبة, معلوم أن الإفطار في السفر رخصة؛ لأن الله يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185], لكن إذا كان هذا الصوم في السفر سوف يعود عليه وعلى جماعة المسلمين بالضرر فيجب عليه أن يأخذ بالرخصة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري : ( حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو مكة قال: إنكم مصبحو عدوكم, والفطر أقوى لكم فأفطروا. قال
الثالث: الرخصة المباحة: وهي ما جيء بها للتخفيف على الأمة, من ذلك ( فعل النبي في جمعه لأجل المطر, قيل: يا
ومن المعلوم أن الحرج فيه مشقة, لكن لا يلزم من أحب أن يأخذ بهذه المشقة المعتبرة في الشرع فإنه هو الأفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( إن أجرك على قدر نصبك ).
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شركات المساهمة | 2618 استماع |
عبادة القلوب | 2465 استماع |
مسائل فقهية في النوازل | 2447 استماع |
التأصيل العلمي | 2090 استماع |
عبادة القلب | 2046 استماع |
البطاقات الائتمانية - بيع المرابحة للآمر بالشراء | 1949 استماع |
أعمال القلوب | 1932 استماع |
العبادة زمن الفتن | 1928 استماع |
كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [2] | 1866 استماع |
الرزق الحلال وآثاره | 1809 استماع |