خطب ومحاضرات
مفاتيح طلب علم الفقه
الحلقة مفرغة
المقدم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن علم الفقه من أعظم العلوم التي يحتاجها المسلم في عباداته وفي معاملاته، بل وفي جميع شئون حياته، وإلى ذلك أشار ابن الجوزي رحمه الله تعالى بقوله: دليل فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته، ومن تأمل ثمرة علم الفقه علم أنه أفضل العلوم.
وإذا استمعنا إلى أسئلة الناس واستفتاءاتهم للعلماء في المساجد وفي البيوت، وعبر وسائل الإعلام نجد أن أكثر اسئلتهم واستفساراتهم إنما تتعلق بمسائل علم الفقه؛ مما يدل على عظم حاجة طالب العلم إلى التفقه وضبط علم الفقه، ومحاضرة هذه الليلة بإذن الله -مفاتيح طلب الفقه- تأتي خاتمة المطاف في هذه السلسلة المباركة مفاتيح طلب العلم، وضيفنا في هذه الليلة شيخ من شيوخ الفقه، الذين فتح الله عليهم في هذا العلم فولجه من أوسع أبوابه، وحقق في مسائله ودقق، فسبق علمه وفقهه عمره.
واحة الفقه تغنت وزهت فخراً وتيهاً
شيخنا السلمي أمسى ضيفنا الليلة فيها
علماً تنشر علماً كنت والله فقيهاً
باسمكم جميعاً أيها الإخوة! نرحب بفضيلة شيخنا الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الإمام، والله نسأل أن يكتب خطواته، وأن يبارك في علمه وعمله إنه سميع مجيب.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم واجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك راهبين أواهين منيبين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واسلل سخيمة قلوبنا، اللهم واستر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
وبعد: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ونعوذ بالله أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل، أو نظلم أو نظلم.
أحبتي الكرام! إن علم الفقه من أجل العلوم وأنفعها، ولقد كان سلف هذه الأمة ممن برع في الفقه والحديث كانوا يقولون: فهم الحديث أحب إلينا من حفظه، كما قال أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى عليه، وقال سفيان الثوري رضي الله عنه ورحمه: تفسير الحديث أحب إلينا من سماعه، ولهذا كان أئمة الشأن من أهل الحديث كالإمام البخاري و أحمد و الشافعي و مالك و الرازي و أبي حاتم وغيرهم من سلف هذه الأمة يجمعون بين الفقه والحديث، فلذا نبلوا في هذا الشأن.
والفقه أعظم العلم على الإطلاق، ونعني بالفقه ليس هو الفقه الذي يحدد بقولهم: هو معرفة الأحكام الفقهية بأدلتها التفصيلية فقط، بل الفقه هو الشريعة كلها، هو الحلال والحرام، ولذا كان أئمة الإسلام في السابق يسمون علم العقيدة بالفقه الأكبر، فالفقه على شموله وعمومه يعم الشريعة كلها، وهي الحلال والحرام، والفقه كما لا يخفى هو الفهم والفطنة، يقال: افقه عني ما أقول لك، أي: افهمه وتفطن له، وقال الراغب الأصفهاني رحمه الله: الفقه معرفة باطن الشيء والوصول إلى أعماقه.
ولقد استعمل القرآن الكريم الفقه بالمعنى العام وهو الفهم، وكذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم بينت الفقه بمعنيين: بمعنى الفهم وهو على ما جاء في القرآن، والمعنى الثاني: فهم الشريعة كلها وقد جاء به القرآن والسنة أيضاً قال تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]، ومعنى الفقه بهذا العموم هو معرفة الشريعة برمتها حلالها وحرامها.
وعلى هذا قال ابن القيم رحمة الله تعالى عليه في إعلام الموقعين، قال: والفقه أخص من الفهم؛ لأن الفقه فهم مراد المتكلم من كلامه، وهو قدر زائد على مجرد فهم اللفظ في اللغة، ويتفاوت الناس في الفهم بتفاوت مرتبتهم في الفقه والعلم، ثم استعمل في عرف الإسلام في نوع من الفهم العميق، وهو فهم الأحكام الشرعية، سواء كانت علمية أو عملية، ونعني بالعلمية: مسائل العقائد، ونعني بالعملية: بقية المسائل كالصلاة والزكاة والصيام والحج.
وفضل الفقه عظيم، ولا أعظم من قول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).
قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله في المجلد العشرين: ولازم هذا الحديث أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيراً، قال: فيكون التفقه في الدين فرضاً، وأخذ بذلك رحمه الله على أن المرء يجب عليه بعد الشهادتين أن يعمل أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ولا يستطيع أن يعمل هذه الأركان إلا بالفهم والتفقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )، وكل حديث أو آية بينت فضل العلم وثمرته وأهميته، فإن الفقه في الدين على سبيل العموم يدخل في كل آية أو حديث؛ إذ أن الفقه كما مر معنا ليس هو معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها التفصيلية فقط كما يقوله الأصوليون، ولكن الفقه يشمل الفقه وأصول الفقه، وعلم العقيدة بل الشريعة برمتها.
وقد روى أبو داود رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لئن أجلس مع قوم يذكرون الله من غدوة إلى طلوع الشمس أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ومن العصر إلى غروبها أحب إليّ من كذا وكذا )، والحديث في سنده موسى بن خلف العمي فيه كلام يسير، تكلم فيه الحافظ ابن حبان ، وأثنى عليه البخاري ، واستشهد له في كتابه، وقد حسن الحديث الترمذي .
وذكر الخطيب البغدادي في كتابه العظيم الفقيه والمتفقه، عن يزيد الرقاشي وهو ضعيف أنه قال: التفت إليّ أنس فقال بعد ما ذكر هذا الحديث: والله ما هو بالذي تصنع أنت وأصحابك، يعني: ليس هو الذكر والعبادة والتسبيح والتهليل فقط، قال: ولكنهم قوم يتعلمون القرآن والفقه.
وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28]، قال: مجالس الفقه.
وقال عطاء الخراساني في قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر )، قال عطاء : (حلق الذكر) مجالس الذكر: وهي مجالس الحلال والحرام.
وقد قال رجل لـأبي مجلز التابعي المشهور، وكانوا يتذاكرون الفقه: يا أبا مجلز لو قرأت علينا سورة من القرآن يعني: كأنه يقول: دعنا من كلام الفقه، لو قرأت علينا سورة من القرآن، فقال رحمه الله: ما أنا بالذي أزعم أن قراءة القرآن أفضل مما نحن فيه.
وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: تعليم الفقه صلاة، ودراسة الفقه صلاة. وقد روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله عن أبي هريرة رضي الله عنه من قوله، وروي مرفوعاً ولا يصح: لئن أتعلم مسألة يحتاج إليها الخلق أحب إليّ من سبعين صلاة، أو كلمة نحوها.
وقال مجاهد رضي الله عنه ورحمه في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] قال: ليست بالنبوة، ولكنها الفقه والعلم.
وبهذا تعرف أخي الكريم أن السلف رضي الله عنهم كانوا إذا أرادوا أن يتعلموا العلم تعلموه بنية صالحة، ولذا كتب عبد الله بن عمر العمري رسالة لـمالك حينما رآه مقبلاً على العلم وتعليمه، وأكب على ذلك حتى أصبح جل وقته، ولم يكن كغيره من أقرانه من أهل العلم الذين بالغوا في العبادة والتضرع والابتهال والانكسار والانطراح بين يدي الله سبحانه وتعالى، فكتب مالك رحمه الله رسالة إليه، وضمن هذه الرسالة قوله: وأنا في الذي كتب الله لي ما أنا بأقل مما كتب الله وفتح عليك، وأرانا يا أخي! كلانا على خير.
وقول مالك رحمه الله إنما هو من باب التلطف، وإلا فإن أهل العلم أجمع ذهبوا إلى أن الفقه في الدين أعظم من العبادة؛ لأن العبادة مقتصرة، والتفقه في الدين لمن صلحت نيته عبادة متعدية.
وقيل لـأحمد بن حنبل : أي العبادة أفضل؟ قال: تعلم العلم لمن صلحت نيته، قيل: يا أبا عبد الله ! وما صلاح النية؟ قال: أن يرفع الجهل عن نفسه، وأن يرفع الجهل عن إخوانه.
والفقه في الدين مر بمراحل، وقد ذكر الذين كتبوا في تاريخ التشريع عن هذا وأطالوا، لكن لابد من لمحة سريعة.
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
ثم نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( أبشري يا
الجزء الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، فإن كان صواباً أقر على ذلك وكان تشريعاً، وإن أخطأ بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام بين له خطؤه، وعلى هذا جمهور الأصوليين.
ومن المسائل التي تدل على هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أسارى بدر فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى قول أبي بكر -وهو أخذ الفداء منهم- ولم يأخذ بقول عمر وهو قتلهم، والذي ذهب إليه هو الحق بأبي هو وأمي، وهو الذي أقره الله سبحانه وتعالى عليه، ولكن جاء العتاب ليس لأجل قول النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه برأي أبي بكر ، ولكن لأمر آخر بينه الحافظ ابن حجر في كتابه العظيم فتح الباري.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه يبعث أصحابه إلى الفيافي والقفار وإلى المدن، ويأمرهم أن يحكموا بكتاب الله وسنة رسوله، فإن أعيتهم مسألة ولم يجدوها فيها اجتهدوا، وقد كانوا يجتهدون وهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر ظاهر، وهذا يدل على أن قول بعض الأصوليين: لا ينبغي للعالم أن يفتي وفي البلد من هو أعلم منه إنما هو قول قالوه، واستحسنوه بعقولهم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل الصحابة تأبى ذلك، كما جاء في الصحيحين في قصة الرجل الذي زنى بالمرأة، ( فقال الرجل: يا رسول الله! وإني سألت أهل العلم فأفتوني بأن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأحكمن بينكم بكتاب الله، ثم بين له الحكم )، وقوله: (إني سألت أهل العلم فأفتوني) دليل على أن العالم إذا كان يعلم المسألة فإنه يفتي بها ولو كان هناك من هو أفقه منه وأعلم.
في زمن الخلفاء الراشدين
وقال الإمام الشافعي في كتاب الرسالة: كل كلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم من سنته، فإنما ذلك شيء فهمه من القرآن.
كما ذكر ذلك وبينه وفصله الإمام الشاطبي في كتابه العظيم الموافقات، ثم إذا لم يجدوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يجمعون الصحابة، ويطرحون عليهم المسألة، ثم ينظرون هل بلغ أحدهم شيئاً من السنة، أو يجتهدون في ذلك كما حصل لـأبي بكر رضي الله عنه في ميراث الجدة، وكما حصل لـعمر رضي الله عنه في دخوله الشام حين وقع فيها الطاعون كما في الصحيحين، وكما ثبت عن عمر رضي الله عنه في أكثر من مسألة حينما كان يدخل مع الصحابة ابن عباس رضي الله عنهم.
وقد كانوا يتناظرون في المسألة علهم أن يصلوا إلى الحق، كما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن حنين قال: (تمارى
وكذا في قصة عمار بن ياسر في التيمم، ومناظرته لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي قصة أبي موسى و عبد الله بن مسعود في مسألة التيمم لمن لم يجد الماء في الحضر، وغير ذلك من المسائل.
ثم بعد ذلك يعني: في مراحل التأسيس كان الصحابي يخرج من المدينة إلى أصقاع الدنيا في الشام ومصر، وكان للصحابي أتباع، يقتدون به ويأخذون بأقواله، وانتشرت الأقوال، وعرفت المدارس مثل مدرسة ابن مسعود ، ومدرسة ابن عباس ، ومدرسة عبد الله بن عمر ، ومدرسة زيد بن ثابت ، ومدرسة عمر بن الخطاب وهي أولها.
وقد ذكر ابن حزم في كتاب الإحكام أهل الإفتاء من الصحابة وعدهم، ولا داعي لذكر هذه الأشياء، فإنها معروفة معلومة، إلا أننا نعلم أن أفقه الصحابة هو أبو بكر رضي الله عنه، وهذا خلاف ما يتصوره بعض الناس، وبعض صغار الطلبة فإنهم يتصورون أن ابن عباس و ابن مسعود ، و زيد بن ثابت ، و معاذ بن جبل هم أعلم الصحابة مع أن الفقيه هو الذي يفقه الشريعة كلها، ومعرفته ببعض الأجزاء لا يدل على أنه فقيه في الشريعة كلها.
نعم قد تجد من يحفظ جزءاً من المتون في الفقه، وقد يعجز أكابر الفقهاء عن بعض المسائل الصغار، ولكن هذا ليس في الشريعة كما هو مسلك الأئمة الكبار، قال مالك بن أنس : الفقه ليس بكثرة الرواية، ولا بكثرة المسائل، ولكنه نور يقذفه الله في قلب العبد، نسأل الله أن يقذف في قلوبنا هذا النور.
في زمن التابعين
وقال عروة بن الزبير : ما رأيت أفقه ولا أحفظ للحديث، ولا أعلم بلغة العرب وأشعارها من عائشة ! قيل: وكيف عرفت ذلك؟ قال: يدخل عليها المحدثون فتحدثهم، ثم يدخل عليها الفقهاء فتحدثهم، ثم يدخل عليها الشعراء فتحدثهم.
وقد خطبت عائشة في معركة الجمل خطبة عصماء لا يستطيع الواحد منا أن يفقهها إلا إذا كان لسان العرب، أو القاموس المحيط بين يديه، فرضي الله عنها وأرضاها.
ثم بعد ذلك انتشر الناس وصعب عليهم حفظ الأقوال، وبدءوا يكتبون الفتاوى، فكتبت المصنفات، مثل مصنف ابن أبي شيبة ، ومصنف عبد الرزاق ، فكانوا إذا سئل عطاء أو ابن عباس أو مجاهد أو طاوس يكتبون فتواهم، ومن ذلك الفقهاء السبعة، فإنهم كانوا يكتبون ما يستحضرونه من فهمهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا أحياناً يذكرون الفتوى من غير دليل؛ لأنهم يُسألون فيفتون فقط ولا يذكرون الدليل، وقد ذكر كثير من الأصوليين الإجماع على أنه لا يلزم الفقيه إذا سئل عن مسألة أن يذكر الدليل إلا لمن احتاج إلى ذلك، وبهذا تعرف خطأ بعض طلاب العلم من المعاصرين الذين قالوا: لا يجوز للمفتي أن يفتي إلا ويذكر الدليل، وقد قال الشاطبي رحمه الله: نصوص الأئمة للعوام كنصوص الكتاب والسنة للعلماء؛ لأن العامي لا يستطيع أن يميز، والأولى أن الإنسان إذا سئل عن مسألة أجاب بالأدلة؛ حتى يعرف المرء أنه ما أفتاه العالم إلا بدليل.
في زمن الأئمة الأربعة
قال أبو العباس بن تيمية : ولم يكن أحد من أئمة الإسلام يأخذ القياس ويترك النص مما صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، حاشاهم من ذلك، وما نقل عن أبي حنيفة رضي الله عنه فإنما ذلك لأنه لم يبلغه السنة، كيف و أبو حنيفة يترك القياس لقول ابن مسعود أو لقول كبار التابعين كـإبراهيم النخعي وغيره؟ فأخذ بأن الضحك في الصلاة يبطل الوضوء؛ لأنه روي عن ابن مسعود رضي الله عنه، فترك لأجل ذلك القياس الجلي وأخذ بقول الصحابي، قال ابن تيمية : فإن أبا حنيفة أو غيره من الأئمة لا يكادون يتركون سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذا استبانت لهم لقول أحد من الناس.
ثم بعد ذلك جاء مالك وقد وقع نزاع كبير بين أهل الرأي المتمثلين في أهل الكوفة كـأبي حنيفة وغيره، وأهل الحديث كـمالك رحمه والله وغيره، وحدث تصارع وتناحر وكلام طويل بين طلاب الأئمة حتى أصبح الناس يسألون عن الرأي أكثر من سؤالهم عن الحديث، فلذا شنع أهل الحديث على هذا الأمر، وبهذا نعرف أن تشنيع أهل الحديث كما في كتاب السنة لـعبد الله بن أحمد أحياناً مبالغ فيه؛ كي لا ينصاع الناس إلى الرأي، ويتركوا الحديث، وإلا فالناس عيال في الفقه على أبي حنيفة ، والناس كلهم يبحثون عن الحق، إلا أنه في بعض الفترات قد يبالغ بعض الناس في شيء بسبب ردة الفعل، فقد تجد بعض الأئمة يردون ويبالغون، كما نجد ذلك في كتاب السنة لـعبد الله بن الإمام أحمد فإنه قد بالغ رحمه الله ورضي عنه في رده على أبي حنيفة ، وأكثر الآثار التي تتحدث عن أبي حنيفة ضعيفة.
وبعد ذلك جاء الشافعي رحمه الله، فجمع بين مدرسة الرأي، ومدرسة أهل الحديث بما يسمى بأصول الفقه، وقد كان أول ما ألف في ذلك كتاب الرسالة، وهي التي جمعت وبينت، وقعدت وضبطت فهم الحديث، وقد كان مالك رحمه الله مع اهتمامه بالحديث لا يقبل كل حديث مهما كان إسناده صحيحاً؛ لأن الحديث أحياناً يكون ظاهره الصحة، ولكن متنه يخالف القواعد الشرعية، ولهذا قال الأئمة: لا تكاد تجد متناً مخالفاً للقواعد إلا وفي إسناده ضعف ولو كان ظاهره الصحة.
يقول عبد الله بن وهب رضي الله عنه ورحمه: لقد خشيت على نفسي أن أضل، فما هو إلا أن جلست عند مالك و الليث فقوموني، قالوا: بم؟ قال: قالوا: خذ هذا الحديث، ودع هذا الحديث.
ولذا كان مالك رحمه الله يجعل عمل أهل المدينة أصلاً لا يمكن أن يحيد عنه، فكان إذا جاءه الحديث، ولم يكن عليه عمل أهل المدينة يتركه، وبهذا تعرف أن مالكاً رحمه الله ترك بعض الأحاديث الصحيحة؛ لأنه لم يبلغه أن أهل المدينة عملوا بها، كما في حديث خيار المجلس: ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا )، وصيام ست من شوال ففي حديث أبي أيوب كما في صحيح مسلم : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر )، فإن مالكاً رحمه الله لم يبلغه عن أهل المدينة فعله، فترك ذلك، وإلا فإن أهل المدينة ثبت عنهم ذلك، ثم إن أهل العلم يقولون: العبرة بالدليل الصحيح إذا ثبت، وإلا فإن حديث: ( الحج عرفة ) رواه عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، وهو كوفي.
قال سفيان بن عيينة : قلت لـسفيان الثوري : ليس عندكم في الكوفة حديث أشرف ولا أحسن من هذا؛ لأن (الحج عرفة) دليل على أن عرفة ركن من أركان الحج ولم يعرف ذلك إلا من حديث الكوفيين، وغالب ما يتفرد به الكوفيون من الحديث عن أهل الحجاز يكون ضعيفاً.
ثم انتشرت أقوال الأئمة، واعتنوا بها، سواء كانت للأئمة الأربعة أو غيرهم من الأئمة الذين برزوا كـالليث بن سعد في مصر، و الأوزاعي في الشام، إلا أن الأوزاعي و الليث بن سعد ، و ابن شبرمة ، و ابن أبي ليلى لم يكن لهم طلاب علم يجمعون نصوصهم، ويقتدون بفعلهم، ولهذا قال الإمام الشافعي كلمة عظيمة، قال: الليث بن سعد أفقه من مالك ، إلا أنه لم يرزق بطلاب كما رزق مالك .
وأشهب رحمه الله كان على أصول مالك ، وكان من الفقهاء، يقول عنه الشافعي : ما رأيت أفقه من أشهب لولا طيش فيه، رحمة الله تعالى على الجميع.
ثم بعد ذلك جاء الإمام أحمد بن حنبل ، وقد كان رحمه الله يهتم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وآثار الصحابة، حتى قال الخطابي : فإنه لا تكاد تخفى على أحمد سنة من السنن، بل أقول: ولا أثر من الآثار حتى قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: لا يكاد ينفرد أحمد بمسألة إلا والحق معه في الجملة.
ولا داعي أن نقول: أيهما أفضل مذهب الشافعي أو مذهب مالك أو مذهب أبي حنيفة أو مذهب فلان أو علان، كلهم على خير وعلى هدى، والواجب على العبد المريد لنفسه السلامة أن يتبع أو يدرس أي مذهب شاء، ولكن إذا بلغته سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز له أن يدعها لقول أحد من الناس؛ إذ أن الأئمة الذين ألف أتباعهم هذه المذاهب كانوا ينفرون ويشددون على أهمية عدم الاقتداء بهم فيما صحت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بخلافه، حتى قال الشافعي : إذا رأيتم قولي خالف قول رسول الله، فاضربوا بقولي عرض الحائط، وقال مالك رحمه الله: كلنا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، وقال أبو حنيفة مثله، وقال أحمد رحمه الله: لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا سفيان وخذ من حيث أخذوا.
وعلى هذا فينبغي لطالب العلم أن يجمع بين الفقه والحديث، وكلما جمع طالب العلم بين الفقه والحديث وكان متميزاً في الفقه، ومتميزاً في الحديث كلما ذاع صيته، وظهر فقهه، ونبل علمه، وميز على غيره من الأقران؛ لأن الفقيه إذا لم يكن محدثاً مميزاً، فإنه ربما تعييه الأدلة، وربما استدل بالأحاديث الضعيفة، والمحدث إذا كان محدثاً ربما خالف أصول الشريعة لأجل دليل في الظاهر تخالفه أصول الشريعة.
ولهذا كان زفر الحنفي يجلس في المسجد، فإذا جاءه الفضل بن دكين شيخ البخاري قال له: تعال يا أحول! أغربل لك أحاديثك، قال: فأقرأ عليه الحديث، فيقول: هذا جاء ما ينسخه، وهذا عام وقد جاء ما يخصصه.
وقد جاء في بعض الروايات أن إسحاق بن راهويه جاء من خراسان فأراد أن يجلس عند سفيان بن عيينة ليسمع منه حديثه، فقال له أحمد : تعال واجلس عند محمد بن إدريس الشافعي ، فقال: وما أصنع بـمحمد بن إدريس وأترك سفيان بن عيينة ، قال: إنك إن لم تحفظ الحديث بإسناد عال فإنك سوف تحفظه بإسناد نازل، يعني: إذا لم تحفظ الحديث بإسناد قصير عند سفيان بن عيينة فسوف تحفظه بإسناد طويل عند غيره، ولكن من يعرفك بالناسخ والمنسوخ، والعام والمخصوص، وقد بين بعض أهل العلم أن هذه القصة ضعيفة، ولكنها مشهورة، فذكرناها لشهرتها.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن مسألة إما أن ينتظر الوحي، وهذا جل حاله عليه الصلاة والسلام حتى يأتيه الوحي، ثم يجيب وهذا أمثلته كثيرة، بل هي جل الشريعة التي نزلت على نبينا عليه الصلاة وأتم التسليم، كما جاء في الصحيح من حديث يعلى بن أمية ( أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وعليه جبة، وعليها أثر خلوق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرم بالعمرة، فقال الرجل: ما تراني أصنع في عمرتي؟ قال
ثم نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( أبشري يا
الجزء الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، فإن كان صواباً أقر على ذلك وكان تشريعاً، وإن أخطأ بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام بين له خطؤه، وعلى هذا جمهور الأصوليين.
ومن المسائل التي تدل على هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أسارى بدر فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى قول أبي بكر -وهو أخذ الفداء منهم- ولم يأخذ بقول عمر وهو قتلهم، والذي ذهب إليه هو الحق بأبي هو وأمي، وهو الذي أقره الله سبحانه وتعالى عليه، ولكن جاء العتاب ليس لأجل قول النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه برأي أبي بكر ، ولكن لأمر آخر بينه الحافظ ابن حجر في كتابه العظيم فتح الباري.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه يبعث أصحابه إلى الفيافي والقفار وإلى المدن، ويأمرهم أن يحكموا بكتاب الله وسنة رسوله، فإن أعيتهم مسألة ولم يجدوها فيها اجتهدوا، وقد كانوا يجتهدون وهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر ظاهر، وهذا يدل على أن قول بعض الأصوليين: لا ينبغي للعالم أن يفتي وفي البلد من هو أعلم منه إنما هو قول قالوه، واستحسنوه بعقولهم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل الصحابة تأبى ذلك، كما جاء في الصحيحين في قصة الرجل الذي زنى بالمرأة، ( فقال الرجل: يا رسول الله! وإني سألت أهل العلم فأفتوني بأن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأحكمن بينكم بكتاب الله، ثم بين له الحكم )، وقوله: (إني سألت أهل العلم فأفتوني) دليل على أن العالم إذا كان يعلم المسألة فإنه يفتي بها ولو كان هناك من هو أفقه منه وأعلم.
ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جاء عهد الخلفاء الراشدين، فكانوا يفتون بما علموا من كتاب الله سبحانه وتعالى، فإن لم يكن ذهبوا إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: إذا لم يكن دليل من أصله، أو تفصيله من الكتاب، وإلا فإن الكتاب والسنة شيء واحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي داود و أحمد بسند صحيح: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما قلت به فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ).
وقال الإمام الشافعي في كتاب الرسالة: كل كلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم من سنته، فإنما ذلك شيء فهمه من القرآن.
كما ذكر ذلك وبينه وفصله الإمام الشاطبي في كتابه العظيم الموافقات، ثم إذا لم يجدوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يجمعون الصحابة، ويطرحون عليهم المسألة، ثم ينظرون هل بلغ أحدهم شيئاً من السنة، أو يجتهدون في ذلك كما حصل لـأبي بكر رضي الله عنه في ميراث الجدة، وكما حصل لـعمر رضي الله عنه في دخوله الشام حين وقع فيها الطاعون كما في الصحيحين، وكما ثبت عن عمر رضي الله عنه في أكثر من مسألة حينما كان يدخل مع الصحابة ابن عباس رضي الله عنهم.
وقد كانوا يتناظرون في المسألة علهم أن يصلوا إلى الحق، كما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن حنين قال: (تمارى
وكذا في قصة عمار بن ياسر في التيمم، ومناظرته لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي قصة أبي موسى و عبد الله بن مسعود في مسألة التيمم لمن لم يجد الماء في الحضر، وغير ذلك من المسائل.
ثم بعد ذلك يعني: في مراحل التأسيس كان الصحابي يخرج من المدينة إلى أصقاع الدنيا في الشام ومصر، وكان للصحابي أتباع، يقتدون به ويأخذون بأقواله، وانتشرت الأقوال، وعرفت المدارس مثل مدرسة ابن مسعود ، ومدرسة ابن عباس ، ومدرسة عبد الله بن عمر ، ومدرسة زيد بن ثابت ، ومدرسة عمر بن الخطاب وهي أولها.
وقد ذكر ابن حزم في كتاب الإحكام أهل الإفتاء من الصحابة وعدهم، ولا داعي لذكر هذه الأشياء، فإنها معروفة معلومة، إلا أننا نعلم أن أفقه الصحابة هو أبو بكر رضي الله عنه، وهذا خلاف ما يتصوره بعض الناس، وبعض صغار الطلبة فإنهم يتصورون أن ابن عباس و ابن مسعود ، و زيد بن ثابت ، و معاذ بن جبل هم أعلم الصحابة مع أن الفقيه هو الذي يفقه الشريعة كلها، ومعرفته ببعض الأجزاء لا يدل على أنه فقيه في الشريعة كلها.
نعم قد تجد من يحفظ جزءاً من المتون في الفقه، وقد يعجز أكابر الفقهاء عن بعض المسائل الصغار، ولكن هذا ليس في الشريعة كما هو مسلك الأئمة الكبار، قال مالك بن أنس : الفقه ليس بكثرة الرواية، ولا بكثرة المسائل، ولكنه نور يقذفه الله في قلب العبد، نسأل الله أن يقذف في قلوبنا هذا النور.
وبعد موت الصحابة جاء التابعون وبدءوا ينقلون أقوال الصحابة، ويجتهدون في اختيار أيهما أقرب إلى ما يرتضونه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما تدل عليه قواعد الشريعة، وبعد التابعين جاء من بعدهم، ثم احتاج الناس إلى أن يصنفوا في هذا الباب؛ وذلك لأن العجمة دخلت على بعض أهل العلم ممن فتحت بلادهم فدخلوا في الإسلام، واشتغلوا بطلب العلم، فأصبحت اللكنة مشكل بالنسبة لهم؛ لكونهم لا يفقهون كثيراً من قواعد اللغة العربية، ومعرفة عامها وخاصها، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام، ودلالة التطابق. وقد كان فقه الصحابة سريعاً وكانوا لا يحتاجون إلى أصول الفقه؛ لأنهم يعرفونه سليقة، وقد كان عبد الله بن عباس يقول: كنت كثيراً ما أسمع عمر لا يقول كلمة، إلا ويذكر لها بيتاً من الشعر.
وقال عروة بن الزبير : ما رأيت أفقه ولا أحفظ للحديث، ولا أعلم بلغة العرب وأشعارها من عائشة ! قيل: وكيف عرفت ذلك؟ قال: يدخل عليها المحدثون فتحدثهم، ثم يدخل عليها الفقهاء فتحدثهم، ثم يدخل عليها الشعراء فتحدثهم.
وقد خطبت عائشة في معركة الجمل خطبة عصماء لا يستطيع الواحد منا أن يفقهها إلا إذا كان لسان العرب، أو القاموس المحيط بين يديه، فرضي الله عنها وأرضاها.
ثم بعد ذلك انتشر الناس وصعب عليهم حفظ الأقوال، وبدءوا يكتبون الفتاوى، فكتبت المصنفات، مثل مصنف ابن أبي شيبة ، ومصنف عبد الرزاق ، فكانوا إذا سئل عطاء أو ابن عباس أو مجاهد أو طاوس يكتبون فتواهم، ومن ذلك الفقهاء السبعة، فإنهم كانوا يكتبون ما يستحضرونه من فهمهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا أحياناً يذكرون الفتوى من غير دليل؛ لأنهم يُسألون فيفتون فقط ولا يذكرون الدليل، وقد ذكر كثير من الأصوليين الإجماع على أنه لا يلزم الفقيه إذا سئل عن مسألة أن يذكر الدليل إلا لمن احتاج إلى ذلك، وبهذا تعرف خطأ بعض طلاب العلم من المعاصرين الذين قالوا: لا يجوز للمفتي أن يفتي إلا ويذكر الدليل، وقد قال الشاطبي رحمه الله: نصوص الأئمة للعوام كنصوص الكتاب والسنة للعلماء؛ لأن العامي لا يستطيع أن يميز، والأولى أن الإنسان إذا سئل عن مسألة أجاب بالأدلة؛ حتى يعرف المرء أنه ما أفتاه العالم إلا بدليل.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شركات المساهمة | 2618 استماع |
عبادة القلوب | 2465 استماع |
مسائل فقهية في النوازل | 2447 استماع |
التأصيل العلمي | 2090 استماع |
عبادة القلب | 2046 استماع |
البطاقات الائتمانية - بيع المرابحة للآمر بالشراء | 1950 استماع |
أعمال القلوب | 1932 استماع |
العبادة زمن الفتن | 1928 استماع |
كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [2] | 1866 استماع |
الرزق الحلال وآثاره | 1809 استماع |