شكاوى وحلول [2،1]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

ففي هذه الليلة نلتقي وإياكم -أيها الإخوة- على مائدة من موائد العلم، وسيكون الكلام في هذه الليلة عن بعض الشكاوى وحلولها، والإنسان في الأصل يشكو إلى ربه سبحانه وتعالى، والمؤمنون من أخلاقهم أنهم يشكون ضعفهم إلى الله ويطلبون منه العون والسداد والقوة، والجاهل يشكو للعالم ولطالب العلم الحيرة التي هو فيها حتى يجليها له، وجاءت خولة بنت ثعلبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو إليه زوجها، وجاء الغلام إلى الراهب يقول له: عن ضرب الساحر له وعن ضرب أهله له، فقال له الحل المناسب في ذلك المقام وتلك الظروف بين أولئك الكفرة: إذا ضربك أهلك فقل: حبسني الساحر، وإذا ضربك الساحر أو سألك الساحر فقل: حبسني أهلي.

ووردت إلينا في المحاضرات السابقة كثير من الأسئلة أجلناها لحين تيسر مناسبة للإجابة عليها، وبعض هذه الأسئلة هي عبارة عن شكاوى من بعض الإخوان المهتمين والأخوات المهتمات في أمر الدين.

وسوف تكون طريقتنا في عرض هذا الدرس أن نتكلم عن مشكلة أو عن شكوى وعن حلها، ثم نورد فتاوي عن أسئلة وردت من بعض الإخوة أيضاً من التي عرضناها على أهل العلم فأتيناكم بإجاباتها، ثم نعرض شكوى أخرى مع حلها وهكذا، ولعلكم -إن شاء الله- تجدون الفائدة والمتعة العلمية في هذه الليلة، ونشكو إلى الله ضعفنا في الإيمان والعلم ونسأله سبحانه وتعالى التسديد.

يقول هذا الأخ: إنني أشكو من مشكلة عدم الخشوع في الصلاة، أكبر ثم أغيب عن الواقع، فأذهب في متاهات كثيرة في مشاكل عائلية، وفي أمور مادية، وفي الدراسة والامتحانات، وفي علاقاتي مع الكثيرين، وفي الهموم والغموم، ولا أرجع إلى وعيي إلا عندما يسلم الإمام من الصلاة. فما هو الحل لهذه المشكلة؟

الجواب: نقول: إن ربنا عز وجل لم يتركنا هملاً ولم يتركنا نهباً للشياطين ولله الحمد، وله سبحانه وتعالى المنة وهو المتفضل على عباده، وإنما بين لنا عز وجل في القرآن وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كثيراً من العلاجات والحلول لهذه المشكلة، وهاك أيها الأخ المسلم ثلاثة وثلاثين سبباً للخشوع في الصلاة:

الأول: أن يحسن الوضوء. وسنسردها بسرعة واختصار مع بعض التنبيهات.

هناك -أيها الإخوان- في موضوع الوضوء كثير من الأخطاء التي تحدث بين الناس، والواجب على طلبة العلم والذين يعلمون أحكام الوضوء أن ينبهوا الناس، وقد كان من سلفكم رحمهم الله من يطوف على المطاهر في المساجد فيرقبون أحوال الناس في الوضوء ويعلمونهم، وأنت ترى في عامة الناس اليوم تقصيراً كبيراً في مسألة الوضوء، فمنهم مثلاً:

إذا أراد أن يتمضمض فإنه لا يدير الماء في فيه، وبهذا تكون مضمضته باطلة، فإن أخذ الماء وإخراجه من غير إدارته في الفم لا تسمى مضمضة، وكذلك في الاستنثار تجد كثيراً منهم يأخذ الماء فيضعه على طرف أنفه وبعد ذلك يخرجه ولا يدخل إلى الداخل وهذا ليس باستنثار، وكذلك فإنهم إذا أرادوا أن يغسلوا وجوههم فإنه يأخذ الكفين مملوءة بالماء فيضرب بها وجهه من جهة المنتصف، فلا يصل الماء إلى منابت الشعر حدود الرأس ولا إلى جنبتي الرأس عند الأذنين، إن هذه المنطقة أيها الإخوة! حدود الرأس من الجانب الأيمن والأيسر من الأذن اليمنى إلى الأذن اليسرى والذقن في الأسفل، والذين يتوضئون مع الأسف الكثير منهم لا يعمم وجهه عند الوضوء، وكذلك فإنهم عند مسح الرأس محافظة على تمشيط شعورهم وخصوصاً الذين يلبسون الطاقيات ويضعون غطاء على الرأس فإنهم لا يصلون بالماء أو باليد المبللة بالماء إلى آخر الرأس حدود الرقبة عند الرقبة ثم يعودون، وبذلك يكون مسحهم على رءوسهم ناقصا.

وبعض السائلات تقول: إنني ذات شعر طويل. فكيف أمسح رأسي في الوضوء؟

فنقول: إن أهل العلم قد بينوا أن المرأة ذات الشعر الطويل إذا أرادت أن تمسح رأسها في الوضوء فإنها تبدأ من الإمام حتى تصل إلى الخلف عند الرقبة على الشعر بما يحاذي الرقبة ثم ترجع إلى الإمام بعد ذلك، ولا يجب عليها أن تمسح الشعر إلى آخره وهو يصل إلى منتصف الظهر، وكذلك إن كثيراً من الذين يتوضئون لا يمسحون آذانهم جيداً فلا يدخلون أصابعهم في تجاويف الأذن من الداخل والخارج فيكون مسحهم لآذانهم ناقصاً، ويكون مسحهم لرءوسهم ناقصاً لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (الأذنان من الرأس).

ناهيك عما يقع في وضوء كثير منهم من عدم إيصال الماء إلى الأعقاب وهي النقطة القصوى أو المكان الأقصى في القدم من الأسفل من جهة الكعبين، أسفل الكعبين هذا المكان كثير من المتوضئين الذين يجعلون أقدامهم تحت صنابير المياه المفتوحة لا يتأكدون من وصول الماء إلى ذلك المكان فيكون وضوءهم باطلاً وبالتالي صلاتهم غير صحيحة.

كما أن كثيراً منهم يخالف سنة تخليل أصابع اليدين والرجلين، وقد أمر عليه الصلاة والسلام بهذا، فلا بد أن يخلل المسلم أصابع يديه من الداخل وأصابع رجليه بالخنصر كما ورد في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، تخليل أصابع اليدين والرجلين.

فإذاً أولاً: إحسان الوضوء.

ثانياً: التزيين للصلاة.

خذ بعض الإخوان الذين يأتون إلى المساجد في ثياب النوم مثلاً، ورائحة النوم أو العرق تفوح منهم، والذي يأتي وقد أكل ثوماً أو بصلاً ناهيك عمن يدخل المسجد وهو قد دخن فيكون متشبعاً بتلك الروائح الخبيثة، وإذا كان الإنسان يتزين في المناسبات والأعراس فالله أحق أن يتزين له.

ثالثاً: أداؤها في المسجد للرجال وأداؤها في قعر البيت بالنسبة للمرأة.

رابعاً: السكينة عند الإتيان إلى الصلاة.

خامساً: عدم التشبيك بين الأصابع.

سادساً: أذكار الخروج من المسجد ودخول المسجد.

سابعاً: تسوية الصف.

ثامناً: السترة للإمام والمنفرد فإنها تمنع الشيطان من المرور والوسوسة.

تاسعاً: أن يمنع المار بين يديه.

عاشراً: استشعاره بوقوفه بين يدي ربه عز وجل، وهذه يمكن أن تكون أهم نقطة في موضوع الخشوع، أن يستشعر أنه واقف الآن بين يدي الله عز وجل.

الحادي عشر: التفكر في معنى ما يقرأ أو يسمع وتزيين الصوت بالقرآن.

الثاني عشر: إذا مر بآية رحمة سأل أو آية عذاب استعاذ، أو مر بآية سجدة سجد خصوصاً للذين يصلون في قيام الليل.

الثالث عشر: إتمام الأركان والواجبات والسنن، والطمأنينة في الصلاة.

الرابع عشر: تذكر الموت في الصلاة للحديث الصحيح الوارد في ذلك.

الخامس عشر: النظر إلى موضع السجود، والنظر إلى السبابة عند الجلوس.

السادس عشر: وضع اليمين على الشمال على الصدر، ولما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذا؟ قال: هو ذل بين يدي الله العزيز، فلا تحسبن المسألة شكلية وإنما لها معنىً في القلب.

السابع عشر: عدم الالتفات في الصلاة، لا التفات القلب ولا التفات البصر.

الثامن عشر: حفظ الأدعية والأذكار المختلفة والتنويع فيما من السنة تنويعه في الصلاة كأدعية الاستفتاح والتشهدات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

التاسع عشر: التأمين مع الإمام.

العشرون: التفكر في معنى الأذكار التي يقرؤها المسلم.

الحادي والعشرون: تحريك الإصبع في التشهد، فإنه قد ورد في الحديث الصحيح: (أنها أشد على الشيطان من الحديد).

الثاني والعشرون: الخوف ألا تقبل الصلاة، وأن يتفكر في حديث: أن الناس يخرجون من الصلاة، فمنهم من يخرج بعشرها، ومنهم من يخرج بتسعها، ومنهم من يخرج بنصفها، ومنهم من يخرج بكلها، حسب خشوع وإتمام أركان وواجبات وسنن الصلاة. وأن يتأمل ويتفكر أنها لو لم تقبل كيف ترد ويضرب بها وجهه.

الثالث والعشرون: الاستعاذة بالله من الشيطان عند وسوسته في الصلاة، والتفل عن اليسار ثلاثاً إذا كان مكانه مناسباً.

الرابع والعشرون: تجنب الصلاة في أماكن الصور والزخارف والضوضاء ومرور الناس وفي الحر الشديد والبرد الشديد ما أمكنه ذلك.

الخامس والعشرون: ألا يصلي وهو حاقن ولا حاقب، يعني: لا حابس البول ولا حابس الغائط.

السادس والعشرون: ألا يصلي وهو بحضرة طعام يشتهيه: (فإذا حضر العَشاء والعِشاء فقدموا العَشاء).

السابع والعشرون: ألا يصلي خلف النائم والمتحدث كما ورد في الحديث الصحيح، وألا يستقبل وجه الرجل في الصلاة، ونشاهد بعض المصلين إذا أراد أن يتسنن وهو وراء الإمام وقد التفت الإمام إلى المصلين تجده يقوم ويصلي وراء الإمام مباشرة وجهه لوجه الإمام وهذا غير صحيح.

الثامن والعشرون: كظم التثاؤب ورده ما استطاع فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب، ويضحك من العبد وهو يتثاءب.

التاسع والعشرون: عدم رفع البصر إلى السماء والوعيد الشديد في الحديث الصحيح.

الثلاثون: ألا يبصق جهة القبلة ولا عن يمينه إذا اضطر إلى البصاق، أحياناً يضطر الإنسان في الصلاة، وإنما يبصق عن جهة اليسار في منديل أو طرف الثوب ونحو ذلك.

الحادي والثلاثون: ألا يغطي فاه في الصلاة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التلثم.

الثاني والثلاثون: أنه إذا فاته الخشوع في أجزاء كبيرة في الصلاة فلا يقل انتهى الأمر ويستمر في اللهو، فلو لم يتذكر الإنسان أنه في الصلاة إلا وهو يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال فليحضر قلبه عندها وليخرج بهذا أفضل ألا يخرج بشيء، وليتدارك الأمر ولو كان في آخر لحظات الصلاة.

الثالث والثلاثون: الأذكار بعد الصلاة فإنها مما تثبت خشوع الصلاة في القلب وأثر الصلاة فيه. والله أعلم.

وأما بالنسبة لبعض الأسئلة، فهاهنا سؤال يقول: تفادياً للوقوع في الربا وحلاً لبعض الإشكالات التي تواجه كثيراً من الناس، فإننا نقوم بعمل مجموعة يدفع كل فرد في هذه المجموعة مبلغاً معيناً متساوياً مثلاً، فإذا جاء الشهر الأول أخذ المبلغ كله فلان، كل واحد يدفع ألفاً وهم عشرة أشخاص، الشهر الأول يأخذ فلان عشرة آلاف وفي الشهر الثاني يأخذ الذي بعده العشرة الآلاف والثالث وهكذا، حتى يتم العشرة. فما حكم ذلك من جهة الشرع؟

وقد سألني بعض الإخوان قائلين: لقد سمعنا ممن نقل عن الشيخ/ عبد العزيز بن باز أن هذا لا يجوز؟

الجواب: وكنت قد سألته حفظه الله عن هذه المسألة فقال: قد كنا فترة من الزمان نرى بعدم الجواز، ولما تمعنا في المسألة أكثر ودرسناها وجدنا أنه لا بأس بها إن شاء الله.

وللتيقن أكثر فقد سألته في مساء هذا اليوم، والفتوى هذه التي أنقلها عن الشيخ قريبة جداً يعني في الساعة السابعة إلا ربعاً بالضبط من مساء هذا اليوم، يعني قبل حوالي أقل من ساعة، فقال الشيخ: حصل فيها شبهة وقلنا لهم: تركها أحوط، ثم درسها مجلس هيئة كبار العلماء ورأى المجلس أنه لا حرج إن شاء الله بالأكثرية لأنه لا أحد يأخذ زيادة، كلهم متساوون فيها، اتفقوا على أن يقرض بعضهم بعضاً إلى آجال معلومة كل يسدد في أجل معلوم كالأقساط.

ثم سألته: وأنت ماذا ترى فيها حفظك الله شخصيا؟

فقال: أنا مع الإخوان -إن شاء الله- مع الأكثرين وأرى بالجواز.

فإذاً هذا رأي الشيخ وفتواه حفظه الله في هذه المسألة، وأرجو أن تكون القضية قد اتضحت للإخوان الذين يسألون كثيراً عن هذا الموضوع.

والحقيقة أيها الإخوة: أننا ينبغي علينا بصفتنا مسلمين أن نبحث عن كل طريقة تخلصنا من الوقوع في الربا، وكل حل يجعل القرض متيسراً للمحتاج، ومن هذا أيضاً إشاعة أجر القرض في الإسلام، فإن من أقرض قرضاً مرتين فهو كصدقة مرة، مع أن المال يرجع إليه، لو أقرضت واحداً عشرة آلاف ثم أخذتها منه ثم أقرضتها لآخر أو لنفس الشخص مرة أخرى ثم أرجعها إليك فإنك تكون كأنك تصدقت بها ولك أجر الصدقة بها.

وهذا سؤال: هل أعيد الاستخارة أكثر من مرة؟ بعض الإخوة يقول: أنا ما تبين لي شيء في المرة الأولى فهل يجوز ويشرع أن أعيدها أكثر من مرة؟

الجواب: سألت الشيخ حفظه الله فقال: نعم. يشرع له أن يعيد الاستخارة أكثر من مرة حتى ينشرح صدره.

وهذا سؤال أيضاً يقول: رجل سبق أن أخذ مالاً من جهة حكومية بغير حق، والآن يريد التوبة ولكنه يخشى من المساءلة وألا يتفهم المسئول موقفه. فماذا يفعل؟

الجواب: فأجابني الشيخ حفظه الله على هذا السؤال: يتصدق بها على الفقراء والجمعيات الخيرية مع التوبة.

ثم سألته: هل يعطيها لـجمعية البر التي تشرف عليها الحكومة باعتبار أنه أخذ المال من الحكومة، هل يرجعها إلى جمعية البر باسم فاعل خير؟

فقال: نعم يجوز ذلك.

وبعض الناس لا يخشون الله فيقول: هم أغنياء، ولا يضر الحكومة إذا أخذت منها، ويسرق، وهذا لا يجوز وهو حرام، ولا يحل له أن يفعل ذلك مطلقاً وهي سرقة على أية حال.

وهذه امرأة تسأل وتقول: أريد أن أذهب بالسيارة مع سائق أجنبي داخل البلد. فما هو عمر الطفل الذي لو اصطحبته معي زالت الخلوة؟

الجواب: فأجاب الشيخ/ عبد العزيز حفظه الله: لا بد أن يكون معها من تزول معه الخلوة في سن عشرة ونحوها، يعني: يفهم ويستحيا منه هذا الذي تزول به الخلوة، هذا ليس في السفر هذا داخل البلد تزول الخلوة إذا كان مع المرأة في السيارة من يستحيا منه، أي: تأخذ معها ولداً واعياً عاقلاً يفهم ويدرك بحيث أن أحدهما لو أراد أن يفعل شيئاً لاستحى من وجود هذا الثالث، والآن -أيها الإخوة- نحن نرى من المنكرات التي تفشت والعياذ بالله ركوب النساء في سيارات الأجرة المرأة بمفردها، بل وصلت الوقاحة ببعضهن أن تركب بجانب السائق وتقول: أنا ما عندي أحد يوصلني للمدرسة. عمرك لا ذهبتِ إلى المدرسة، المدرسة أهم أم تطبيق حدود الله؟! المدرسة أهم أم مراعاة الأحكام الشرعية؟! لو لم تذهبي إلى المدرسة ماذا سيحصل؟ لكن لو عصيت الله ماذا سيحصل؟

ثم ننتقل إلى مشكلة أخرى، يقول هذا السائل: إنني أشكو من كثرة الوساوس المتعلقة بذات الله عز وجل، ويطوف بخاطري أشياء لا يمكن أن أذكرها لأنها لا تليق بالله سبحانه وتعالى ولكنها تتردد على خاطري كثيراً، وتأتيني في الصلاة وفي غير الصلاة، ولا أدري ماذا أفعل، حتى شككت في إيماني، وشككت هل أنا مسلم أم لا. فما هو الحل؟

الجواب: نقول: إن من رحمة الله أن هيأ لنا رسوله صلى الله عليه وسلم ليعلمنا الحلول في هذه المشاكل والمواقف، وإليك -أيها الأخ المسلم- هذه الأحاديث الصحيحة التي تعالج المشاكل منها مشكلة الوساوس المتعلقة بالله عز وجل.

يقول عليه الصلاة والسلام -وهذه روايات مجتمعة ألفاظها بعضها إلى بعض سقتها إليكم-: (إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: فمن خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله، فإن ذلك يذهب عنه) وقال أيضاً: (من وجد من هذا الوسواس فليقل: آمنا بالله ورسوله، فإن ذلك يذهب عنه).

قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) وقال صلى الله عليه وسلم: (يوشك الناس يتساءلون حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً وليستعذ من الشيطان) وقال صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله) وقال: (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله) فيجتمع من هذه الأحاديث السابق ذكرها ست وسائل للتغلب على وسوسة الشيطان في هذه المسألة، القضايا الفكرية أو تجوال الفكر فيما يتعلق بالله عز وجل:

الوسيلة الأولى: إذا جاءك الشيطان وقال لك هذا الوسواس أو غيره فقل: آمنت بالله ورسوله، أولاً تقول: آمنت بالله ورسوله.

ثانياً: تتعوذ بالله من الشيطان، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.

ثالثاً: أن تتفل عن يسارك ثلاث مرات، هذا مشابه لما سبق أن ذكرناه عندما يوسوس خِنزب أو خُنزب أو خَنزب الشيطان المسئول عن الوسوسة في الصلاة.

رابعاً: أن ينتهي، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولينته) وهذه مسألة مهمة، فإن كثيراً من الذين تأتيهم هذه الوساوس لا ينتهون، بل إنهم يستطردون في الأفكار الواحدة وراء الأخرى، لا ينتهي لا يشغل ذهنه بالمفيد ويطرد هذه الأفكار، بل إنه يواصل فيها، وهذه مشكلة.

خامساً: أنه يقرأ سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] فإن فيه ذكر صفات الرحمن عز وجل، فيها ذكر صفة الرحمن، ولذلك صارت تعدل ثلث القرآن، القرآن فيه قصص وأخبار وأحكام وتوحيد عقيدة وهذه صفة الرحمن مذكورة في هذه السورة فقراءتها وتدبرها والتمعن فيها كفيل بأن ينهي الوساوس من عقل هذا الشخص الذي يوسوس في هذه المسائل.

سادساً وأخيراً: أن يتفكر هذا الشخص في خلق الله أو في نعم الله ولا يفكر في ذات الله، لأنه لا يمكن أن نصل بعقولنا القاصرة أبداً إلى ذات الله، وليس عندنا إلا ما أخبرنا الله ورسوله في هذه المسألة.

هذه ست وسائل مذكورة في هذه الأحاديث تنهي مسألة الوسوسة في ذات الله.

نأتي الآن إلى بعض المسائل الأخرى، أو المسائل الفقهية.

يقول السائل: رجل به سلس سواء سلس بول أو سلس ريح فاتته صلوات مثلاً نتيجة عملية، وضع تحت المخدر في العملية ثم استفاق. فكيف يفعل بالطهارة بالنسبة لقضاء ما فاته من الصلوات؟ هل يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد؟ أم لا بد لوضوءٍ لكل صلاة فائتة يقضيها من وضوء مستقل؟

فكروا في هذا السؤال. شخص عنده سلس بول أو سلس ريح فاتته صلوات بسبب، خمس صلوات عشر صلوات، ثم أراد الآن أن يقضيها فماذا يفعل بالنسبة للوضوء؟

طبعاً نحن نعلم بأن الذي فيه سلس بول أو سلس ريح أو المرأة المستحاضة التي ينـزل عليها الدم باستمرار غير دم الحيض والنفاس طبعاً دم نزيف هؤلاء ماذا يفعلون؟ كيف يتطهرون للصلاة؟

يتوضأ لكل صلاة بعد الأذان بعد دخول وقتها، الذي عنده سلس يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ثم يصليها، ولا يصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد، هذا في الأحوال العادية، لكن الآن عندنا مسألة ثانية مختلفة: شخص فاتته عدة صلوات، الآن يريد أن يقضيها، توضأ وصلى الظهر والآن يريد أن يقضي الصلوات الفائتة عنده عشر صلوات، ماذا يفعل؟

هو أصلاً السلس حادث معه مستمر.

يقول الشيخ/ عبد العزيز حفظه الله: يجوز له أن يقضي من الصلوات ما بين الوقتين بنفس الوضوء الأول، يعني: الآن توضأ وصلى الظهر عنده عشر صلوات، رجل يستطيع أن يصلي منها الآن خمس طاقته الجسدية يستطيع أن يصلي خمساً يصلي هذه الخمس صلوات ما دام بين الظهر والعصر يصليها بنفس وضوء صلاة الظهر، وكذلك سننها لو أراد أن يقضي السنن، ويصلي من النوافل -الذي معه السلس- ما شاء بين الوقتين، فالذي عنده سلس له أن يصلي صلوات فائتة ونوافل وسنن رواتب وما شاء إذا كان ما زال بين الوقتين، لكن لو جاء عليه وقت العصر وبقي عليه صلوات فائتة فإنه يتوضأ لصلاة العصر ويصلي بقية الفوائت ثم يصلي العصر.

يقول السؤال: رجل دَخْلُ أبيه من البنك، يعني: حرام -يعني: أبوه من كتاب الربا ملعون على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس لأبيه دخل آخر- ماذا يفعل هذا الولد إذا أراد أن يتزوج؟ هل يجوز له أن يأخذ من مال أبيه للزواج؟ هل يجوز أن يشتري سيارة من مال أبيه؟ هل يجوز له أن يدعو أصدقاءه إلى وليمة من مال أبيه؟

الجواب: فكان جواب الشيخ/ عبد العزيز حفظه الله: إذا كان ليس لأبيه دخل آخر فإن كل ما ذكر لا يجوز، لو كان لأبيه دخل آخر نقول: اختلط الحلال والحرام ولم يميز فربما الذي أخذه من الحلال، المسألة أهون، لكن يقول الشيخ: لو كان ليس لأبيه دخل آخر إلا الحرام، وقس على ذلك: شخص أبوه -مثلاً- صاحب دكان فيديو يبيع أفلاماً حرمة، يبيع أدوات موسيقية، يبيع أشرطة غناء، عمله كله حرام، ودخله كله حرام، فيقول الشيخ: إذا كان ليس له مصدر آخر والولد يعلم بذلك -يقول الشيخ: لو كان الولد لا يعلم لكان سهلاً، لكن إذا كان الولد يعلم بذلك فإنه لا يجوز له أن يأخذ من مال أبيه، وقال: إن كان يعلم هذا يبتعد عن هذا الشيء ويطلب الرزق من عند الله ويحاول أن يأخذ من جهة أخرى ولا يأخذ من مال أبيه- طبعاً في ماذا؟ في هذه الأشياء المتوسعة- لكن أبوه عليه النفقة على الولد، فإن استطاع الولد أن يخرج من البيت ويستقل بنفسه فهذا طيب، أما من له الأخذ من الوالد النفقة الواجبة على الوالد فإنه يأخذ منها، لكن لو استطاع أن يستقل بنفسه حتى في الأشياء الواجبة حتى في الأكل والشرب واللبس والسكن لو استطاع الولد فإنه يخرج عن أبيه، قارن بين هذا الموقف وبين ما يحدث اليوم من الكثيرين في قضية ماذا؟ التساهل في كسب المحرمات، ويأخذون الأموال ولا يبالون من حلال من حرام، سلفنا رحمهم الله كانوا يخرجون الشبه من بطونهم ويتقيأ أحدهم ليخرج أمراً فيه شبهة، والواحد من هؤلاء الناس في هذا الزمان يدخل إلى بطنه الحرام عمداً وهو يعلم أنه حرام فانظروا الفرق، سلفنا يخرجون الشبه من بطونهم بعدما دخلت بالقيء وهذا يدخلها في بطنه وهو يعلم أنها حرام ولا يخرجها.

السؤال: وهذه تسأل وتقول: ما حكم صبغ الحاجب الكثيف بلون يشابه لون البشرة بحيث لا يبدو الجزء الأعلى منه فيظهر الحاجب رقيقاً. فما هو الحكم؟

الجواب: هذه عملية تسمى عند بعض النساء بالتشقير تصبغ جزءاً من الحاجب بلون يشابه لون البشرة، فيقول الشيخ/ عبد العزيز حفظه الله جواباً على هذا السؤال: إذا كان لون الصبغ ليس بأسود فلا بأس ويجوز، فالأصل أنه يجوز ما دام أنه ليس بأسود، ولذلك فالعجب من كثير من الرجال كبار السن الذين نبت لديهم الشيب أنهم يصبغونه بالسواد وهو محرم في دين الله، غير الخداع والتمويه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة) ولذلك لا يصح أن يغير الإنسان هذا الشيب بالسواد لكن يمكن أن يغيره بلون آخر، فلو غيره بأي لون آخر جاز لا إشكال كما كان عليه الصلاة والسلام يغير شيبه بالحناء مثلاً.