ديوان الإفتاء [754]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، أما بعد:

ففي بداية هذه الحلقة أسأل الله عز وجل أن يهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشداً، وأن يولي عليها خيارها، وأن ينزع الولاية من شرارها، وأن يجعل على حكمهم من يعظم كلام الله عز وجل، وينقاد لأحكامه، ويسمع كلام الله عز وجل ويسمعها، وأن يجعل مستقبل أيامها خيراً من ماضيها، وأن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.

السؤال: زوجي يأمرني بقطع الأرحام وأنا لا أستطيع أن أتخلى عنهم فما الحكم؟

الجواب: هذا هو الشيء الطبيعي والمشروع أن الإنسان لا يتخلى عن أرحامه، بل يصلهم ويحسن إليهم ويعطف عليهم، ويلتمس رضا الله عز وجل بزيارتهم والتردد عليهم وسوق النفع إليهم، فبهذا أمرنا ربنا: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]، وبهذا أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: ( الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله ).

ووصيتي للأزواج بأن يحرضوا زوجاتهم على صلة الأرحام، وأن يعينوهن على ذلك، ووصيتي للزوجات بأن يتقين الله في أزواجهن، ولا يجعلن من صلة الأرحام سبباً للتقصير في حق الزوج، وأن تكون الواحدة خراجة ولاجة في كل يوم فتهمل زوجها وعيالها بدعوى أنها تصل أرحامها فالله عز وجل لم يأمر بالضرر، ونبينا صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ضرر ولا ضرار ).

وكذلك الزوج إذا لحظ أن بعض الأرحام قد يسبب إفساداً وسوءاً للعلاقة بينه وبين زوجه فليتق الله عز وجل ما استطاع، ولتكن الزيارات على فترات متباعدة لمدد قصيرة؛ لئلا يكونوا قاطعين للأرحام.

السؤال: أحفظ القرآن وأصحح القراءة عند شيخة، والامتحان يكون عند شيخ من خلف ستار، فما الحكم؟

الجواب: لا حرج إن شاء الله، والأمر في ذلك واسع.

السؤال: أختي أولادها يتخاصمون مع بعضهم البعض، وتحلف إذا أرادت الخروج ألا تأخذهم معها ثم تأخذهم، فما الحكم؟

الجواب: يلزمها كفارة يمين، ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ).

السؤال: أسأل عن الميت هل يسمع الأحياء، مثلاً: إذا قيل له: سلم على فلان؟

الجواب: سماع الأموات للأحياء ثابت، ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتلى بدر فألقوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: (يا أبا جهل! يا عتبة! يا فلان! يا فلان! هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال له عمر : يا رسول الله! أتخاطب قوماً قد جيفوا؟ قال: ما أنت بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون الجواب ).

كذلك أخبرنا صلى الله عليه وسلم ( أن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه مشيعوه فإنه ليسمع قرع نعالهم، ويأتيه ملكان فيجلسانه وينتهرانه ويسألانه )، فقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أنت بأسمع لما أُقول منهم )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( وإنه ليسمع قرع نعالهم... )، دليل على أن الميت يسمع.

أما قول ربنا جل جلاله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، وقول ربنا جل جلاله: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22]، فقد قال أئمة التفسير: المراد بذلك قياس حال على حال، بأن الكافر لا ينتفع بسماع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماع المواعظ مثلما أن الميت لا ينتفع بما يسمع من الحي، يعني: الميت يسمع لكنه لا يستطيع الجواب، ولا ينتفع بما يسمع.

السؤال: دار بيننا نقاش في جواز الوضوء ببول البقر، فهل هذا صحيح؟

الجواب: هذا القول غير صحيح، ولا يقول به عاقل، وقائل هذا يجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، إن بول ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم وإن كان طاهراً إلا أنه لا يقول أحد بجواز الوضوء به، بل إن الماء الذي تغير لونه أو طعمه أو ريحه بما خالطه من طاهر غير مطهر، كما لو أن الماء وضعنا فيه بعض المحلولات فصار عصيراً، أو وضعنا فيه لحماً فصار مرقاً، أو وضعنا فيه أوراق الشاي فصار شاياً فلا يصح الوضوء به، فكيف يصح بالبول؟!

وأنا أقول: ينبغي للإنسان أن يتقي الله فيما يقول، وأن يتورع عن أن يفتي بما لا يعلم، قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].

السؤال: أسأل عن اسم أريقد: هل هو لغير المسلمين؟

الجواب: أنا لا أعرف إن كان لغير المسلمين، أنا أعرف عبد الله بن أريقط الليثي بالطاء وكان رجلاً مشركاً اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم هادياً خريتاً في طريق الهجرة، وكان رجلاً خبيراً بدروب الصحراء، فصحب النبي عليه الصلاة والسلام و أبا بكر رضي الله عنه في رحلة الهجرة، أريقط بالطاء، أما أريقد بالدال فلا أدري، وأقول: إن الأسماء المستحبة كثيرة، فخير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن وكل ما عبد لله عز وجل، وكذلك أسماء الأنبياء والمرسلين كـإبراهيم وإسماعيل وإسحاق وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ومحمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين، وكذلك أسماء الصالحين: كـأبي بكر و عمر و عثمان و علي و سعد و سعيد و طلحة و الزبير و المقداد و بلال وأمثالهم رضوان الله عليهم، ثم بعد ذلك الأسماء المباحة وما أكثرها.

السؤال: زوجتي تشرب السجائر، فحلفتها على المصحف ألا تشربها، وقلت لها: أنت طالق إذا شربتها، فشربتها؟

الجواب: السجائر من الرجال قبيحة وهي من النساء أقبح؛ لما فيها من نتن الريح وقبح الأثر وشدة الضرر، فهي من الرجل قبيحة وتسبب أذى له ولمن حوله، فإذا كانت من المرأة فمن باب أولى، فالمرأة العربية القديمة لما أوصت ابنتها في ليلة زواجها قالت لها: وتفقدي مواضع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشمن منك إلا أطيب ريح، فإذا كان الرجل يشم من زوجته رائحة التبغ ورائحة النيكوتين فلا حول ولا قوة إلا بالله!

أما بالنسبة للطلاق يا أخي! فإن الطلاق وقع، وهذا طلاق مشروط، فإذا قلت لها: إن سجرت فأنت طالق، ثم سجرت فابحث لك عن غيرها.

السؤال: ما حكم إمامة المتنفل للمفترض؟

الجواب: لا حرج -إن شاء الله- عند كثير من أهل العلم بأن يصلي المتنفل بالمفترض والعكس؛ لأن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه، أما المالكية رحمهم الله فهم يقولون: لا بد من اتحاد صلاة الإمام والمأموم في عين الصلاة وصفتها.

السؤال: أسأل عن حلاقة اللحية هل هي حلال أم حرام؟

الجواب: الحلاقة بمعنى: الجز، والأئمة الأربعة على التحريم إذا كان الجز بمعنى: الاستئصال، قالوا: لما فيه من التشبه بالنساء أولاً، فإن الله عز وجل جعل للرجال اللحى مثلما جعل للنساء الذوائب، والذوائب هي: الشعر الطويل.

ثم إنه مخالف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ( أوفوا اللحى )، وقال: ( عفوا اللحى )، وقال: ( وفروا اللحى )، وقال: ( أكرموا اللحى )، ومخالف لسنته العملية عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان كث اللحية، تملأ لحيته صدره، فلهذه الأسباب نقول: جزها وحلقها واستئصالها لا يجوز.

السؤال: هل يجوز لشخص يشرب السجائر أن يصبح إماماً، مع العلم أنه شخص ممتاز؟

الجواب: هو ليس ممتازاً، بل هو عاص! وأسأل الله أن يتوب علينا أجمعين، فإذا كان هذا الشخص يستمع للنصيحة فانصحوه وأكثروا من الدعاء له؛ لعل الله أن يتوب عليه، وإن أصر على ما هو فيه فاستبدلوا به غيره، من أجل أن تطيب قلوب الناس بالصلاة خلفه.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2822 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2648 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2534 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2532 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2506 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2475 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2464 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2442 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2406 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2405 استماع