ديوان الإفتاء [473]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

أيها الإخوة والأخوات! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة في هذه الليلة المباركة.

اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

الدعاء لأهل مصر بالسداد والفرج

إخوتي وأخواتي! أوصيكم بالإكثار من الدعاء لإخواننا في مصر بأن يعجل الله فرجهم، وأن يحسن خلاصهم، وأن يفك أسرهم، وأن يحقن دماءهم، وأن يجعل دائرة السوء على من بغى عليهم، فسفك دماءهم، وسلط سفاءهم على خيارهم يسومونهم سوء العذاب ضرباً وطعناً وإيذاء ورمياً بالمواد الحارقة؛ من أجل أن تحدث فتنة لا يعلم مداها إلا الله.

إخوتي وأخواتي! ينبغي أن ندعو لإخواننا هؤلاء الذين خرجوا منكرين للظلم والبغي والعدوان، مستشرفين لمستقبل أفضل، وحال أكمل، طالبين العيش الكريم الذي تتوفر فيه الكرامة الإنسانية، والحريات الأساسية التي كفلتها شريعة الإسلام، أن يكون المرء آمناً على نفسه من أن يعتدى عليه في عرض أو مال أو دم، آمناً على دينه ليباشر شعائره، ويطبق شرائعه، أن يكون المرء حراً في تصرفاته في حدود الشريعة، أن يجد الناس العيش الكريم الذي تتوافر فيه ضرورات الحياة، أن يكون الناس سواء كما أراد الله لهم أن يكونوا، هذه هي المطالب التي ينبغي أن تشجع؛ لأنها من الدين؛ لأنها من شريعة رب العالمين؛ لأن الله عز وجل خاطب الناس بأنهم أعزة، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]، وأنهم مكرمون: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70].

هذه الشعوب -ومنها إخواننا في مصر- تتوق لهذه المسلمات ولهذه الحقوق الأساسية، من أجل أن يجدوها حاضرة في حياتهم ماثلة في واقعهم، لا أن يستمتع الحكام وحاشيتهم بكل شيء، ويفعلوا كل شيء، ويقولوا كل شيء، ويحاربوا دين الله عز وجل، ثم بعد ذلك يطلب من الناس أن يصمتوا، وأن يسكتوا، ومن عبر منهم عن رأيه، أو من طلب من الحاكم أن يذهب لظهور فساده وبغيه وطغيانه وفرعنته وإجرامه فإنه يسلط عليه كلاب البشر ممن لا يرجون لله وقاراً، ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة؛ من أجل أن يمارسوا إجرامهم وطغيانهم عليهم.

المظاهرات لأجل المطالبة بالحقوق

إخوتي وأخواتي! هؤلاء أكابر مجرميها، الذين يسعون في الأرض بالفساد لا كلام معهم، لكن الكلام مع أولئك الذين يريدون أن يصوروا بأن هذا الأمر غير جائز، يقول قائلهم: المظاهرات بدعة، أقول له: ومن قال بأنها سنة حتى تقول بأنها بدعة؟! المظاهرات عادة من العادات، والأصل في العادات الإباحة ما لم تعارض الشرع، لو أن الناس خرجوا مسالمين من أجل أن يعبروا عن رأيهم، لم يتلفوا ممتلكات، ولم يحدثوا فساداً، ولم يحملوا سلاحاً، إنما من أجل أن يعبروا عن رأيهم، فلا يقال بأن هذا ممنوع، أو أن هذا حرام.

إن هذه المظاهرات التي تخرج بقيادة أهل الحل والعقد كما رأينا في المظاهرات التي في مصر من علماء الأزهر، رأينا فيها القضاة والمحامين، وبعض السياسيين الشرفاء ممن ينقمون هذا الوضع السيء الذي وصلت إليه البلاد، من موالاة اليهود، وبيع الغاز لهم بأسعار ضئيلة، ومحاصرة إخواننا في غزة، إلى غير ذلك من الجرائم التي يندى لها جبين كل مسلم، لكن الفراعنة الطواغيت يعمدون إلى أن يدسوا في صفوفهم بعض المجرمين، وبعض العتاة المتمردين؛ من أجل أن يحدثوا بعض التخريب؛ ليخرج الفرعون الأكبر على الناس فيقول لهم: إن هذه المظاهرات يقوم عليها انتهازيون ومندسون ومخربون، ويصفهم بأقذع الأوصاف، وكأنه هو ومن معه المصلحون المستقيمون الساعون للصلاح، الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، المعظمون لحدود الله، مثلما قال فرعون قديماً: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26].

تغيير الحاكم إذا كثرت شكاية الناس عليه

أيها الإخوة الكرام! إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عزل سعداً من ولاية الكوفة لما شكاه الناس، وقال له: يا أبا إسحاق! ما عزلتك خيانة، والله إني لأعلم أنهم كاذبون، ولكني ما أردت أن تكون سنة، أن يكره الناس واليهم فيجبرون عليه، فهذا عمر رضي الله عنه يعزل سعداً الذي هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وهو أحد كبار البدريين، وأحد أصحاب بيعة الرضوان، ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، بل هو خال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يفاخر به، ويقول: ( هذا خالي، فليرني امرؤ من خاله عمر رضي الله عنه يعزل سعداً وهو بهذه الصفات، هو الذي فتح بلاد فارس، وهو القائد يوم القادسية، وكان مستجاب الدعوة، يعزله لأن الناس أكثروا من شكايته، شكوه إلى عمر ، لكن- سبحان الله! -الآن الواحد منهم يمكث في الحكم ثلاثين سنة عجافاً، فقد الناس فيه الدنيا والدين، ثم بعد ذلك لا يريد الناس أن يخرجوا إلى الشوارع وليقولوا: ارحل، والعقلاء والفضلاء وأصحاب الرأي قالوا له: ارحل، ومن يريدون بالبلاد خيراً يقولون له: ارحل، لكن -والعياذ بالله- ربه المعبود كرسيه، أصبح الكرسي معبوداً من دون الله؛ ولذلك يرفض أن يرحل، ولو سفكت الدماء، ولو انتهكت الأعراض، ولو أزهقت الأرواح، ولو خربت الممتلكات، ولو ظهر الفساد، ومع هذا كله ترى الواحد منهم يقول: أنا أفعل هذا من أجل مصلحة البلد، يقول الله عز وجل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11-12].

مدافعة الغرب عن حكام المسلمين الموالين لهم

إخوتي وأخواتي! علينا أن نجأر بالدعاء لإخواننا في مصر بأن يحسن الله خلاصهم، وأن يفك أسرهم، وأن يداوي جرحاهم، وأن يتقبل شهداءهم، وأن يرفع درجاتهم في عليين.

ونقول لإخواننا: اصبروا وصابروا ورابطوا، واعلموا بأنكم على ثغر من الثغور، وأعداء الله عز وجل من الصليبيين واليهود يخافون جمعكم، ويرهبون ثورتكم، ولا يريدون أن يتغير هؤلاء العملاء المداهنون، ولا أن تدول دولتهم، ولا أن يذهب حكمهم، ولا أن يكون أمرهم في دبار؛ لأنهم يخشون من أن يتولى حكم مصر رجال أعزة على الكافرين، يخشون أن يتولى حكم مصر من يعظمون الله ورسوله، ومن يعيدون فريضة الجهاد جذعة في حياة الناس، فيربون عليها الصغير، ويجعلونها ديناً للناس وديدناً كما أراد الله لها أن تكون؛ ولذلك يريدون أن يبقى الحال كما هو عليه، يعطون الناس كلمات معسولة بأننا نريد ديمقراطية وحرية، لكن حقيقة الأمر أن الديمقراطية لهم هم، والحرية لهم هم، أما هذه الشعوب- شعوب المسلمين - فيجب أن تبقى تحت أحذية هؤلاء الجبابرة الذين غيبوا شريعة الله وحاربوها، وآذوا عباد الله وحبسوا الدعاة، وطغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، يريدون لهؤلاء أن يبقوا على صدور الشعوب جاثمين، ولسياسة أولئك منفذين؛ من أجل أن يزداد الحال سوءاً يوماً بعد يوم، ينتشر العهر والفساد والكفر والضلال والصد عن سبيل الله عز وجل، ويهنأ اليهود بما نالوا ويطمعون في المزيد، لكن هيهات هيهات، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [الرعد:17].

يا أهل مصر! استعينوا بالله عز وجل ولا تعجزوا، اصبروا وصابروا ورابطوا، فإنما النصر صبر ساعة، توبوا إلى الله عز وجل توبة نصوحاً، واجأروا إليه بالدعاء، فإن الله عز وجل وعد وهو لا يخلف الميعاد: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55]، حققوا هذه الشروط، اعبدوا الله عز وجل بأعظم العبادات- عبادة الدعاء - ألحوا على الله واجأروا إليه، فإن الله عز وجل يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ولا أعظم اضطراراً منكم، فإن الفرعون لو تمكن منكم سيبيد خضراءكم، وسيقتلع إسلامكم، وسينتقم من شرفائكم، ولكن الله من ورائهم محيط، وهو الذي قال سبحانه وتعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [النمل:50-51].

هذا البغي الذي حصل على المسالمين الذين تجمعوا في ميدان التحرير إن شاء الله ستعود عاقبته على هؤلاء؛ لأن الله عز وجل في القرآن بين بأن الباغي تدور عليه الدوائر: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [يونس:23]، فمن بغى أو ظلم فإن الظلم مردود عليه.

ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غداً عند المليك من الملوم

( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ).

اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك وأنت رب العالمين، قاصم الجبارين، وكاسر المتجبرين، وناصر المستضعفين وإله العالمين، نسألك يا خير المسئولين ويا خير المعطين لإخواننا في مصر نصراً عزيزاً، وفرجاً قريباً، ونسألك يا ألله أن تنزل على قلوبهم السكينة، وأن تثبت أقدامهم، وأن تنصرهم على من بغى عليهم، وأن تكون معهم ناصراً ومؤيداً ومسدداً، إنك على ما تشاء قدير، والحمد لله رب العالمين.

إخوتي وأخواتي! أوصيكم بالإكثار من الدعاء لإخواننا في مصر بأن يعجل الله فرجهم، وأن يحسن خلاصهم، وأن يفك أسرهم، وأن يحقن دماءهم، وأن يجعل دائرة السوء على من بغى عليهم، فسفك دماءهم، وسلط سفاءهم على خيارهم يسومونهم سوء العذاب ضرباً وطعناً وإيذاء ورمياً بالمواد الحارقة؛ من أجل أن تحدث فتنة لا يعلم مداها إلا الله.

إخوتي وأخواتي! ينبغي أن ندعو لإخواننا هؤلاء الذين خرجوا منكرين للظلم والبغي والعدوان، مستشرفين لمستقبل أفضل، وحال أكمل، طالبين العيش الكريم الذي تتوفر فيه الكرامة الإنسانية، والحريات الأساسية التي كفلتها شريعة الإسلام، أن يكون المرء آمناً على نفسه من أن يعتدى عليه في عرض أو مال أو دم، آمناً على دينه ليباشر شعائره، ويطبق شرائعه، أن يكون المرء حراً في تصرفاته في حدود الشريعة، أن يجد الناس العيش الكريم الذي تتوافر فيه ضرورات الحياة، أن يكون الناس سواء كما أراد الله لهم أن يكونوا، هذه هي المطالب التي ينبغي أن تشجع؛ لأنها من الدين؛ لأنها من شريعة رب العالمين؛ لأن الله عز وجل خاطب الناس بأنهم أعزة، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]، وأنهم مكرمون: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70].

هذه الشعوب -ومنها إخواننا في مصر- تتوق لهذه المسلمات ولهذه الحقوق الأساسية، من أجل أن يجدوها حاضرة في حياتهم ماثلة في واقعهم، لا أن يستمتع الحكام وحاشيتهم بكل شيء، ويفعلوا كل شيء، ويقولوا كل شيء، ويحاربوا دين الله عز وجل، ثم بعد ذلك يطلب من الناس أن يصمتوا، وأن يسكتوا، ومن عبر منهم عن رأيه، أو من طلب من الحاكم أن يذهب لظهور فساده وبغيه وطغيانه وفرعنته وإجرامه فإنه يسلط عليه كلاب البشر ممن لا يرجون لله وقاراً، ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة؛ من أجل أن يمارسوا إجرامهم وطغيانهم عليهم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2823 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2651 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2534 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2506 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2476 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2466 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2445 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2406 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2405 استماع