السلف الصالح بين العلم والإيمان


الحلقة مفرغة

علم الاعتقاد من العلوم التي كانت في الأصل داخلة في علوم الحديث ثم استقلت بعد بالتأليف، وهو يشمل القطعيات والظنيات، فظنياته المسائل الخلافية، وما لا يقوم عليه دليل أصلي قوي، أو ما يقوم عليه دليل ظني، وموضوعه هو أركان الإيمان وما يتعلق بها من الإيمان بالقدر واليوم الآخر وغيرها، وقد صنف الأئمة فيه كتباً كثيرة من المتقدمين والمتأخرين، ولكن لم يكن بصورة قواعد محررة وإنما آثار ونقول، وكان أول من وضع له قواعد من أهل السنة الإمام أبي الحسن الأشعري.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد:

فسلام الله عليكم أيها الإخوة ورحمة الله وبركاته!

وها نحن قد اجتمعنا على غير أرحام كانت بيننا، وعلى غير معرفة أو صداقة سابقة، وإنما جمعنا المحبة الدينية لله وفي الله، ونرجو أن تكون هذه المحبة دائمة إلى الممات، ونرجو أن تكون محبتنا خالصة لوجه الله، وذلك بأن نحب الله، ونحب من يحبه الله ونبغض من يبغضه الله؛ وذلك لأن المؤمنين يحبون الله، ومحب المحبوب محبوب، ومبغض المحبوب مبغوض.

ونحن في هذه الليلة سنتكلم حول هذا الموضوع: (السلف الصالح بين العلم والإيمان).

فأولاً: نتكلم قليلاً عن المراد بالسلف وسبب تسميتهم.

وثانياً: على سبب فضلهم.

وثالثاً: على حقيقة علمهم.

ورابعاً: على ثمرة علمهم الذي تعلموه.

من هم السلف وما سبب تسميتهم

فالبحث الأول يتعلق بالسلف من هم؟

كثيراً ما نسمع: قال السلف، وهذا مذهب السلف، وعند بعض السلف.

اصطلح العلماء على أن أهل القرون الثلاثة المفضلة يسمون السلف، ومن بعدهم يسمون الخلَف إذا كانوا على الإسلام، أما المغيرون والمنحرفون فيقال لهم: خلَفْ، بمعنى: خالف بسوء. فالخلَفَ معهم الإيمان ولكن هم أنقص من السلف، والخْلَف خلف سوء كما في قول الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ [مريم:59] فالخلفُ: هو الذي يأتي مخالفاً لمن قبله مخالفة كاملة، ونحن موضوعنا عن السلف، وذلك لأن الكلام على الخَلَف والخَلْف يحتاج إلى وقت آخر.

فالسلف: هم أهل القرون المفضلة، وهم: الصحابة والتابعون وتابعو التابعين.

فالصحابة: هم الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وماتوا على الإيمان ذكوراً وإناثاً، وقد حازوا قصب السبق؛ وذلك لأنهم فازوا وسبقوا غيرهم بالصحبة لكونهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا عنه وسمعوا منه، ولا شك في فضلهم.

ثم جاء بعدهم تلامذتهم الذين هم التابعون، والتابعي: هو من رأى أحداً من الصحابة وعقل رؤيته، ولو من أصاغر الصحابة،وسمي كذلك لأنه تابع لمن قبله.

وتابعو التابعين: هم الذين رأوا أو أدركوا أحداً من التابعين، ولو من المتأخرين.

وقد ذكر العلماء أن الصحابة انقضوا في القرن الأول، قيل: إن آخرهم أنس بن مالك الذي مات سنة ثلاث وتسعين، وقيل: إن منهم من أدرك المائة كـأبي الطفيل .

أما التابعون فاستمروا، حتى بقي بعضهم إلى أواخر القرن الثاني، ولكنهم يتفاوتون، فمن أكابرهم من أهل المدينة الفقهاء السبعة الذين أدركوا أكابر الصحابة: كـسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر ونحوهم من أولاد الصحابة الذين أخذوا عن كبار الصحابة وأدركوا الخلفاء أو بعضهم.

ومن أصاغر التابعين من رأى بعضهم، حيث ذكروا أن الأعمش رأى أنس بن مالك فكتب له رؤية فأصبح من التابعين.

أما تابعو التابعين: فهم الذين ما أثر أنهم رأوا أحداً من الصحابة، ومنهم بعض كبار الأئمة كـمالك بن أنس وأبي عبد الرحمن الأوزاعي ومن في طبقتهما، فهؤلاء من أكابر تابعي التابعين.

وفيهم أيضاً أكابر حملة العلم ممن أثر عنهم علم عظيم، فتابعو التابعين بقوا إلى قرب القرن الثالث أو أواسطه.

ثم جاء بعدهم أتباعهم الذين ما أدركوا أحداً من التابعين فهؤلاء أتباع تابعي التابعين، ومنهم الأئمة البخاري ومسلم والشافعي وأحمد ونحوهم، فهؤلاء من أكابر أتباع تابعي التابعين.

ونقول: إن أهل القرون الثلاثة ومن في طبقتهم هم السلف؛ وذلك لأنهم سلفوا،أي: مضوا قبل من بعدهم، فالسلف معناه المضي، يقال: سلف الشيء إذا مضى وانقضى وانقرض، فهذا هو سبب تسميتهم بالسلف.

ثم إنهم سلفوا على الاستقامة، أي: مضوا على عقيدة سليمة مستقيمة، ليس فيهم من هو منحرف ولا مبتدع إلا من هو شاذ لا يؤبه له، ومن اضطهد وأذل وأهين في هذه الفترة التي هي فترة السلف الأجلاء، حيث كان من بينهم علماء الصحابة الذين حفظوا العلم، وعلماء التابعين، وعلماء تابعي التابعين، وكذلك منهم العُبَّاد والزهاد من رجال ونساء، ولا شك أنا إذا اعتقدنا أنهم على الصواب كانت أقوالهم قدوة.

سبب تفضيل السلف على من بعدهم

وأما البحث الثاني فهو: لماذا فضلوا على من بعدهم؟

والسبب أنه قد ورد الشرع بتفضيلهم ووردت السنة بأفضليتهم، فذكر الإمام أحمد في رسالته في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم خير من أبنائكم، وأبناؤكم خير من أبنائهم، وأبناؤهم خير من أبنائهم)، يعني: أن الخيرية تكون للأول، ولا شك أن الأولين حازوا قصب السبق وهو صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا أفضل ممن بعدهم، ولهذا اتفقوا على أن الصحابة رضي الله عنهم عدول تقبل روايتهم، ولم ينقل على أحد منهم ضعف ولا كذب ولا رد في رواية ولم يجرح أحد منهم في الرواية، بل قبلت روايتهم كلهم، واتفقوا على أنهم كلهم عدول، فهذه من ميزاتهم.

وثبت أيضاً في الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني -أي: القرن الذي بعثت فيهم- ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويقولون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن)، أي: السمنة؛ فهذا دليل على أفضليتهم، وعلى أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الوجود، فأفضلهم القرن الأول الذي انقضى بسنة مائة، ويليه القرن الثاني الذي انقضى بسنة مائتين، ويليه القرن الثالث الذي انقضى بثلاثمائة.

هذا إذا عبر عن القرن بأنه مائة سنة، ومنهم من يقول: إن القرن هم الجماعة الذين يتواجدون في زمان واحد وتتقارب أعمارهم ثم يفنون، فآخرهم هو آخر القرن.

وعلى هذا يحمل حديث: (أنتم خير من أبنائكم)، أي الصحابة خير من أبنائهم (وأبناؤكم خير من أبنائهم)، أي: أبناء الصحابة خير من أولادهم.

ولا شك أنهم في ذلك الزمان أو في تلك القرون كان فيهم الفضل والشرف والعقيدة السليمة، ولم تظهر فيهم البدع والمحدثات، وإذا ظهرت بدعة كانت مضطهدة وأهلها أذلة، فكانوا بذلك أفضل من غيرهم.

وكانوا مع ذلك قدوة لمن بعدهم، ولهذا تتخذ أقوالهم حجة لا سيما علماؤهم وعبادهم الذين تبصروا في دين الله، وعبدوا الله على نور وبرهان؛ وذلك لأن العلماء حسنوا الظن بهم، بحيث جعلوا الأصل فيهم أنهم لا يعملون إلا عن دليل، ولا يقولون إلا عن توقيف، ولا يروون إلا عن تثبت، ولذلك تقبل مراسيل الصحابة بالاتفاق، ومراسيل كبار التابعين فيها خلاف، ولكن يترجح أنها تقبل إذا دلت القرائن على صحتها ولو لم تثبت مسندة.

وهكذا أيضاً أقوالهم التي يذهبون إليها تتخذ دليلاً، فيقال: هذا القول قد سبقنا إليه فلان الصحابي، أو قد قال به قلبنا من التابعين فلان وفلان، وهم من العلماء الأجلاء الذين لا يقولون إلا عن توقيف.

فالبحث الأول يتعلق بالسلف من هم؟

كثيراً ما نسمع: قال السلف، وهذا مذهب السلف، وعند بعض السلف.

اصطلح العلماء على أن أهل القرون الثلاثة المفضلة يسمون السلف، ومن بعدهم يسمون الخلَف إذا كانوا على الإسلام، أما المغيرون والمنحرفون فيقال لهم: خلَفْ، بمعنى: خالف بسوء. فالخلَفَ معهم الإيمان ولكن هم أنقص من السلف، والخْلَف خلف سوء كما في قول الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ [مريم:59] فالخلفُ: هو الذي يأتي مخالفاً لمن قبله مخالفة كاملة، ونحن موضوعنا عن السلف، وذلك لأن الكلام على الخَلَف والخَلْف يحتاج إلى وقت آخر.

فالسلف: هم أهل القرون المفضلة، وهم: الصحابة والتابعون وتابعو التابعين.

فالصحابة: هم الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وماتوا على الإيمان ذكوراً وإناثاً، وقد حازوا قصب السبق؛ وذلك لأنهم فازوا وسبقوا غيرهم بالصحبة لكونهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا عنه وسمعوا منه، ولا شك في فضلهم.

ثم جاء بعدهم تلامذتهم الذين هم التابعون، والتابعي: هو من رأى أحداً من الصحابة وعقل رؤيته، ولو من أصاغر الصحابة،وسمي كذلك لأنه تابع لمن قبله.

وتابعو التابعين: هم الذين رأوا أو أدركوا أحداً من التابعين، ولو من المتأخرين.

وقد ذكر العلماء أن الصحابة انقضوا في القرن الأول، قيل: إن آخرهم أنس بن مالك الذي مات سنة ثلاث وتسعين، وقيل: إن منهم من أدرك المائة كـأبي الطفيل .

أما التابعون فاستمروا، حتى بقي بعضهم إلى أواخر القرن الثاني، ولكنهم يتفاوتون، فمن أكابرهم من أهل المدينة الفقهاء السبعة الذين أدركوا أكابر الصحابة: كـسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر ونحوهم من أولاد الصحابة الذين أخذوا عن كبار الصحابة وأدركوا الخلفاء أو بعضهم.

ومن أصاغر التابعين من رأى بعضهم، حيث ذكروا أن الأعمش رأى أنس بن مالك فكتب له رؤية فأصبح من التابعين.

أما تابعو التابعين: فهم الذين ما أثر أنهم رأوا أحداً من الصحابة، ومنهم بعض كبار الأئمة كـمالك بن أنس وأبي عبد الرحمن الأوزاعي ومن في طبقتهما، فهؤلاء من أكابر تابعي التابعين.

وفيهم أيضاً أكابر حملة العلم ممن أثر عنهم علم عظيم، فتابعو التابعين بقوا إلى قرب القرن الثالث أو أواسطه.

ثم جاء بعدهم أتباعهم الذين ما أدركوا أحداً من التابعين فهؤلاء أتباع تابعي التابعين، ومنهم الأئمة البخاري ومسلم والشافعي وأحمد ونحوهم، فهؤلاء من أكابر أتباع تابعي التابعين.

ونقول: إن أهل القرون الثلاثة ومن في طبقتهم هم السلف؛ وذلك لأنهم سلفوا،أي: مضوا قبل من بعدهم، فالسلف معناه المضي، يقال: سلف الشيء إذا مضى وانقضى وانقرض، فهذا هو سبب تسميتهم بالسلف.

ثم إنهم سلفوا على الاستقامة، أي: مضوا على عقيدة سليمة مستقيمة، ليس فيهم من هو منحرف ولا مبتدع إلا من هو شاذ لا يؤبه له، ومن اضطهد وأذل وأهين في هذه الفترة التي هي فترة السلف الأجلاء، حيث كان من بينهم علماء الصحابة الذين حفظوا العلم، وعلماء التابعين، وعلماء تابعي التابعين، وكذلك منهم العُبَّاد والزهاد من رجال ونساء، ولا شك أنا إذا اعتقدنا أنهم على الصواب كانت أقوالهم قدوة.

وأما البحث الثاني فهو: لماذا فضلوا على من بعدهم؟

والسبب أنه قد ورد الشرع بتفضيلهم ووردت السنة بأفضليتهم، فذكر الإمام أحمد في رسالته في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم خير من أبنائكم، وأبناؤكم خير من أبنائهم، وأبناؤهم خير من أبنائهم)، يعني: أن الخيرية تكون للأول، ولا شك أن الأولين حازوا قصب السبق وهو صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا أفضل ممن بعدهم، ولهذا اتفقوا على أن الصحابة رضي الله عنهم عدول تقبل روايتهم، ولم ينقل على أحد منهم ضعف ولا كذب ولا رد في رواية ولم يجرح أحد منهم في الرواية، بل قبلت روايتهم كلهم، واتفقوا على أنهم كلهم عدول، فهذه من ميزاتهم.

وثبت أيضاً في الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني -أي: القرن الذي بعثت فيهم- ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويقولون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن)، أي: السمنة؛ فهذا دليل على أفضليتهم، وعلى أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الوجود، فأفضلهم القرن الأول الذي انقضى بسنة مائة، ويليه القرن الثاني الذي انقضى بسنة مائتين، ويليه القرن الثالث الذي انقضى بثلاثمائة.

هذا إذا عبر عن القرن بأنه مائة سنة، ومنهم من يقول: إن القرن هم الجماعة الذين يتواجدون في زمان واحد وتتقارب أعمارهم ثم يفنون، فآخرهم هو آخر القرن.

وعلى هذا يحمل حديث: (أنتم خير من أبنائكم)، أي الصحابة خير من أبنائهم (وأبناؤكم خير من أبنائهم)، أي: أبناء الصحابة خير من أولادهم.

ولا شك أنهم في ذلك الزمان أو في تلك القرون كان فيهم الفضل والشرف والعقيدة السليمة، ولم تظهر فيهم البدع والمحدثات، وإذا ظهرت بدعة كانت مضطهدة وأهلها أذلة، فكانوا بذلك أفضل من غيرهم.

وكانوا مع ذلك قدوة لمن بعدهم، ولهذا تتخذ أقوالهم حجة لا سيما علماؤهم وعبادهم الذين تبصروا في دين الله، وعبدوا الله على نور وبرهان؛ وذلك لأن العلماء حسنوا الظن بهم، بحيث جعلوا الأصل فيهم أنهم لا يعملون إلا عن دليل، ولا يقولون إلا عن توقيف، ولا يروون إلا عن تثبت، ولذلك تقبل مراسيل الصحابة بالاتفاق، ومراسيل كبار التابعين فيها خلاف، ولكن يترجح أنها تقبل إذا دلت القرائن على صحتها ولو لم تثبت مسندة.

وهكذا أيضاً أقوالهم التي يذهبون إليها تتخذ دليلاً، فيقال: هذا القول قد سبقنا إليه فلان الصحابي، أو قد قال به قلبنا من التابعين فلان وفلان، وهم من العلماء الأجلاء الذين لا يقولون إلا عن توقيف.

نقول: إن المراد بالعلم هنا العلم الصحيح الموروث عن الرسل، الذي هو ميراث رسل الله وميراث أنبياء الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء، لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).

نشأة علم السلف

علم السلف متلقى عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أخذه صغيرهم عن كبيرهم وكبيرهم عمن فوقه إلى أن ثبتوا ذلك وأوصلوه إلى مصدره ومعينه وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد قيضهم الله عز وجل وقيض علماء الأمة من بعدهم لحفظ هذا العلم الصحيح ولتصفيته وحمايته مما يدخل فيه من الأكاذيب ومما ليس منه، ولهذا اشتغلوا بترتيب الأسانيد وتصفيتها، وهذه الأسانيد التي توجد في كتب الحديث ما هي إلا للتثبت، حتى لا يقبل قول إلا بعد التثبت من صحته.

ذكر بعض العلماء أن السلف لم يكونوا يسألون عن الإسناد، ولكن رأوا من بعض الناس التساهل في الرواية ، فقالوا للرواة: سموا لنا رجالكم، حتى نعلم ممن أخذتم ، فإذا سموا رجلاً موثوقاً عرفوا أن الحديث وثابت، وإذا سموا من هو ضعيف أو من ليس من أهل الصناعة عرفوا أن ذلك ليس بثبت، وهذا دليل على حرص السلف رحمهم الله على حفظ السنة وعلى حمايتها عما هو دخيل فيها.

علمهم الذي تميزوا به هو: حفظهم للسنة النبوية التي رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حفظهم لكلام الله سبحانه وحرصهم على حمايته عن أيدي العابثين، ولهذا اهتموا بتدوين كتاب الله وكتابته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أيام، فأثبتوه في صحف حتى لا يذهب ولا يفقد منه شيء، ثم كتبوه في مصاحف ونشروه إلى الأمة حتى يقرءوه ويحفظوه، ويعرف أن هذا هو القرآن المنزل عليهم.

ثم من علمهم أيضاً أنهم اشتغلوا ببيانه وبإيضاحه، وذلك بتفسيرهم لمعانيه التي قد تخفى على من بعدهم، وذلك لأنهم شاهدوا التنزيل، ولأنه نزل بلغتهم وبلسانهم، ولأنهم أعرف بأسبابه وأعرف بما يراد به، فلأجل هذا تُقدَّم تفاسير الصحابة وتفاسير تلاميذ الصحابة على من بعدهم من أهل الأزمنة المتأخرة الذين يفسرون القرآن بالآراء أو بالتخرصات أو يطبقونها على الوقائع والحالات أو ما أشبه ذلك، فيقدم على الصحيح تفسير أولئك على غيرهم.

وإذا تجدد شيء يدخل في عموم الآية فلا مانع من قبوله ولكن نقدم التفاسير السلفية، ولأجل هذا فإن علماء الأمة الذين اشتغلوا بعلم التفسير يستشهدون بالأحاديث أو الآثار التي لها صلة بالقرآن؛ وذلك لأنها بيان له.

تبليغ السلف للعلم والدعوة

نحن نعلم أولاً أن الله تعالى أنزل هذه الشريعة وهذه الرسالة على محمد صلى الله عليه وسلم، وكلفه بأن يبلغها للناس بقوله: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48]، وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54]، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [المائدة:67]، ونحن بلا شك نعرف ونعتقد ونتحقق أنه بلغ الرسالة، ثم بعد ذلك لم يقتصر على مجرد إلقائها عليهم، بل بينها لهم ووضحها بالعمل وبالقول، فشرح لهم ما خفي منها ووضح لهم ما يحتاجون إلى إيضاحه قولاً وعملاً بأمر الله له، قال الله تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].

لما أنزل الله عليه هذا الكتاب ليبينه للناس شرع في بيانه؛ فبيانه هو بيانه بالفعل كالصلاة والحج والزكاة وما أشبه ذلك من الأشياء المجملة، وكالحدود والعقوبات والتعزيرات المجملة في القرآن التي أوضحها وبينها.

وبينها أيضاً بالقول وذلك فيما فسره وأوضحه من الآيات التي بين المراد منها كما استشهد بذلك المفسرون.

ولا شك أن الصحابة الذين بينها لهم قد تحملوها، ولما تحملوها لم يسكتوا عندها بل بلغوها وبينوها لتلامذتهم؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام كلفهم بأن يبلغوها، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليبلغ الشاهد الغائب)، وقال فيما ثبت عنه: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).

فلما سمعوا ذلك منه عرفوا أنه سوف ينتقل إلى الرفيق الأعلى، وأنهم سيقومون بعده بحمل هذه الشريعة وبحمل نصوصها وحمل معانيها وحمل كيفياتها، فما سكتوا، بل بلغوا ذلك وأخبروا من بعدهم بما علموه وبما حفظوه، فالنصوص التي حفظوها حدثوا بها وما تركوا شيئاً، والنصوص التي حفظوا معناها ذكروا معانيها فمثلوا لهم الأمثلة، وفعلوا الأفعال أمامهم ليبينوا لهم أن هذا هو ما حفظوه وتلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأجل هذا ظهرت أعمالهم طبقاً لذلك العلم، وذلك أن العلم إذا كان سليماً وكان علماً صحيحاً فإنه يتبعه العمل لأنه ثمرته.

فضل اتباع علم السلف

ولا شك أن علوم السلف التي تلقوها عن نبيهم وتلقوها عن مشايخهم وأكابرهم، علوم جمة فيما يتعلق بالأمر والنهي من الله عز وجل، فتعلموا منه ما يقولونه بألسنتهم وما يعتقدونه في قلوبهم وهو أمور العقيدة، وتعلموا منه ما يتقربون به إلى الله عز وجل وهو أمور العبادة، وتعلموا منه ما يلزمهم في هذه الحياة من الأعمال وما يلزمهم تركه من المحرمات ونحو ذلك، كل ذلك تحملوه وبلغوه، فهذا من العلم.

ولا شك أن من اقتدى بهم في هذه العلوم ممن جاء بعدهم ولو بعدة قرون أنه يحشر في زمرتهم، وذلك أن اقتداءه بهم وإرثه لعلومهم وحرصه على الاقتداء بهم وتخصيصهم بالاقتداء ؛ دليل على أنه يفضلهم وعلى أنه يحبهم ويقدرهم قدرهم، ولا شك أيضاً أنه سيتبعهم في الإيمان وسيتبعهم في العمل، فيكون من نتيجة ذلك أن يعمل كأعمالهم، ثم هو يوم القيامة يحشر في زمرتهم فإن: (من أحب قوماً حشر معهم)، كما ورد بذلك الحديث.

نحن نحث على علم السلف ونقول: إن واجبنا أن نتعلم العلم الصحيح الذي ورثه السلف عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، ونقدمه على العلوم الأخرى التي تزاحمه، والتي متى اشتغلنا بها فاتنا من العلم الخير الكثير، وفاتتنا المسابقات التي تقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، وإذا اشتغلنا به قطعنا السير ووصلنا إلى الله تعالى ونحن على طريق مستقيم، وسرنا سيراً سوياً ليس فيه انحراف ولا اعوجاج، وإذا اقتدينا بمن بعدهم وأخذنا الطرق المنحرفة، خيف علينا أن نقع في المهالك، وخيف علينا أن نبتدع في دين الله ما لم يأذن به الله.

علم السلف متلقى عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أخذه صغيرهم عن كبيرهم وكبيرهم عمن فوقه إلى أن ثبتوا ذلك وأوصلوه إلى مصدره ومعينه وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد قيضهم الله عز وجل وقيض علماء الأمة من بعدهم لحفظ هذا العلم الصحيح ولتصفيته وحمايته مما يدخل فيه من الأكاذيب ومما ليس منه، ولهذا اشتغلوا بترتيب الأسانيد وتصفيتها، وهذه الأسانيد التي توجد في كتب الحديث ما هي إلا للتثبت، حتى لا يقبل قول إلا بعد التثبت من صحته.

ذكر بعض العلماء أن السلف لم يكونوا يسألون عن الإسناد، ولكن رأوا من بعض الناس التساهل في الرواية ، فقالوا للرواة: سموا لنا رجالكم، حتى نعلم ممن أخذتم ، فإذا سموا رجلاً موثوقاً عرفوا أن الحديث وثابت، وإذا سموا من هو ضعيف أو من ليس من أهل الصناعة عرفوا أن ذلك ليس بثبت، وهذا دليل على حرص السلف رحمهم الله على حفظ السنة وعلى حمايتها عما هو دخيل فيها.

علمهم الذي تميزوا به هو: حفظهم للسنة النبوية التي رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حفظهم لكلام الله سبحانه وحرصهم على حمايته عن أيدي العابثين، ولهذا اهتموا بتدوين كتاب الله وكتابته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أيام، فأثبتوه في صحف حتى لا يذهب ولا يفقد منه شيء، ثم كتبوه في مصاحف ونشروه إلى الأمة حتى يقرءوه ويحفظوه، ويعرف أن هذا هو القرآن المنزل عليهم.

ثم من علمهم أيضاً أنهم اشتغلوا ببيانه وبإيضاحه، وذلك بتفسيرهم لمعانيه التي قد تخفى على من بعدهم، وذلك لأنهم شاهدوا التنزيل، ولأنه نزل بلغتهم وبلسانهم، ولأنهم أعرف بأسبابه وأعرف بما يراد به، فلأجل هذا تُقدَّم تفاسير الصحابة وتفاسير تلاميذ الصحابة على من بعدهم من أهل الأزمنة المتأخرة الذين يفسرون القرآن بالآراء أو بالتخرصات أو يطبقونها على الوقائع والحالات أو ما أشبه ذلك، فيقدم على الصحيح تفسير أولئك على غيرهم.

وإذا تجدد شيء يدخل في عموم الآية فلا مانع من قبوله ولكن نقدم التفاسير السلفية، ولأجل هذا فإن علماء الأمة الذين اشتغلوا بعلم التفسير يستشهدون بالأحاديث أو الآثار التي لها صلة بالقرآن؛ وذلك لأنها بيان له.

نحن نعلم أولاً أن الله تعالى أنزل هذه الشريعة وهذه الرسالة على محمد صلى الله عليه وسلم، وكلفه بأن يبلغها للناس بقوله: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48]، وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54]، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [المائدة:67]، ونحن بلا شك نعرف ونعتقد ونتحقق أنه بلغ الرسالة، ثم بعد ذلك لم يقتصر على مجرد إلقائها عليهم، بل بينها لهم ووضحها بالعمل وبالقول، فشرح لهم ما خفي منها ووضح لهم ما يحتاجون إلى إيضاحه قولاً وعملاً بأمر الله له، قال الله تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].

لما أنزل الله عليه هذا الكتاب ليبينه للناس شرع في بيانه؛ فبيانه هو بيانه بالفعل كالصلاة والحج والزكاة وما أشبه ذلك من الأشياء المجملة، وكالحدود والعقوبات والتعزيرات المجملة في القرآن التي أوضحها وبينها.

وبينها أيضاً بالقول وذلك فيما فسره وأوضحه من الآيات التي بين المراد منها كما استشهد بذلك المفسرون.

ولا شك أن الصحابة الذين بينها لهم قد تحملوها، ولما تحملوها لم يسكتوا عندها بل بلغوها وبينوها لتلامذتهم؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام كلفهم بأن يبلغوها، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليبلغ الشاهد الغائب)، وقال فيما ثبت عنه: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).

فلما سمعوا ذلك منه عرفوا أنه سوف ينتقل إلى الرفيق الأعلى، وأنهم سيقومون بعده بحمل هذه الشريعة وبحمل نصوصها وحمل معانيها وحمل كيفياتها، فما سكتوا، بل بلغوا ذلك وأخبروا من بعدهم بما علموه وبما حفظوه، فالنصوص التي حفظوها حدثوا بها وما تركوا شيئاً، والنصوص التي حفظوا معناها ذكروا معانيها فمثلوا لهم الأمثلة، وفعلوا الأفعال أمامهم ليبينوا لهم أن هذا هو ما حفظوه وتلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأجل هذا ظهرت أعمالهم طبقاً لذلك العلم، وذلك أن العلم إذا كان سليماً وكان علماً صحيحاً فإنه يتبعه العمل لأنه ثمرته.