أرشيف المقالات

وحدة العمل الإسلامي بين الأمل والواقع

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
المؤلف: د.
محمد أبو الفتح البيانوني الناشر: مكتبة المنار الإسلامية - الكويت، 0002م * تعدد المناهج الدعوية يعود إلى الاختلاف في فقه الواقع، والاختلاف في فقه الدين، وكذلك غياب الوحدة السياسية في الساحة الإسلامية * التجمعات الإسلامية تتنوع طبيعة عملها بين إصلاح الوضع السياسي وبين الاهتمام بالعلم والتربية والتبليغ والاقتصاد والعمل الخيري * "إنهم يسدون عنا ثغرة وإننا لا ننتقدهم ولكن فيهم من ينتقدنا" مقولة للمودودي تعتبر درسا بليغا في موقف التجمعات بعضها من بعض * وحدة العقيدة ووحدة العقبات أهم النقاط المشتركة بين التجمعات الإسلامية * أهم نقاط الاختلاف بين التجمعات الإسلامية التبني التطبيقي للإسلام، وطبيعة المناهج، ونوعية الأساليب والوسائل من أهم نقاط الاختلاف بين التجمعات الإسلامية * من إيجابيات التعددية استيعاب أكبر عدد من المسلمين، وبروز روح التجديد وروح التنافس، وضمان استمرارية العمل الإسلامي * من سلبيات التعددية في العمل الإسلامي الحزبية البغيضة، وتكرار الأخطاء، ووقوع العامة في الحيرة من هذه التعددية * من صيغ وحدة العمل الإسلامي: صيغة التعاون والتنسيق، وصيغة إيجاد قيادة مشتركة، وصيغة الجماعة والقيادة الواحدة يقع كثير من المسلمين في الحيرة والاضطراب عندما يواجههم واقع تعدد الجماعات الإسلامية العاملة فتختلف مواقفهم منها وتتنوع تحليلاتهم لها وتبرز ردود الفعل والتعصبات، مما قد يضعف الأمل فيستسلم كثير من المسلمين إلى اليأس تجاه هذا الواقع المؤلم. ويتصور بعض الشباب العامل للإسلام أن تعدد التيارات الإسلامية عقبة كؤود أمام تحقيق وحدة العمل الإسلامي، ويساعدهم على ذلك الواقع السيء لبعض أتباع المذاهب والتيارات من المتعصبين. وبقيت هذه الشبهة تدور في الأذهان رغم أن تعدد الآراء أمر طبيعي وشرعي، وبذلك فإن تعدد الجماعات الإسلامية في الساحة الإسلامية أمر طبيعي وشرعي، ولكنه يصبح مذموما مع التعصب. ومن هنا يؤكد مؤلف هذا الكتاب على أهمية وحدة العمل الإسلامي مع التعددية في التيارات الإسلامية، ويحاول من خلال المحاور التالية: وضع الأسس النظرية والعملية لتحقيق هذا الهدف. 1 - حقيقة تعدد الجماعات الإسلامية وأسباب نشأتها يذكر د.
البيانوني في تمهيده لموضوع الكتاب أن المتأمل في سبب تعدد الجماعات الإسلامية يرى أنها تعود إلى اختلاف مناهج الدعاة، وأساليب عملهم في العمل للإسلام، وذلك حسب إمكاناتهم واجتهاداتهم، وأن تعدد اجتهاداتهم في ذلك مع وحدة الدين والقرآن والسنة لهي مثل تعدد مناهج الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) وشرائعهم - من بعض الوجوه - مع وحدة ملتهم.
والفرق بينهم أن مناهج الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) منزلة معصومة من الخطأ، وأما مناهج الدعاة والعلماء فهي اجتهادات بشرية في ضوء الوحي تحتمل الخطأ والصواب، وقد سبق إلى هذا التشبيه الإمام ابن تيميه (رحمه الله). ويلخص أسباب تعدد المناهج الدعوية اليوم في ثلاثة أسباب أساسية هي: 1 - طبيعة النصوص الشرعية المحتملة لأكثر من معنى، وتفاوت الآراء والاجتهادات البشرية في فهم أساليب العمل الإسلامي المستقاة من مثل هذه النصوص، ومن سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسيرة خلفائه الراشدين (رضوان الله عليهم). 2 - غياب الوحدة السياسية في الساحة الإسلامية المتمثلة في الخلافة الراشدة التي تحكم الأمة، وتجمع الشمل وترفع الخلاف. 3 - رغبة العاملين للإسلام في استيعاب أكبر عدد ممكن من المسلمين في إطار العمل الإسلامي، وذلك حفاظا على الشعوب المسلمة من الضياع وصونا لها من مطامع الأعداء، وتجميعا وتوجيها لجهودها نحو الأهداف المشتركة. 2 - أنواع التجمعات الإسلامية وأشكالها ويقول د.
البيانوني: إن التجمعات الإسلامية تتشعب إلى أنواع متعددة، وذلك تبعا لاهتماماتها واختصاصاتها من جهة، وتبعا للظروف والبيئات التي نشأت فيها من جهة ثانية، فهناك تجمعات عامة تهدف إلى إصلاح الوضع الإسلامي بوجه عام، وهناك التجمعات الخاصة التي تستهدف عملا معينا، ويغلب عليها طابع خاص كالجماعات العلمية والتربوية والتبليغية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والخيرية وغيرها. ويشير إلى أن بعض هذه التجمعات قد تأخذ صورة علنية وأخرى سرية، حسب الظروف والبيئات التي نشأت فيها، ومن العجيب أن يهتم العاملون للإسلام بنقاط الاختلاف فيما بينهم أكثر من اهتمامهم بجوانب الاتفاق، ولا سيما بوحدة الهدف والغاية اللهم إلا من ساءت نيته، وانحرفت غايته فاتخذ شعار الإسلام خداعا ومكرا، ولا يخفى أمثال هؤلاء عن المسلمين. وقد سأل الدكتور البيانوني ذات مرة فضيلة الأستاذ أبي الأعلى المودودي (رحمه الله) عن رأيه في جماعة التبليغ التي قامت في الهند، وتتنقل في العالم كله، فأجابه المودودي بقوله: "إنهم يسدون عنا ثغرة لا نستطيع سدها وإننا لا ننتقدهم، ولكن فيهم من ينتقدنا"، ويصف البيانوني هذا القول بأنه درس بليغ فيما يجب أن يكون عليه موقف الجماعات الإسلامية بعضها من بعض. 3 - أهم النقاط المشتركة بين الجماعات الإسلامية ويعدد الدكتور البيانوني أهم هذه النقاط فيما يلي: 1 - وحدة العقيدة المتمثلة بالتبني الاعتقادي للإسلام والإيمان به كاملا غير منقوص. 2 - وحدة الغاية المتمثلة في السعي إلى رضوان الله (عز وجل)، والتطلع إلى تطبيق النظام الإسلامي في حياة الناس، سواء على النطاق العام أو الخاص. 3 - وحدة المصادر والموارد حيث يستقي كل منها من كتاب الله تعالى وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وسيرة خلفائه من بعده مجتهدين في ذلك أخطأوا أو أصابوا. 4 - وحدة العقبات التي تواجهها الجماعات الإسلامية قلت أو كثرت، سواء كان ذلك في العقبات الداخلية أو الخارجية. 5 - وحدة المصير في الدنيا والآخرة، سواء أكان هذا المصير نصرا مؤزرا في الدنيا أم جنة خالدة في الآخرة ومغفرة من الله ورضوانا. ويؤكد على ضرورة وعي العاملين المخلصين لحقيقة قرآنية حتى يوسعوا دائرة الاتفاق بينهم ويضيقوا دائرة الاختلاف منطلقين من أمر الله (عز وجل) لهم جميعا:"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ". وهذه الحقيقة القرآنية تظهر في قول الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم.
تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم.
وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين"(الصف: 01: 31). 4 - أهم نقاط الاختلاف بين الجماعات الإسلامية ويرى الدكتور البينانوني وجود ثلاث نقاط أساسية للاختلاف هي: 1 - اختلافهم في مدي شمول التبني التطبيقي للإسلام بجميع نظمه وأحكامه، وذلك بحسب الاجتهادات العلمية والإمكانات العملية. 2 - اختلافهم في طبيعة المناهج التي يضعونها لأنفسهم وإخوانهم، وذلك بحسب اجتهاداتهم في فهم المناهج الربانية، وشعورهم بحاجة المسلمين إليها في وقت من الأوقات أو في بيئة من البيئات. 3 - اختلافهم في نوعية الأساليب والوسائل التي يختارون العمل بها ويتبعونها في تطبيق مناهجهم، وذلك كتغليب أسلوب المسالمة والملاينة على أسلوب الشدة أو مجانبة الجانب السياسي والحديث فيه. ومن الأمثلة الواضحة التي يوردها البيانوني أنه شاهد الإخوة في جماعة التبليغ والدعوة دائم ا يشيرون في أحاديثهم وأسس دعوتهم إلى الابتعاد عن أمور السياسة والخلافة، وفي إحدي زياراته للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي (رحمه الله) صارحه المؤلف بقوله: ما رأي جماعتكم في موضوع الجهاد الإسلامي? فتعجب الشيخ من هذه الصراحة وابتسم قائلا : "لو كان رأيا خاصا في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام لما رأيت في كتابنا "حياة الصحابة" أخبار الغزوات ولا أخبار الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام، وكتابنا هذا منتشر في أيدي إخواننا وفي كل مكان". 5 - من إيجابيات تعدد الجماعات الإسلامية إذا نظرنا إلى تعدد التيارات الإسلامية نظرة صحيحة تنسجم مع ما قدمه البيانوني عن حقيقتها وأهدافها كانت إيجابياتها تزداد وتغلب على السلبيات، كما تزداد سلبياتها إذا ما أسأنا النظرة إلىها هكذا يقول المؤلف. ويجمل إيجابيات التعددية في العمل الإسلامي فيما يلي: 1 - استيعاب أكبر عدد ممكن من المسلمين في نطاق العمل الإسلامي. 2 - التعاون على تحقيق الأهداف المشتركة والوصول إلى مرضاة الله (عز وجل) كما يظهر في القاعدة القرآنية"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب"(المائدة: 2). 3 - إفساح المجال لأكثر من تجربة عملية في نطاق الدعوة الإسلامية حسب الاجتهادات والآراء العلمية لتستفيد منها الأجيال جيلا بعد جيل، ويأخذ الناس من مجموعها ما يرونه صالحا للدعوة في زمنهم وبلدهم. 4 - بروز روح التجديد والتطوير للعمل الإسلامي بما يناسب الأماكن والأحوال فكثير ا ما يصاب العمل الإسلامي بشيء من الركود والجمود. 5 - شيوع روح التنافس والتسابق إلى الكمال فالتنافس والتسابق فطرة بشرية فتحرص كل جماعة على أن تكون أحسن من غيرها وأسبق في مجال الخير. 6 - ضمان استمرارية العمل الإسلامي في حالات المحن والمصائب فلو قدر على جماعة من الجماعات أن تمتحن قبل غيرها استمر العمل من قبل الجماعات الأخرى. 6 - من سلبيات تعدد الجماعات الإسلامية "اختلاف أمتي رحمة" والمقصود بهذا الحديث النبوي الشريف أن الاختلاف في الفروع رحمة، وقد أشار الدكتور البيانوني إلى إيجابيات هذا الاختلاف على العمل الإسلامي، ولكنه يلاحظ من خلال خبرته وجود سلبيات ناتجة عن التعددية في العمل الإسلامي، ومن أهمها في رأيه: 1 - الحزبية البغيضة والتعصب المذموم الذي يجعل كل طرف يتحزب لجماعة وتعصب لها فيحب من معه ويبغض الآخرين، وكأن من ليس من جماعته عدو له. 2 - ما قد يحصل من إضاعة كثير من جهود المسلمين حيث تبذل كل جماعة جهودها في الأمر الذي بذلته الأخرى في الوقت الذي يحتاج فيه العمل الإسلامي إلى بذل الجهود في ميادين أخرى. 3 - تكرار كثير من الأخطاء التي يقع فيها العاملون والجماعات الإسلامية، وذلك للابتعاد فيما بينها وعدم الاستفادة من تجارب بعضها. 4 - وقوع عامة المسلمين في الحيرة والاضطراب عندما يدعون إلى الالتحاق بأكثر من جهة فيتوهم بعضهم أن هناك إسلام ا متعدد ا. 5 - شعور كل طرف وجماعة بضعفه وقصوره أمام العدو المشترك، ولاسيما عند رؤية وحدة الأعداء وتداعيهم على المسلمين. 7 - من طرق معالجة سلبيات تعدد الجماعات الإسلامية أورد الدكتور البيانوني طريق ا واحد ا لمعالجة سلبيات تعدد الجماعات الإسلامية، ولكنه لم يوضح الوسيلة التي تؤدي إلى هذا الهدف قائلا :"إن تعدد الجماعات الإسلامية ظاهرة طبيعية وضرورية، وإنها لصالح العمل الإسلامي عامته"، ولو تبين الدعاة ذلك لتغيرت النظرة إليها وتحول التعصب والتنافر والتباعد بين العاملين إلى المحبة والتعاون والتقارب، كما يحدث عمليا بين التجمعات المتقاربة المتفاهمة، ولأصبح التعاون والتنسيق بين الجهود بدلا من بعثرتها وضياعها، وسادت بين العاملين روح التناصح، واستفاد الجميع من تجارب بعضهم البعض. 8 - ضوابط لابد منها في طريق وحدة العمل الإسلامي هناك قواعد وضوابط تراعيها الجماعات الإسلامية، وإذا ما اختلت أو أهمل بعضها تخبط العمل الإسلامي وانتكس، ويقول الدكتور البيانوني: إن أهم هذه الضوابط والقواعد: 1 - تسليم جميع الأطراف المتعاونة بمبدأ التعددية واعتراف كل جماعة بالجماعات الإسلامية الأخرى مع الاتفاق على نبذ التجمعات الفاسدة أو الجماعات المنحرفة عن الخط الإسلامي الصريح. 2 - احترام كل طرف من الأطراف الأخرى، واعتبار الطرف الآخر عونا له على أداء مهمته وشريكا له في المسئولية. 3 - اعتراف كل طرف للأطراف الأخرى بفضلها وتقدير جهودها مهما قلت فإنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل. 4 - التحرر من العقلية الحزبية والعصبية المقيتة، وعدم تعالي طرف على آخر بدعوى شمول أو سبق أو كثرة عدد، ويقول تعالى في هذا المقام:"فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي ". 5 - التناصح بين الأطراف والاستفادة من تجارب الآخرين حتى لا تتكرر الأخطاء، ففي الحديث الشريف: "لا ي لدغ المؤمن من جحر مرتين". 6 - الحرص على النقد الذاتي داخل الجماعة، وعدم اعتقاد كل جماعة في نفسها الكمال والعصمة مما يجعلها تتقبل نصح الآخرين. 7 - اعتماد الشورى الشرعية في بحث الأمور ومعالجتها، ويقول تعالى في وصف المؤمنين:"وأمرهم شوري بينهم ". 8 - التعاون فيما يتفق عليه والإعذار في مواطن الاختلاف التي يجوز فيها الاجتهاد، ويقول تعالى:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ". 9 - الالتزام بوضوح العلاقة بين الأطراف والابتعاد عن أسلوب المحاورات الجانبية والمناورات السياسية الذي يباعد بين القلوب، ويشيع جو الحذر وسوء الظن. 10 - وضع نظام داخلي يضبط الأمور وينظم العلاقات تتفق عليه الأطراف المتعاونة ويلتزمون بتطبيقه. 9 - صيغ قابلة للتطبيق في مجال وحدة العمل الإسلامي يؤيد المؤلف أية صيغة مشروعة ناجحة للعمل الإسلامي تتفق عليها الأطراف العاملة، ولا يشترط فيها أن تكون صيغة مثالية فحسبنا في هذا الطريق أية خطوة عملية تقربنا من الكمال، وتسير بالعمل نحو الأمل المنشود، ويقدم بعض الصيغ المعروضة في هذا المجال على سبيل المثال ومنها: 1 - صيغة التعاون والتنسيق بين الأطراف في بعض مجالات العمل الإسلامي، أو في بعض المشروعات المقيدة، التي يعم نفعها على المسلمين كالمشروعات الخيرية والتعليمية وغيرها. 2 - صيغة إيجاد قيادة مشتركة ممثلة لجميع الأطراف المتعاونة، والتزام الجميع بقرار واحد مشترك مع احتفاظ كل طرف وجهة بكيانها التنظيمي. 3 - صيغة الجماعة الواحدة والقيادة الواحدة، التي تذوب فيها الكيانات المتعددة والفوارق الشخصية، والتي تجمع المسلمين على قرار واحد وخطة عمل واحدة. 10 - تجارب في وحدة العمل وبعض عقباتها إن توحيد العمل الإسلامي أمل مشترك يلامس قلب كل مسلم يعرف وظيفته في هذه الحياة، لذا من الطبيعي أن يدفع هذا الأمل المسلمين في فترات مختلفة، وفي مناطق شتي إلى التداعي لمثل هذه الوحدة والدعوة إلى التعاون. إلا أن كثيرا من هذه المحاولات لم تنجح وتعثرت في طريقها نظرا لما اعترضها ويعترضها من عقبات داخلية وخارجية. أما العقبات الداخلية فمنها: عدم اقتناع كثير من المسلمين في الماضي القريب بضرورة مثل هذه الخطوة، وعدم تمكن المقتنعين بذلك والمتداعين إلى التعاون والوحدة من وضع الضوابط والقواعد اللازمة لمثل هذه التجمعات الجديدة من نوعها واكتفاؤهم بالرغبة الصادقة التي جمعتهم واعتمادهم على الثقة الغامضة في بعض الأحيان، كذلك من هذه العقبات غياب الشورى الشرعية في مثل تلك التجمعات أو عدم الالتزام بقراراتها بعد صدورها، وإعجاب كل ذي رأي برأيه وإصراره علىه، وشيوع الهوى المتبع في أوساط بعض العاملين، وعدم الصراحة والوضوح في العلاقة بين المجتمعين، وطغيان العقلية الحزبية عند البعض. أما العقبات الخارجية فلعلها تتمثل في أمرين أساسين: الأول: وعي أعداء الإسلام على مختلف أشكالهم وأنواعهم لخطر اجتماع العاملين للإسلام وتوحيد كلمتهم، وما يتبع ذلك من إفساد مخططاتهم وإخفاقها، أما الثاني فيتمثل في مكر الأعداد المتواصل وتخطيطهم لإثارة الفرقة بين المسلمين بأساليب شتي، وذلك لتفتيت جهودهم وإشعالهم بأنفسهم عن عدوهم. ويورد الدكتور البيانوني مثالا لتجربة على طريق الوحدة وهي "مشروع جبهة الميثاق الإسلامي في السودان" وأشار إلى أن فكرته بدأت تدخل حيز التنفيذ في السودان يوم 25 من تشرين أول/ أكتوبر عام 1964، حيث تداعي الإخوان المسلمون في السودان والجماعات الإسلامية إلى عمل إسلامي موحد مع الاحتفاظ بكياناتها السياسية، وتكوين جبهة ميثاق إسلامي، والالتفات حول برنامج موحد للعمل السياسي، إلا أنه على رأي البعض كانت صفة التمثيل صفة فردية ولم تكن فئوية مما يجعلها في المستوى العملي أقرب إلى شكل الحزب منها إلى صيغة الجبهة، وقامت هذه الجبهة بأعمال وخدمات إسلامية عديدة.
والمتتبع لمسيرة الجبهة، والمراحل التي مرت بها يجد نوعا من العقبات المشتركة المتكررة في مثل هذه التجمعات في كل مكان تعود معظمها لبعض العقبات الداخلية والخارجية التي سبق ذكرها. 11 - الخطوة الجديدة لتحقيق الوحدة ومتطلباتها يدعو الدكتور البيانوني الدعاة إلى أن يكون التفكير في توحيد الصفوف والعمل على وحدة العمل الإسلامي أولوية عندهم، ويشير إلى أن هذه الخطوة تتطلب من العاملين المخلصين أمورا عديدة أهمها: الإخلاص لله (عز وجل)، والوعي الكامل بالواقع، والتمييز الدقيق بين عدوهم وصديقهم والتعاون الوثيق فيما بينهم، وضبط الأمور، وتنظيم الأعمال بدقة، والبذل والتضحية والصبر على الطريق، إيثار الآخرة وعلاج الأمراض النفسية المنتشرة، معالجة الغرور والتعالي وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ لأن هذه الأمراض تحيل التجمع إلى فرقة والتعاون إلى تناحر. ويختتم المؤلف كتابه بالقول: إن فكرة وحدة العمل الإسلامي شغلته لسنوات طويلة وعرضها على بعض الدعاة والعاملين آخذا برأيهم ومستفيد ا من الملاحظات والتوجيهات، ويشير إلى أن هذا الكتاب يضيق به صنفان من الناس: الأول: الذين أصيبوا بمرض التعصب فأصبحوا لا يحبون أن يجدوا في الساحة غيرهم، رغم أن كثرة التجارب والمحن تؤكد أن مسئولية الدعوة أعظم من أن يقوم بأعبائها المسلمون متفرقون. أما الصنف الثاني فيتمثل بموقف كل عدو لهذه الأمة المسلمة، الذي يري في تفرق المسلمين ثغرة عامة للنفاذ منها إلى واقع المسلمين لتحقيق أهدافه.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير