لا إفراط ولا تفريط


الحلقة مفرغة

إن علاقة الجن بالإنس محدودة، حيث يشتركون في أمور الشرع والتكليف، وما عدا ذلك فهم جنس مختلف، وعليه فلا يجوز المصاهرة بين الإنس والجن لما في ذلك من البعد عن مقاصد النكاح، فالنكاح شرع لبناء الأسرة المسلمة التي تقوم على البر والمحبة والتعاون على كافة مشاكل الحياة، ولا يتصور هذا مع اختلاف الجنس والمصالح والمنافع بين الجن والإنس.

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمد الله ونشكره، ونثني عليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، ولا رب لنا سواه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وبعد:

فإن دين الإسلام وتعاليمه وسط بين الإفراط والتفريط؛ وذلك لأن الإسلام جاء منتظماً لمصالح العباد، وكمله الله تعالى وأتمه على أحسن ما يرام، وضمنه كل مصلحة وأمر بها، ونهى عن كل مفسدة، فلا جرم أن هذا الدين هو الدين الذي فطر الله العباد على استحسانه والميل إليه، وقد ارتضاه الله تعالى لنا ديناً، فقال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] يعني: اختاره ورضيه ديناً للعباد يدينون به ويتقربون به إلى ربهم، وأخبر بأنه الدين الحق لا سواه، فقال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، أي: هو الدين الصحيح، وما سواه من الأديان فإنها منسوخة، فالأديان السماوية السابقة قد نسخها هذا الدين، وحل محلها، وتضمن ما فيها من العبادات والمعاملات الملائمة، فقام مقام كل ما سبقه من الأديان، وزاد على ذلك بما هو مناسب وملائم لحال العباد والبلاد.

وأخبر سبحانه بأن من تركه وخالفه فهو خاسر تائه ضائع، فقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، وذلك لأن هناك أدياناً يدين بها من يعتنقها ويعتقدها من عباد الله، وزين لهم الدعاة إلى تلك الأديان أنها أديان حقة صحيحة ملائمة مناسبة، ولكن عند التأمل والتعقل يتضح أنها باطلة، وأن الذي شرعها ودعا إليها هو الشيطان الرجيم.

الإسلام نسخ كل ما تقدمه من الأديان

فهناك من يدين الآن بدين النصارى، ولا شك أن دين المسيح كان ديناً سماوياً، ولكنه مؤقت، حيث إن المسيح ابن مريم عليه السلام كانت رسالته مؤقتة بنبوة وبإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي بشر به في قوله: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6].

وقد أخذ الله الميثاق عليه بل وعلى كل الأنبياء أن يتبعوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم متى بعث، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81]، قال ابن عباس : ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد وهم أحياء أن يتبعوه ويؤمنوا به وينصروه.

وثبت أيضاً أن دين موسى الذي يدين به أتباعه من اليهود سابقاً كان ديناً سماوياً اختاره الله وفضله في ذلك الوقت، ولكنه مؤقتٌ أيضاً ببدء إرسال هذا الرسول الكريم، فمنذ أن بعث وذلك الدين منسوخ، مع أن تلك الأديان التي هي دين اليهودية والنصرانية قد دخلها بعد أنبيائها الكثير من التحريف والتغيير والتبديل، وما ذاك إلا أن الله استحفظهم كتبها ومراجعها، وضمن حفظ شريعتنا بنفسه، فقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، تكفل الله بحفظ هذه الشريعة أن يدخلها شيء من الزيادة والتغيير، وأما الشرائع التي قبلها فقد وكل حفظها إلى أولئك الحملة كما في قوله تعالى: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [المائدة:44]، فجعلهم وكلاء على حفظه ولم يتكفل بحفظه، فكان ذلك سبباً في وقوع تلك التحاريف والتغييرات والتبديلات في الشرائع السماوية مما جعلها غير ملائمة وغير مناسبة.

كمال دين الإسلام ووجوب اتباعه

وبعد أن بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكمل الله له هذا الدين أصبح الدين السماوي الذي لا يناسب ولا يلائم العباد سواه، وأصبح الدين الباقي.

وأما ما سواه من الأديان الباطلة المضلة، فقد نهى عنها دين الإسلام وحذر منها، فإن الإسلام جاء وهناك دين أهل الوثنية الذين يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، ويعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم عند الله، ويصرفون لها خالص حق الله، فلما جاء الإسلام نهاهم عنها نهياً صريحاً، وحذرهم عن التعلق بتلك الأوثان، وأمرهم أن يعبدوا الله وحده، فجاء الإسلام بإبطال ونسف عبادة ما سوى الله من نبي أو ولي أو صالح أو قبر أو حجر أو مدر أو صخرة أو شجرة أو بقعة، أو غير ذلك مما يعظم ويصرف له شيء من خالص حق الله، فهذا دين باطل، يعني: دين الوثنية، جاء الإسلام بنسفه وبالقضاء عليه.

وهناك أديان انتشرت في هذه الأزمنة، وكثر الذين يعتنقونها، مع كونها باطلة، فتجد هناك ديناً يتسمى أهله بالبوذيين، وهم على عقيدة رجل يسمى بوذا زينت له نفسه فابتدع واخترع أشياء ما أنزل الله بها من سلطان: في العقائد وفي الأعمال، ومع ذلك استمرت عقيدته وانتشرت منذ عدة قرون، ولا تزال تلك العقيدة الباطلة منتشرة، وهناك من يدين بها، ويقدسها ويعظم معلوماتها وما تضمنته!

وهناك ديانات منتشرة في كثير من البلاد كالهندوس ونحوهم الذين يعبدون أوثاناً أو معبودات سوى الله تعالى، فهؤلاء يدخلون في الوثنية.

وهناك أديان منحرفة زين الشيطان لأربابها أنهم على خير، فصاروا يدينون بها ليل نهار، كأنها مسلمة لكل عاقل كعقيدة القاديانيين السيئة المنتشرة في المشرق.

هذا من حيث الأديان الباطلة التي تخالف الإسلام كلياً.

انحراف بعض الفرق عن الإسلام

وهناك من ينتسب إلى الإسلام ولكن لم يتحقق به وصف الإسلام، ولا الحقيقة المطلوبة من دين الإسلام، وهؤلاء على خطأ وضلال، مع كثرتهم وكثرة من يدين بدياناتهم، والإسلام براء منهم، وهم بعيد عن تعاليم الإسلام، كالباطنية الذين يجعلون للأعمال باطناً غير ظاهرها، فللعبادات وللعقائد عندهم بواطن يعتقدون أنها هي المعنى الشرعي ويريدون أشياء غير هذه الظواهر، وهذه العقيدة الباطنية من أكفر الكفر وأضل الضلال؛ لأنهم يخالفون الشرع بتعاليمه وباعتقاداته، وقد بقي على معتقدهم كثير من الفئات لا تزال موجودة إلى اليوم، يدينون بتلك العقيدة السيئة كعقيدة الدروز الذين يوجدون في كثير من البلاد العربية المجاورة، وعقيدة النصيرية الذين يدينون بالعقيدة الباطنية السيئة.

ومثل هؤلاء ولو تسموا بأنهم مسلمون فإنهم ليسوا من المسلمين المطبقين لشعائر الإسلام، ولأجل ذلك نقول: إن الإسلام الحقيقي هو الاعتقاد بالله إلهاً ورباً وخالقاً، والديانة له بالعبادة كما فسره الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، حيث يقول: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله. فيبين رحمه الله أن المسلم حقاً هو المذعن المنقاد المتذلل، الذي متى علم بأن هذه الخصلة من الإسلام جاءنا بها واتبعها ولم يتخلف عنها، ومتى علم أن الإسلام حرم أو نهى عن هذه الخصلة ابتعد عنها، ودان لله تعالى بتركها، هذا هو المسلم حقاً.

ونحمد الله أن حفظ علينا شعائر ديننا، فجميع المحرمات أدلتها موجودة في الشريعة من الكتاب والسنة، وجميع العبادات والواجبات المشروعة أدلتها موجودة في الكتاب والسنة، فلسنا بحاجة إلى تحكيم العقول، ولا إلى أن نزن بأهوائنا ما يلقى إلينا، وما يسوغه لنا أولئك الأعداء الذين يجعلون أهواءهم هي الميزان الحق، فما وافق أهواءهم اتبعوه وشرعوه.

كمال الإسلام وحرمة الزيادة فيه

وإذا كان الإسلام قد تضمنته الشريعة، وأدلتها واضحة صحيحة، فليس للمسلم أن يدين بأي قربة أو طاعة إلا بعد أن يثبت له دليلها، وليس له أن يحرم أي خصلة إلا بعد أن يتحقق دليلها من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد تكفل الله سبحانه ببيان هذا الدين، وجعله كاملاً، فأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3].

وكماله: احتواؤه على كل خير، ونهيه عن كل شر، ولقد بين وكمل تعاليمه وتفسيره وإيضاح معانيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كلفه الله بأن يبين للناس هذا الدين، فقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، أي: لتوضح لهم بالأمثلة وبالإيضاح التام ما أجملت أحكامه في القرآن، فإذا بينه النبي عليه الصلاة والسلام بأفعاله كان هذا البيان من الله تعالى؛ لأنه وحي وتشريع.

فجاء هذا الإسلام -بحمد الله- بكل ما فيه خير ومصلحة، ونهى عن كل ما فيه شر ومضرة كما روي عن بعض العقلاء من الأعراب لما دخل في الإسلام لأول ما عرض عليه، فقال: إني تأملت ما جاء به محمد فرأيته ما أمر بشيء وقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عنه شيء وقال العقل: ليته أمر به. والمراد هنا: العقول السليمة والفطر المستقيمة، فإنها تشهد بحسن هذا الدين، وباحتوائه على كل خير، وتنزيهه عن كل شر، وتشهد بمطابقته وملاءمته للمصالح، واحتوائه على كل ما ينظم الحياة تنظيماً كاملاً صحيحاً، فكان ذلك هو السبب الذي اختاره الله لهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، ومن ظلمات الجهل والظلام إلى نور الحق والإيمان، فكان حقاً على عباد الله الذين هداهم الله وأقبل بقلوبهم إلى اعتناقه، وصدقوا الرسول الذي جاء به، يطبقوه أتم تطبيق، وأن يعملوا به، وأن يكونوا في العمل به عارفين بأهدافه ومقاصده، غير زائدين فيه ولا مضيفين إليه ما ليس منه، وغير مقصرين في شيء منه ولا مخلين وناقصين بشيء من تعاليمه.

فهناك من يدين الآن بدين النصارى، ولا شك أن دين المسيح كان ديناً سماوياً، ولكنه مؤقت، حيث إن المسيح ابن مريم عليه السلام كانت رسالته مؤقتة بنبوة وبإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي بشر به في قوله: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6].

وقد أخذ الله الميثاق عليه بل وعلى كل الأنبياء أن يتبعوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم متى بعث، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81]، قال ابن عباس : ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد وهم أحياء أن يتبعوه ويؤمنوا به وينصروه.

وثبت أيضاً أن دين موسى الذي يدين به أتباعه من اليهود سابقاً كان ديناً سماوياً اختاره الله وفضله في ذلك الوقت، ولكنه مؤقتٌ أيضاً ببدء إرسال هذا الرسول الكريم، فمنذ أن بعث وذلك الدين منسوخ، مع أن تلك الأديان التي هي دين اليهودية والنصرانية قد دخلها بعد أنبيائها الكثير من التحريف والتغيير والتبديل، وما ذاك إلا أن الله استحفظهم كتبها ومراجعها، وضمن حفظ شريعتنا بنفسه، فقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، تكفل الله بحفظ هذه الشريعة أن يدخلها شيء من الزيادة والتغيير، وأما الشرائع التي قبلها فقد وكل حفظها إلى أولئك الحملة كما في قوله تعالى: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [المائدة:44]، فجعلهم وكلاء على حفظه ولم يتكفل بحفظه، فكان ذلك سبباً في وقوع تلك التحاريف والتغييرات والتبديلات في الشرائع السماوية مما جعلها غير ملائمة وغير مناسبة.

وبعد أن بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكمل الله له هذا الدين أصبح الدين السماوي الذي لا يناسب ولا يلائم العباد سواه، وأصبح الدين الباقي.

وأما ما سواه من الأديان الباطلة المضلة، فقد نهى عنها دين الإسلام وحذر منها، فإن الإسلام جاء وهناك دين أهل الوثنية الذين يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، ويعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم عند الله، ويصرفون لها خالص حق الله، فلما جاء الإسلام نهاهم عنها نهياً صريحاً، وحذرهم عن التعلق بتلك الأوثان، وأمرهم أن يعبدوا الله وحده، فجاء الإسلام بإبطال ونسف عبادة ما سوى الله من نبي أو ولي أو صالح أو قبر أو حجر أو مدر أو صخرة أو شجرة أو بقعة، أو غير ذلك مما يعظم ويصرف له شيء من خالص حق الله، فهذا دين باطل، يعني: دين الوثنية، جاء الإسلام بنسفه وبالقضاء عليه.

وهناك أديان انتشرت في هذه الأزمنة، وكثر الذين يعتنقونها، مع كونها باطلة، فتجد هناك ديناً يتسمى أهله بالبوذيين، وهم على عقيدة رجل يسمى بوذا زينت له نفسه فابتدع واخترع أشياء ما أنزل الله بها من سلطان: في العقائد وفي الأعمال، ومع ذلك استمرت عقيدته وانتشرت منذ عدة قرون، ولا تزال تلك العقيدة الباطلة منتشرة، وهناك من يدين بها، ويقدسها ويعظم معلوماتها وما تضمنته!

وهناك ديانات منتشرة في كثير من البلاد كالهندوس ونحوهم الذين يعبدون أوثاناً أو معبودات سوى الله تعالى، فهؤلاء يدخلون في الوثنية.

وهناك أديان منحرفة زين الشيطان لأربابها أنهم على خير، فصاروا يدينون بها ليل نهار، كأنها مسلمة لكل عاقل كعقيدة القاديانيين السيئة المنتشرة في المشرق.

هذا من حيث الأديان الباطلة التي تخالف الإسلام كلياً.

وهناك من ينتسب إلى الإسلام ولكن لم يتحقق به وصف الإسلام، ولا الحقيقة المطلوبة من دين الإسلام، وهؤلاء على خطأ وضلال، مع كثرتهم وكثرة من يدين بدياناتهم، والإسلام براء منهم، وهم بعيد عن تعاليم الإسلام، كالباطنية الذين يجعلون للأعمال باطناً غير ظاهرها، فللعبادات وللعقائد عندهم بواطن يعتقدون أنها هي المعنى الشرعي ويريدون أشياء غير هذه الظواهر، وهذه العقيدة الباطنية من أكفر الكفر وأضل الضلال؛ لأنهم يخالفون الشرع بتعاليمه وباعتقاداته، وقد بقي على معتقدهم كثير من الفئات لا تزال موجودة إلى اليوم، يدينون بتلك العقيدة السيئة كعقيدة الدروز الذين يوجدون في كثير من البلاد العربية المجاورة، وعقيدة النصيرية الذين يدينون بالعقيدة الباطنية السيئة.

ومثل هؤلاء ولو تسموا بأنهم مسلمون فإنهم ليسوا من المسلمين المطبقين لشعائر الإسلام، ولأجل ذلك نقول: إن الإسلام الحقيقي هو الاعتقاد بالله إلهاً ورباً وخالقاً، والديانة له بالعبادة كما فسره الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، حيث يقول: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله. فيبين رحمه الله أن المسلم حقاً هو المذعن المنقاد المتذلل، الذي متى علم بأن هذه الخصلة من الإسلام جاءنا بها واتبعها ولم يتخلف عنها، ومتى علم أن الإسلام حرم أو نهى عن هذه الخصلة ابتعد عنها، ودان لله تعالى بتركها، هذا هو المسلم حقاً.

ونحمد الله أن حفظ علينا شعائر ديننا، فجميع المحرمات أدلتها موجودة في الشريعة من الكتاب والسنة، وجميع العبادات والواجبات المشروعة أدلتها موجودة في الكتاب والسنة، فلسنا بحاجة إلى تحكيم العقول، ولا إلى أن نزن بأهوائنا ما يلقى إلينا، وما يسوغه لنا أولئك الأعداء الذين يجعلون أهواءهم هي الميزان الحق، فما وافق أهواءهم اتبعوه وشرعوه.

وإذا كان الإسلام قد تضمنته الشريعة، وأدلتها واضحة صحيحة، فليس للمسلم أن يدين بأي قربة أو طاعة إلا بعد أن يثبت له دليلها، وليس له أن يحرم أي خصلة إلا بعد أن يتحقق دليلها من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد تكفل الله سبحانه ببيان هذا الدين، وجعله كاملاً، فأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3].

وكماله: احتواؤه على كل خير، ونهيه عن كل شر، ولقد بين وكمل تعاليمه وتفسيره وإيضاح معانيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كلفه الله بأن يبين للناس هذا الدين، فقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، أي: لتوضح لهم بالأمثلة وبالإيضاح التام ما أجملت أحكامه في القرآن، فإذا بينه النبي عليه الصلاة والسلام بأفعاله كان هذا البيان من الله تعالى؛ لأنه وحي وتشريع.

فجاء هذا الإسلام -بحمد الله- بكل ما فيه خير ومصلحة، ونهى عن كل ما فيه شر ومضرة كما روي عن بعض العقلاء من الأعراب لما دخل في الإسلام لأول ما عرض عليه، فقال: إني تأملت ما جاء به محمد فرأيته ما أمر بشيء وقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عنه شيء وقال العقل: ليته أمر به. والمراد هنا: العقول السليمة والفطر المستقيمة، فإنها تشهد بحسن هذا الدين، وباحتوائه على كل خير، وتنزيهه عن كل شر، وتشهد بمطابقته وملاءمته للمصالح، واحتوائه على كل ما ينظم الحياة تنظيماً كاملاً صحيحاً، فكان ذلك هو السبب الذي اختاره الله لهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، ومن ظلمات الجهل والظلام إلى نور الحق والإيمان، فكان حقاً على عباد الله الذين هداهم الله وأقبل بقلوبهم إلى اعتناقه، وصدقوا الرسول الذي جاء به، يطبقوه أتم تطبيق، وأن يعملوا به، وأن يكونوا في العمل به عارفين بأهدافه ومقاصده، غير زائدين فيه ولا مضيفين إليه ما ليس منه، وغير مقصرين في شيء منه ولا مخلين وناقصين بشيء من تعاليمه.

هذا معنى كون دين الإسلام وسطاً بين الأديان، فإنه وسط بين الأديان السابقة، وعقيدته السلفية وسط بين العقائد، وعباداته وقرباته أداؤها وسط بين الإفراط وبين التفريط، فلما علم الله أن بعضاً من أهل تلك الأديان قد غلوا وزادوا وتجاوزوا الحد، وأن البعض منهم قصروا وجفوا، جاء الإسلام في موضع متوسط لا إفراط ولا تفريط.

ولنأتي على ذلك بأمثلة في الأديان وفي العقائد وفي الأعمال؛ حتى يعرف بذلك كون دين الإسلام وسطاً، لا إفراط فيه ولا تفريط.

وسطية الإسلام في عيسى بن مريم

فمثلاً: من كان قبلنا من الأمم منهم من غلا ومنهم من جفا، فجاء الله بالإسلام فجعله بين هؤلاء وهؤلاء، فاليهود يعتقدون في عيسى أنه: ولد بغي، وأن أمه زانية، حيث رموها بالبهتان كما قال تعالى: وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [النساء:156].

وجاءت النصارى فغلوا فيه ورفعوه عن مكانه، وأعطوه ما لا يستحقه، فحكى الله عنهم أنهم قالوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17] ، وحكى عنهم أنهم قالوا: وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30] وكذلك كفر من يقول إن الله ثالث ثلاثة -يعني: الله وعيسى وأمه- كما في قوله: أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116].

فجاء دين الإسلام فتوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فلا إفراط فيه حيث رد على الذين زادوا وقالوا: هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، ولا تفريط فيه حيث رد على الذين قالوا: إن المسيح ابن بغي، بل شهد بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وجعلوه رسولاً كسائر الرسل، كما في قول الله تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75]، فشهد له بأنه رسول، وحكى كلامه في قوله: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصف:6]، فهو رسول كسائر الرسل، وهذا هو القول الوسط، فلا إفراط ولا تفريط.

وسطية الإسلام في الطلاق

وهكذا أيضاً في الأعمال، فدين اليهود ودين النصارى بينهما تفاوت، ففي بعض الأديان الإفراط، وفي بعضها التفريط.

ومن أمثلة ذلك: أن اليهود يرون الطلاق ولا يرون الرجعة، فمن طلق زوجته فلا رجعة له عليها، وأن النصارى يرون أن لا طلاق، فمتى عقد للإنسان فلا طلاق ولا يحق له الطلاق، فجاء الإسلام فتوسط وجعل للإنسان أن يطلق متى شاء، وأن يراجع بعد الطلقة الأولى وبعد الثانية؛ وذلك لأن الإنسان قد يستعجل في أمر له فيه أناة فيتلافى ذلك بعد حين، فتوسط الإسلام بين هؤلاء وهؤلاء.

وسطية الإسلام في القصاص

وكذلك فإن اليهود يرون أن القصاص حتماً، وليس هناك مجال للعفو، والنصارى يرون العفو حتماً، فجاء الإسلام بتخيير ولي المقتول بين القصاص، وبين العفو وأخذ الدية، أو العفو مطلقاً، فصار متوسطاً، لا إلزاماً بالعفو، ولا إلزاماً بالقصص، بل متوسط بينهما.

وسطية الإسلام في المجازاة

وهكذا توسطه أيضاً في المجازاة ونحوها، فالله سبحانه وتعالى أباح لنا المجازاة على الأعمال بمثلها في قوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، فأباح للإنسان أن يعاقب من اعتدى عليه كما في قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، أي: بالمثل فقط لا بالزيادة، ولكنه فضل الصبر بقوله: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126].

أما دين النصارى فيأمرهم بأن يعفو، وأن لا ينتصروا وأن لا ينتقموا لأنفسهم أبداً، ودين اليهود يحكم عليهم بالاستيفاء والقصاص، فالإسلام جاء بهذا الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.

فمثلاً: من كان قبلنا من الأمم منهم من غلا ومنهم من جفا، فجاء الله بالإسلام فجعله بين هؤلاء وهؤلاء، فاليهود يعتقدون في عيسى أنه: ولد بغي، وأن أمه زانية، حيث رموها بالبهتان كما قال تعالى: وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [النساء:156].

وجاءت النصارى فغلوا فيه ورفعوه عن مكانه، وأعطوه ما لا يستحقه، فحكى الله عنهم أنهم قالوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17] ، وحكى عنهم أنهم قالوا: وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30] وكذلك كفر من يقول إن الله ثالث ثلاثة -يعني: الله وعيسى وأمه- كما في قوله: أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116].

فجاء دين الإسلام فتوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فلا إفراط فيه حيث رد على الذين زادوا وقالوا: هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، ولا تفريط فيه حيث رد على الذين قالوا: إن المسيح ابن بغي، بل شهد بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وجعلوه رسولاً كسائر الرسل، كما في قول الله تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75]، فشهد له بأنه رسول، وحكى كلامه في قوله: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصف:6]، فهو رسول كسائر الرسل، وهذا هو القول الوسط، فلا إفراط ولا تفريط.

وهكذا أيضاً في الأعمال، فدين اليهود ودين النصارى بينهما تفاوت، ففي بعض الأديان الإفراط، وفي بعضها التفريط.

ومن أمثلة ذلك: أن اليهود يرون الطلاق ولا يرون الرجعة، فمن طلق زوجته فلا رجعة له عليها، وأن النصارى يرون أن لا طلاق، فمتى عقد للإنسان فلا طلاق ولا يحق له الطلاق، فجاء الإسلام فتوسط وجعل للإنسان أن يطلق متى شاء، وأن يراجع بعد الطلقة الأولى وبعد الثانية؛ وذلك لأن الإنسان قد يستعجل في أمر له فيه أناة فيتلافى ذلك بعد حين، فتوسط الإسلام بين هؤلاء وهؤلاء.