خطب ومحاضرات
ولكن في التحريش بينهم
الحلقة مفرغة
الحمد الله مستحق الحمد وأهله، وأهل التقوى وأهل المغفرة، وصلوات الله وسلامه على خاتم رسله وأنبيائه، نبينا وسيدنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار، وصلى الله وبارك ورضي عن أصحابه الطيبين الأطهار، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم القرار.
أما بعد:
سلام الله تعالى عليكم ورحمته وبركاته، إنها لحظاتٌ سعيدة أن ألتقي بكم، وأحل في مدينتكم هذه المدينة الطيبة، وأرى وجوهكم هذه الوجوه المشرقة، وأسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يغفر لي ولكم في هذه اللحظة، ما قدمنا وما أخرنا، وما أعلنا وما هو أعلم به منا.
أما بعد:
فكما سمعتم عنوان هذا الكلمة: (ولكن في التحريش بينهم) وهذا العنوان -كما تدركون جميعاً- جزءٌ من لفظٍ نبويٍ كريم، وهو خير ما عنونت به الدروس والمحاضرات، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: فيما رواه مسلم في صحيحه: {إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم} أي: أن الشيطان رضي من المسلمين في هذه الجزيرة بالخلافات والعداوات والأحقاد في قلوبهم، رضي بذلك واكتفى به؛ لأنه يئس أن يعبدوه.
أقوال أهل العلم في يأس الشيطان من جزيرة العرب
وقال آخرون: بل يئس الشيطان يوم رأى عز الإسلام، ورأى قوة الدين، وشاهد إقبال الناس على الحق، وإعراضهم عن الباطل، فأصابه من جراء ذلك إعراضٌ وقنوطٌ ويأس؛ ولكنه بعد ذلك يعود إلى قلبه الأمل، وتراوده الأماني والأحلام، أن يوجد من يعبده في هذه الجزيرة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر وهو في الصحيح أيضاً: {لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة } وهو صنم كانت تعبده قبيلة دوس في الجاهلية، وهذه القبيلة في الطائف، وقد رأينا اليوم في هذه البلاد وفي غيرها، من رفعوا رءوسهم في إحياء شعائر الجاهلية الأولى، مصداقاً لما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم فقد عاد الأمل إلى الشيطان أن يعبده الناس في هذه الجزيرة وفي غيرها، وكل هذه الاحتمالات وغيرها، تتفق على أنه سيوجد في هذه الأمة، وفي هذه الجزيرة بالذات، وفي غيرها من باب أولى؛ من ينساق وراء نـزغات الشيطان، ويقع حتى في لونٍ من ألوان العبادة له: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61].
الناس في الإسلام سواء
الإسلام لا يعبأ بالحدود الإقليمية، ولا يكترث للحواجز الجغرافية، ولا يقيم وزنًا للفواصل العرقية، لأن الرابطة الوحيدة عنده رابطة الإيمان والتقوى، والوحدة الإسلامية، ليس هذا من الزاوية والناحية النظرية فحسب، فإننا نجد أن الأديان والمذاهب والنظريات كلها أو جلها، تقول نظرياً أنها لا تفرق بين الناس.
فـالنصرانية مثلاً تقول: إنه لا فرق عندها بين لونٍ ولون، وجنس وجنس، والميزان عندها هو القرب من الخير والحق والعدل والسلام!!
والشيوعيةأيضاً تقول: إنها قامت لتحطيم كل الفروق والحواجز بين الناس، وإقامة الأخوة البشرية بينهم، وإزالة ألوان التفرقة، بما في ذلك التفرقة في المستوى المالي أو غيره!!
ومثل ذلك الماسونية، فهي تزعم وتدَّعي أنها تقوم على الأخوة والعدل والمساواة! وهكذا، فالشعارات وحدها لا تكفي، والكلمات وحدها لا تغني، أما الإسلام فقد رفعه شعاراً، أنه لا فرق بين عربي وأعجمي، وأبيض وأسود، وغني وفقير، ومأمور وأمير، وقريب وبعيد إلا بالتقوى، ثم طبق ذلك عملياً، فكان المجتمع الإسلامي الأول نسيجاً متلاحماً متكاملاً منسجماً من أجناسٍ مختلفة، في انتماءاتها القبلية، وفي بلدانها ودولها ومدنها، ومختلفةً في ألوانها وأشكالها؛ ولكنها امتزجت كلها في لحمةٍ واحدة، وهي لحمة الإيمان والتقوى والعمل الصالح، وساهمت في هذا المجتمع الإسلامي العظيم.
ولقد ضرب عمر رضي الله عنه أروع الأمثلة في ذلك، حيث كان يقول: [[والله لو كان
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يولي عليهم في الغزوات والسرايا والبعوث، أحياناً أبا بكر، وأحياناً زيد بن حارثة، وأحياناً أسامة بن زيد وهو ابن مولى، فيوليه وهو مولى على وجوه الصحابة، من رجالات قريش وكبرائها، ووجهائها وأعيانها، أو من رجالات الأوس والخزرج في المدينة النبوية الشريفة.
لقد حطم الإسلام أبَّهة العربي وكبرياءه، وفخره بقبيلته؛ إذ أن جدارة الإنسان لا تكتسب بالوراثة أو باللون أو بالبلد، إنما تنال بالأعمال الجليلة، والمواهب النبيلة، والطاقات الموجودة في الإنسان، أو الإنجازات التي تمت على يديه، وأيُّ فضلٍ لعربي ما حقق لنفسه ولا لدينه تقدماً.
لون من التحريش بينهم
وإذا كان العالم اليوم يعاني مما يسميه بالتفرقة العنصرية، فإن الأمر المدهش حقاً، أن ورثة الكتاب من أهل الإسلام، لم يتخلصوا بعد من لوثات الجاهلية الأولى، فأصبح الناس يتفاخرون داخل المجتمعات الإسلامية، أو يتميزون، ويتحيزون بحسب انتماءاتهم، أو أعراقهم أو أنسابهم، بل حتى داخل المجتمعات المثقفة، بل حتى في مراكز العلم والدعوة والجهاد، بل أصبح العالم اليوم يتحدث عن حروبٍ طاحنة، يعتبر الانتماء القبلي أحد أسبابها في نظر البعض، وهذا أحد ألوان التحريش الشيطاني، الذي يمارسه على المصلين في جزيرة العرب وفي غيرها.
فلقد نجح الشيطان وجنوده من أبناء الصليب وغيرهم، في تقسيم الأمة الواحدة إلى شعوبٍ متطاحنة، يكره بعضها بعضاً، ويلعن بعضها بعضاً، ويحارب بعضها بعضاً، ويحاصر بعضها بعضاً وينصر بعضها أعداءها ضد البعض الآخر.
لقد قدم النصارى لنا -أعني المسلمين- قدموا لنا أنفسهم على أنهم الصديق الحميم للجميع، بأساليب مختلفة، وبإخراجٍ دقيقٍ عجيب، فـالنصارى يظهرون أنفسهم متحالفين مع الحكومات -كل الحكومات- ضد الشعوب الثائرة لإنسانيتها، الغاضبة لكرامتها، ويظهر النصارى أنفسهم أنصاراً للشعوب ضد حكامها المستبدين، ويظهرون أنفسهم ثائرين وقائمين وغاضبين للمصابين بالنكبات والكوارث، من الفقر والجوع والمرض من خلال منظمات الصليب، التي ندفع نحن مئات الملايين من ميزانياتها، فهم مع الجميع ضد الجميع، وفي النهاية أصبح المسلم يمنح النصراني ثقةً كبيرة، ويفضله على أخيه في الإسلام، وأخيه في العروبة وجاره في الدار والقرار.
وقد يتساءل الكثيرون: كيف يكون هذا؟ مع أننا نعلم أنه حدث ويحدث في هذه الجزيرة، بل وفي بلاد الإسلام كلها أن هناك من أطاع الشيطان، وعبده، أو أطاعه فيما دون ذلك، فمن أهل العلم من قال: إن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص المصلين، أي: "يئس أن يعبده المصلون" أما أولئك الذين أطاعوه وعبدوه فهم من الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى، ومن الذين فارقوا الشريعة وتركوا الملة، وخرجوا من الدين، وأصبحوا من غير المسلمين ومن غير المصلين، وهذا دليل على عظم شأن الصلاة.
وقال آخرون: بل يئس الشيطان يوم رأى عز الإسلام، ورأى قوة الدين، وشاهد إقبال الناس على الحق، وإعراضهم عن الباطل، فأصابه من جراء ذلك إعراضٌ وقنوطٌ ويأس؛ ولكنه بعد ذلك يعود إلى قلبه الأمل، وتراوده الأماني والأحلام، أن يوجد من يعبده في هذه الجزيرة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر وهو في الصحيح أيضاً: {لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة } وهو صنم كانت تعبده قبيلة دوس في الجاهلية، وهذه القبيلة في الطائف، وقد رأينا اليوم في هذه البلاد وفي غيرها، من رفعوا رءوسهم في إحياء شعائر الجاهلية الأولى، مصداقاً لما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم فقد عاد الأمل إلى الشيطان أن يعبده الناس في هذه الجزيرة وفي غيرها، وكل هذه الاحتمالات وغيرها، تتفق على أنه سيوجد في هذه الأمة، وفي هذه الجزيرة بالذات، وفي غيرها من باب أولى؛ من ينساق وراء نـزغات الشيطان، ويقع حتى في لونٍ من ألوان العبادة له: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61].
الإسلام لا يعبأ بالحدود الإقليمية، ولا يكترث للحواجز الجغرافية، ولا يقيم وزنًا للفواصل العرقية، لأن الرابطة الوحيدة عنده رابطة الإيمان والتقوى، والوحدة الإسلامية، ليس هذا من الزاوية والناحية النظرية فحسب، فإننا نجد أن الأديان والمذاهب والنظريات كلها أو جلها، تقول نظرياً أنها لا تفرق بين الناس.
فـالنصرانية مثلاً تقول: إنه لا فرق عندها بين لونٍ ولون، وجنس وجنس، والميزان عندها هو القرب من الخير والحق والعدل والسلام!!
والشيوعيةأيضاً تقول: إنها قامت لتحطيم كل الفروق والحواجز بين الناس، وإقامة الأخوة البشرية بينهم، وإزالة ألوان التفرقة، بما في ذلك التفرقة في المستوى المالي أو غيره!!
ومثل ذلك الماسونية، فهي تزعم وتدَّعي أنها تقوم على الأخوة والعدل والمساواة! وهكذا، فالشعارات وحدها لا تكفي، والكلمات وحدها لا تغني، أما الإسلام فقد رفعه شعاراً، أنه لا فرق بين عربي وأعجمي، وأبيض وأسود، وغني وفقير، ومأمور وأمير، وقريب وبعيد إلا بالتقوى، ثم طبق ذلك عملياً، فكان المجتمع الإسلامي الأول نسيجاً متلاحماً متكاملاً منسجماً من أجناسٍ مختلفة، في انتماءاتها القبلية، وفي بلدانها ودولها ومدنها، ومختلفةً في ألوانها وأشكالها؛ ولكنها امتزجت كلها في لحمةٍ واحدة، وهي لحمة الإيمان والتقوى والعمل الصالح، وساهمت في هذا المجتمع الإسلامي العظيم.
ولقد ضرب عمر رضي الله عنه أروع الأمثلة في ذلك، حيث كان يقول: [[والله لو كان
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يولي عليهم في الغزوات والسرايا والبعوث، أحياناً أبا بكر، وأحياناً زيد بن حارثة، وأحياناً أسامة بن زيد وهو ابن مولى، فيوليه وهو مولى على وجوه الصحابة، من رجالات قريش وكبرائها، ووجهائها وأعيانها، أو من رجالات الأوس والخزرج في المدينة النبوية الشريفة.
لقد حطم الإسلام أبَّهة العربي وكبرياءه، وفخره بقبيلته؛ إذ أن جدارة الإنسان لا تكتسب بالوراثة أو باللون أو بالبلد، إنما تنال بالأعمال الجليلة، والمواهب النبيلة، والطاقات الموجودة في الإنسان، أو الإنجازات التي تمت على يديه، وأيُّ فضلٍ لعربي ما حقق لنفسه ولا لدينه تقدماً.
وإذا كان العالم اليوم يعاني مما يسميه بالتفرقة العنصرية، فإن الأمر المدهش حقاً، أن ورثة الكتاب من أهل الإسلام، لم يتخلصوا بعد من لوثات الجاهلية الأولى، فأصبح الناس يتفاخرون داخل المجتمعات الإسلامية، أو يتميزون، ويتحيزون بحسب انتماءاتهم، أو أعراقهم أو أنسابهم، بل حتى داخل المجتمعات المثقفة، بل حتى في مراكز العلم والدعوة والجهاد، بل أصبح العالم اليوم يتحدث عن حروبٍ طاحنة، يعتبر الانتماء القبلي أحد أسبابها في نظر البعض، وهذا أحد ألوان التحريش الشيطاني، الذي يمارسه على المصلين في جزيرة العرب وفي غيرها.
فلقد نجح الشيطان وجنوده من أبناء الصليب وغيرهم، في تقسيم الأمة الواحدة إلى شعوبٍ متطاحنة، يكره بعضها بعضاً، ويلعن بعضها بعضاً، ويحارب بعضها بعضاً، ويحاصر بعضها بعضاً وينصر بعضها أعداءها ضد البعض الآخر.
لقد قدم النصارى لنا -أعني المسلمين- قدموا لنا أنفسهم على أنهم الصديق الحميم للجميع، بأساليب مختلفة، وبإخراجٍ دقيقٍ عجيب، فـالنصارى يظهرون أنفسهم متحالفين مع الحكومات -كل الحكومات- ضد الشعوب الثائرة لإنسانيتها، الغاضبة لكرامتها، ويظهر النصارى أنفسهم أنصاراً للشعوب ضد حكامها المستبدين، ويظهرون أنفسهم ثائرين وقائمين وغاضبين للمصابين بالنكبات والكوارث، من الفقر والجوع والمرض من خلال منظمات الصليب، التي ندفع نحن مئات الملايين من ميزانياتها، فهم مع الجميع ضد الجميع، وفي النهاية أصبح المسلم يمنح النصراني ثقةً كبيرة، ويفضله على أخيه في الإسلام، وأخيه في العروبة وجاره في الدار والقرار.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5157 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |