ديوان الإفتاء [330]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، السراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة، حسب المواعيد التي توضع عليها من قبل إدارة البرامج في الإذاعة والقناة؛ لأن صلاة العشاء قد صارت في وقت متأخر، فمن أجل أن نعطي الناس فرصة ليصلوا، ويؤدوا الباقيات الصالحات، ويركعوا ركعتي السنة، سيكون موعد هذا البرنامج ابتداء من هذه الليلة إن شاء الله في التاسعة والنصف، ويستمر إلى العاشرة والنصف، يعني: بدلاً من التاسعة سيكون في التاسعة والنصف، والله الموفق والمستعان.

وهكذا الفصول تتعاقب، والأوقات تختلف، والعاقل هو من يتعظ بتعاقب الليل والنهار، فيحدث لله توبة, ويجدد مع الله عهداً، ويستكثر من العمل الصالح؛ كما قال سبحانه: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:61-62].

والليل في الصيف قصير أمده، والنهار طويل وقته، والعاقل هو من يعمر ليله ونهاره بطاعة ربه جل جلاله، حتى إذا أتاه اليقين أتاه وهو على خير حال من استقامة وسداد، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى.

واسمحوا لي في هذه الحلقة أن أبدأ على غير العادة بالأسئلة التي وردت عبر الرسائل؛ لأنهم في كل مرة يظلمون، ويجاب على أسئلتهم بنوع من الاختصار والاختزال، وهم جديرون بأن يهتم بهم.

السؤال: هل يجوز صلاة ركعتين قبل المغرب؟

الجواب: أما بعد الأذان فنعم وهي سنة؛ لأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال: لمن شاء )، فمن السنة بعد الأذان أن يركع الإنسان ركعتين، وأيضاً من السنة أن تترك حيناً لئلا يعتقد وجوبها.

وأما قبل الأذان فلا؛ لأن هذا وقت منهي عن الصلاة فيه، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة حين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب.

السؤال: إذا استخرت في أمر زواج، هل الإنسان يمكن أن يخالف أمر الله فيها؟

الجواب: أما أمر الله الكوني القدري فلا سبيل إلى مخالفته؛ لأنه سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له: كن فيكون، وقد قال سبحانه: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، وقال: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الإنسان:30].

فالاستخارة إنما حقيقتها، أن الإنسان يؤديها ثم بعد ذلك يشرع في الأمر فإذا تسهل وتيسر فالحمد لله، وإلا فهذه نتيجة الاستخارة.

السؤال: حلفت بالمصحف كذباً، أفيدوني ما هي الكفارة؟

الجواب: الكفارة التوبة؛ لأن هذه يمين غموس، غمست صاحبها في الإثم، وغمسته في نار جهنم إن لم يتداركه الله بتوبة، وقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمين الغموس من كبائر الذنوب، ولذلك نقول: هذه اليمين أعظم من أن تكفر بإطعام أو كسوة أو صيام، ولا سبيل إلى التكفير عنها إلا بتوبة نصوح، وإن كان قد ترتب على يمينك هذه أخذ حق، فالواجب عليك أن ترده إلى أهله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ).

السؤال: تقول الأخت: في دعاء الاستغفار أقول: وأنا أمتك، فهل هذا جائز أم أقول: عبدك كما ورد؟

الجواب: ما تفعلينه هو الصواب وهو الصحيح، فحبذا لو أنك واظبت على هذه الكلمة، وقولي: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا أمتك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت, أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ).

وكذلك في دعاء تفريج الهم: اللهم إني أمتك بنت عبدك بنت أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، إلى آخر الدعاء المأثور.

السؤال: هل اسم (مؤيد) من أسماء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: أما ما ثبت في الصحيح فهو قوله: ( أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي محا الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على إثري، وأنا العاقب فلا نبي بعدي )، فهذه أسماؤه الثابتة في الصحيح، وبعد ذلك هناك أسماء أخذها الناس من المعاني, أو من الأفعال، كقولهم: نبي الرحمة، ونبي الملحمة، وكقولهم: مقفى، ومؤيد، ومصطفى، ومجتبى وغير ذلك وكلها معان صحيحة.

وبعضها ليست كذلك كما أن بعضهم ذكر من أسمائه اللبنة، تأولاً للحديث الذي قال فيه: ( مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل ابتنى داراً فأحسن بناءها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون بها، ويعجبون من بنائها ويقولون: لولا هذه اللبنة، قال صلى الله عليه وسلم: فأنا تلك اللبنة )، ولا يمكن أن نقول: إن اللبنة من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا المعنى مجازي، فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يبين أن الله عز وجل قد أتم به الدين، وكمل به بنيانه، ولا يحتاج الناس بعده إلى نبي غيره صلوات ربي وسلامه عليه.

السؤال: صديقتي خسرتها، فصارت تكيد لي حتى نالت من عرضي، أفيدوني؟

الجواب: نقول لها قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38]، وأقول لك: يا أمة الله! اعلمي بأن الله عز وجل جعل الناس بعضهم لبعض فتنة، ليبتلينا من يصبر ومن يجزع، فأنت قد ابتليت بهذه الصديقة التي لا تتقي الله فيك، فهي إن عصت الله فيك فأطيعي الله فيها، وهي أساءت فأنت أحسني، وهي أغلظت فأنت ترفقي، وعاملي الله عز وجل فيها، وكما قال سبحانه: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [المؤمنون:96]، وقال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].

والحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما هذا الرجل المبارك جاءه إنسان فاغلظ عليه وسبه سباً قبيحاً، فقال له الحسن : يا أخي! إن كنت كما قلت فغفر الله لي، وإن لم أكن كما قلت فغفر الله لك، فانفجر الرجل باكياً، وقال: هذه أخلاق النبوة. فــــالحسن رضي الله عنه استلب قلب هذا الرجل، وحوله من عدو لئيم إلى صديق حميم بهذه الكلمات الطيبات.

وبعض الصالحين لما أغلظ له بعض الناس في القول قال له: يا هذا! اجعل للصلح موضعاً، يعني: أن الإنسان منا أحياناً قد يخالف الآخر، فيقول فيه ما ليس فيه، ويتكلم عنه بما لا يليق، ويقطع كل حبل للمودة، ولعله بعد حين يندم, ويبدأ يبحث عن سبيل للصلح، لكن كما قال الأول:

إن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يجبر

فبدلاً من ذلك يفعل الإنسان كما جاء في الحديث: ( أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما, وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ), بمعنى: أن الإنسان لا يغالي في حبه ولا في بغضه، وخير الأمور أوساطها, والله المستعان.

السؤال: يقول: سرقت أموالاً ثم تبت، هل يجوز إرجاعها إلى أصحابها بدون علمهم؟

الجواب: نعم، أرجع إليهم أموالهم ولا تفضحن نفسك، وأسأل الله عز وجل أن يديم علي وعليك نعمته وعافيته وستره في الدنيا والآخرة، وعجل بذلك يا عبد الله ولا تسوف.

السؤال: ما حكم الانتماء إلى الطرق الصوفية؟

الجواب: قال تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ [الحج:78]، فالله جل جلاله سمانا المسلمين ولم يسمنا صوفيين، ولا سمانا سلفيين، ولا سمانا غير ذلك من الأسماء التي يتسمى بها الناس، ولو أن الإنسان انتمى إلى جماعة من المسلمين ليتعاون معهم على البر والتقوى، ويحيي السنة، ويتبع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو على خير، شريطة أن يكون تعصبه للإسلام لا للطائفة أو الجماعة.

أما من انتمى إلى بعض الجماعات أو بعض الطرق ممن تلبس بالبدع العقدية أو البدع العملية فهو على خطر عظيم، وقد جاء في الحديث: ( إن الله تعالى قد احتجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ).

وعلى جميع المسلمين أن يعولوا على الكتاب والسنة، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، ودعوكم من بنيات الطريق، فإن الله عز وجل قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وقد دلنا عليه الصلاة والسلام على خير ما يعلمه لنا، وحذرنا من شر ما يعلمه لنا، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك: كتاب الله وسنته عليه الصلاة والسلام فلنعتصم بهما.

وأسأل الله عز وجل أن يحيينا مسلمين، وأن يتوفانا مسلمين, وأن يستعملنا صالحين.

وبقي أن نلتفت إلى أصحاب الهواتف.

المتصل: عندي سؤال واحد يا دكتور: امرأة أنجبت سفاحاً بدون رباط شرعي، هذا الطفل تعرض لحادث حركة، هل يعتبر والده وارثاً؟

الشيخ: سأجيبك إن شاء الله.

المتصل: عندي سؤالان:

السؤال الأول: لم أقض ما أفطرت في رمضان إلا بعد سنين.

السؤال الثاني: إذا صلى الإنسان اثنتي عشرة ركعة في اليوم بني له قصر في الجنة، هل الاثنتا عشرة ركعة هي أربع قبل الظهر وثنتان بعدها، ويقال: وثنتان بعد المغرب، هل هي سنة المغرب أو غير سنة المغرب؟ وأيضاً الركعتان قبل الصبح هل هي الرغيبة وإلا غير الرغيبة؟

الشيخ: تسمع الجواب إن شاء الله.

المتصل: نحن لما عرفنا زكاة الذهب بعد الخمسة والثمانين جراماً زكيناه، لكن أريد أن أعرف هل هو في كل سنة وإلا مرة واحدة؟

الشيخ: سأجيبك إن شاء الله.

المتصل: عندي بما يسر الله سبحانه وتعالى لي قليل من العلم الشرعي أبلغه من باب: (بلغوا عني ولو آية) , وقبل يومين اتصل علي أحد الأشخاص ولا أعرفه بحكم أن رقمي مشاع، وقال: معك فلان الفلاني من الجنينة غرب دارفور, حلة الأحباب والشرفاء، أنت قبلت، ظهر لنا رقمك أنت من ستة وعشرين شيخاً, ونحن نقوم الليل ظهر لنا رقمك ثلاث مرات، وأردنا أن نبشر صاحب الرقم.

كان صوته مخيفاً، وجهورياً، يعني: أن رهبة الصوت ما جعلتني أتبين الكلام من أين أخذ الرقم؟ فقلت: عفواً من معي؟ فكرر اسمه والمكان الذي هو فيه، ثم قلت: عفواً يا شيخ! من أعطاك رقمي، قال: ظهر لنا رقمك في الليل.

فألهمني الله سبحانه وتعالى أن هذه من الخزعبلات، وقال لي: ادخلي النت واتصلي علينا وستجدين خيراً كثيراً، وستجدين أنك قد قبلتي وستجدين حلول البركة عليك، ثم قفلت الخط، ولم يلق في روعي أن أتصل عليهم مطلقاً، رغم ما انتابتني من الهيبة.

لكن الآن يا شيخ سؤالي نريد من فضيلتكم جزاكم الله خيراً أن تبينوا: ألا يلتفت الناس لمثل هذه الخزعبلات، ولعلها من تلبيس إبليس على الناس، جزاكم الله خيراً، وزادكم الله علماً نافعاً؟

الشيخ: سأجيبك إن شاء الله.

المتصل: عندي سؤالان:

السؤال الأول: أنا أسافر يومياً من الخرطوم إلى الجنينة, وأقصر العصر دائماً، والمسافة تسعون أو خمسة وثمانون كيلو متراً, فما صحة ذلك؟

السؤال الثاني: الأحاديث التي وردت في أن الصدقة تطيل العمر، هل الزيادة حسية أو معنوية؟

الشيخ: سأجيبك إن شاء الله.

المتصل: أسأل عن الملك الذي يكون يوم الجمعة في بوابة المسجد، فقد يمد الواحد يده يصافح الداخل، مع المشاعر والأحاسيس، فكيف يصنع؟

السؤال: علي الشيخ من سنار: ذكر أن امرأة عياذاً بالله قد أنجبت سفاحاً، ثم إن هذا الطفل مات في حادث سيارة، فهل يرث أبوه من الدية، ويعني بذلك: أباه الطبيعي وليس أباه الشرعي؟

الجواب: لا يرث؛ لأن أسباب الإرث إنما هي: نكاح، وولاء، ونسب، وليس بين هذا الطفل وبين ذلك الرجل نسب يعتد به شرعاً، وكما يقول الفقهاء: المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، فهذا الإنسان ليس بينه وبين تلك المرأة رابطة الزوجية التي بها يثبت نسب هذا الطفل، وإنما هو عاهر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الولد للفراش, وللعاهر الحجر )، ولذلك لا توارث بين الطفل القتيل وبين ذلك الأب المدعى.

السؤال: فتحية ذكرت بأنها أفطرت أياماً من رمضان ولم يحصل منها القضاء إلى أن دخل رمضان ثم رمضان ثم رمضان ثم رمضان, فهل الإطعام يتعدد بتعدد السنوات التي مضت؟

الجواب: لا يتعدد الإطعام، وإنما عليك القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم جزاء التأخير، مهما كثرت السنوات التي مضت قبل أن تقومي بهذا القضاء.

وأنا أنبه الإخوة والأخوات! إلى أن رمضان المبارك قد بقيت عليه شهور ثلاثة، فمن لزمه قضاء فليبادر به الآن ولا يسوفن.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2822 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2648 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2534 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2532 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2506 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2475 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2464 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2442 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2406 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2404 استماع