خطب ومحاضرات
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثاني عشر)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا زلنا في صفة الكلام للرب سبحانه وتعالى، ولعلنا نتكلم عن دليل من أدلة الأشاعرة ، ودليل من أدلة المعتزلة مع الرد عليها، ولعلنا نتكلم عن رؤية الرب سبحانه وتعالى في الآخرة:
يقول المؤلف رحمه الله:
وجميع آيات الصفات أمرها حقاً كما نقل الطراز الأول |
بين شيخ الإسلام رحمه الله تعالى منهجه في آيات الصفات، ويقصد بالآيات هنا ما ورد في الكتاب والسنة، أي: أنه يمر النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويجريها على ظاهرها.
والإمرار: قال في القاموس : مرّ مروراً، بمعنى: جاز وذهب، أي: أنه يجيز آيات الصفات كلها، لا يجد في قلبه أدنى حرج من إثبات ما دلت عليه هذه الآيات، ويكون المقصود أنه لا يقف معها باحثاً في كيفياتها، ولا منقباً فيها، ولا معترضاً عليها، وإنما قابلاً لكل ما دلت عليه هذه النصوص.
قوله: (حقاً) أي: أنه سيأخذ بظاهرها وما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله تعالى.
قوله: (كما نقل) أي: روي، سواء كان ذلك النقل في كتاب، أو دلت عليه نصوص السنة، أو فهمها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
قوله (الطراز) يقال: هو البز والهيئة، وقالوا: الطراز هو الجيد من كل شيء.
وذكر بعض أهل اللغة أن هذه الكلمة معربة، وعلى كل حال فإن المقصود بها: الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان كـسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وابن المبارك .. وغيرهم، وقالوا: إن حساناً رضي الله عنه مدح قوماً وقال فيهم:
بيض الوجوه كريمة أنسابهم شم الأنوف من الطراز الأول |
أي: يثني عليهم بما يتميزون به من الصفات.
هذا البيت يبين لنا منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في جميع النصوص الدالة على الأسماء والصفات، وأنه يمرها على ظاهرها ولا يتعرض لها بشيء، ويبين ما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى.
ثم انتقل شيخ الإسلام بعد ذلك مبيناً أنه يرد عهدتها إلى نقالها فقال:
وأرد عهدتها إلى نقّالها وأصونها من كل ما يُتخيل |
قوله: (وأرد عهدتها) الضمير عائد على آيات الصفات وأحاديثها، وأنه يرد آيات الصفات الواردة في نصوص الكتاب والسنة إلى نقالها، (والعهدة) أي: الخروج من تبعتها، أي: أنني لست أنا الذي جئت بها، وإنما أعيد ما دلت عليه إلى من نقلوها، ومفهومه أني أصون اعتقادي عن الخوض فيها بعزوها إلى نقالها، ولذلك دائماً يقال: (والعهدة على الناقل) أنا أروي لكم والعهدة على الناقل، أي: لست أنا الذي جئت بها، وكأن شيخ الإسلام ابن تيمية يبين أن عقيدته ليس هو الذي جاء بها، وإنما أخذها من نقالها، وأيضاً لم يأتِ بعقيدة جديدة من عند نفسه رحمه الله تعالى، وإنما جاء بها نقلاً عن السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
ويقال: عهدة الخبر يقصد به: صدقه أو كذبه، وكأن الآن عهدة الخبر في الصدق والكذب ليست لي، وإنما لرواتها وما نقل عنهم من أئمة السلف ، ولذلك ردها إلى نقلتها وهم الأئمة الأثبات رحمهم الله تعالى، والذين أخرجوها من مهرة أئمة الحديث وغيرهم.
يفهم من (العهدة) أنها بمعنى الاستئمان، فإذا قلت: عهدت إليك هذه العهدة، أي: استأمنتك، ونحن نستأمن سلفنا فيما ينقلونه لنا، فالصحابة مستأمنون على الوحي، والرسول صلى الله عليه وسلم مستأمن على الوحي، ولهذا يقول كل نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68] أي: وما أنقله أنا أمين عليه، فهكذا الرواة الذين نقلوا لنا الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل لنا كذلك الصحابة العقيدة مما أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فهم مستأمنون عليه، ونقلوه لنا كما جاءهم عن الله أو جاءهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وأصونها) الصون في اللسان: أن تقي شيئاً، أي أحميها، فالصيانة معناها: الحماية، ولهذا قال: (وأصونها) أي: أصون آيات الصفات وأحاديثها عن الخوض في معناها، ثم ذكر الصيانة لها مبيناً أن الصيانة عن كل ما تخيل، فإن المبتدعة من المعطلة والمشبهة لم يصونوا نصوص الصفات عن التخيل، ولهذا قالوا قاعدة: (كل مشبه معطل، وكل معطل مشبه) فإذاً: كل من المشبهة والمعطلة جاءوا بقضية التخييل، فلم يسيروا على ما سار عليه سلف الأمة، ولهذا قال:
وأصونها عن كل ما يتخيل |
فأجعل لها حماية، لا أتخيل بعقلي أي صفة وردت لله تعالى، فإن المعطل شبه الله أولاً ثم عطل، فالمعطل الذي نفى الصفات قال: لا أفهم من مدلول الصفات إلا أنها تشبه صفات المخلوقين والله ليس كالمخلوقين، إذاً .. أنا أنفيها، والمشبه كذلك معطل، ووجه التعطيل عنده أنه قال: الله له يد مثل يدي، ولو سألناه: هل النص الذي ورد يراد منه أن يثبت لله مثل يد المخلوق؟
الجواب: لا، فمن قال: يد الله مثل يد المخلوق فقد عطل النص عما دل عليه من إثبات الصفة اللائقة بالله تعالى، ولهذا كل من المشبه والمعطل كان عنده شيء من التخييل ومن التشبيه.
ونصل إلى نتيجة أن كل ما خطر في بال الإنسان من شيء حول الصفات فالله على خلافه، ولا يمكن أبداً أن يكون كما يتصوره الإنسان، فإن العقل قد يتخيل أشياء والله سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] ولهذا يقول صاحب القاموس : وتخيل الشيء له، أي: تشبه، كأنه أصبح له شبيه.
قال شيخ الإسلام:
قبحاً لمن نبذ القران وراءه |
وردت (قبحٌ) ووردت (قبحاً):
قبحاً لمن نبذ القران وراءه وإذا استدل يقول قال الأخطل |
(قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه) هذه القاعدة تنطبق على الأشاعرة والمعتزلة والجهمية والفلاسفة، لأن كل هؤلاء لم يأخذوا بما دل عليه الكتاب والسنة، وعدم أخذهم لما دل عليه الكتاب والسنة قد يكون شيئاً ظاهراً، يقول: أنا لا أريد الكتاب والسنة، ولا أحتج بهم، كما نقل عن بشر ونقل عن غيره أنهم عندما يناقشون يقولون: دعونا من نصوص الكتاب والسنة وناقشونا بالعقل، وهذا أشد قبحاً، ويصل إليه هذا الدعاء: (قبحاً لمن نبذ القران وراءه) هذا نبذ كامل.
وقد يكون النبذ غير مباشر كأن يتأول ما دل عليه الكتاب والسنة، وقد ذكرنا سابقاً قاعدة: (أن الأصل إجراء الألفاظ على ظاهرها) بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] نثبت اليدين. يضحك الله فنعرف مدلول الضحك ونثبته لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، ومن لا يثبته فإن هذا يعتبر قد نبذ القرآن وراءه ولم يحتج به أصلاً، وينطبق انطباقاً كاملاً على المعتزلة الذين عندهم قاعدة يقولون: (إن العقل هو الحاكم على الكتاب والسنة) ولقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى برد عظيم في كتابه: درء تعارض العقل والنقل ، بين تأصيلهم وبين بطلان ما ذهبوا إليه ولم يعملوا به، ولهذا قالوا: أي نص في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يقبله العقل فإنه يطرح! وهذا هو النبذ الحقيقي لما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
القبح في اللغة: ضد الحسن، ويكون في الصورة والفعل، أي: قد يكون الإنسان صورته قبيحة، وقد تكون أفعاله قبيحة، وبعضهم يقول: إنه عام في كل شيء، قد يكون القبح في الاعتقاد، وقد يكون في القول، وقد يكون في العمل، وقد يكون في الصورة، وكل هذه يدخل فيها القبح، يقول الأزهري : القبح هو نقيض الحسن، وهو عام في كل شيء.
قوله: (لمن نبذ) قال في اللسان : النبذ طرحك الشيء من يدك، أي: طرحك للشيء من يدك سواء كان طرحك له أمامك أو كان في خلفك، فهذا نبذ، ولهذا قالوا: نبذ النوى: طرحه وإلقاؤه، ونبذت الشيء إذا رميته وأبعدته عنك، ويقال: كل طرح يسمى نبذاً، ونبذ الكتاب وراءه أي: ألقاه، ولهذا قال: نبذوا القرآن، كأنهم غير مبالين بكتاب الله وسنة رسوله، واستحقوا بذلك أن يكونوا مقبوحين، فإن من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يستحق أن يقبح ولا يلتفت إليه.
ذكر: (وراءه) نقول هنا: قد يكون النبذ حسياً وقد يكون النبذ معنوياً. والنبذ الحسي هو رمي القرآن فلا يقبله أصلاً، ويقول: هذا القرآن لا يحتج به، وقد يكون النبذ معنوياً بأن لا يعمل به، وإن كان يعظم القرآن، أي: القرآن على العين والرأس، لكن لا نفهم مدلوله ولا نقبله حجة بينا وبينكم، وكل هذه تنطبق على طوائف المبتدعة الذين ينبذون ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قول المؤلف:
........................... وإذا استدل يقول قال الأخطل |
إذا استدل أي: إذا جاء بحجة وبرهان على ما يدل على مذهبهم الباطل، والاحتجاج الآن نفهم منه أن هذا خلاف منهج أهل السنة والجماعة ، فـأهل السنة والجماعة لا يجعلون حجتهم الرجال، وإنما حجتهم الكتاب والسنة، أما الرجال وعقولهم فلا نحتج بهم، ولهذا قالوا: إن أهل السنة والجماعة لا ينتسبون إلى رجل معين، إنما ينتسبون إلى كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فهم الصحابة، لكن لا ينتسبون إلى شخصية معينة، بخلاف المبتدعة فكل طائفة بدعية تنتسب إلى رجل، فـالبيانية تنتسب إلى بيان بن سمعان ، والجهمية تنتسب إلى الجهم بن صفوان، والخوارج ينتسبون إلى أشخاص معينين خرجوا، والزيدية ينتسبون إلى زيد بن علي ، أما أهل السنة والجماعة فينتسبون إلى المنهج الذي جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال:
............................ وإذا استدل يقول قال الأخطل |
حجة هؤلاء هو قول الرجال، وهذا فيه رد على الأشاعرة الذين يستدلون بقول الأخطل ، والأخطل شاعر نصراني، ولد في الصحراء الشامية -أي: في الشام - واسمه: غياث بن الصلت بن طارقة ، وينسب إلى عشيرة بني جشم بن بكر التغلبية، وبعض العلماء يقولون: تعتبر هذه العشيرة من القبائل العربية، ولكنها كانت قبيلة نصرانية، كانت أمه اسمها ليلى من قبيلة إياد النصرانية، وكنيته أبو مالك ، وقد عاش هذا الرجل ومات نصرانياً، ولم يكن على الإسلام، قالوا: كان قبحه الله يظهر تعليق الصليب على صدره وفي عنقه، وهذه من عادة النصارى، وذكر أن الخليفة دعاه إلى الإسلام فرفض ولم يقبله، وهجا خصومه من المسلمين، وكان في عصر جرير والفرزدق ، وكان بينه وبين جرير أشعار وذم وقدح، وليس غريباً أن يحدث بين الشعراء مثل هذا.
كان الأخطل مسرفاً في شرب الخمر، ولا شك أن النصارى يستبيحون هذا الأمر، ويرون أن: الخمر هي مصدر الإلهام الشعري، ولا شك أن هذا الكلام باطل وغير صحيح.
هذا الأخطل له بيت من الشعر، وهذا البيت من الشعر يحتج به الأشاعرة ، وعجباً من الأشاعرة كيف يستدلون بقول نصراني وليس بسلفي في معتقده في مسألة الكلام لله سبحانه وتعالى، والبيت الشعري هو:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً |
ولو جئنا نناقش الأشاعرة في هذا الأمر لتبين بطلانه من وجوه متعددة:
أولاً: نقول لهؤلاء الأشاعرة في استدلالهم على أن كلام الله نفسي: ( إن الكلام لفي الفؤاد) أي: الكلام الحقيقي هو في النفس (وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً) أي: أن اللسان هو دليل على كلام في القلب، وإن الكلام الحقيقي هو الذي في القلب والنفس، وهذا الكلام باطل لا شك فيه.
يقول الأشاعرة : لا يحتج بالكتاب والسنة التي ثبتت بالآحاد في مسائل الاعتقاد إلا إذا كانت متواترة، أما إذا لم تكن متواترة فلا يحتج بها، ونحن نقول لهم: أعطونا سند هذا البيت الآن عن الأخطل ، هل سنده متواتر حتى نحتج به، أم سنده خبر آحاد؟
بل بعضهم يقول: إنه منسوب أصلاً إلى الأخطل فلا يحتج به، وهذا من منهج المبتدعة، أنهم إذا لم يقبلوا النص أخذوا يتشبثون ببيت العنكبوت، ولعلهم هنا لما لم يقبلوا ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات صفة الكلام لله على ما يليق بجلال الله وعظمته، أخذوا يتشبثون بلغة العرب وأعرضوا عن القرآن والسنة، وتشبثوا ببيت لم يصح سنده أصلاً، وحتى على فرض صحته، فإنه ورد بصيغة:
إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
وإذا قصد (إن البيان لفي الفؤاد) قد يكون المعنى له وجه من الصحة.
ثم نقول كذلك: كيف يُستدل بالنصارى في مسألة الكلام وهم من أضل الناس في كلام الله تعالى؟
كيف خلق عيسى عليه الصلاة والسلام؟ هل هو ذات الكلام أم أنه خلق بكلام الله؟
هم يقولون: هو كلام الله وهذا الكلام باطل، بل إن عيسى عليه الصلاة والسلام خلق بكلام الله تعالى، خلق عيسى عليه الصلاة والسلام بكلام الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
فعيسى ليس هو الكلمة، وإنما خلق بكلمة: كن، فكان عليه الصلاة والسلام.
ومنها كذلك: لو أخذ بكلام هؤلاء الأشاعرة للزم أن يقال: إن الأخرس متكلم، أليس الأخرس في جوفه كلام؟
إن الكلام لفي الفؤاد، فالأخرس عنده كلام يشير وغيره، ولا يقول أحد: إن الأخرس متكلم أصلاً، ولو قيل: إن الكلام هو النفسي فقط، للزم أن يكون الأخرس متكلماً.
ثم نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لنا: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) أنت إذا دخلت الصلاة لا يجوز لك أن تتكلم فتقول: يا فلان! كيف حالك، أو تسلم على فلان، أو ترد على أحد سلاماً، لكن أنت في الصلاة وأنت محرم بها يحدث من الكلام في النفس أمر عجيب، بل ربما يلفظ الإنسان لا شعورياً ويتحدث في الصلاة بأمر، يبيع ويشتري ويبني ويسكن ويذهب ويرجع، وهو محرم بالصلاة، هل يقال: هذه تبطل صلاة الإنسان؟ لا، وإنما الذي يبطله هو ما تلفظ به.
ولهذا اتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم بصوته متعمداً في صلاته بطلت صلاته، لكن ما خطر في قلبه لا يعتبر كلاماً ولا يلتفت إليه أصلاً، ثم نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (عفي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) دل على أن حديث النفس لا يسمى كلاماً، ولا يمكن أبداً أن نفسر كلام الله تعالى على أنه حديث النفس، ونجد هذا مدلوله في لغة العرب، بل نجد القرآن نزل بلغة العرب، وهذا هو المدلول الصحيح في ذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (أمسك عليك هذا، قال: يا رسول الله! أو نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا
ولقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رداً على هؤلاء كما في رسالته التسعينية رد على الأشاعرة من تسعين وجهاً أبطل به مذهب الأشاعرة على أن كلام الله نفسي، مما يدل على أن قولهم هذا ليس صحيحاً، وقد خالفوا ما كان عليه أهل السنة والجماعة .
حقيقة الأخطل
كان الأخطل مسرفاً في شرب الخمر، ولا شك أن النصارى يستبيحون هذا الأمر، ويرون أن: الخمر هي مصدر الإلهام الشعري، ولا شك أن هذا الكلام باطل وغير صحيح.
هذا الأخطل له بيت من الشعر، وهذا البيت من الشعر يحتج به الأشاعرة ، وعجباً من الأشاعرة كيف يستدلون بقول نصراني وليس بسلفي في معتقده في مسألة الكلام لله سبحانه وتعالى، والبيت الشعري هو:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً |
ولو جئنا نناقش الأشاعرة في هذا الأمر لتبين بطلانهم من وجوه متعددة:
أولاً: نقول لهؤلاء الأشاعرة في استدلالهم على أن كلام الله نفسي: ( إن الكلام لفي الفؤاد) أي: الكلام الحقيقي هو في النفس (وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً) أي: أن اللسان هو دليل على كلام في القلب، وإن الكلام الحقيقي هو الذي في القلب والنفس، وهذا الكلام باطل لا شك فيه.
يقول الأشاعرة : لا يحتج بالكتاب والسنة التي ثبتت بالآحاد في مسائل الاعتقاد إلا إذا كانت متواترة، أما إذا لم تكن متواترة فلا يحتج بها، ونحن نقول لهم: أعطونا سند هذا البيت الآن عن الأخطل ، هل سنده متواتر حتى نحتج به، أم سنده خبر آحاد؟
بل بعضهم يقول: إنه منسوب أصلاً إلى الأخطل فلا يحتج به، وهذا من منهج المبتدعة، أنهم إذا لم يقبلوا النص أخذوا يتشبثون ببيت العنكبوت، ولعلهم هنا لما لم يقبلوا ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات صفة الكلام لله على ما يليق بجلال الله وعظمته، أخذوا يتشبثون بأي شيء، تشبثوا بلغة العرب وأعرضوا عن القرآن والسنة، وتشبثوا ببيت لم يصح سنده أصلاً، وحتى على فرض صحته، فإنه ورد بصيغة:
إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
وإذا قصد (إن البيان لفي الفؤاد) قد يكون المعنى له وجه من الصحة.
ثم نقول كذلك: كيف يُستدل بالنصارى في مسألة الكلام وهم من أضل الناس في كلام الله تعالى؟
أليس عيسى عليه الصلاة والسلام كيف خلق؟ هل هو ذات الكلام أم أنه خلق بكلام الله؟
هم يقولون: هو كلام الله وهذا الكلام باطل، بل إن عيسى عليه الصلاة والسلام خلق بكلام الله تعالى، خلق عيسى عليه الصلاة والسلام بكلام الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
فعيسى ليس هو الكلمة، وإنما خلق بكلمة: كن، فكان عليه الصلاة والسلام.
ومنها كذلك: لو أخذ بكلام هؤلاء الأشاعرة للزم أن يقال: إن الأخرس متكلم، أليس الأخرس في جوفه كلام؟
إن الكلام لفي الفؤاد، فالأخرس عنده كلام يشير وغيره، ولا يقول أحد: إن الأخرس متكلم أصلاً، ولو قيل: إن الكلام هو النفسي فقط، للزم أن يكون الأخرس متكلماً.
ثم نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لنا: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) أنت إذا دخلت الصلاة لا يجوز لك أن تتكلم فتقول: يا فلان! كيف حالك، أو تسلم على فلان، أو ترد على أحد سلاماً، لكن أنت في الصلاة وأنت مكبر كم يحدث من الكلام في النفس أمراً عجيباً، بل ربما يلفظ الإنسان لا شعورياً ويتحدث في الصلاة بأمر، يبيع ويشتري ويبني ويسكن ويذهب ويرجع، وهو مكبر في الصلاة، هل يقال: هذه تبطل صلاة الإنسان؟ لا، وإنما الذي يبطله هو ما تلفظ به.
ولهذا اتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم بصوته متعمداً في صلاته بطلت صلاته، لكن ما خطر في قلبه لا يعتبر كلاماً ولا يلتفت إليه أصلاً، ثم نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (عفي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) دل على أن حديث النفس لا يسمى كلاماً، ولا يمكن أبداً أن نفسر كلام الله تعالى على أنه حديث النفس، ونجد هذا مدلوله في لغة العرب، بل نجد القرآن نزل بلغة العرب، وهذا هو المدلول الصحيح في ذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (أمسك عليك هذا، قال: يا رسول الله! أو نحن مآخذون بما نتكلم به؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا
ولقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رداً على هؤلاء كما في رسالته التسعينية رد على الأشاعرة من تسعين وجهاً أبطل به مذهب الأشاعرة على أن كلام الله نفسي، مما يدل على أن قولهم هذا ليس صحيحاً، وقد خالفوا ما كان عليه أهل السنة والجماعة .
حجة هؤلاء هو قول الرجال، وهذا فيه رد على الأشاعرة الذين يستدلون بقول الأخطل ، والأخطل شاعر نصراني، ولد في الصحراء الشامية -أي: في الشام - واسمه: غياث بن الصلت بن طارقة ، وينسب إلى عشيرة بني جشم بن بكر التغلبية، وبعض العلماء يقولون: تعتبر هذه العشيرة من القبائل العربية، ولكنها كانت قبيلة نصرانية، كانت أمه اسمها ليلى من قبيلة إياد النصرانية، وكنيته أبو مالك ، وقد عاش هذا الرجل ومات نصرانياً، ولم يكن على الإسلام، قالوا: قبحه الله كان يظهر تعليق الصليب على صدره وفي عنقه، وهذه من عادة النصارى، وذكر أن الخليفة دعاه إلى الإسلام فرفض ولم يقبله، وهجا خصومه من المسلمين، وكان في عصر جرير والفرزدق ، وكان بينه وبين جرير أشعار وذم وقدح، وليس غريباً أن يحدث بين الشعراء مثل هذا.
كان الأخطل مسرفاً في شرب الخمر، ولا شك أن النصارى يستبيحون هذا الأمر، ويرون أن: الخمر هي مصدر الإلهام الشعري، ولا شك أن هذا الكلام باطل وغير صحيح.
هذا الأخطل له بيت من الشعر، وهذا البيت من الشعر يحتج به الأشاعرة ، وعجباً من الأشاعرة كيف يستدلون بقول نصراني وليس بسلفي في معتقده في مسألة الكلام لله سبحانه وتعالى، والبيت الشعري هو:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً |
ولو جئنا نناقش الأشاعرة في هذا الأمر لتبين بطلانهم من وجوه متعددة:
أولاً: نقول لهؤلاء الأشاعرة في استدلالهم على أن كلام الله نفسي: ( إن الكلام لفي الفؤاد) أي: الكلام الحقيقي هو في النفس (وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً) أي: أن اللسان هو دليل على كلام في القلب، وإن الكلام الحقيقي هو الذي في القلب والنفس، وهذا الكلام باطل لا شك فيه.
يقول الأشاعرة : لا يحتج بالكتاب والسنة التي ثبتت بالآحاد في مسائل الاعتقاد إلا إذا كانت متواترة، أما إذا لم تكن متواترة فلا يحتج بها، ونحن نقول لهم: أعطونا سند هذا البيت الآن عن الأخطل ، هل سنده متواتر حتى نحتج به، أم سنده خبر آحاد؟
بل بعضهم يقول: إنه منسوب أصلاً إلى الأخطل فلا يحتج به، وهذا من منهج المبتدعة، أنهم إذا لم يقبلوا النص أخذوا يتشبثون ببيت العنكبوت، ولعلهم هنا لما لم يقبلوا ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات صفة الكلام لله على ما يليق بجلال الله وعظمته، أخذوا يتشبثون بأي شيء، تشبثوا بلغة العرب وأعرضوا عن القرآن والسنة، وتشبثوا ببيت لم يصح سنده أصلاً، وحتى على فرض صحته، فإنه ورد بصيغة:
إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
وإذا قصد (إن البيان لفي الفؤاد) قد يكون المعنى له وجه من الصحة.
ثم نقول كذلك: كيف يُستدل بالنصارى في مسألة الكلام وهم من أضل الناس في كلام الله تعالى؟
أليس عيسى عليه الصلاة والسلام كيف خلق؟ هل هو ذات الكلام أم أنه خلق بكلام الله؟
هم يقولون: هو كلام الله وهذا الكلام باطل، بل إن عيسى عليه الصلاة والسلام خلق بكلام الله تعالى، خلق عيسى عليه الصلاة والسلام بكلام الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
فعيسى ليس هو الكلمة، وإنما خلق بكلمة: كن، فكان عليه الصلاة والسلام.
ومنها كذلك: لو أخذ بكلام هؤلاء الأشاعرة للزم أن يقال: إن الأخرس متكلم، أليس الأخرس في جوفه كلام؟
إن الكلام لفي الفؤاد، فالأخرس عنده كلام يشير وغيره، ولا يقول أحد: إن الأخرس متكلم أصلاً، ولو قيل: إن الكلام هو النفسي فقط، للزم أن يكون الأخرس متكلماً.
ثم نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لنا: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) أنت إذا دخلت الصلاة لا يجوز لك أن تتكلم فتقول: يا فلان! كيف حالك، أو تسلم على فلان، أو ترد على أحد سلاماً، لكن أنت في الصلاة وأنت مكبر كم يحدث من الكلام في النفس أمراً عجيباً، بل ربما يلفظ الإنسان لا شعورياً ويتحدث في الصلاة بأمر، يبيع ويشتري ويبني ويسكن ويذهب ويرجع، وهو مكبر في الصلاة، هل يقال: هذه تبطل صلاة الإنسان؟ لا، وإنما الذي يبطله هو ما تلفظ به.
ولهذا اتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم بصوته متعمداً في صلاته بطلت صلاته، لكن ما خطر في قلبه لا يعتبر كلاماً ولا يلتفت إليه أصلاً، ثم نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (عفي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) دل على أن حديث النفس لا يسمى كلاماً، ولا يمكن أبداً أن نفسر كلام الله تعالى على أنه حديث النفس، ونجد هذا مدلوله في لغة العرب، بل نجد القرآن نزل بلغة العرب، وهذا هو المدلول الصحيح في ذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (أمسك عليك هذا، قال: يا رسول الله! أو نحن مآخذون بما نتكلم به؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا
ولقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رداً على هؤلاء كما في رسالته التسعينية رد على الأشاعرة من تسعين وجهاً أبطل به مذهب الأشاعرة على أن كلام الله نفسي، مما يدل على أن قولهم هذا ليس صحيحاً، وقد خالفوا ما كان عليه أهل السنة والجماعة .
أما المعتزلة فيذهبون إلى أن كلام الله مخلوق من مخلوقات الله تعالى، وهذا الكلام باطل لا شك في بطلانه، ويستدلون لذلك بدليل من القرآن، ولا شك أن لهؤلاء قاعدة يقولون: (إن أهل السنة والجماعة يوفقون بين النصوص، أما المبتدعة فإنهم يضربون النصوص بعضها ببعض) وهذه من رحمة الله تعالى أن وفق أهل السنة والجماعة للتوفيق بين النصوص، ولا يعارضون بعضها ببعض.
ومما استدل به هؤلاء قالوا: قول الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62] ويسألون: أليس القرآن شيئاً؟ نقول: نعم، قالوا: إذاً .. هو مخلوق، وكلامهم هذا لا شك في بطلانه، وبطلانه من القرآن ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم واضح وبين، فقول الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62] نجد أن (كل) لا تدل على العموم على إطلاقها، والدليل على ذلك قول الله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25] فهل دمرت المساكن؟ وهل دمرت السماوات والأرض؟ لا، وإنما تدمر كل شيء أمر الله بتدميره، ولذلك قال الله تعالى: فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25] أي: مساكنهم هي التي بقيت ولم يحدث فيها شيء من التدمير.
ثم نقول: في قوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62] (كل) ليس على إطلاقها، وإنما ترد في بعض الأحيان، وبعضها لا ترد على إطلاقها، نجد أن قول الله تعالى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23] أوتيت من كل شيء، هل الآن أوتيت ملك سليمان عليه السلام؟ لا، هل أوتيت ملك السماوات والأرض؟ لا، إنما أوتيت من كل شيء يحتاج إليه الملوك من القوة والجبروت والسلاح والطاعة .. وغير ذلك، لكنها لم تؤت ملك سليمان عليه الصلاة والسلام، فأصبحت الآن (كل) في كل موضع بحسبها تعرف بما دلت عليه القرائن، وليس على إطلاقه كما قال هؤلاء.
الآن قوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62] الأصل عندنا (كل شيء) أي: مخلوق، والكلام صفة لله تعالى وصفات الله ليست مخلوقة.
ثم لو جئنا الآن على إطلاق هؤلاء المعتزلة قبحهم الله ماذا يلزمهم، نسألهم: السمع شيء أم ليس شيئاً؟ البصر شيء أم ليس شيئاً؟ فإن قالوا: شيء قلنا: إذاً يصبح مخلوقاً، وهم لا يقولون به، فلو أجرينا الكلام على قاعدتهم، للزم عليه أن يكون سمع الله وكلام الله ويد الله وقدرة الله وقدم الله كلها مخلوقة، وهذا الكلام باطل، بل إن الله سبحانه وتعالى كما أن ذاته ليست مخلوقة فكذلك صفاته تليق بجلاله وعظمته ليست مخلوقة، فبطل ما قال هؤلاء.
ومما استدل به هؤلاء قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40] قالوا: إن الله قد قال: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40] والرسول مخلوق أم ليس مخلوقاً؟
نقول: نعم مخلوق، قالوا: إذاً هذا (قوله) فهو مخلوق، ولكن هذا الاستدلال باطل، وقد ذكرنا أن القرآن أضيف إلى الله، وأضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأضيف إلى جبريل، وقلنا: إن إضافته إلى الله إضافة حقيقة؛ لأنه هو المتكلم به، وإضافته إلى جبريل وإضافته إلى محمد صلى الله عليه وسلم إضافة تبليغ وليس إضافة ابتداء.
ثم نسأل: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40] هذا القرآن إذا كان مخلوقاً كيف يكون مخلوقاً في وقت واحد في جبريل وفي محمد؟
هذا الكلام غير صحيح، ولكن إذا قلنا: إن جبريل ومحمداً مبلغون له، فلا شك أنه هو قولهم على اعتبار قضية التبليغ.
عندنا الله سبحانه وتعالى كفَّر من قال: إنه قول البشر، ولذلك بين تكفيره في سورة المدثر، فلو قيل: إنه قول بشر للزم أن يكون من قال به كافراً، وهذا الكلام غير صحيح، بل كلام الله منه ابتدأ سبحانه وتعالى، أي: أن الله هو المبتدئ له وهو القائل له سبحانه وتعالى، ليس كما قاله هؤلاء المبتدعة.
ثم نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للعرب حين يعرض نفسه على القبائل: (ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي) ما قال: كلامي أنا، وإنما كان يريد أن يبلغ كلام الله سبحانه وتعالى، ولذلك حصل فيه قضية التبليغ، ولم يحدث شيئاً من عنده، بل إن الله قد قال: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:44-46] فلو كان محمد أحدث شيئاً ولو حرفاً واحداً فقد أخبر الله تعالى أنه سيأخذ منه الوتين، ثم لم يكن أحد من الخلق حاجزاً عنه أن يؤتيه عقوبة من عند الله تعالى بسبب أنه زاد شيئاً من عنده.
مسألة: يجب أن نعلم أن كلام الله تعالى متفاضل، وممن ذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والله سبحانه وتعالى ذكر ثناءً على المؤمنين: فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:18] واستدل لذلك بآيات وردت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن، ووردت أحاديث الفاتحة أنها أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ما تتميز به من المزايا، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعظم سورة في القرآن، وأنها السبع المثاني، وأنها القرآن العظيم، وقال النبي لـأبي بن كعب : (ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا الفرقان مثلها، فإني لأرجو أن تخرج من هذا الباب حتى تعلمها، قال: ثم ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفاتحة، وبين ما تتميز به من الفضائل والأحكام) وقد أُلف في هذه السورة من الكتب العظيمة في بيان فضلها وبيان الأحكام المتعلقة بها، ولهذا نقول: إن كلام الله تعالى متفاضل، وذكر الله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106] مما يدل على أن هناك شيئاً من التفاضل في كلام الله تعالى، ولا يلزم منه كما يقول المبتدعة: إن هذا يؤدي إلى أن فيه فاضلاً ومفضولاً، ولكن كله فاضل، ولكن بعضه أفضل من بعض كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عمر سعود العيد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الأول) | 2467 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن) | 2414 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس) | 2367 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس عشر) | 2224 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس السادس عشر) | 2210 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس التاسع) | 2087 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الرابع) | 2071 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن عشر) | 2004 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الحادي عشر) | 1944 استماع |
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثاني) | 1861 استماع |