شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن عشر)


الحلقة مفرغة

عذاب القبر متعلق بالروح والجسد معاً

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قبل أن نبدأ بمبحث القضاء والقدر، بقي عندنا جزئيات يسيرة في مسألة عذاب القبر ونعيمه.

مسألة: هل عذاب القبر متعلق بالروح والجسد، أم أنه للروح فقط، أم أنه للجسد وحده؟

الجواب: المعتزلة لما أنكروا عذاب القبر كانوا يقولون: إننا إذا بحثنا عن الميت بعد مضي سنين لم نجد شيئاً من جسده، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يبلى ولا يبقى منه إلا عجب الذنب فقط، فقالوا: إذاً تعلق العذاب والنعيم هو على الروح فقط، ولكن هذا القول ليس بصحيح، والدليل على عدم صحته: أنه يأتيانه ملكان فيسألانه ويقعدانه، ثم يفتح له باب فيقال له: انظر، فينظر إلى الجنة، وينظر إلى النار، هذا كله يتعلق بالنظر وغيره للجسد ليس للروح، مما يدل على أنه للروح وللجسد جميعاً، وإن كان أغلبه للروح، والجسد له جزء من قضية التنعيم، وله جزء من قضية التعذيب.

القبر ظلمة، ونعوذ بالله أن تكون قبورنا ظلمة علينا، ولقد ماتت امرأة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري ومسلم وهو في مسند الإمام أحمد وغيره، وهذه المرأة كانت تقم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماتت ولم يعبأ الصحابة بها، ولم يوقظوا النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ماتت ودفنت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (دلوني على قبرها) ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليها ثم قال: (إن هذه القبور ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم) مما يدل على ما يتميز به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أن القبر ينور على أصحابه عندما يصلي عليهم، ويكون نوراً على الناس بسبب الأعمال الصالحة التي يقدمونها في الحياة الدنيا.

سماع عذاب القبر للأحياء

ذكرنا أن عذاب القبر ربما أن الناس قد يسمعون شيئاً من أصوات الموتى، ومنهم: النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم صاحبا القبرين، وقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) صاحب النميمة، وصاحب عدم الاستنزاه من البول.

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على بغلة له، وجالت به صلى الله عليه وسلم، ثم سأل عن هذه القبور، وإذا هي ستة أو أربعة على خلاف في عددها، وكانت قبوراً للمشركين، فجالت بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كاد أن يسقط صلى الله عليه وسلم، بسبب أن هذه البغلة سمعت صوت الذين يعذبون.

ومر النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة وكانت معه دابته فتحركت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن يهود تعذب في قبرها) فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع شيئاً، وهذا يعتبر من أمر الغيب.

مسألة: هل يمكن لآحاد الناس أن يسمع عذاب القبر؟

الجواب: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يمكن أن يسمع، وقد يكون السماع شيئاً حقيقياً، وقد يكون رؤىً يراها الإنسان، ونعلم أن الرؤى جزء من النبوة، فقد يرى الإنسان والده في هيئة سيئة، يراه بأنه يقول مثلاً: عندي أموال ردوها لأصحابها .. فلان قد كان كذا.

أي: يستوحي الناس منها أن أباهم أو غيره من الميتين ربما يصاب بسوء، أو ربما ينعم بسبب شيء قدمه في الدنيا، فعند ذلك تكون سبباً لإبعاد هذه العقوبة، أو لزيادة النعيم الذي يحدث لهم.

ولذلك تجد أن الذين يفسرون الرؤى تفسيراً، قد يمكن أن تخبره بخبر، فيقول: والدك ربما يحدث له كذا، أو ربما والدك مسرور لعمل عملته، أو ربما لشيء يحدث، ولعل مما يحدث في مسألة الرؤى بعض المفسرين يفسرون الرؤى: أن الإنسان إذا رأى ميتاً له -وإن كنت لست مفسراً للرؤى أصلاً- ودعاه أن هذا ربما يكون نذيراً لقرب أجله، أو لموت عزيز عندهم، وهذا ليس على إطلاقه.

وأذكر من اللطائف: ذات مرة صليت في جامع الرياض قديماً، وكان سماحة شيخنا غائباً، فجاء رجل من البادية وسألني عن رؤيا؟ فقلت له: أنا لا أفسر الرؤى، قال: كنت في برية، وكان هناك باب، ثم فتح وخرج علي والدي، وقد يكون هذا علامة موتي، فهل ترى أن أتصدق أم أبذل شيئاً لهذا الميت وغيره؟

فمر علي أحد الأحبة فتبسمت في وجهه، ثم قلت له: حقيقة لا أفسر الرؤى، لكن لو عملت خيراً لوالدك الميت كان طيباً، ففي آخر الأمر، قال: لا، أنت تعلم بأني سأموت، ولم ترد أن تفسر لي الرؤيا، قلت له: أنا لا أدري عن الرؤى أبداً، قال: إنك ما ضحكت إلا لأني سأموت، فتورطت ماذا أعمل به؟ ولست ممن يفسر الرؤى أصلاً، وإن كنا قد بينا منهج الرؤيا إن كانت حسنة وإن كان سيئة، لكن أقول: إن الرؤى قد يحدث بها نوع خير للإنسان، مما يوقظ الله به قلب الإنسان، ومما يكون سبباً لصلاحه واستقامته على دين الله تعالى.

حال العبد في قبره

ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أن الميت في قبره يكون له عمل يقارنه هناك ويسأل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت في قبره يأتيه رجل حسن الصورة، وحسن الثياب، وطيب الريح، فيقول له: أبشر بالذي يسرك، وأبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد، ويبشره بكل خير، فيقول هذا الإنسان الذي في قبره: من أنت فوجهك الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فوالله ما علمتك إلا أنك كنت سريعاً في كل خير في طاعة الله، بطيئاً عن المعصية، فجزاك الله خيراً، فيبقى مطمئناً، ويعطينا إيحاءً. سبحان الله! إن الإنسان إذا سار على الطريق وحده يشعر بوحشة، وإذا جاء الله بشيء يؤنس الإنسان ويطمئنه يشعر براحة ولذة وطمأنينة، كيف إذا كان هذا هو العمل الصالح الذي يقدمه الإنسان في هذه الحياة الدنيا؟ والأعمال الصالحة معروف أنها منوعة .. من صيام، وقيام ليل .. وقراءة قرآن .. وأمر بمعروف .. ودعوة إلى الله .. وتعليم علم .. وطلب علم .. وأعمال متنوعة، ولذلك ينبغي للمسلم أن يتنافس فيها، لعلها تكون معه بين يديه في قبره تؤنسه، وتكون سبباً لإزالة الوحشة التي في قلبه، وتحدث للإنسان الوحشة؛ لأنه ليس له قريب ولا عزيز ولا أنيس، وإذا أتى عمله الذي قارنه في حياته كلها كان أوثق الناس به، وأقرب الأشياء إليه، وأنس لقلبه واطمأن له.

بخلاف العاصي -نعوذ بالله- فإنه يمثل له عمله في صورة رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، ويقول له: أبشر بالذي يسوءك، ثم يسأل: من أنت؟ فإن وجهك الوجه القبيح.. وغيره؟ فيقول: أنا عملك في هذه الحياة الدنيا الذي عملت، فيفتح له -نعوذ بالله- باب إلى النار، وينظر إليها، ويقال له: هذا مقعدك, ويفتح له باب إلى الجنة فيقال: هذا منزلك لو كنت طائعاً لله تعالى، ثم قالوا: يقيض له أعمى أصم أبكم معه مرزبة فيضربه بمطرقة.. إلى آخر ما يتعلق بعذاب القبر، ونعوذ بالله من عذاب القبر.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قبل أن نبدأ بمبحث القضاء والقدر، بقي عندنا جزئيات يسيرة في مسألة عذاب القبر ونعيمه.

مسألة: هل عذاب القبر متعلق بالروح والجسد، أم أنه للروح فقط، أم أنه للجسد وحده؟

الجواب: المعتزلة لما أنكروا عذاب القبر كانوا يقولون: إننا إذا بحثنا عن الميت بعد مضي سنين لم نجد شيئاً من جسده، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يبلى ولا يبقى منه إلا عجب الذنب فقط، فقالوا: إذاً تعلق العذاب والنعيم هو على الروح فقط، ولكن هذا القول ليس بصحيح، والدليل على عدم صحته: أنه يأتيانه ملكان فيسألانه ويقعدانه، ثم يفتح له باب فيقال له: انظر، فينظر إلى الجنة، وينظر إلى النار، هذا كله يتعلق بالنظر وغيره للجسد ليس للروح، مما يدل على أنه للروح وللجسد جميعاً، وإن كان أغلبه للروح، والجسد له جزء من قضية التنعيم، وله جزء من قضية التعذيب.

القبر ظلمة، ونعوذ بالله أن تكون قبورنا ظلمة علينا، ولقد ماتت امرأة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري ومسلم وهو في مسند الإمام أحمد وغيره، وهذه المرأة كانت تقم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماتت ولم يعبأ الصحابة بها، ولم يوقظوا النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ماتت ودفنت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (دلوني على قبرها) ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليها ثم قال: (إن هذه القبور ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم) مما يدل على ما يتميز به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أن القبر ينور على أصحابه عندما يصلي عليهم، ويكون نوراً على الناس بسبب الأعمال الصالحة التي يقدمونها في الحياة الدنيا.

ذكرنا أن عذاب القبر ربما أن الناس قد يسمعون شيئاً من أصوات الموتى، ومنهم: النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم صاحبا القبرين، وقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) صاحب النميمة، وصاحب عدم الاستنزاه من البول.

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على بغلة له، وجالت به صلى الله عليه وسلم، ثم سأل عن هذه القبور، وإذا هي ستة أو أربعة على خلاف في عددها، وكانت قبوراً للمشركين، فجالت بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كاد أن يسقط صلى الله عليه وسلم، بسبب أن هذه البغلة سمعت صوت الذين يعذبون.

ومر النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة وكانت معه دابته فتحركت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن يهود تعذب في قبرها) فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع شيئاً، وهذا يعتبر من أمر الغيب.

مسألة: هل يمكن لآحاد الناس أن يسمع عذاب القبر؟

الجواب: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يمكن أن يسمع، وقد يكون السماع شيئاً حقيقياً، وقد يكون رؤىً يراها الإنسان، ونعلم أن الرؤى جزء من النبوة، فقد يرى الإنسان والده في هيئة سيئة، يراه بأنه يقول مثلاً: عندي أموال ردوها لأصحابها .. فلان قد كان كذا.

أي: يستوحي الناس منها أن أباهم أو غيره من الميتين ربما يصاب بسوء، أو ربما ينعم بسبب شيء قدمه في الدنيا، فعند ذلك تكون سبباً لإبعاد هذه العقوبة، أو لزيادة النعيم الذي يحدث لهم.

ولذلك تجد أن الذين يفسرون الرؤى تفسيراً، قد يمكن أن تخبره بخبر، فيقول: والدك ربما يحدث له كذا، أو ربما والدك مسرور لعمل عملته، أو ربما لشيء يحدث، ولعل مما يحدث في مسألة الرؤى بعض المفسرين يفسرون الرؤى: أن الإنسان إذا رأى ميتاً له -وإن كنت لست مفسراً للرؤى أصلاً- ودعاه أن هذا ربما يكون نذيراً لقرب أجله، أو لموت عزيز عندهم، وهذا ليس على إطلاقه.

وأذكر من اللطائف: ذات مرة صليت في جامع الرياض قديماً، وكان سماحة شيخنا غائباً، فجاء رجل من البادية وسألني عن رؤيا؟ فقلت له: أنا لا أفسر الرؤى، قال: كنت في برية، وكان هناك باب، ثم فتح وخرج علي والدي، وقد يكون هذا علامة موتي، فهل ترى أن أتصدق أم أبذل شيئاً لهذا الميت وغيره؟

فمر علي أحد الأحبة فتبسمت في وجهه، ثم قلت له: حقيقة لا أفسر الرؤى، لكن لو عملت خيراً لوالدك الميت كان طيباً، ففي آخر الأمر، قال: لا، أنت تعلم بأني سأموت، ولم ترد أن تفسر لي الرؤيا، قلت له: أنا لا أدري عن الرؤى أبداً، قال: إنك ما ضحكت إلا لأني سأموت، فتورطت ماذا أعمل به؟ ولست ممن يفسر الرؤى أصلاً، وإن كنا قد بينا منهج الرؤيا إن كانت حسنة وإن كان سيئة، لكن أقول: إن الرؤى قد يحدث بها نوع خير للإنسان، مما يوقظ الله به قلب الإنسان، ومما يكون سبباً لصلاحه واستقامته على دين الله تعالى.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عمر سعود العيد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الأول) 2466 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن) 2415 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس) 2368 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس عشر) 2224 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس السادس عشر) 2209 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثاني عشر) 2103 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس التاسع) 2086 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الرابع) 2070 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الحادي عشر) 1941 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثاني) 1861 استماع