شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس التاسع)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قبل أن أتكلم عن أنواع التوسل البدعي لعلي أن أنبه إلى أدب لطيف من آداب الطلب، وقد يكون غريباً على عدد من الأحبة، ولكنه في كتب السلف لا يعتبر غريباً.

نبهنا سابقاً إلى أنه ينبغي لطالب العلم أن يهتم بتعلم العلوم ويبدأ بالأهم فالأهم، ولو سُئل الجميع: ما أهم شيء يطلبه طالب العلم؟

ستجدنا أول ما نقول: أن يهتم بالعقيدة، ثم بالحديث ثم.. ثم.. وهكذا، ولكننا نجد جمعاً من أئمة السلف رحمهم الله تعالى ذكروا أن أهم ما يبدأ به طالب العلم حفظ القرآن، فقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة) يقول الإمام الحافظ ابن حجر : قوله: (ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة) فيه إشارة إلى أنهم كانوا يتعلمون القرآن قبل أن يتعلموا السنن، والمراد بالسنن: ما يتلقونه عن النبي صلى الله عليه وسلم واجباً كان أو مندوباً.

ولقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى حيث قال الميموني : سألت أبا عبد الله : أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أم بالحديث؟ فقال له: بالقرآن، قلت: أعلمه كله؟ -أي: أعلمه كل القرآن؟- قال: إلا أن يعسر عليه.

إذا لم يستطع حفظ القرآن فلا مانع أن تجمع بين القرآن وبين سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول ابن مفلح رحمه الله في آدابه الشرعية : وعلى هذا أتباع الإمام أحمد إلى زماننا هذا، من عهد الإمام أحمد إلى زمان ابن مفلح وهم يجعلون القرآن هو الأصل في قضية التعلم.

يقول محمد بن الفضل : سمعت جدي يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة لطلب العلم، فقال: اقرأ القرآن أولاً حتى آذن لك، أي: حتى آذن لك أن تطلب العلم، قال: فاستظهرت القرآن، أي: حفظته عن ظهر قلب، فقال لي: امكث حتى تصلي به الختمة، أي: حتى تختم به في صلاة التراويح، يقول: ففعلت، فلما عيدنا -انتهينا يوم العيد- أذن لي بالخروج إلى مرو لطلب الحديث، مما يدل على أن البداية هي بكتاب الله تعالى.

وكذلك نقل عن أبي عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى في جامع بيان العلم وفضله ، قال: طلب العلم درجات، ومنازل ورتب لا ينبغي تعديها، أي: كأنه برنامج معين ينطلق به طالب العلم من هنا ثم يترقى به، ثم قال: ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، أي: من لم يأخذ بالطرق التي بينها له سلف الأمة فإنه يأتي بمنهج لم يُعرف، وقال بعدها: من تعدى سبيلهم عمداً ضل، أي: من قال: أنا لا أحتج بكلامهم ولا أقبل منهم ضل ولم يعرف طريق الطلب أصلاً، ومن تعداها مجتهداً زل، بعض الناس يقول: أنا لا أرى هذا الرأي ولا غيره، قال: زل فلم يكن على الجادة التي كان عليها هؤلاء السلف ، ثم قال: فأول العلم حفظ كتاب الله تعالى وتفهمه، وكل ما يعين على فهمه فواجب على طالب العلم أن يطلبه.

ثم قال رحمه الله: ولا أقول: إن حفظه واجب فرض، بمعنى: أنه يأثم من ترك حفظ القرآن، ولكن أقول: إن ذلك واجب ولازم على من أحب أن يكون عالماً أن يحفظ كتاب الله تعالى، ولكنه ليس من الواجبات والفرائض التي يأثم الإنسان بتركها، ثم قال: فمن حفظه قبل بلوغه ثم فرغ إلى ما يستعين به على فهمه باللسان العربي، كان ذلك عوناً له كبيراً على مراده من طلب العلم، وعوناً له على ضبط سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه إلى الآفاق قائلاً لهم أن يتعلموا السنة والفرائض واللحن -أي: النحو- كما يتعلم القرآن.

قال الإمام النووي في مقدمة كتابه المجموع : وينبغي أن يبدأ من دروسه على المشايخ في الحفظ والتكرار والمطالعة بالأهم فالأهم، ثم قال: وأول ما يبدأ به حفظ القرآن العزيز، فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن، وإذا حفظ قالوا: فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالاً يؤدي إلى نسيان شيء منه أو تعرض القرآن للنسيان، ثم ذكر بعد ذلك ما ينبغي لطالب العلم أن يحرص عليه.

وذكر كذلك الإمام ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر مقدمة عن العلم وأهميته، ثم ذكر فيها، قال: فإذا علم العاقل أن العمر قصير، وأن العلم كثير، قال: فقبيح بالعاقل الطالب لكمال الفضائل أن يتشاغل مثلاً بسماع الحديث ونسخه ومتعلقاته وغيره ثم لا يحفظ القرآن.

ونختم بكلام للخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، قال: وينبغي لطالب العلم أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل؛ إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم، أي: أنه أهم ما يبدأ به طالب العلم.

ولست بصدد كيفية قراءة وحفظ القرآن وآدابه ومتعلقاته، فهذا له وقت آخر، لكني أحببت أن أنبه على الأدب الذي هو أنه ينبغي لكل شخص منا أن يكون حريصاً على حفظ القرآن، وأن يجعله هو الأصل والقاعدة التي ينطلق منها.

وقد ذُكر أن بعض مشايخنا وليسوا من المعاصرين ولكنهم قد توفوا رحمهم الله، وأظن أن من أقربهم هو مفتي هذه الديار الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، فإنه كان إذا جاء الطالب يريد أن يطلب العلم لديه سأله: أحفظت القرآن أم لا؟ فإن كان حافظاً أجلسه مع الطلاب، وإن لم يكن حافظاً قال: انطلق فاحفظ القرآن ثم تعال فاجلس مع إخوانك من طلاب العلم، وهذا أدب كان يحرص عليه السلف، وينبغي أن يكون نصب أعيننا، وأن نجاهد النفس في تحصيل حفظ كتاب الله تعالى.

ذكر العلماء أن التوسل الممنوع محرم، وحرمته تتراوح بين درجات قد يصل بعضها إلى كفر الإنسان، وقد يكون بعضها من الأمور المبتدعة، فمن توسل بالأصنام لأجل أن تشفع له عند الله فلا شك في كفره وردته، لكن التوسل الذي وقع الخلاف فيه هو ثلاثة أنواع:

الأول: التوسل بذوات الأشخاص، وهو أن يقول الإنسان: اللهم إني أتوسل إليك بفلان، ويقصد به ذاته، أي: ذات هذا الشخص، كصاحب عبادة أو صلاح أو استقامة، أو دعوة مستجابة، أو أعمال صالحة .. إلى غيره، فيأتي يقول: اللهم إني أتوسل إليك بفلان أن تغفر لي، أو أتوسل إليك بفلان أن تجيب دعوتي.. إلى غير ذلك، وهذا التوسل لا يجوز، بل هو من التوسل البدعي المحرم.

التوسل الثاني: التوسل بجاه فلان أو حقه.

والجاه: هي المنزلة، أو أن يكون لهذا الشخص حق عند الله تعالى، ولذلك يتوسل بحق هذا الشخص وبمنزلته، كأن يقول: بجاه محمد، تجد بعض الناس اعتادوا هذه الكلمة، فيريد أن يطلب منك، فكأنه يعظم هذا الأمر في نفسه وفي نفسك، ويقول: بجاه محمد لا تردني عن هذا الطلب.

فنقول: هذا من التوسل البدعي المحرم الذي لا يجوز، والجاه: هي المنزلة والحق والمكانة، وهذا الأمر ليس جائزاً عندنا أبداً.

القسم الثالث: الإقسام على الله بالمتوسل به، وهو أن يقول: اللهم إني أقسم عليك بفلان أن تقضي حاجتي، وهذا لا شك أنه لا يجوز؛ لوجود الأمر الأول وهو أنه حلف بغير الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) والأمر الثاني: أنه توسل بدعي لا يجوز شرعاً إطلاقاً.

والأدلة على بيان أن هذا الأمر غير جائز، نحن نتساءل: حين ذكرنا سابقاً وقعدنا أن التوسل هو تقرب إلى الله، والأشياء التي نتقرب بها إلى الله هي نوع تعبد، والأصل في العبادات التوقيف ولابد من نص، فهذا الآن كأنه يتعبد إلى الله تعالى بشيء لم يوجد عليه دليل من كتابٍ ولا سنة، هل يوجد نص يدل على جواز التوسل بالذات أو بالمكانة أو الجاه أو بالشخص أو الإقسام؟

لا، وبناءً عليه نقول: هذا التوسل بدعي.

الأمر الثاني: أننا لا نجد أحداً من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعملون مثل هذا العمل، ونجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر الفرقة الناجية قال: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) ربطنا بالصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم أعظم مثال لتطبيق هذا الدين، فإذا لم يأتِ نص من كتاب ولا سنة، ثم إنه كذلك لا يوجد له من فعل الصحابة شيء، دل على أنه محدث، كما أننا نقول في قضية: أسألك التوسل سواء بالذات أو بغيره كأن تقول: بهذا الشخص أعطني، فما الرابطة بين دعائك وبين ذات الشخص، أو بجاهه ومنزلته، كون الإنسان له منزلة عند الله تعالى كمحمد صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين فلهم منازل عند الله، ما وجه الرابطة بين سؤالك وبين منزلتهم؟

لا رابطة بينهما أصلاً.

لكن لو جاء إنسان وقال: اللهم إنك تغفر لأوليائك وتعفو عنهم وتعطيهم الجنات العليا، اللهم إني أسألك أن تعطيني أجراً وثواباً وتغفر لي، فهذا جائز؛ لأنك أخبرت بفعل لله تعالى، وكأنك قدمت شيئاً من أسماء الله وصفاته وهذا أمر مشروع، فدل على أن التوسل البدعي هي الأنواع الثلاثة.

السؤال هنا الذي يأتي: عندما قال المؤلف رحمه الله:

ومودة القربى بها أتوسل

هذا التوسل من أي أنواع التوسل؟

الجواب: من التوسل الجائز، توسل بالعمل الصالح مثلما تقول: اللهم إني أحب أولياءك وأحب دينك، وأحب ما جئت به من شرعك فاغفر لي، مثلما نقول: نحن نحب هؤلاء الصالحين، ونحب رسولك، ونحب قرابة نبيك صلى الله عليه وسلم، فنسألك أن ترزقنا بهذه أجراً وثواباً من عند الله تعالى.

قبل أن نختم مسألة الصحابة أومئ إيماءة سريعة في قضية: ما حكم من سب أحداً من الصحابة؟ هل يكفر؟ هل يقتل؟ هل يعتبر مبتدعاً؟ هل يعزر.. أو غيره؟

حكم سب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

بالنسبة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فقضية عائشة رضي الله عنها جعلت مفاصلة، فمن تعرض لـعائشة رضي الله عنها واتهمها بما برأها الله منه فلا شك في ردته وخروجه من الإسلام، والسبب في ذلك: لأن الله أنزل في براءتها عشر آيات في سورة النور، وبين الله سبحانه وتعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26] كأنه بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب فلم تكن عنده زوجة إلا طيبة، ومن قدح فيها كأنه قدح في محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بالنقص، بل كذب الله ورسوله.

وجاءت مسألة: من قدح في إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان تعرض لمسألة العرض فهذا لا شك أن كالقدح في عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهذا قد أومأ إليه جمع من العلماء رحمهم الله تعالى كـابن حزم وكـالخرشي في شرحه على مختصر خليل ، وكذلك ابن قدامة في المغني ، وكذلك في شرح إعلاء السنن وغيره والقاضي عياض نقل عن الباقلاني وجمع، والخطيب البغدادي، ذكروا فيما يتعلق بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن لهن المنازل العليا.

حكم تكفير جميع الصحابة

مسألة: إذا سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً وحكم بارتدادهم وبكفرهم، قالوا: فإن هذا يعتبر ردة عن الإسلام، والسبب: أن الله أثنى عليهم في غير ما آية: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] وشهد لهم بجنات عدن في غير ما آية، وشهد لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، فكأنه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ذكروا هذا في مسألة الردة.

حكم وصف الصحابة عموماً بالصفات الذميمة

مسألة: إذا اتهم الصحابة بالصفات الذميمة، وقال: إن أصحاب محمد جبناء، وبخلاء، ووصفهم بصفات النقص بالجملة، قالوا: هذه ردة، ولذلك لما ذكر الله تعالى عن حال المنافقين، لما قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أجبن عند اللقاء، كأنهم يقولون: إذا جاءت الموائد هم أسرع الناس، وإذا جاءت المعارك هم أجبن الناس، فأنزل الله فيهم: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] ولعل السبب في ذلك: أن الله سبحانه وتعالى بين في كتابه أنه رضي عنهم، ووصفهم بصفات عظيمة جداً في عبادتهم وشجاعتهم وجهادهم وتضحيتهم وبذل أموالهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فمن لمزهم وسخر منهم أو انتقصهم على وجه العموم فكأنه بهذا يكون مكذباً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

هناك نصوص كثيرة في مسألة القدح في الصحابة، ذكر العلماء النقود التي نقد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نجعلها على أقسام:

القسم الأول: التعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدهم قالوا: وهذا لا يخلو من أمور متعددة:

الأول: الشتم له، وهذا لا شك أنه يعتبر شتم واحد من الصحابة، كأن يقول: فلان بخيل، فلان ليس بكريم، أو عنده صفة الجبن .. صحابي، فهذه كبيرة من الكبائر.

لكن إذا حكم بها على الصحابة جميعاً فهذا يعتبر كفراً، والسبب: لأنه تكذيب للنصوص الواردة.

قالوا: وإن كان التعرض له بدينه، أي: تعرض للصحابة رضي الله عنهم بالدين سواء بالكفر أو النفاق أو الردة، فلا يخلو إما أن يكون هذا الصحابي ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، قالوا: هذه ردة عن الإسلام، لكن إذا كان رماه بالموبقات وبالمعاصي، ولم يكن ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، فهذا يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب.

القسم الثالث: إذا تعرض لجمهور الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فهذه المسألة للعلماء فيها أقوال، فمن العلماء من يكفره، ومن العلماء من لا يكفره، لكن الأظهر أن من تعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق فإنه يكفر، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في منهاجه : أن من تعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنهم ارتدوا ما عدا ثلاثة أو غيره، فإن هؤلاء يعتبرون كفاراً؛ لأنهم كذبوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، هذا ما يتعلق بما ينبغي علينا تجاه الصحابة رضي الله عنهم.

بالنسبة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فقضية عائشة رضي الله عنها جعلت مفاصلة، فمن تعرض لـعائشة رضي الله عنها واتهمها بما برأها الله منه فلا شك في ردته وخروجه من الإسلام، والسبب في ذلك: لأن الله أنزل في براءتها عشر آيات في سورة النور، وبين الله سبحانه وتعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26] كأنه بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب فلم تكن عنده زوجة إلا طيبة، ومن قدح فيها كأنه قدح في محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بالنقص، بل كذب الله ورسوله.

وجاءت مسألة: من قدح في إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان تعرض لمسألة العرض فهذا لا شك أن كالقدح في عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهذا قد أومأ إليه جمع من العلماء رحمهم الله تعالى كـابن حزم وكـالخرشي في شرحه على مختصر خليل ، وكذلك ابن قدامة في المغني ، وكذلك في شرح إعلاء السنن وغيره والقاضي عياض نقل عن الباقلاني وجمع، والخطيب البغدادي، ذكروا فيما يتعلق بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن لهن المنازل العليا.

مسألة: إذا سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً وحكم بارتدادهم وبكفرهم، قالوا: فإن هذا يعتبر ردة عن الإسلام، والسبب: أن الله أثنى عليهم في غير ما آية: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] وشهد لهم بجنات عدن في غير ما آية، وشهد لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، فكأنه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ذكروا هذا في مسألة الردة.

مسألة: إذا اتهم الصحابة بالصفات الذميمة، وقال: إن أصحاب محمد جبناء، وبخلاء، ووصفهم بصفات النقص بالجملة، قالوا: هذه ردة، ولذلك لما ذكر الله تعالى عن حال المنافقين، لما قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أجبن عند اللقاء، كأنهم يقولون: إذا جاءت الموائد هم أسرع الناس، وإذا جاءت المعارك هم أجبن الناس، فأنزل الله فيهم: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] ولعل السبب في ذلك: أن الله سبحانه وتعالى بين في كتابه أنه رضي عنهم، ووصفهم بصفات عظيمة جداً في عبادتهم وشجاعتهم وجهادهم وتضحيتهم وبذل أموالهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فمن لمزهم وسخر منهم أو انتقصهم على وجه العموم فكأنه بهذا يكون مكذباً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

هناك نصوص كثيرة في مسألة القدح في الصحابة، ذكر العلماء النقود التي نقد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نجعلها على أقسام:

القسم الأول: التعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدهم قالوا: وهذا لا يخلو من أمور متعددة:

الأول: الشتم له، وهذا لا شك أنه يعتبر شتم واحد من الصحابة، كأن يقول: فلان بخيل، فلان ليس بكريم، أو عنده صفة الجبن .. صحابي، فهذه كبيرة من الكبائر.

لكن إذا حكم بها على الصحابة جميعاً فهذا يعتبر كفراً، والسبب: لأنه تكذيب للنصوص الواردة.

قالوا: وإن كان التعرض له بدينه، أي: تعرض للصحابة رضي الله عنهم بالدين سواء بالكفر أو النفاق أو الردة، فلا يخلو إما أن يكون هذا الصحابي ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، قالوا: هذه ردة عن الإسلام، لكن إذا كان رماه بالموبقات وبالمعاصي، ولم يكن ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، فهذا يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب.

القسم الثالث: إذا تعرض لجمهور الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فهذه المسألة للعلماء فيها أقوال، فمن العلماء من يكفره، ومن العلماء من لا يكفره، لكن الأظهر أن من تعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق فإنه يكفر، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في منهاجه : أن من تعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنهم ارتدوا ما عدا ثلاثة أو غيره، فإن هؤلاء يعتبرون كفاراً؛ لأنهم كذبوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، هذا ما يتعلق بما ينبغي علينا تجاه الصحابة رضي الله عنهم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عمر سعود العيد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الأول) 2460 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن) 2410 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس) 2364 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس عشر) 2220 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس السادس عشر) 2206 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثاني عشر) 2097 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الرابع) 2067 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن عشر) 1999 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الحادي عشر) 1938 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثاني) 1857 استماع