شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لنا وقفات حول قول المؤلف رحمه الله تعالى: (وعقيدتي).

أولاً: نحن نعلم أن عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هي عقيدة السلف الصالح ، وأنه رحمه الله تعالى من أحرص الناس على اتباع سلف الأمة، وما من قول يقوله في مسائل الاعتقاد إلا حرص أن يأتي عليه بنص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كان فيه فهم لأحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دامت عقيدة شيخ الإسلام هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، وهي عقيدة سلف الأمة؛ فإن السلف لهم مصادر في عقيدتهم يعتمدون عليها في أخذهم هذا المعتقد.

القرآن الكريم

أول هذه المصادر هو كتاب الله تعالى، وكتاب الله هو العمدة لمن أراد النجاة والوضوح والاعتماد في كل جزئياته صغيرها وكبيرها، واعتبر سلف الأمة الكتاب هو المصدر العظيم الذي يعتمد عليه، والله يقول: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122].. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء:87] واعتبر الكتاب هو الموصل لنا للأمور الغيبية التي لا تطلع عليها العقول، فمسائل الاعتقاد فيما يتعلق بذات الرب سبحانه وتعالى، أو فيما يتعلق بالأصول الإيمانية الستة: كالإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتب، والرسل، لا نستطيع الوصول إليها بعقولنا، وإنما بخبر صادق، ولا شك بأن أعظم تلك الأخبار هو كتاب الله تعالى.

السنة النبوية

المصدر الثاني: هو سنة محمد صلى الله عليه وسلم، ورسولنا صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى: إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] والله قد بين في كتابه أن محمداً: لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:44-46] دل على أنه لا يمكن أن يأتي بشيء من هواه، وإنما يأتي مبلغاً عن ربه سبحانه وتعالى، ولذلك ما جاءنا عن الله أخذنا به، وما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذنا به؛ لأنه أعلم الخلق بربه سبحانه وتعالى، ولذلك أصبح هو المصدر الثاني عندنا في الاعتماد عليه في مسائل الاعتقاد.

ولم تُربط العقيدة بمسائل العقل ليعتبر مصدراً مستقلاً استقلالاً كلياً، ويُعتمد عليه اعتماداً كاملاً، وإنما جعل العقل دالاً لمعرفة الكتاب والسنة، والسبب: لأن العقل مخلوق لله سبحانه وتعالى، فكيف يمكن أن يحكم على ما يتعلق بمسائل الاعتقاد وعلى أخبار الرب سبحانه وتعالى، ثم إن العقول محدودة، وإطارها ضيق، ولا تستطيع التجاوز عن الحد الذي حدها الله لها، وأما من تجاوز بعقله عما خلقه الله عليه فإنه يتخبط في الظلمات ليس بخارج منها.

ثانياً: أن العقل ضعيف التأثر، وسرعان ما يتغير الإنسان، يدخل عليك الإنسان بتصور جازم به، ثم تجده بعد ذلك ينطلق إلى آخر فيتغير بمتأثرات وغيرها، ثم يرجع لك بصورة غير الصورة التي دخل عليك بها من قبل، ولهذا عقول الناس تختلف باختلاف المؤثرات والأجواء التي يعيش فيها.

سبحان الله! كم من الناس عاشوا في بلاد الإسلام، وكانوا على صفاء ونقاء! ولما انطلقوا إلى بلاد الكفر مسخت عقولهم، وبعضهم تأثروا بما تعلموا به، فجاءوا بأمور جديدة على الناس لم تكن معروفة، مما يدل على أن العقل يتأثر بالمؤثرات التي تحيط به سواء كانت النفس أو الهوى أو التعلم أو غيرها، فلا يمكن أن يكون معتمداً أبداً يعتمد عليه في مسائل الصفات، ولهذا ظل (الفلاسفة) ولئن كان الناس يسمونهم (فلاسفة) ينسبونهم إلى الإسلام، وفي الحقيقة بعضهم لا ينسب إلى الإسلام؛ نظراً لأقواله المنحرفة عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فهم السلف الصالح

وهنا يتميز أهل السنة والجماعة بخصيصة: أنهم يأخذون عقيدتهم على ضوء فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يأتون بفهومهم هم، وإنما يأخذون بفهم الصحابة، وفهم الصحابة هو العمدة؛ نظراً لأنهم عاصروا التنـزيل، وأدرى بمقاصد الشرع، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين لهم كل شيء، ولم يترك شيئاً من أمور الدين في مسائل الاعتقاد أو الفروع إلا وقد وضحها لهم، وقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) وبذلك كان اعتمادنا على فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتماداً قوياً في مصادر التلقي.

ذُكر في مسائل الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وإن كنا قلنا في الدرس الماضي: إن سلف الأمة دائماً ينتسبون إلى الإمام أحمد رحمه الله ورضي الله عنه لما تميز به، فكتب في رسالته لـعبيد الله بن يحيى كما روى الإمام ابن الجوزي بسنده عن عبد الله ابن الإمام أحمد، قال: كتب أبي إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان يبين له منهجه رضي الله عنه وأرضاه: "لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتابٍ أو حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه رضي الله عنهم، أما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود".

ونجد أمراً عجيباً وتنبيهاً لطيفاً هنا: مسائل الاعتقاد نجد أنها جاءت تلقينية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2].. قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2].. قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ [البقرة:136].. قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً [الأنعام:14].. قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام:19].. قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [غافر:66].. قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا [الأنعام:71] كلها مسائل عقيدة تلقن الأمة إلى قيام الساعة أن تتمسك بها، مما يدل على أنها توقيفية يُتبع فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وبهذا نعلم أن العقيدة هي ما يدين الإنسان به ربه، ويؤمن به في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.

بعد أن أخذنا مصادر العقيدة، ننطلق فنتكلم عما تتميز به العقيدة الإسلامية، ونقول: إنها تتميز بمزايا:

أول هذه المصادر هو كتاب الله تعالى، وكتاب الله هو العمدة لمن أراد النجاة والوضوح والاعتماد في كل جزئياته صغيرها وكبيرها، واعتبر سلف الأمة الكتاب هو المصدر العظيم الذي يعتمد عليه، والله يقول: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122].. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء:87] واعتبر الكتاب هو الموصل لنا للأمور الغيبية التي لا تطلع عليها العقول، فمسائل الاعتقاد فيما يتعلق بذات الرب سبحانه وتعالى، أو فيما يتعلق بالأصول الإيمانية الستة: كالإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتب، والرسل، لا نستطيع الوصول إليها بعقولنا، وإنما بخبر صادق، ولا شك بأن أعظم تلك الأخبار هو كتاب الله تعالى.

المصدر الثاني: هو سنة محمد صلى الله عليه وسلم، ورسولنا صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى: إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] والله قد بين في كتابه أن محمداً: لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:44-46] دل على أنه لا يمكن أن يأتي بشيء من هواه، وإنما يأتي مبلغاً عن ربه سبحانه وتعالى، ولذلك ما جاءنا عن الله أخذنا به، وما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذنا به؛ لأنه أعلم الخلق بربه سبحانه وتعالى، ولذلك أصبح هو المصدر الثاني عندنا في الاعتماد عليه في مسائل الاعتقاد.

ولم تُربط العقيدة بمسائل العقل ليعتبر مصدراً مستقلاً استقلالاً كلياً، ويُعتمد عليه اعتماداً كاملاً، وإنما جعل العقل دالاً لمعرفة الكتاب والسنة، والسبب: لأن العقل مخلوق لله سبحانه وتعالى، فكيف يمكن أن يحكم على ما يتعلق بمسائل الاعتقاد وعلى أخبار الرب سبحانه وتعالى، ثم إن العقول محدودة، وإطارها ضيق، ولا تستطيع التجاوز عن الحد الذي حدها الله لها، وأما من تجاوز بعقله عما خلقه الله عليه فإنه يتخبط في الظلمات ليس بخارج منها.

ثانياً: أن العقل ضعيف التأثر، وسرعان ما يتغير الإنسان، يدخل عليك الإنسان بتصور جازم به، ثم تجده بعد ذلك ينطلق إلى آخر فيتغير بمتأثرات وغيرها، ثم يرجع لك بصورة غير الصورة التي دخل عليك بها من قبل، ولهذا عقول الناس تختلف باختلاف المؤثرات والأجواء التي يعيش فيها.

سبحان الله! كم من الناس عاشوا في بلاد الإسلام، وكانوا على صفاء ونقاء! ولما انطلقوا إلى بلاد الكفر مسخت عقولهم، وبعضهم تأثروا بما تعلموا به، فجاءوا بأمور جديدة على الناس لم تكن معروفة، مما يدل على أن العقل يتأثر بالمؤثرات التي تحيط به سواء كانت النفس أو الهوى أو التعلم أو غيرها، فلا يمكن أن يكون معتمداً أبداً يعتمد عليه في مسائل الصفات، ولهذا ظل (الفلاسفة) ولئن كان الناس يسمونهم (فلاسفة) ينسبونهم إلى الإسلام، وفي الحقيقة بعضهم لا ينسب إلى الإسلام؛ نظراً لأقواله المنحرفة عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهنا يتميز أهل السنة والجماعة بخصيصة: أنهم يأخذون عقيدتهم على ضوء فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يأتون بفهومهم هم، وإنما يأخذون بفهم الصحابة، وفهم الصحابة هو العمدة؛ نظراً لأنهم عاصروا التنـزيل، وأدرى بمقاصد الشرع، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين لهم كل شيء، ولم يترك شيئاً من أمور الدين في مسائل الاعتقاد أو الفروع إلا وقد وضحها لهم، وقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) وبذلك كان اعتمادنا على فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتماداً قوياً في مصادر التلقي.

ذُكر في مسائل الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وإن كنا قلنا في الدرس الماضي: إن سلف الأمة دائماً ينتسبون إلى الإمام أحمد رحمه الله ورضي الله عنه لما تميز به، فكتب في رسالته لـعبيد الله بن يحيى كما روى الإمام ابن الجوزي بسنده عن عبد الله ابن الإمام أحمد، قال: كتب أبي إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان يبين له منهجه رضي الله عنه وأرضاه: "لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتابٍ أو حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه رضي الله عنهم، أما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود".

ونجد أمراً عجيباً وتنبيهاً لطيفاً هنا: مسائل الاعتقاد نجد أنها جاءت تلقينية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2].. قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2].. قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ [البقرة:136].. قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً [الأنعام:14].. قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام:19].. قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [غافر:66].. قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا [الأنعام:71] كلها مسائل عقيدة تلقن الأمة إلى قيام الساعة أن تتمسك بها، مما يدل على أنها توقيفية يُتبع فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وبهذا نعلم أن العقيدة هي ما يدين الإنسان به ربه، ويؤمن به في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.

بعد أن أخذنا مصادر العقيدة، ننطلق فنتكلم عما تتميز به العقيدة الإسلامية، ونقول: إنها تتميز بمزايا:

أنها من الأمور الغيبية

تعتبر العقيدة من الأمور الغيبية، إذ لا نعلم حقائقها وإن كنا نعلم مدلول اللفظ، وإنما ما يتعلق بكيفيتها لا يعلمها إلا الله، نحن نعلم أن لله ملائكة، لكن كيف هؤلاء الملائكة؟ ما طولهم؟ ما لونهم؟ ما مهمتهم (100%) دقيقة؟ ورد لنا أن بعض الملائكة لهم بعض المهمات، والصفات والوظائف، لكن الحقائق والكيفيات لا نعلمها.

منها: فيما يتعلق بالرب سبحانه وتعالى، نحن نعلم بأن الله موجود، ونعلم بأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، لكن كيفية تلك الصفات الله أعلم بها كما قال الإمام مالك : "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" وتصبح هذه الأصول من مسائل الاعتقاد غيبية لا يمكن إطلاقاً أن ندركها إلا على ضوء الكتاب والسنة.

العقيدة الإسلامية توقيفية، ويقصد بالتوقيفية أنه يتبع فيها الكتاب والسنة، وهذه من أهم ما تتميز بها، فلم يجعل الله للعقول فيها مجالاً، ولذلك نقول: إنها ليست محطة لاجتهاد أحد من العلماء، وليس لأحد أن يغير مسائل الاعتقاد بوجهٍ من الوجوه.

أنها تنتهج الوسطية فلا إفراط ولا تفريط

فهي عقيدة وسط، وتتميز وسطية هذه العقيدة بأمور كثيرة، والوسط هنا يقصد به أنها عقيدة بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والتقصير، فليست كالعقائد الأخرى التي فيها نوع من الانحراف والتغيير والزيادة والنقص، ولذلك نجد أن عقيدة أهل السنة والجماعة وسطاً بين الأديان كلها، فاليهود هم الذين وصفوا الله بالنقائص وقالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] وقالوا قبحهم الله: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64].

ونجد أنها في المقابل وسط بين طائفة النصارى الذي غلوا في عيسى عليه الصلاة والسلام، ووصفوه بأن أعطوه صفات الرب سبحانه وتعالى، وجعلوا له حق التصرف في الإحياء والإماتة، وله حق التصرف في الكون كله، وأصبح أهل السنة وسطاً بين هؤلاء، فأثبتوا لله الأسماء الحسنى والصفات العلى.

وهكذا في مسألة العبودية، فهم وسط بين الدهريين الذين ينكرون وجود الله تعالى بالكلية -وكذلك في عصرنا الشيوعين الذين يقولون: لا إله والحياة مادة- والدهريون الذين قالوا: مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ [الجاثية:24] وبين طوائف المشركين الذين عبدوا آلهة متعددة، فقريش عبدت عند الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً من دون الله، وجاءت هذه العقيدة (عقيدة أهل السنة والجماعة ) لتعلن للناس أن لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، وعجبت قريش!! مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:7] وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] مستنكرين لهذه الألوهية.

وهم كذلك وسط في أمورٍ متعددة، ولقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على وسطية أهل السنة والجماعة بكلام نفيس، بيَّن فيه أنهم وسط بين الملل السابقة، كما أنهم وسط يبن الطوائف التي تعيش بين ظهراني المسلمين، فهم وسط في أسماء الله وصفاته بين المشبهة والمعطلة، فـالمعطلة نفت الصفات كلياً، وقالوا: إن الله ليس له الأسماء الحسنى ولا الصفات العلى.

ووسط بين المشبهة الذين يقولون: إن يد الله مثل يدي، وسمع الله مثل سمعي، قاتلهم الله أنى يؤفكون، فإن هذا أمر لا يجوز لنا بأي وجه من الوجوه، بل لله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى والصفات العلى، ونقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

ووسط بن القدرية الذين ينفون القدر، وهذا ينطبق على المعتزلة ، وكذلك الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان مجبور على فعله.

ووسط في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الذين يكفرونهم ويجعلونهم خارجين من الإسلام، وبين طوائف تؤله بعض الصحابة وتعظمهم، وتجعل لهم تصريفاً في الكون وتدبيراً، ولذلك أصبح أهل السنة والجماعة وسطاً بين الطوائف المنحرفة، ولسنا بصدد الحصر لوسطية أهل السنة في كثير من مسائل الاعتقاد.

أنها ثابتة لا تتغير على مرِّ العصور والدهور

وعقيدة الإسلام لا تتغير على مر العصور والدهور أبداً، وسبحان الله! من عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يأتيه الرجل يريد أن يسلم فيقول له: اشهد بأن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ونحن في عصرنا من أراد الإسلام نأمره بقضية الشهادتين، ونجد عقيدتنا التي كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم هي عقيدتنا الآن، بل إن من تمسك بها سيستمر إلى قيام الساعة لا زيادة هناك ولا نقص، ونجد في مقتضى الثبات هذا بمعنى: أنه لا يجوز تطويرها بما يناسب العصور أبداً.

وسبحان الله! إنك إن تنطلق إلى تاريخ الكنيسة تجد عجباً، فكلما مر عليهم قرن أو قرنان اجتمع مجلس الكنائس فطوروا العقيدة لتناسب العصر، وما من عصرٍ إلا وتجد فيه تجديداً وتغييراً، أما عقيدتنا فهي ما كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ما كان عليها الإمام أحمد رحمه الله، وهي ما كان عليها شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي ما كان عليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى قيام الساعة، ثابتة لا يجوز تغييرها، ولا يمكن أن يزاد فيها ولا ينقص منها.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة إلى قيام الساعة) وذكر شيئاً من خصائصها ومن صفاتها، ونسأل الله أن نكون من هؤلاء.

أنها لا تتعارض مع العقل السليم

العقيدة الإسلامية لا تتعارض مع العقل السليم أبداً، ولذلك نجد في القرآن آيات تأمر العقل بالتدبر: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2].. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهَى [طه:54] إلى غير ذلك.. لفتة للعقل بأن يتأمل في هذه الأمور، وأن يتمسك بها، وليس هناك نص يخالف العقل في مسائل الاعتقاد إطلاقاً، ولذلك قلنا: إن الشريعة تأتي بما تحار فيه العقول، لا بما تستحيله العقول.

أنها مبرهن على كل جزئية من جزئياتها

عقيدة الإسلام عقيدة مبرهنة، فما من جزئية من جزئياتها إلا ويوجد لها نص من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا قيل لك: اعتقد بهذا الشيء دون أن يوجد نص من كتابٍ وسنة فلا تقبله أبداً، ولذلك لما ذكر الله في سورة البقرة: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ [البقرة:111] جاءت: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111] أعطونا دليلاً على هذا الشيء؟ ونحن نعلم أن دخول الجنة ودخول النار لا يكون إلا على مسائل الاعتقاد، ولهذا ذكر الله عن اليهود عندما قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:80] أي: أنه لا دليل لكم ولا حجة، بل إنكم مفترون على الله، فلذلك تتميز العقيدة الإسلامية بأنها عقيدة مبرهنة، تتبع قضاياها وجزئياتها بالحجة الدامغة وبالدليل الناصع الصحيح الثابت الوارد في كتاب الله، أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

أنها سالمة من التناقض والتعارض

والعقيدة الإسلامية ليس فيها شيء من التناقض والتعارض أبداً، ولذلك لا نجد تعارضاً بين آيات القرآن، ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بين جزيئات العقيدة فلا ينقض بعضها بعضاً، بل بعضها يوافق ويؤيد بعضاً، وتسير في بيان معتقد صحيح ثابت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أنها واضحة ومبينة لجميع الناس

العقيدة الإسلامية عقيدة واضحة، وتميز وضوح هذه العقيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) ولذلك لا نجد في مسائل الاعتقاد شيئاً من الغموض، ولئن وجد عند بعض الناس شيئاً من الغموض، فلعل السبب في ذلك جهل هذا الإنسان بمعتقده وعدم معرفته له، وإلا فإن مسائل العقيدة لا غموض فيها أبداً، كيف يكون فيها نوع من الغموض وهي معتمدة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟!

ونحن في مسائل الاعتقاد لا نكتم على أحد، ولا يقال لأحد: إنك لم تبلغ الرتبة، فلا يمكن أن تصل إليك هذه المسائل الاعتقادية.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض هذه العقيدة على أبي بكر وعمر كما يعرضها على الأعرابي الذي يتبع الإبل يرعاها وغيره، وهو قد يكون من أقل الناس معرفة ودراية، لم يكتم النبي صلى الله عليه وسلم عقيدته على أحد، بل لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمن ليس له علم: إنك لم تبلغ الرتبة، انتظر فترة من الزمن حتى تترقى وتصل إلى مرتبة تعرف فيها مسائل الاعتقاد، يأتي النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الجاهل، ومع ذلك يأمره بأصول الاعتقاد والإيمان، ويأتيه سيد القوم وربما العالم، وربما أعلى الناس رتبة، ويعرض عليه أصول الاعتقاد كما يعرضها على هذا وهذا سواء، يأمرهم بتأصيل هذه المسائل الاعتقادية.

والعجب أننا نجد في الديانة النصرانية مسائل غامضة، وكم نجد من الناس الذين دخلوا في دين الله تعالى من النصارى وكان سبب إسلامهم: أنهم لا يجدون من الوضوح ولله الحمد كما في مسألة التوحيد والعقيدة عندنا، ويجدون إشكالات وغموضاً في مسائل الاعتقاد عندهم، ولو سألوا أساقفتهم عُتِّب عليهم، ولم يقبل منهم أن يسألوا نظراً لأنها مراتب عندهم.

ويشابه النصارى غلاة الصوفية الذين يقولون: إن من سأل منع أو سحبت منه بركة العلم، ولم يستفد من الشيخ، ويقال: إنك لم تصل إلى رتبة، فانتظر حتى يرقيك الشيخ إلى هذا المستوى، وهذا ليس في عقيدة أهل السنة والجماعة ، وليس في عقيدة سلف الأمة، بل تعرض العقيدة ناصعة واضحة كالشمس في رابعة النهار لكل من أراد أن يستفيد منها، فهي ولله الحمد واضحة وبينة بياناً كاملاً، ولقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم يرسي معالم العقيدة، ويؤصلها في نفوس الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن ولله الحمد فيها شيء من الغموض.

أنها تقبلها الفطر السليمة

العقيدة فطرية، ويقصد بفطرية هذه العقيدة: أنها لا تعرض على صاحب فطرة سليمة إلا قبل هذه العقيدة قبولاً تاماً ورضي بها، ولم يجد شيئاً من المعارضة في نفسه لهذه العقيدة، بخلاف العقائد الأخرى فكم تجد فيها من الغموض، وكم تجد أن النفوس تنفر منها ولا تقبلها، كما قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لما حدثت المناقشة مع النجاشي رحمه الله ورضي الله عنه، قال: كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونئد البنات، ونأتي الفواحش، ونأكل الربا، ونسيء الجوار .. إلخ، ولكن أتانا الله بهذا الدين بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بأمر التوحيد، وبحسن الجوار، وبر الوالدين، وبصدق الحديث والأمانة، فقال النجاشي بعد ذلك قابلاً لهذا الدين لأنه على الفطرة، قال: إن هذا الذي أمر به محمد لهو الذي أمر به عيسى وأمر به موسى عليهم الصلاة والسلام.

أنها شاملة لجوانب الحياة

العقيدة شاملة، ويقصد بها: أنها عقيدة شاملة لجميع جوانب الحياة، وتغذي نفس الإنسان واحتياجه، وإن الإنسان يجد في نفسه فراغاً، ويحتاج إلى شيء من الإجابات على أمور كثيرة، يحتاج إلى الإجابة لماذا خلق في هذه الحياة الدنيا؟ وإلى أين ينتقل إذا مات؟ وما مصيره بعد الموت؟ أسئلة ملحة تحتاج إلى إجابات، ولله الحمد توجد في عقيدة الإسلام واضحة بينة، ولذلك يقول الله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] إلى غير ذلك مما تتميز به العقيدة الإسلامية من النصوع والوضوح.