شرح القواعد الأربع - القاعدة الرابعة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المؤلف رحمه الله: [ القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين؛ لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة، والدليل قوله تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، فعلى هذا الداعي عابد، والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم].

هذه القاعدة هي القاعدة الرابعة من هذه القواعد الأربع، وهي خاتمتها.

قال رحمه الله تعالى: [القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين].

يتكلم المؤلف رحمه الله عن مشركي زمانه، وهم الذين كانوا في القرن الثاني عشر؛ فإن المؤلف رحمه الله تعالى عاش في القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر.

يقول رحمه الله تعالى: [أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين]، ثم بين وجه غلظ شرك هؤلاء المتأخرين.

فقال: [فإن الأولين يخلصون لله في الشدة، ويشركون في الرخاء]، فهم عند الشدة يقطعون علائق الشرك، ولا يتوجهون إلاَّ إلى الله عز وجل بالرغبة والرهبة، وأما في الرخاء فإنهم يعبدون الله وغيره، ويصرفون العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، فهذه حال المشركين المتقدمين، أما مشركو الزمان المتأخر في زمن المؤلف رحمه الله، وكذلك في الزمن الحاضر فحالهم كما يقول رحمه الله: [ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة] أي: إنهم يقع منهم الشرك في الرخاء، كما أنه يقع منهم الشرك في الشدة، فهم لا يخلصون العبادة في حال الرخاء والسعة، ولا في حال الشدة والضيق، والدليل على ما كان عليه المشركون المتقدِّمون قوله تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، فهؤلاء أخلصوا في الفلك، أي: لما ركبوا البحر أخلصوا لله عز وجل الدعوة، فلم يصرفوها لغيره، بل أخلصوا له الدين الظاهر والباطن، عمل القلب وقول اللسان، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ [العنكبوت:65] أي: لما حصلت لهم السلامة والنجاة من الغرق ((إذا هم يشركون)). وأتى بهذا التعبير الدال على المفاجأة؛ فإن ( إذا ) فجائية، يعني: خلاف ما هو متوقع. فالمتوقع أنهم يدومون على حال التوحيد وإخلاص العبادة، لكن الأمر جاء على خلاف ذلك، فكان حالهم أنهم أشركوا في الرخاء؛ لقوله تعالى: إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].

أما حال المشركين المتأخرين فالذي يعاشرهم يجد أنهم يدعون غير الله في حال الكرب أكثر منهم في حال الرخاء، فإنهم إذا اشتدت بهم الأمور وضاقت عليهم الأحوال وتوالت عليهم الخطوب وادلهمَّت الأمور كان فزعهم ودعاؤهم وسؤالهم لغير الله جل وعلا، وهذا على خلاف ما عليه الحال من أهل الشرك المتقدمين، وهذا الكلام لا يعني أن المشركين في الزمن المتأخر هم أسوأ من حال المشركين من كل وجه في الزمن المتقدم؛ لأن بعض المعارضين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى يقولون: إن الشيخ يبالغ في وصف حال المشركين في الزمن المتأخر، ويزكي حال المشركين المتقدمين، ووجه ذلك -على حدِّ زعمهم- أن الشيخ يقول: إن المشركين المتقدمين كان يقع منهم الشرك في الرخاء. ويقولون: هم لا يؤمنون بالبعث، وقد حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم وناوأوه، وسعوا في قتله، وهذا لم يكن ولم يحدث من المشركين المتأخرين، فالمشركون المتأخرون يقع منهم الشرك لكنهم يصلون ويصومون ويحبون النبي صلى الله عليه وسلم، ويعظمون الصالحين، ويعظمون الشريعة. هكذا زعموا.

فنقول: إن الشيخ رحمه الله تعالى لم يجعل الموازنة بين أهل الشرك في الزمن المتأخر وأهل الشرك في الزمن المتقدم من كل وجه، إنما الموازنة في مسألة الدعاء، ولذلك قال: [إن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين] فالموازنة إنما هي في الشرك، وليست في كل ما هم عليه؛ لأن أهل الشرك الأولين كانوا يئدون البنات، ويزنون، ولا يحرمون الحرام ولا يحلون الحلال، ويفعلون ما يفعلون من جاهليةٍ جهلاء، وهي ليست في المشركين المعاصرين، فنقول: الكلام والبحث ليس في الموازنة من كل وجه، إنما هو في الموازنة من جهة الشرك.

دعاء المسألة من العبادة

ثم قال رحمه الله تعالى: [فعلى هذا الداعي عابد]، وهذا لا إشكال فيه، فكل داعٍ فهو عابد، وكل من دعا وسأل فإنه عابد، وهذا حتى لا يقال: إن دعاء المسألة ليس من العبادة. بل دعاء المسألة من العبادة، ولذلك هناك قاعدة أن كل دعاء ذكره الله في كتابه فهو يشمل في الغالب دعاء المسألة ودعاء العبادة، لاسيما فيما يذكره من دعاء المشركين؛ فإنه يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.

الفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة

وحتى نكون على علم بالفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة، فما الفرق بين دعاء المسألة وبين ودعاء العبادة؟

الفرق هو أن دعاء المسألة هو: سؤال الحاجات الدينية أو الدنيوية. فإذا قلت: يا رب! يسِّر أمري، واشرح صدري، وأنر بصيرتي، وارزقني مالاً حلالاً، وارزقني زوجةً صالحة. فهذا دعاء مسألة؛ لأنك تطلب من الله حاجات.

وأما دعاء العبادة فهو كل قربة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل، فالصلاة دعاء عبادة، والزكاة والصيام والحج والتسبيح وتبسمك في وجه أخيك عبادة، وهو أيضاً دعاء؛ لأنك إنما تفعل هذا تطلب الثواب، وطلب الثواب دعاء عبادة، فعلى هذا الداعي عابد، والدليل قوله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6] أي: كان هؤلاء المدعوون أعداءً لهؤلاء الداعين، خلافاً لما أمّلوه، وخلافاً لما توهموه من أنهم ينصرونهم.

ثم قال: [والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين].

والحمد لله رب العالمين.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح القواعد الأربع - القاعدة الأولى 1636 استماع
شرح القواعد الأربع - القاعدة الثانية 1537 استماع
شرح القواعد الأربع - المقدمة 1461 استماع
شرح القواعد الأربع - القاعدة الثالثة 1319 استماع