عنوان الفتوى : محاذير كلام الحب بين الخطيبين والتجاوب مع المشاعر العاطفية
أنا فتاة جامعية، عمري 21 سنة. خُطِبت مرتين (خطبة وقراءة فاتحة بدون كتب الكتاب)، ثم فُسخت الخطبتان، أول مرة كان الفسخ من الطرف الآخر، وثاني مرة كان من طرفي. في كلتا المرتين، بعد أن تمت الخطبة والفاتحة والرؤية الشرعية، كنت أتحدث مع الطرف الآخر مكالمات هاتفية، ورسائل نصية على الواتساب بنية التعرف على الشخص وأفكاره فقط. وفي كلتا المرتين كان سبب الفسخ واحد، وهو أن الطرف الآخر يقول بأني باردة المشاعر، وأني لا أعبر بالكلام كما يعبرون هم عنه.
أول خاطب قال: إني لا أحبه، وثاني خاطب قال: إنه لا يشعر تجاهي بأحاسيس، وقد قال سابقا: إني لا أعبر له بالكلام. أنا -ولله الحمد- من عائلة ملتزمة، وأهم ما عندي هو الحلال والحرام. قد قلت من قبل لهم، وشرحت أني لا أريد التحدث بكلام الحب، وأريد أن تبقى حدود ورسمية بيني وبينهم، وأن هذا الكلام يسعدني، وأريد أن أشارك به معهم، لكن بعد كتب الكتاب. لكن يقولون: إن هذا طبعي، ولن يتغير بعد الزواج. أنا فتاة خجولة بطبعي، ومتدينة، وذات مواصفات ممتازة -والحمد لله-. أنا أجيد مهارة التحدث والكلام، لكني لا أريد أن أقع في الحرام، ولكنهم لا يتفهمون هذا. هل المشكلة من عندي؟ هل أخطأت بتحدثي معهم؟ أنا أشعر بالحزن الشديد.
أفيدوني، جزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على الاستقامة على الطاعة، واجتناب ما حرم الله، نسأل الله لك التوفيق.
والتقوى لا تأتي إلا بخير بإذن الله؛ فهذا وعده سبحانه، وهو لا يخلف الميعاد، حيث قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق3:2}، فلا تحزني أن فاتك الزواج من أي من هذين الشابين، فالزواج من الرزق الذي يأتي المرء ما كتب له منه، وقد قال الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {هود:6}.
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: .. وأن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها, فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب... الحديث.
وكنت على صواب حين رفضت التجاوب مع أي من هذين الشابين في الحديث معه على وجه يحرم شرعا، فالخاطب أجنبي عن مخطوبته، فلا تجوز المحادثة بينهما إلا للحاجة، ووفقا للضوابط الشرعية.
والعلماء ينصون على أن المرأة المخطوبة أجنبية على الخاطب، فيحرم عليه النظر إليها، والتحديث معها لغير حاجة، والجلوس معها، ولا يجوز له منها إلا النظرة الشرعية من غير خلوة إذا أراد خطبتها.
وأما التساهل في الخلوة بالمخطوبة والاسترسال في الحديث معها وتكرار النظر إليها من غير حاجة بدعوى أنهما ملتزمان، فإن هذا تغرير من الشيطان بالإنسان وخداع له، لأن الإنسان مهما بلغ من الالتزام والعفة لا يؤمن فتنة الشيطان إذا خلا بالمرأة الأجنبية، لا سيما وأنها مخطوبته، وهو يتخيل أنها ستكون زوجة بعد فترة وجيزة فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما في الحديث الصحيح، وفي الصحيحين عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ».
وإذا أراد الخاطب أن يستمتع بالجلوس مع مخطوبته ويتحدث معها، فليعقد عليها عقدا صحيحا، فإنه إذا عقد عليها حل له أن يتكلم معها، وأن يخلو بها، وحل له كل شيء يحل للزوج من زوجته.
ونوصيك بتحري صاحب الدين والخلق من الخُطَّاب، فمثل هذا الخاطب حري بأن يراعي الضوابط الشرعية في تعامله معك، وأرجى لأن تدوم معه العشرة، روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.
وجاء في الأثر الذي أورده البغوي في شرح السنة عن الحسن البصري أنه أتاه رجل، فقال: إن لي بنتًا أحبّها، وقد خطبها غير واحد، فمن تشير عليّ أن أزوجها؟ قال: زوِّجها رجلًا يتقي الله، فإنه إن أحبّها، أكرمها، وإن أبغضها، لم يظلمها.
ونختم بالقول بأن عليك أن لا تلتفتي لما مضى، بل استشرفي للمستقبل، وسلي ربك أن ييسر لك من هو خير منهما، ونوصيك بالبحث عن الرجل الصالح، فهذا أمر لا حرج فيه، ويمكنك الاستعانة بأقاربك وصديقاتك الموثوقات.
وراجعي الفتوى: 18430.
والله أعلم.