شرح القواعد الأربع - القاعدة الأولى


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:

[ القاعدة الأولى: أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقرّون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر، وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام، والدليل قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [يونس:31]].

قوله: (القاعدة الأولى) في هذه القواعد الأربع: (أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر)، هذا فيه بيان حال الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحالهم هو الإقرار بتوحيد الربوبية، فهم مقرون بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق، ومقرون بأن الله هو المدبر، ومقرون بأن الله هو المالك، ومقرون بأن الله هو الرازق، وهذه حال جمهور الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وليسوا كلهم؛ لأنه كان منهم طائفة يقولون كما قال الله عنهم: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24]، وهؤلاء هم الدهريون، لكن هؤلاء فئة ليسوا هم الأكثر والغالب فيمن بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل أغلب من بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم يقرون بأن الله هو الخالق، وأنه هو المالك الرازق المدبر، فكانوا يضيفون إليه سبحانه وتعالى هذه الأمور، وإن كانوا في إقرارهم بالربوبية على غير جادة، أي: لم يستكملوا توحيد الربوبية، وذلك أنهم لا يعتقدون البعث بعد الموت، ومن لوازم الإقرار بالربوبية، الإقرار بأن الله سبحانه وتعالى يبعث الناس بعد موتهم؛ فإن ذلك من متممات اعتقاد أن الله هو المحيي المميت، فالذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانت هذه حالهم على وجه الجملة والغالب، والدليل على أنهم مقرون بهذا التوحيد الاستفهامات المتعددة الكثيرة في كتاب الله عز وجل التي يُسأل فيها هؤلاء عن خالقهم، وعن خالق السماوات والأرض، وعن المالك، وما أشبه ذلك من الاستفهامات التي تعددت في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل، ويكون الجواب فيها: (الله)، فدل ذلك على إقرارهم بأنه سبحانه وتعالى الخالق المالك المدبر الرازق، وقد انتخب الشيخ رحمه الله تعالى واصطفى واختار آيةً جمعت الإقرار بأركان توحيد الربوبية، وهي هذه الآية التي في سورة يونس، وهي قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [يونس:31] وهذا فيه إثـبات الرزق له جل وعلا، وأنه الرازق: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ [يونس:31] وهذا فيه إثبات الملك، وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31] وهذا فيه إثبات الخلق، وفيه أيضاً إثبات البعث بعد الموت، لكن هم لا يقرون بالبعث بعد الموت، إنما يثبتون أن الله يحيي ويميت، ويثبتون أن الذي أحـيا فلاناً هو الله، وأن الذي أمـات فلاناً هو الله، فجمهورهم لا يقر بالبعث بعد الموت، بل كانوا ينكرون ذلك كما ذكر جل وعلا ذلك في آيات عديدة.

قال تعالى: وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ [يونس:31] في هذا إثبات التدبير، وأن الله سبحانه وتعالى هو المدبر، وهذه الأمور الأربعة هي أركان توحيد الربوبية، ولا يستقر ولا يستقيم الإقرار بتوحيد الربوبية إلاَّ بهذه الأمور، مع إضافة ما ذكرناه من الإحياء والإماتة، وأن الله جل وعلا يبعث الناس بعد موتهم، وإذا سئل هؤلاء عن هذه الأمور فجوابهم ما ذكره الله جل وعلا: فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31]، وهم يستطيعون في وقت تنـزل الوحي أن يقولوا: ليس الخالق هو الله، ولكنهم لم يقولوا ذلك؛ لكونه ثابتاً مستقراً في فطرهم لا يملكون إنكاره ولا رده، فكان الجواب من الله على هذا الجواب منهم أن أمر رسوله أن يقول لهم: فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [يونس:31]، وما ذكر المعمول، وما ذكر ما يتقى، وهذا يفيد وجوب تقوى كل ما يوقع الإنسان في هلكة؛ لأنه لم يذكر المعمول، ولا ذكر ما يتقى، وهذا إطلاق يفيد العموم، وأول ما يتقى هو الشرك، وذلك أنه أول ما نهى الله عنه، وأول ما أمر الله بضده وهو التوحيد، والمعنى: أفلا تتقون الشرك إذا كنتم تقرون بهذه الأمور.

وقوله رحمه الله تعالى: ( فإن ذلك لم يدخلهم الإسلام ) هذا فيه بيان أن الإقرار بتوحيد الربوبية على وجه الإجمال لا يفيد الإنسان دخولاً في الإسلام، بل هو باقٍ على الكفر حتى يقر بأنه لا إله إلاَّ الله، ولذلك الذين يفـسرون (لا إله إلاَّ الله) بأنه لا خـالق إلاَّ الله، أو لا مخترع إلاَّ الله، أو لا صـانع إلاَّ الله، ينـزلون بمعنى هذه الكلمة العظيمة إلى معنىً لا يخالف فيه أهل الشرك، وأهل الشرك ما كان قتالهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومضادتهم له أنهم يثبتون خالقاً مع الله، إنما كان قتالهم ومضادتهم لكون النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى عبادة رب واحد، وإلهٍ واحد فقالوا كما حكى الله عنهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، وهذا هو الذي استغربوه وتعجبوا منه.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح القواعد الأربع - القاعدة الثانية 1538 استماع
شرح القواعد الأربع - المقدمة 1464 استماع
شرح القواعد الأربع - القاعدة الثالثة 1321 استماع
شرح القواعد الأربع - القاعدة الرابعة 1141 استماع