خطب ومحاضرات
تاج العفة والرءوس المريضة
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكبير المتعال، الموصوف بصفات الكمال، المتفرد بالعزة والجلال، منه المبتدى وإليه المرجع والمآل، أحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، هو جل وعلا أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وله الحمد أولاً وآخراً دائماً وأبداً ملء السموات والأرض وملء ما شاء من شيء بعد، أحمده سبحانه وتعالى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، حمداً كما يحب ربنا ويرضى، ونصلي ونسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد:
فنحمد الله جل وعلا على أن جدد الأنفاس؛ لنعاود التذكر والتفكر في آياته، ونستلهم العبر والفوائد من أحاديث وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولنجدد العهد بحلق الذكر ومجالس العلم، سائلين الله جل وعلا أن يتقبلنا في عباده الصالحين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما يعلمنا، وأن يزيدنا علماً، ويعيننا على طاعته، ويجعلنا من عباده الصالحين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأسأل الله جل وعلا أن يجمعنا في دار رحمته ومستقر كرامته في مقعد صدق عند مليك مقتدر إخواناً على سرر متقابلين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو أكرم مسئول وأعظم مجيب، ونسأل الله جل وعلا من عظيم فضله ووافر عطائه وعظيم جوده سبحانه وتعالى.
وكلامنا سيكون عنوانه (تاج العفة والرءوس المريضة)، ويأتي ضمن دروس لفضلاء من أهل العلم والمشايخ كان أكثرها يدور حول موضوع المرأة والأسرة وبناء المجتمع الإسلامي في ظل هذه التغيرات العظيمة في المجتمعات المعاصرة، وفي ظل الهجمة الشرسة على نظم الإسلام وتشريعاته، وفي ظل الانحرافات السلوكية الأخلاقية التي غزت بلاد الإسلام والمسلمين عبر الفضاء من خلال القنوات الإعلامية، وعبر المخالطة من خلال السفر والاختلاط، ونحو ذلك من أسباب أخرى كثيرة، وموضوعنا يتعلق بأساس مهم وركيزة عظمى من ركائز حفظ المجتمع المسلم؛ لأن أمر الأسرة عظيم. وسنحاول أن نلم بأطراف هذا الموضوع الذي يتشعب في الحقيقة إلى موضوعات كثيرة كل منها جدير أن يفرد بحديث مستقل، فنتحدث أولاً عن معنى العفة، ثم نعرج على عوامل تحقيق العفة، ونسلط الضوء على ثمارها ومنافعها عندما تتحقق في واقع المجتمع، وبعد ذلك ننتقل إلى الشق الآخر لنقف على عوامل تضييع العفة، والأوهام والشبهات الباطلة المتعلقة بهذا الموضوع، ثم نختم بالمخاطر والآثار السلبية الناشئة عن التفريط في العفة.
أولاً: معنى العفة.
قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة): العين والفاء أصلان صحيحان. أي: أصل الكلمة مبني على هذين الحرفين، ويرجعان إلى أصلين صحيحين:
قال: الأول: الكف عن القبيح.
والثاني: الدال على قلة الشيء.
فأصل الكلمة يعود إلى الكف عن القبيح وإلى معنىً آخر هو قلة الشيء، وبينهما ربط يأتي الحديث عنه.
ثم قال: العفة: الكف عما لا ينبغي، والعفة -وهي الأصل الثاني- بالضم هي بقية اللبن في الضرع. أي: هي الشيء القليل كما مر.
وقال الراغب الأصبهاني في (مفردات القرآن): العفة: حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة.
أي أن هذه العفة معنىً يقوم بالنفس، فيمنع من غلبة الشهوة فيما حرم الله سبحانه وتعالى، قال: والمتعفف هو المتعاطي للعفة بضرب من الممارسة والقهر، وأصله -أي: أصل معنى العفة-: الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة. وهذا هو الربط بين المعنيين.
فالعفة: الكف عن الحرام. ومن كف عن الحرام فإنه يأخذ القليل من الحلال الذي يكفيه ويعفه ويحصل به النفع له، ويمتنع به الضرر عنه وعن غيره في بناء المجتمع المسلم.
وقال صاحب (لسان العرب): العفة هي الكف عما لا يحل ويجمل. والأمر هنا في كلامه أوسع.
فالمراد بالعفة الكف عن المحرم وعما لا يجمل أيضاً، أي: عما يكون قبيحاً في أعراف الناس الصحيحة، بمعنى الكف عما لا يتفق مع الذوق العام مما يكون مستهجناً في وسط المجتمع المسلم.
قال: وعف عن المحارم والأطماع الدنية يعف عفة وعفاً وعفافاً فهو عفيف، وعف إذا كف، أما الاستعفاف فهو طلب العفة والعفاف.
ولذلك ورد في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم (.. ومن يستعفف يعفه الله)، وقال جل وعلا في محكم التنزيل: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا [النور:33] أي: ليطلبوا العفة والعفاف من طريقه الذي سنشير إلى بعض معالمه وملامحه.
قال: والاستعفاف هو طلب العفاف، وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس.
فإذاً ظهر لنا أن معنى العفة الكف عن المحرم الذي حرمه الله سبحانه وتعالى، والاكتفاء بما حل وإن كان قليلاً؛ لأن القليل الذي أحله الله هو الذي يشبع الغريزة، ويطمئن النفس، ولا يحتاج معه العاقل إذا عرف عواقب الأمور إلى زيادة عن هذا الحد المشروع.
وفي مقابل العفة معنىً آخر، هو الخسة والدناءة، فثمة رجل عفيف ورجل دنيء، والعفة لا يقتصر في معناها على جنس دون جنس، فليست العفة خاصة بالنساء دون الرجال، بل يقال: امرأة عفيفة ورجل عفيف، وكذا فيما يقابلها، ثم أيضاً مما يتصل بمعنى العفة أن نعرف طبيعة النفس الإنسانية، والنفس هي كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بعض مناحيها بقوله: (لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب لابتغى ثانياً، ولو كان له واديان لابتغى ثالثاً، ولا يملأ فم ابن آدم إلا التراب)، فطبيعة النفس البشرية أنها لو تركت لهواها لا تشبع.
فالعفة التي هي اقتصار على القليل الكافي هي أمر فيه نوع من التربية والتهذيب للنفس، أما لو تركت النفس كما تشاء فإنها لا تقتصر على العفة، بل تتجاوزها إلى ما وراءها.
فإذاً العفة تقبض النفس التي في أصل طبيعتها نهم وشغف لا ينتهي مطلقاً، وإن كان النهم في بعض الجوانب يستحسن، كما ورد أيضاً في حديث المصطفى (منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا)، فطلب العلم أصله صحيح، والنهم فيه محبوب، وطلب الدنيا أصله صحيح، ولكن النهم فيه غير مرغوب؛ لأنه لا ينتهي إلى حد، ولا يزال الأمل بالإنسان حتى يقطعه الأجل، ولو مد للإنسان لحظة من عمره لكان له فيها آمال جديدة يزيدها إلى سالف آماله.
فإذاً: لو تركنا النفس بطبيعتها لما انتهت إلى حد، وشارب ماء البحر لا يفيده شرب الماء لملوحته إلا الزيادة في العطش.
فلابد من ضابط، والضابط هو ما جاء في شرع الله من قليل نافع كافٍ حلال يحصل به المقصود، ويتحقق به النفع، ومن ثمَّ كان للعفة صلة في معناها بالتوسط والاعتدال، والعفة عندما تقتصر على شيء وتترك شيئاً فإنها تأخذ بالوسط الذي لا يبلغ الغاية في مداه، ولا يحرم النفس مما تشتهيه وتحتاج إليه، فكانت العفة -أيضاً- ضرباً من الوسطية، ونوعاً من تحقيق المراد الذي تحتاج إليه النفس من غير إفراط ولا تفريط.
عوامل وأسباب العفة كثيرة، وأبوابها متعددة، وحسبنا أن نشير إلى الأسس المهمة منها مع التعريج على بعض فروعها.
الإيمان
فأعظم واق من المعاصي وأعظم رادع عن المحرمات وأعظم مذكر دائم للإنسان يرافقه في سره وعلنه في حله وترحاله وفي شهوده وغيبته هو الإيمان بالله عز وجل.
الإيمان الذي ينشئ مملكة الضمير التي لا تجعل العبد المؤمن يستحضر أموراً مهمة من أعظمها وأجلها الخوف من الله، والحياء من الله، وتذكر الآخرة، واستشعار لعظمة الله يبعث على الخوف من الله، واستشعار لنعمة الله يبعث على الحياء من الله، واستحضار لهول الآخرة يبعث على قمع الشهوة في النفس وردعها عن تجاوز الحد، ولذلك كانت التربية الإيمانية والزاد الإيماني بأركان الإيمان الستة أعظم ما يقوي العبد على التزام أمر الله، ويعينه على المصابرة والامتناع عما حرم الله سبحانه وتعالى.
سئل بعض السلف من أهل الإيمان والصلاح والتقى: كيف السبيل إلى غض البصر؟ فقال: علمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما حرم عليك.
فهل نحن نستحضر مراقبة الله عز وجل، واطلاعه علينا، ومعرفته التي أخبرنا بها في كتابه، كما في قوله جل وعلا: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]؟! وهل نتحقق بذلك ونستشعره في خفقات قلوبنا وخلجات أفكارنا وتصرفات جوارحنا؟!
أثر عن بعض السلف أنه كان يربي بعض الصغار من ذوي قرابته، فكان هذا الصغير ينظر إليه عابداً متهجداً ذاكراً تالياً داعياً لله سبحانه وتعالى، فالتفت إليه هذا المربي يوماً وقال له: استحضر في قلبك وإن لم تنطق بلسانك أن تقول: (الله ناظرٌ إلي، الله مطلع علي)، فكلما هممت بهم أو فعلت فعلاً فقل ذلك في قلبك، قال: فما زلت أتعود ذلك وأنا صغير السن، فلما كبرت كان ذلك من نعمة الله علي ومن عصمة الله لي.
ونحن نعلم أمثلة كثيرة، منها: المثل القرآني العظيم الذي فسرته آيات القرآن في سورة كاملة في قصة يوسف عليه السلام، قال عز وجل: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ [يوسف:23] جاء هذا الوقت الذي فيه كل الإغراء والإغواء مع الأمن والإحسان، فقال يوسف عليه السلام: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، ثم اعترفت وقالت: وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32]، فكان جوابه: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف:33].
وذكر ابن القيم في (روضة المحبين) قصة في عهد عمر رضي الله عنه، وهي تتعلق بشاب صالح كان عمر رضي الله عنه ينظر إليه ويعجب به ويفرح بصلاحه وتقواه، ويتفقده إذا غاب، فرأته امرأة شابة حسناء، فعشقته وتعلقت به، وطلبت السبيل إليه، فاحتالت لها عجوز وقالت: آنا آتيك به. ثم جاءت إلى الشاب وقالت له: إني امرأة عجوز، وإن لي شاة لا أستطيع حلبها، فلو أعنتي على ذلك لكان لك أجر.
قال ابن القيم في سياق القصة: وهو كان أحرص ما يكون على الأجر. فذهب معها، فلما دخل البيت لم ير شاة، قالت: أنا آتيك بها. فظهرت له المرأة الحسناء، فاستعصم عنها وابتعد منها، وأراد أن يذكرها الله عز وجل فتعرضت له، فلما أيست منه دعت وصاحت وقالت: إن هذا هجم عليّ يراودني عن نفسي. فتوافد الناس إليه فضربوه، فتفقده عمر في اليوم الثاني، وأتي به إليه، فقال عمر : (اللهم! لا تخلف ظني فيه) وقال للفتى: (أصدقني الخبر) فقص عليه القصة، فأرسل عمر إلى جيران الفتاة ودعا بالعجائز من حولها حتى عرف الغلام تلك العجوز، فرفع عمر درته فقال: (أصدقيني الخبر) فصدقته لأول وهلة، فقال عمر : (الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف)، هكذا أورد ابن القيم رحمه الله هذه القصة.
ومن ذلك الحديث الصحيح الذي ورد في مثل الثلاثة الذين آواهم الغار فسقطت صخرة فأغلقت عليهم باب الغار، فدعوا بأفضل الأعمال التي تقربوا فيها وأخلصوا فيها لله، فكان من قول أحدهم: (اللهم! إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها عن نفسها فأبت، حتى ألمت بها سنة من السنين -يعني: حالة من الفقر- جاءتني فأعطيتها مائة وعشرين ديناراً على أن تخلي بيني وبين نفسها، فلما تمكنت منها -وفي رواية: فلما قعدت بين شعبها- قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. قال: فقمت عنها خوفاً من الله عز وجل بعد أن تمكنت منها، اللهم! إن كنت عملت هذا العمل ابتغاء وجهك ففرج عنا) فكان هو آخر الثلاثة، كما ورد في الحديث.
الأحكام التشريعية الإسلامية
أي: الأحكام التشريعية التي جاء بها الإسلام، يقول الحق عز وجل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، والأحكام التي جاءت في الإسلام تتفق مع فطرة الإنسان، وتحقق المصالح، وتمنع المفاسد، وهي تحقق أعلى المصالح، وتدرأ أقل المفاسد فضلاً عما هو أكثر منها، ويمكن أن نسلط الضوء على هذه التشريعات في جوانب ثلاثة:
الجانب الأول: الجانب الوقائي، وهو مهم، أي: التشريعات الوقائية، فإن الإسلام حطم كل الدواعي والطرق والوسائل والمرغبات والمقربات من الحرام ومما يجرح العفة ويضيعها، فحرم النظر إلى غير المحارم، كما في قول الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] وكذلك: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس)، وهذا النظر قد حرمه الله عز وجل.
وحاسة السمع -أيضاً- لها تأثير، فجاء التشريع يضبط أمرها، فـبشار بن برد كان من فحول الشعراء وكان أعمى، فكان يقول أبيات الغزل والحب والعشق والغرام، فسئل: كيف يصف هذه الأوصاف وهو كفيف البصر؟ فقال:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحياناً
ولذلك قال الله عز وجل في شأن نساء المؤمنين وفي شأن أمهات المؤمنين على وجه الخصوص: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32] نهاهن عن قول متكسر متميع له وقع في والسمع أثر في القلب، وإيقاد للشهوة وميل إلى المحرم.
وحاسة الشم -أيضاً- ورد فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة خرجت متعطرة فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فهذا -أيضاً- لأن له تأثيراً، بل الصوت قد جاء النهي عنه في قول الله عز وجل: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ [النور:31] حتى لا يسمع ذلك الصوت الذي قد يكون في الغالب يلفت النظر أو يدعو إلى الفتنة ونحو ذلك.
ثم اللمس، فإنه قد ورد النهي عن مصافحة الرجال للنساء، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء وما مست كفه كف امرأة لا تحل له قط.
وهذا كله من أسباب الوقاية والطهر، فكل الحواس لها أثر على القلب، فالعين تنظر، لكن القلب يتأثر، والأذن تسمع، والقلب يتغير، والأنف يشم، والقلب يتأثر، فإذا وضعت هذه الحدود والحواجز التي هي –كما يقال- خطوط الدفاع الأولى والثانية والثالثة فإنها صمامات الأمان، فمن أخذ بها وقي بإذن الله عز وجل.
ومن التشريعات الوقائية -أيضاً- التحريم المطلق للخلوة، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء. قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت).
وكذلك النهي عن الاختلاط بما يحمله من المعاني التي تقع بها كثير من أسباب الفساد.
ومن الأحكام -أيضاً- في باب النساء أنه إذا خرجت المرأة لحاجة أو إذا اضطرت إلى أن تقضي بعض أمورها فإنها مدعوة بحكم الله عز وجل أن تتحجب، فهذا الحجاب -أيضاً- هو تشريع من تشريعات الوقاية والأمن والسلامة، وكما يقولون: درهم وقاية خير من قنطار علاج. ودائماً يقولون: السلامة قبل وقوع المصيبة. لأن العلاج بعد المرض أصعب من فعل بعض الأسباب قبل المرض، ولذلك يدعون إلى تطعيم الأطفال، وهذه التطعيمات هي تطعيمات وقائية قبل حصول المرض، حتى يكون الجسم مستعداً، فإذا جاء المرض كان عنده أهبة الاستعداد لمواجهته وصده بإذن الله عز وجل، فهذه -أيضاً- تشريعات وقائية، وقد جاء الأمر للنساء بأن يكن غير مختلطات بالرجال، كما قال عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].
الجانب الثاني: جانب التشريعات الاجتماعية.
فإن الإسلام -أيضاً- جاء بتشريعات اجتماعية تحفظ للمجتمع وعيه وأمنه وسلامته وصيانته بإذن الله عز وجل.
وأبرز هذه التشريعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليس هناك عبارة (ليس لي تدخل) في الإسلام، ولا يوجد هذا الأمر، بل كل إنسان مسئول، وكل مطالب بأن يقول كلمة الحق، وأن يؤدي أمانة النصيحة؛ لأن المرأة المتبرجة أو الرجل الذي يؤذي النساء في المجتمع لا يضر نفسه، ولا يضر هذه المرأة وحدها، وإنما يعود الأمر على الجميع، فالمضرة تلحقني وتلحقك، وتلحق الثاني والثالث، فإذا لم يقم الناس بهذا الأمر وهذا التشريع الاجتماعي فإن الآثار الوخيمة تتسع حتى تشمل كل أحد، ولا ينجو منها بعد ذلك إلا من رحم الله، ولا ينجو منها الناجي إلا بصعوبة ومشقة وعناء، وإن عالم اليوم نعرف ونرى ونحس ونلمس أنه يغزو الصالحين في عقر بيوتهم، ويغزوهم وهم في الشوارع سائرون لقضاء حوائجهم، أو ذاهبون إلى الأسواق لشراء حاجاتهم، وفي أي جانب من الجوانب أصبح الغزو يأتيك يمنة ويسرة عبر الفضاء ومن تحت الأرجل، عبر الأذن سماعاً، وعبر العين رؤية، وعبر أمور كثيرة متنوعة متعددة؛ لأن الناس غضوا الطرف أولاً، وأمرَّوا المنكر والوسيلة إليه حتى صار أكبر منه، ثم بعد ذلك تفاقم الأمر واتسع الخرق على الراقع.
ومن الآداب التشريعية الاجتماعية التي يتساهل الناس ويترخصون فيها الاستئذان، وتربية الأطفال وتعويدهم على هذه الأمور، والتفريق بين الإخوة من الذكور والإناث في المضاجع، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (وفرقوا بينهم في المضاجع) وذلك إذا بلغوا العاشرة، فهذه الأمور كلها من التشريعات المهمة في هذا الجانب.
الجانب الثالث: التشريعات العقابية، فمن وقع في هذه الحوادث وتلك الأدواء ولم يستمع للنصيحة ثم تجاوز الحد ووقع في المحرم فتردعه التشريعات العقابية والحدود على اختلاف أنواعها، فالرجم للزاني المحصن، والجلد للزاني غير المحصن، وهكذا كل الأحكام المتعلقة بهذه النواحي لتكون رادعاً، ولتكون عبرة لكل من تسول له نفسه أو يدعوه شيطانه إلى ارتكاب المعصية أو خرق حاجز العفة في المجتمع.
أولاً: الإيمان.
فأعظم واق من المعاصي وأعظم رادع عن المحرمات وأعظم مذكر دائم للإنسان يرافقه في سره وعلنه في حله وترحاله وفي شهوده وغيبته هو الإيمان بالله عز وجل.
الإيمان الذي ينشئ مملكة الضمير التي لا تجعل العبد المؤمن يستحضر أموراً مهمة من أعظمها وأجلها الخوف من الله، والحياء من الله، وتذكر الآخرة، واستشعار لعظمة الله يبعث على الخوف من الله، واستشعار لنعمة الله يبعث على الحياء من الله، واستحضار لهول الآخرة يبعث على قمع الشهوة في النفس وردعها عن تجاوز الحد، ولذلك كانت التربية الإيمانية والزاد الإيماني بأركان الإيمان الستة أعظم ما يقوي العبد على التزام أمر الله، ويعينه على المصابرة والامتناع عما حرم الله سبحانه وتعالى.
سئل بعض السلف من أهل الإيمان والصلاح والتقى: كيف السبيل إلى غض البصر؟ فقال: علمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما حرم عليك.
فهل نحن نستحضر مراقبة الله عز وجل، واطلاعه علينا، ومعرفته التي أخبرنا بها في كتابه، كما في قوله جل وعلا: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]؟! وهل نتحقق بذلك ونستشعره في خفقات قلوبنا وخلجات أفكارنا وتصرفات جوارحنا؟!
أثر عن بعض السلف أنه كان يربي بعض الصغار من ذوي قرابته، فكان هذا الصغير ينظر إليه عابداً متهجداً ذاكراً تالياً داعياً لله سبحانه وتعالى، فالتفت إليه هذا المربي يوماً وقال له: استحضر في قلبك وإن لم تنطق بلسانك أن تقول: (الله ناظرٌ إلي، الله مطلع علي)، فكلما هممت بهم أو فعلت فعلاً فقل ذلك في قلبك، قال: فما زلت أتعود ذلك وأنا صغير السن، فلما كبرت كان ذلك من نعمة الله علي ومن عصمة الله لي.
ونحن نعلم أمثلة كثيرة، منها: المثل القرآني العظيم الذي فسرته آيات القرآن في سورة كاملة في قصة يوسف عليه السلام، قال عز وجل: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ [يوسف:23] جاء هذا الوقت الذي فيه كل الإغراء والإغواء مع الأمن والإحسان، فقال يوسف عليه السلام: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، ثم اعترفت وقالت: وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32]، فكان جوابه: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف:33].
وذكر ابن القيم في (روضة المحبين) قصة في عهد عمر رضي الله عنه، وهي تتعلق بشاب صالح كان عمر رضي الله عنه ينظر إليه ويعجب به ويفرح بصلاحه وتقواه، ويتفقده إذا غاب، فرأته امرأة شابة حسناء، فعشقته وتعلقت به، وطلبت السبيل إليه، فاحتالت لها عجوز وقالت: آنا آتيك به. ثم جاءت إلى الشاب وقالت له: إني امرأة عجوز، وإن لي شاة لا أستطيع حلبها، فلو أعنتي على ذلك لكان لك أجر.
قال ابن القيم في سياق القصة: وهو كان أحرص ما يكون على الأجر. فذهب معها، فلما دخل البيت لم ير شاة، قالت: أنا آتيك بها. فظهرت له المرأة الحسناء، فاستعصم عنها وابتعد منها، وأراد أن يذكرها الله عز وجل فتعرضت له، فلما أيست منه دعت وصاحت وقالت: إن هذا هجم عليّ يراودني عن نفسي. فتوافد الناس إليه فضربوه، فتفقده عمر في اليوم الثاني، وأتي به إليه، فقال عمر : (اللهم! لا تخلف ظني فيه) وقال للفتى: (أصدقني الخبر) فقص عليه القصة، فأرسل عمر إلى جيران الفتاة ودعا بالعجائز من حولها حتى عرف الغلام تلك العجوز، فرفع عمر درته فقال: (أصدقيني الخبر) فصدقته لأول وهلة، فقال عمر : (الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف)، هكذا أورد ابن القيم رحمه الله هذه القصة.
ومن ذلك الحديث الصحيح الذي ورد في مثل الثلاثة الذين آواهم الغار فسقطت صخرة فأغلقت عليهم باب الغار، فدعوا بأفضل الأعمال التي تقربوا فيها وأخلصوا فيها لله، فكان من قول أحدهم: (اللهم! إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها عن نفسها فأبت، حتى ألمت بها سنة من السنين -يعني: حالة من الفقر- جاءتني فأعطيتها مائة وعشرين ديناراً على أن تخلي بيني وبين نفسها، فلما تمكنت منها -وفي رواية: فلما قعدت بين شعبها- قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. قال: فقمت عنها خوفاً من الله عز وجل بعد أن تمكنت منها، اللهم! إن كنت عملت هذا العمل ابتغاء وجهك ففرج عنا) فكان هو آخر الثلاثة، كما ورد في الحديث.
العامل الثاني: التشريع.
أي: الأحكام التشريعية التي جاء بها الإسلام، يقول الحق عز وجل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، والأحكام التي جاءت في الإسلام تتفق مع فطرة الإنسان، وتحقق المصالح، وتمنع المفاسد، وهي تحقق أعلى المصالح، وتدرأ أقل المفاسد فضلاً عما هو أكثر منها، ويمكن أن نسلط الضوء على هذه التشريعات في جوانب ثلاثة:
الجانب الأول: الجانب الوقائي، وهو مهم، أي: التشريعات الوقائية، فإن الإسلام حطم كل الدواعي والطرق والوسائل والمرغبات والمقربات من الحرام ومما يجرح العفة ويضيعها، فحرم النظر إلى غير المحارم، كما في قول الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] وكذلك: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس)، وهذا النظر قد حرمه الله عز وجل.
وحاسة السمع -أيضاً- لها تأثير، فجاء التشريع يضبط أمرها، فـبشار بن برد كان من فحول الشعراء وكان أعمى، فكان يقول أبيات الغزل والحب والعشق والغرام، فسئل: كيف يصف هذه الأوصاف وهو كفيف البصر؟ فقال:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحياناً
ولذلك قال الله عز وجل في شأن نساء المؤمنين وفي شأن أمهات المؤمنين على وجه الخصوص: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32] نهاهن عن قول متكسر متميع له وقع في والسمع أثر في القلب، وإيقاد للشهوة وميل إلى المحرم.
وحاسة الشم -أيضاً- ورد فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة خرجت متعطرة فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فهذا -أيضاً- لأن له تأثيراً، بل الصوت قد جاء النهي عنه في قول الله عز وجل: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ [النور:31] حتى لا يسمع ذلك الصوت الذي قد يكون في الغالب يلفت النظر أو يدعو إلى الفتنة ونحو ذلك.
ثم اللمس، فإنه قد ورد النهي عن مصافحة الرجال للنساء، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء وما مست كفه كف امرأة لا تحل له قط.
وهذا كله من أسباب الوقاية والطهر، فكل الحواس لها أثر على القلب، فالعين تنظر، لكن القلب يتأثر، والأذن تسمع، والقلب يتغير، والأنف يشم، والقلب يتأثر، فإذا وضعت هذه الحدود والحواجز التي هي –كما يقال- خطوط الدفاع الأولى والثانية والثالثة فإنها صمامات الأمان، فمن أخذ بها وقي بإذن الله عز وجل.
ومن التشريعات الوقائية -أيضاً- التحريم المطلق للخلوة، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء. قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت).
وكذلك النهي عن الاختلاط بما يحمله من المعاني التي تقع بها كثير من أسباب الفساد.
ومن الأحكام -أيضاً- في باب النساء أنه إذا خرجت المرأة لحاجة أو إذا اضطرت إلى أن تقضي بعض أمورها فإنها مدعوة بحكم الله عز وجل أن تتحجب، فهذا الحجاب -أيضاً- هو تشريع من تشريعات الوقاية والأمن والسلامة، وكما يقولون: درهم وقاية خير من قنطار علاج. ودائماً يقولون: السلامة قبل وقوع المصيبة. لأن العلاج بعد المرض أصعب من فعل بعض الأسباب قبل المرض، ولذلك يدعون إلى تطعيم الأطفال، وهذه التطعيمات هي تطعيمات وقائية قبل حصول المرض، حتى يكون الجسم مستعداً، فإذا جاء المرض كان عنده أهبة الاستعداد لمواجهته وصده بإذن الله عز وجل، فهذه -أيضاً- تشريعات وقائية، وقد جاء الأمر للنساء بأن يكن غير مختلطات بالرجال، كما قال عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].
الجانب الثاني: جانب التشريعات الاجتماعية.
فإن الإسلام -أيضاً- جاء بتشريعات اجتماعية تحفظ للمجتمع وعيه وأمنه وسلامته وصيانته بإذن الله عز وجل.
وأبرز هذه التشريعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليس هناك عبارة (ليس لي تدخل) في الإسلام، ولا يوجد هذا الأمر، بل كل إنسان مسئول، وكل مطالب بأن يقول كلمة الحق، وأن يؤدي أمانة النصيحة؛ لأن المرأة المتبرجة أو الرجل الذي يؤذي النساء في المجتمع لا يضر نفسه، ولا يضر هذه المرأة وحدها، وإنما يعود الأمر على الجميع، فالمضرة تلحقني وتلحقك، وتلحق الثاني والثالث، فإذا لم يقم الناس بهذا الأمر وهذا التشريع الاجتماعي فإن الآثار الوخيمة تتسع حتى تشمل كل أحد، ولا ينجو منها بعد ذلك إلا من رحم الله، ولا ينجو منها الناجي إلا بصعوبة ومشقة وعناء، وإن عالم اليوم نعرف ونرى ونحس ونلمس أنه يغزو الصالحين في عقر بيوتهم، ويغزوهم وهم في الشوارع سائرون لقضاء حوائجهم، أو ذاهبون إلى الأسواق لشراء حاجاتهم، وفي أي جانب من الجوانب أصبح الغزو يأتيك يمنة ويسرة عبر الفضاء ومن تحت الأرجل، عبر الأذن سماعاً، وعبر العين رؤية، وعبر أمور كثيرة متنوعة متعددة؛ لأن الناس غضوا الطرف أولاً، وأمرَّوا المنكر والوسيلة إليه حتى صار أكبر منه، ثم بعد ذلك تفاقم الأمر واتسع الخرق على الراقع.
ومن الآداب التشريعية الاجتماعية التي يتساهل الناس ويترخصون فيها الاستئذان، وتربية الأطفال وتعويدهم على هذه الأمور، والتفريق بين الإخوة من الذكور والإناث في المضاجع، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (وفرقوا بينهم في المضاجع) وذلك إذا بلغوا العاشرة، فهذه الأمور كلها من التشريعات المهمة في هذا الجانب.
الجانب الثالث: التشريعات العقابية، فمن وقع في هذه الحوادث وتلك الأدواء ولم يستمع للنصيحة ثم تجاوز الحد ووقع في المحرم فتردعه التشريعات العقابية والحدود على اختلاف أنواعها، فالرجم للزاني المحصن، والجلد للزاني غير المحصن، وهكذا كل الأحكام المتعلقة بهذه النواحي لتكون رادعاً، ولتكون عبرة لكل من تسول له نفسه أو يدعوه شيطانه إلى ارتكاب المعصية أو خرق حاجز العفة في المجتمع.
العامل الثالث: التربية.
والتربية أمرها عظيم؛ فإن الإيمان النظري الذي نحفظه نصوصاً أو نقرأه علماً، وإن التشريعات التي نعرفها فقهاً ونتقنها تفريعاً لا تغني عنا شيئاً إذا لم تحصل التربية عليها والالتزام بها، وهناك -أيضاً- جوانب متعددة متعلقة بالتربية، منها:
الجانب الأول: المجاهدة والتعبد.
فلابد -لَنحَصِّل العفة- من أن نحرص على عمق وقوة وحسن ودوام الصلة بالله عز وجل، وأن نكثر التلاوة والذكر والدعاء، وأن نكثر الصلاة والمناجاة والتبتل والتضرع، وأن نكثر الصوم؛ فإنه عبادة من العبادات التي تتطهر بها النفس، ويتزكى بها القلب، وتنحصر وتضيق فيها مجاري الشيطان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)، وهذا نوع من العلاج والتربية، وقال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، فضيقوا مجاريه بالصوم) فهذه التربية العملية العبادية من أهم الجوانب التربوية.
الجانب الثاني: التنشئة والتعود.
وهذا يتعلق بالصغار، ونلمحه باختلاف البيئات، فهناك بيئة لا تراعي التربية الإسلامية، فالفتاة التي في سن العاشرة عندهم صغيرة السن، وقد تكون في الثانية عشرة وهي ما زالت طفلة، وتبلغ الرابعة عشرة وما زالت دون السن الذي يعتقدون أنها تكون فيه في مبلغ البنات أو البالغات، وكذلك الطفل يظل طفلاً ويدخل على النساء من المحارم وغير المحارم وهو في العاشرة، ثم في الثانية عشرة ثم في الخامسة عشرة، وهذا التسيب تلحظه عند من لا يحسن ولا يلتزم التربية الإسلامية، بينما تجد في البيئة الإسلامية أن الفتاة الصغيرة التي في الخامسة من عمرها ترى أمها وترى بيئتها تتحجب وتلتزم فتطلب الصغيرة الحجاب قبل وقتها، وتشعر وتعرف وتدرك بالفطرة التربوية على العادة أن فرض الحجاب أمر طبيعي، فهي تنظر إلى المرأة غير المحجبة على أنها تفعل فعلاً قبيحاً، وعلى أنها ليست كأهلها، وليست كأمها أو أختها أو خالتها، فهذا الشعور لا يعرفه الصغير على أنه حلال أو حرام، ولا يعرفه بدليل من كتاب وسنة، وإنما يعرفه بالتنشئة والتعود، كما قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
أما من لم ينشأ على هذه التنشئة ثم بعد ذلك نأتي إليه فنقول: هذه آيات القرآن وهذه أحاديث. فكيف وقد عاش هذه البيئة؟! وكيف وقد مارس هذه الممارسة؟! فهذا -أيضاً- أمر مهم.
الجانب الثالث: المعرفة والتعلم.
ينبغي أن نعلم الشباب في أول مراحل العمر، وفي أول تفتح الذهن هذه المعاني المتعلقة بالأجر والثواب، كقوله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.. -وذكر منهم-: وشاب دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله )، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله أن يعينهم -وذكر منهم-: .. والمتعفف يريد النكاح)، كما ورد الحديث عند النسائي في سننه.
فإذاً نعلّم ونعرّف الشباب بهذه المعاني وبأجرها عند الله، ونعلّمهم ونعرفهم بما يضاد هذه، حتى يكون هناك تلخيص صحيح.
الجانب الرابع: التفكر والتطلع، فالقضية التربوية دائماً تعتمد على إحلال الخير محل الشر، وأن الفراغ في حد ذاته ضرب من الشر؛ لأن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، فينبغي أن نعود الشباب في أول أعمارهم على أن تكون أفكارهم وتطلعاتهم وطموحاتهم ترقى إلى رقي تام، وإلى الآفاق الواسعة، لا كما يشيع اليوم في صفوف الشباب من أثر هذه الهجمات التي أشرت إليها، فإذا كل فكره هو في الفتاة التي يحبها، والهندام الذي يتزين به، أو العطر الذي يتعطر به، أو التسريحة التي يسرح بها شعره، وعلى ذلك قس في جانب الفتاة ما هو أعظم وأدهى، فهناك ألوان للعيون زرقاء وخضراء، وألوان للصبغات في الشعر من شقراء وغير ذلك، وكل هذا أصبح هو الذي يملأ الفكر ويشغله، فأين رسالة الإسلام؟ وأين التفكير في العلم؟ وأين قوة البدن ورياضة الجسم؟ وأين الارتباط بمآسي المسلمين والتفكر في أحوالهم؟
لو شُغل الشباب والفتيات وعودوا على هذه المعاني وكان هناك ما يسمى بنظرية التفاني التربوية التي يسمو فيها الإنسان عن الشهوات الطبيعية الفطرية التي إذا أتيح لها الفرصة تمكنت من الإنسان لكانت النتائج إيجابية، وإذا شغل الإنسان نفسه بغيرها لم تتحكم فيه.
وأضرب لذلك مثالاً: هذه الشهوات مع الإنسان في كل وقت، لكنها في وقت تقع وتظهر وتبرز، فالطلاب أو الشباب في سن الطلب من الفتيان والفتيات يشغل بالهم شيء من أثر هذه المؤثرات، لكن إذا جاء وقت الاختبارات يحصل عندهم عمل مهم، فيحصل عندهم جهد يبذلونه في هذا العمل وتفكيرٌ ينشغلون به، واهتمام قلبي ونفسي يتوجهون به إلى هذه الاختبارات، وفي ذلك الوقت وفي هذه الفترة تجد أنهم يدعون مثل تلك الأمور جانباً وراء ظهورهم.
إذاً فالأمر كذلك في كل وقت لو أننا استطعنا هذا، وعلى الشاب وعلينا أن نفقه هذه المعاني.
الجانب الخامس: القوة والانتصار.
القوة والانتصار يحصلان بقوة الإرادة التي تحمل الإنسان على الدواعي التي تدعوه، فيكون حينئذٍ أسيراً أو عبداً لشهواته، فمثلاً: بعض الناس من أصحاب النهم في الطعام إذا أردت أن تعذبه فامنع عنه الطعام أو قلل كميته، وإذا أردت أن تأخذ منه أي شيء فامنع عنه الطعام أو قلل الكمية ثم اطلب ما تشاء فسوف يتنازل؛ لأن فكره الأول والأخير هو في هذا ، فإذا منع منه يمكن أن يعطي من ماله، ويمكن أن يتنازل، المهم أن ينال طلبه.
وكذلك في جانب شهوة الجنس، فمن كانت هي أوفر همه وأعظم شغله فإنه قد يبيع أخلاقه، ويبيع دينه، ويضيع ماله، ويسيء إلى سمعته، ويسيء إلى أهله؛ لأنه جعل نفسه أسيراً لهذه الشهوة، فمتى يكون قوياً؟! فليس القوي هو الذي يتبع شهوته، بل القوي هو الذي يملكها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب).
فهذا مقياس تربوي مهم لابد من أن ننتبه له، وأن نربط -أيضاً- أنفسنا بوعد الله عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].
العامل الرابع: التوعية.
وما أدراك ما هذه التوعية التي نحتاج إليها! إننا -للأسف- في كثير من مجتمعات المسلمين نجد هذه التوعية عكس المطلوب، فالتوعية التي نقصدها أن نبرز المنافع والمصالح التي تنشط من العفة ومن التزام أمر الله عز وجل، ليس بمجرد قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان هذا يكفي المؤمنين، لكن بما يضاف إلى ذلك من أمور مصلحية حياتية، فإنه تحصل منافع كثيرة عندما يطبق الإنسان شرع الله عز وجل، وفي المقابل ينبغي -أيضاً- أن تبين الآثار السلبية لنوعي المجتمع -الشباب والشابات-، وذلك ببيان أن ما يجول في أفكارهم وما تطمح إليه نفوسهم بعيداً عن منهج الله عز وجل سوف يعود ضرره عليهم عاجلاً أو آجلاً أمراضاً في أبدانهم، وقلقاً في نفوسهم، واختلالاً في أمنهم، إلى غير ذلك من الأمور التي ابتلي بها من تركوا أمر الله عز وجل، ويصدق في هذه الأوضاع كلها شطر آية من كتاب الله عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124] إنه ضنك يحصل في الاقتصاد وفي الاجتماع وفي الأمن، وفي كل جانب من جوانب الحياة، عندما يتخلف الناس عن التزام شرع الله عز وجل.
فهذه التوعية أمرها مهم.
الاستعانة بالله عز وجل
وأعظم الاستعانة هي بالله عز وجل، فإن هذا الزمان زمان فتن، وإن هذا الزمان زمان شهوات ومغريات، وزمان صار فيه شياطين الإنس أعظم كيداً ومكراً من شياطين الجن، وحاول الأبالسة أن يصرفوا الناس عن دينهم وعن عفتهم وعن أخلاقهم، حتى جاءوا بما لا يتصوره العقل، بل بما يترفع عنه الحيوان البهيمي، وبما لا يتفق مع الإنسانية في قليل ولا كثير، فلابد للإنسان من أن يستعين بالله عز وجل، وأن يكثر الدعاء، وأن يكثر الالتجاء إلى الله عز وجل حتى يعف نفسه عما حرم الله، وحتى يقوي عزمه في مواجهة هذه المغريات والمثيرات، وحتى يسهل له ما يعف به نفسه.
الأخذ بالمباح
ومن أعظم أسباب العفة تصريف الغرائز البشرية الفطرية الطبعية فيما أحل الله عز وجل، ولهذا أبيح أمر الزواج المبكر الميسر، ولو فتح هذا الباب لانسدت أبواب من الشر عظيمة، ولو فتح هذا الباب لسكنت النفوس، وغضت الأبصار، وعفت الألسنة، وانقمعت الفتنة من نزوات الشهوة، وزال كثير وكثير وكثير من الأمور التي تشكو منها مجتمعات إسلامية كثيرة، فقد يبلغ الشاب في سن الخامسة عشرة ولا يتزوج إلا في الثلاثين في أغلب الأحوال، فيكون في هذا الزمن الممتد عرضة لتحطيم الحواجز، ولخدش الحياء وتضييع العفة، وهكذا تبلغ الفتاة في العاشرة أو الثانية عشر ولا تتزوج إلا في العشرين أو الخامسة والعشرين.
ونرى ونعلم ما يحصل -أيضاً- من تجاوز هذه الحدود العمرية -سواء في الشباب أو الشابات- في بعض المجتمعات الإسلامية التي يعجز فيها الفتى عن أن يتزوج حتى يبلغ الخامسة والثلاثين إلى الأربعين، وتعجز الفتاة عن الزواج حتى الثلاثين وبعد الثلاثين، وليس هذا كلاماً جزافاً، بل كلنا يعلمه في مجتمعات كثيرة، ونلمسه ونراه، وأعرفه في كثير من بيئاتنا ومجتمعاتنا وذوي قرابتنا.
ثم نستسلم أو نقول بالأقوال التي يروجها بيننا دعاة الباطل، ومنها أن الزواج المبكر لا يتناسب مع مقتضيات العصر، ولا يتناسب مع الوعي والفكر لدى الشاب الصغير وتلك الفتاة الصغيرة. ونحو ذلك، ويحصل التعسير الذي يقع في الزواج وما ينتج عنه.
فإذاً من أهم الأسباب الأخذ بالمباح من الزواج المبكر الميسر، وكذلك أبواب التعدد العادل النافع؛ فإن شرع الله عز وجل أتى بما ينفع ويشفي، وبما يدفع الضر ويبعد الأذى عن المجتمع المسلم.
فهذه بعض العوامل الرئيسة التي بها تتحقق العفة في المجتمع الإسلامي الإيماني.
العامل الخامس: الاستعانة.
وأعظم الاستعانة هي بالله عز وجل، فإن هذا الزمان زمان فتن، وإن هذا الزمان زمان شهوات ومغريات، وزمان صار فيه شياطين الإنس أعظم كيداً ومكراً من شياطين الجن، وحاول الأبالسة أن يصرفوا الناس عن دينهم وعن عفتهم وعن أخلاقهم، حتى جاءوا بما لا يتصوره العقل، بل بما يترفع عنه الحيوان البهيمي، وبما لا يتفق مع الإنسانية في قليل ولا كثير، فلابد للإنسان من أن يستعين بالله عز وجل، وأن يكثر الدعاء، وأن يكثر الالتجاء إلى الله عز وجل حتى يعف نفسه عما حرم الله، وحتى يقوي عزمه في مواجهة هذه المغريات والمثيرات، وحتى يسهل له ما يعف به نفسه.
الأمر السادس: الأخذ بالمباح؛ لأن الفطر والغرائز أمر من أصل خلقة الله عز وجل لا يمكن تجاهلها.
ومن أعظم أسباب العفة تصريف الغرائز البشرية الفطرية الطبعية فيما أحل الله عز وجل، ولهذا أبيح أمر الزواج المبكر الميسر، ولو فتح هذا الباب لانسدت أبواب من الشر عظيمة، ولو فتح هذا الباب لسكنت النفوس، وغضت الأبصار، وعفت الألسنة، وانقمعت الفتنة من نزوات الشهوة، وزال كثير وكثير وكثير من الأمور التي تشكو منها مجتمعات إسلامية كثيرة، فقد يبلغ الشاب في سن الخامسة عشرة ولا يتزوج إلا في الثلاثين في أغلب الأحوال، فيكون في هذا الزمن الممتد عرضة لتحطيم الحواجز، ولخدش الحياء وتضييع العفة، وهكذا تبلغ الفتاة في العاشرة أو الثانية عشر ولا تتزوج إلا في العشرين أو الخامسة والعشرين.
ونرى ونعلم ما يحصل -أيضاً- من تجاوز هذه الحدود العمرية -سواء في الشباب أو الشابات- في بعض المجتمعات الإسلامية التي يعجز فيها الفتى عن أن يتزوج حتى يبلغ الخامسة والثلاثين إلى الأربعين، وتعجز الفتاة عن الزواج حتى الثلاثين وبعد الثلاثين، وليس هذا كلاماً جزافاً، بل كلنا يعلمه في مجتمعات كثيرة، ونلمسه ونراه، وأعرفه في كثير من بيئاتنا ومجتمعاتنا وذوي قرابتنا.
ثم نستسلم أو نقول بالأقوال التي يروجها بيننا دعاة الباطل، ومنها أن الزواج المبكر لا يتناسب مع مقتضيات العصر، ولا يتناسب مع الوعي والفكر لدى الشاب الصغير وتلك الفتاة الصغيرة. ونحو ذلك، ويحصل التعسير الذي يقع في الزواج وما ينتج عنه.
فإذاً من أهم الأسباب الأخذ بالمباح من الزواج المبكر الميسر، وكذلك أبواب التعدد العادل النافع؛ فإن شرع الله عز وجل أتى بما ينفع ويشفي، وبما يدفع الضر ويبعد الأذى عن المجتمع المسلم.
فهذه بعض العوامل الرئيسة التي بها تتحقق العفة في المجتمع الإسلامي الإيماني.
الجانب الثالث: ثمار العفة.
فماذا نجني عندما نحقق هذه العفة ونلتزمها ونشيعها بين شبابنا وشاباتنا؟
إننا نجني الثمار التالية:
أولاً: السلامة من الفواحش، والفاحشة هي الأمر الذي يفحش أو الذي يتجاوز الحد وتعافه النفس والفطرة السوية، قال الله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32].
فإذا التزمنا بتلك التشريعات وبتلك الجوانب التي ذكرناها -من تربية إيمانية، وتشريعات وقائية، وتربية إسلامية، وتوعية تنبيهية تحذيرية، واستعانة بالله عز وجل- فكل هذه العوامل ستجعلنا بمنأى عن هذا الدنس والهاوية الخطيرة السحيقة.
ومن الثمار: السلامة من أضرار الفواحش، وما أدراك ما أضرار الفواحش؟ فالعالم الغربي الذي كسر حواجز العفة يعج بالأمراض الجنسية المعروفة التي حيرت عقولهم، ودمرت صحتهم، وفتكت بهم، وزرعت بينهم الخوف والرعب، والتي سلبتهم حرية ولذة الاستمتاع الذي يسعون إليه ويجرون وراءه، وكلفتهم وراء ذلك الضرائب العظيمة والضخمة من اقتصادهم وأموالهم التي أهدرت بالمليارات في إجراء الأبحاث والتماس العلاج والطب ومراكز الأبحاث ونحو ذلك من الأمور، إضافة إلى ما ينشأ عن ذلك من اختلال الأمن والجرائم والاغتصاب مما سيأتي ذكره في الشق الآخر.
ومن الثمار العظيمة: نقاء المجتمع وطهارته، فإذا وجدت هذه العفة لن ترى امرأة متبرجة، ولا شاباً متسكعاً، بل ترى جداً في الشباب وعفة في الفتيات، وترى مجتمعاً طاهراً نقياً ليس فيه ذلك الابتذال ولا تلك الدناءة والخسة.
وكذلك من الثمار: قوة الإرداة التي تحدثنا عنها، والأجر والثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى، والتوكل، لقوله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] فهذه العفة من الحرام فيها تجديد وتقوية وزيادة للإيمان.
والعفة -أيضاً- سبب من أسباب النجاة من النار، كما ورد في حديث أخرجه أبو يعلى في مسنده والطبراني في معجمه -وتكلم بعض أهل العلم في بعض رجاله بأنهم غير معروفين- قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله).
ثم -أيضاً- من أعظم الثمار الصحة وحصول اللذة؛ لأن الذين يجرون وراء الشهوات يفقدون صحتهم، ويفقدون قوتهم التي يأخذون بها هذه اللذة الجنسية، ولذلك أثبتت البحوث العلمية أن القوة باقية ومستديمة بهذا الاعتدال الذي ينشأ أولاً عن الابتعاد عن الحرام، وثانياً عن العفة بمعناها الذي ذكرناه، أو الاقتصار على القليل النافع المفيد والابتعاد عن كثير الضرر؛ لأن كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده، وهذه مجتمعات الغرب تركت الحبل على غاربه، فليس هناك عندهم شيء ممنوع ولا محرم من زناً ولواط وشذوذ ونحو ذلك، فماذا انتهى إليه أمرهم؟ انتهوا إلى أمراض جنسية مهلكة، وإلى أمراض الضعف، وإلى أمراض أخرى، وهم الآن يبحثون عن علاجات تقوي صحتهم، إلى غير ذلك من الأمور.
يقول أحد الأطباء: إنه رأى شيوخاً ناهزوا الخامسة والسبعين وهم لا يزالون في كامل قوتهم وصحتهم، وهم قادرون على المعاشرة والإنجاب، سئل هؤلاء عن سبب ذلك، فأجابوا أنهم لم يمارسوا العادة السرية في فترة شبابهم، وعندما بلغوا مبلغ الرجال لم يدخلوا في أبواب الحرام، وعندما تزوجوا أخذوا بالتوسط والاعتدال، ثم ابتعدوا عن الأمور التي يستخدمها الناس من هذه الأمور الطبية، فأبقى الله عز وجل لهم هذه الصحة؛ لأن هذا المنهج هو المنهج الطبيعي المتوافق مع الفطرة.
أخي الكريم! إن ما يتعلق بكل ما قيل في ثمار الطاعة وحلاوتها، وما يتعلق بنورانية القلب، وما يتعلق بهذه المحاسن الكثيرة والمنافع العديدة التي تأتي في باب ترك المعاصي والتزام أمر الله سبحانه وتعالى من قوة القلب، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، والأمن من مخاوف الفساق والفجار، وقلة الهم والغم والحزن، وعز النفس عن احتمال الذل، وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية، إلى آخر الأمور المعروفة كله يكون ببركة الطاعة والبعد عن شؤم المعصية وآثارها الوخيمة.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رمضان ضيفنا المنتظر | 2907 استماع |
المرأة بين الحرية والعبودية | 2729 استماع |
فاطمة الزهراء | 2694 استماع |
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها | 2627 استماع |
المرأة والدعوة [1] | 2541 استماع |
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم | 2533 استماع |
غزوة أحد مواقف وصور | 2533 استماع |
قراءة في دفاتر المذعورين | 2485 استماع |
خطبة عيد الفطر | 2467 استماع |
التوبة آثار وآفاق | 2449 استماع |