تفسير سورة غافر [77-81]


الحلقة مفرغة

قال ربنا جل جلاله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [غافر:77].

الله جل جلاله فيما سبق من الآيات أخبر عن تمرد الكفار والمرتدين وعبدة الأوثان والأصنام، وتكذيبهم للحياة ثانية، وتكذيبهم لنبيهم، فأنذرهم وتوعدهم، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاصْبِرْ[غافر:77] أي: اصبر على تكذيب هؤلاء ولأوائهم، فالعاقبة لك كما كانت للأنبياء قبلك، ونهاية الأمر نصرك وذلهم وهزيمتهم وهوانهم، قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ[غافر:77].

وما وعدك الله به من نصر مؤزر ونشر لدينه وهزيمة لعدوه وقضاء عليهم في حياتك وبعد مماتك كل ذلك حق سيتحقق، فما وعدك الله به هو وعد حق وصدق، كما وعد إخوانك وآباءك من الأنبياء والمرسلين الذين جاءوا بعدك، وهي تسلية وتعزية للنبي عليه الصلاة والسلام وقد لقي منهم الشغب، وكان ذلك في مكة قبل فرض الجهاد، والسورة مكية، والجهاد لم يشرع إلا بالمدينة المنورة، فكلمات الصبر ودعوة النبي عليه الصلاة والسلام للعفو نجدها في الآي المكية، ولا نجدها في الآي المدنية؛ لأن الله أذن لرسوله وخاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم أن يقاتل أعداء الله وأعداء رسوله وكتابه، فلا حاجة للصبر بعد ذلك، وإن كان الصبر في حد ذاته يؤمر به كل مؤمن قبل وبعد، في الحياة النبوية وبعدها، وأمر به الناس كافة، فلابد من الصبر لبلوغ الدرجات العلى، ولابد من الصبر على اللأواء وبلاء الدنيا وكراهية الأعداء وبغضائهم، ومن صبر نال وظفر.

قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ[غافر:77].

يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم إن هذا الذي وعدناك إما أن تراه في حياتك، وتعيش إلى أن يصبح تحت يدك، وترى النصر وتسمعه، ويعزك الله على عدوك وأنت لا تزال حياً، فإما أن يحدث بعض ذلك في حياتك، والبعض الآخر يكون بعد وفاتك، كما قال تعالى: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ[غافر:77] و(إن) شرط، و(ما) ويقولون عنها: زائدة، وهي ليست زائدة حتى في غير القرآن، ولا يليق أن يقال عن القرآن: بأن فيه شيئاً زائداً، وإنما هي لمعنى التأكيد، فيؤكد الله جل جلاله مع الشرط بأنه سيرى نبينا عليه الصلاة والسلام بعض ما يعده، فيقول: إما أن نرينك بعض ما نعدك أو نتوفينك فإلينا يرجعون، أي: إن نصرناك عليهم وأنت لا تزال حياً، أو نصرنا أتباعك عليهم وأنت قد مت فمرجعهم إلينا، فنحن الذين سنؤدبهم وننتقم منهم في حياتك وبعد مماتك كذلك.

نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يتحقق في حياته وبعد مماته

وأكد الكلام بنون التوكيد الثقيلة، أي: إن نرينك بعض الذي نعدك من النصر عليهم، والنشر لدينك في بقاع الأرض، وهزيمة عدوك، فسنريك بعض ذلك وأنت لا تزال حياً، (وإما نتوفينك) أي: وإن نحن توفيناك وأمتناك فإلينا مرجعهم وعودتهم، وسيرون ذلك لا محالة ولا مفر لهم، فسيعاقبون وسيهزمون إما على يدك وأنت لا تزال حياً، وإما بعد مماتك على يدي خلفائك، وقد كان الأمر كذلك، قال تعالى: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111] ففي حياة النبي عليه الصلاة والسلام نصره الله نصراً عزيزاً مؤزراً، وحقق له وعده في نصره على أعدائه خاصة قومه قريشاً، الذين أخرجوه من بلده، وألبوا عليه الأعداء، وتعاونوا مع يهود المدينة ونصارى نجران ومشركي نجد وبقية القبائل الكافرة من جزيرة العرب، وهاجموه وأخرجوه من بلده، ثم هاجموه في المدينة بعد أن خرج مهاجراً، ووقعت هناك معارك طاحنة في غزوة أحد وخيبر وغزوات اليهود والخندق والأحزاب وبدر، وقد تألبوا عليه مع كفار الجزيرة كلها، وكانت النهاية نصر نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد عاد إلى مكة مظفراً منتصراً حاكماً في أعدائه، وعرضوا عليه عرض الأسرى والمستعبدين، فقال لهم: (ماذا ترون يا معاشر قريش! أني فاعل بكم؟)، ثم أطلق سراحهم وعفا عنهم بعد القدرة عليهم، وعاقب يهود المدينة بأن طرد من طرد وقتل من قتل وصادر من صادر، وأوصى -خلفاءه من بعده- بإخراج الجميع من جزيرة العرب، أي: من العالم الإسلامي.

وما مات النبي عليه الصلاة والسلام حتى دانت له جزيرة العرب كلها، وأصبحوا على دينه ومن أتباعه وجنده، ومن الدعاة إلى دينه، وأصبحوا جميعاً يعتقدون رسالته التي كانوا ينكرونها زمناً، وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام خرج الإسلام عن جزيرة العرب في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكانت البداية في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وانتشرت انتشاراً شاملاً عاماً في مشارق الأرض ومغاربها أيام الفاروق عمر رضي الله عنه، فدخل في أرض المسلمين الشام والعراق وفارس ومصر والمغرب، وما بقي بعد ذلك إلا القليل، ثم دخل ذلك القليل فأصبحت رقعة العالم الإسلامي من أرض الصين شرقاً إلى أرض فرنسا قرب العاصمة باريس بنحو مائة ميل فقط غرباً وما بينهما جنوباً وشمالاً.

فالله وعد نبيه صلى الله عليه وسلم وحقق وعده، قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ [غافر:77] أي: إما أن ترى ذلك رؤيا العين، وإما سيكون ذلك بعد موتك، وإلينا مرجعهم.

وقد فعل الله كل ذلك، فقد وقع بعض ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ورآه وقرت عينه وعين المؤمنين به، ووقع أكثره بعده، ففرحت روحه وهو في الرفيق الأعلى، وسرت بنشر التوحيد والإسلام، حيث قام الذين آمنوا على يده من قريش نفسها وبقية قبائل العرب فتعاونوا واتفقوا على نشر دين الله حتى عم الأرض كلها، وأصبح الإسلام وحده هو الظاهر والغالب والمعمول به إلى قرون وقرون بعد ذلك.

وأكد الكلام بنون التوكيد الثقيلة، أي: إن نرينك بعض الذي نعدك من النصر عليهم، والنشر لدينك في بقاع الأرض، وهزيمة عدوك، فسنريك بعض ذلك وأنت لا تزال حياً، (وإما نتوفينك) أي: وإن نحن توفيناك وأمتناك فإلينا مرجعهم وعودتهم، وسيرون ذلك لا محالة ولا مفر لهم، فسيعاقبون وسيهزمون إما على يدك وأنت لا تزال حياً، وإما بعد مماتك على يدي خلفائك، وقد كان الأمر كذلك، قال تعالى: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111] ففي حياة النبي عليه الصلاة والسلام نصره الله نصراً عزيزاً مؤزراً، وحقق له وعده في نصره على أعدائه خاصة قومه قريشاً، الذين أخرجوه من بلده، وألبوا عليه الأعداء، وتعاونوا مع يهود المدينة ونصارى نجران ومشركي نجد وبقية القبائل الكافرة من جزيرة العرب، وهاجموه وأخرجوه من بلده، ثم هاجموه في المدينة بعد أن خرج مهاجراً، ووقعت هناك معارك طاحنة في غزوة أحد وخيبر وغزوات اليهود والخندق والأحزاب وبدر، وقد تألبوا عليه مع كفار الجزيرة كلها، وكانت النهاية نصر نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد عاد إلى مكة مظفراً منتصراً حاكماً في أعدائه، وعرضوا عليه عرض الأسرى والمستعبدين، فقال لهم: (ماذا ترون يا معاشر قريش! أني فاعل بكم؟)، ثم أطلق سراحهم وعفا عنهم بعد القدرة عليهم، وعاقب يهود المدينة بأن طرد من طرد وقتل من قتل وصادر من صادر، وأوصى -خلفاءه من بعده- بإخراج الجميع من جزيرة العرب، أي: من العالم الإسلامي.

وما مات النبي عليه الصلاة والسلام حتى دانت له جزيرة العرب كلها، وأصبحوا على دينه ومن أتباعه وجنده، ومن الدعاة إلى دينه، وأصبحوا جميعاً يعتقدون رسالته التي كانوا ينكرونها زمناً، وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام خرج الإسلام عن جزيرة العرب في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكانت البداية في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وانتشرت انتشاراً شاملاً عاماً في مشارق الأرض ومغاربها أيام الفاروق عمر رضي الله عنه، فدخل في أرض المسلمين الشام والعراق وفارس ومصر والمغرب، وما بقي بعد ذلك إلا القليل، ثم دخل ذلك القليل فأصبحت رقعة العالم الإسلامي من أرض الصين شرقاً إلى أرض فرنسا قرب العاصمة باريس بنحو مائة ميل فقط غرباً وما بينهما جنوباً وشمالاً.

فالله وعد نبيه صلى الله عليه وسلم وحقق وعده، قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ [غافر:77] أي: إما أن ترى ذلك رؤيا العين، وإما سيكون ذلك بعد موتك، وإلينا مرجعهم.

وقد فعل الله كل ذلك، فقد وقع بعض ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ورآه وقرت عينه وعين المؤمنين به، ووقع أكثره بعده، ففرحت روحه وهو في الرفيق الأعلى، وسرت بنشر التوحيد والإسلام، حيث قام الذين آمنوا على يده من قريش نفسها وبقية قبائل العرب فتعاونوا واتفقوا على نشر دين الله حتى عم الأرض كلها، وأصبح الإسلام وحده هو الظاهر والغالب والمعمول به إلى قرون وقرون بعد ذلك.

قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر:78].

يقول تعالى لنبيه معلماً ومسلياً ليعلم أتباعه والمؤمنين: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ [غافر:78] فلم تكن في هذا فريداً، ولا شاذاً وفذاً، فقد سبقك أنبياء كثيرون، ولست أنت إلا آخرهم والخاتم لهم، فقد جاء قبلك أنبياء كثيرونَ أرسلناهم لأممهم ولشعوبهم مبشرين ومنذرين، مبشرين أولياءه بالجنة والرضا، ومنذرين أعداءه بالغضب والسحق ودخول النيران.

قال تعالى: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78] أي: ليس الرسل الذين أرسلناهم هم من سميناهم لك فقط، بل هناك الكثير ممن لم نذكر لك أسماءهم، ولم نقص عليك قصصهم، لا في أشخاصهم ولا في شعوبهم ولا في أممهم، وإنما قصصنا عليك سير القليل منهم، الذين اتخذناهم عبرة لك وللمؤمنين معك؛ ليكونوا درساً وعبرة وأسوة، وليكون المؤمن أسوة للمؤمن، والكافر نذيراً وعبرة لمن بقي على الكفر، ولم يذكر الله في كتابه إلا أسماء خمسة وعشرين من الأنبياء فقط، أولهم: أبونا آدم، وآخرهم نبينا محمد عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى التسليم، والذين أرسلوا أكثر من ذلك بكثير، فقد قال لنا ربنا: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24]، فليس هناك أمة من أمم الخلق والبشر إلا وأرسل الله لها نبياً، ولم يذكر منهم إلا خمسة وعشرين فقط ممن اتخذ من سيرهم وسير أممهم وشعوبهم عظات وعبراً ودروساً لنبيه وخاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من أتباعه. وهم: آدم وشيت وإدريس ونوح وإبراهيم وولداه إسماعيل وإسحاق وسلالة إسحاق إلى خاتمهم عيسى، وسلالة إسماعيل وهو نبينا عليه الصلاة والسلام.

عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام

وأما بقية الأنبياء: فقد وردت أحاديث في حصرهم وأعدادهم، فعن أبي ذر الغفاري وأنس بن مالك وأبي أمامة وأبي سعيد الخدري وآخرين، ورويت في التفاسير وفي السنن وفي المسانيد وفي المعاجم، والكثير منها لم يصح، وأصحها حديث أبي ذر ، وقد ورد عن كعب : إن الأنبياء السابقين ألفا ألف نبي، أي: مليونان من الأنبياء. وورد عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم ثمانية آلاف، وعن أبي سعيد: أنهم ألف ألف، أي: مليون من الأنبياء. وورد عن أنس بن مالك أنهم ألف. وأصح هذه الأحاديث هو ما أخرجه ابن حبان في صحيحه والآجري وعبد بن حميد في مسنده وآخرين عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، قال: كم منهم رسل؟ قال: هم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، جماً غفيراً، كثيراً طيباً).

وهذا الحديث صححه ابن حبان ، وذكره في صحيحه، وصححه غيره كـالآجري وعبد بن حميد والبزار في مسنده. وهذا الحديث هو أصح ما ورد في أعدادهم، وقد اعتبره ابن الجوزي موضوعاً، وصححه غيره وأكده، وهو أصح الموجود، وكونهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً مع قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24] يؤكد العدد والزيادة.

والأمم كثيرة من مضى منهم ومن بقي، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء على الإطلاق، فقد كان نبياً لجميع الأمم التي عاصرته والتي ستأتي، وهو خاتم رسل الله في مشارق الأرض ومغاربها، وقد أرسل للعرب والعجم، فلا نبي ولا رسول بعده إلى قيام الساعة.

عموم رسالة الإسلام

لقد كان الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم يرسلون إلى أقوامهم خاصة، ومن هنا يقال: أنبياء بني إسرائيل، فهم أنبياء مخصوصون ببني إسرائيل وهو إسحاق، والنبي: هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول هو كل نبي أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، وكان عدد الكل: مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً، ولكن ديانتهم لم يؤمروا بها إلا في أنفسهم، ولم يؤمر منهم بإعلامها وتبليغها للناس إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، وهؤلاء هم الذين أرسلوا بالرسالات، وكلهم كانوا رسلاً قوميين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خصصت بخمس) والخصائص النبوية تتجاوز المائتين، وقد جمعها السيوطي في كتابه (الخصائص الكبرى)، وطبع أكثر من مرة في مجلدين، قال صلى الله عليه وسلم: (خصصت بخمس)، ومن الخمس: (كان الأنبياء قبلي يبعثون ويرسلون إلى أقوامهم خاصة وأرسلت إلى الناس عامة).

فليس هناك دين عالمي إلا دين الإسلام؛ دين محمد عليه الصلاة والسلام، فمن يزعم بأن اليهودية أو النصرانية دين العالمين فقد جهل، وقال الباطل وغير الحق، فهذا عيسى يقول في الإنجيل: (أرسلت إلى.... بني إسرائيل خاصة)، والقرآن المهيمن على الإنجيل يؤكد هذا المعنى فيقول: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصف:6]، فهو لم يرسل إلا إليهم، وهو خاتم أنبيائهم، ولذلك فالنصرانية واليهودية لم تكونا يوماً ديناً إلا لبني إسرائيل، وعيسى من بني إسرائيل، ولم يرسل إلا إلى بني إسرائيل، ومن آمن باليهودية وبالنصرانية حتى في عصرها ولم يكن يهودياً فهو قد آمن بدين لم يطلب منه، وآمن برسالة لم يكلف بها، ولذلك من آمن اليوم من غير اليهود بإحدى الديانتين فقد آمن -لو كان الدين لا يزال صحيحاً- بدين لم يكلف به، فكيف والدين قد غير وبدل وانتقل من دين توحيد إلى دين عبادة أوثان!!

فاليهود عبدوا العجل، وعبدوا العزير، وعبد النصارى مريم وعيسى والصليب، وقالوا جميعاً: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، فجعلوا لله ولداً، وجعلوا جميع الخلق أولاداً، وذاك منتهى الشرك والوثنية والكفر بالله، على أن ذلك قد نسخ، وما برز محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الديار المقدسة إلا وقد نسخت جميع تلك الأديان، عندما أعلن للناس ما أمره ربه به، قال تعالى: قُل يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] فلم تبقَ رسالة ولم يبقَ رسول ونبي تجب طاعته والإيمان به والعمل برسالته إلا محمداً صلى الله عليه وسلم ورسالة الإسلام، ومن هنا قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] وقال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فالدين الحق المقبول الذي أمر به البشر هو الإسلام لا سواه، ومن هنا يقول سيد البشر صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي). وعيسى سينزل في آخر الزمان على دين محمد دين الإسلام عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78]، أي: قصصنا عليك قصص بعضهم وسيرة بعضهم، (ومنهم من لم نقصص عليك) فأكثرهم لم يقصوا ولم تذكر أسماؤهم وسيرهم ولا سير أتباعهم وأممهم وشعوبهم.

المعجزات لا تكون إلا بإذن الله

قال تعالى: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [الرعد:38].

أي: ما ينبغي ولن يكون أن يأتي رسول وهو رسول حقاً بمعجزة أو بآية أو بدليل أو برهان إلا بإذن الله، فهو رسول الله، والرسول لا يفعل ولا يليق به أن يفعل إلا ما أمره به مرسله جل جلاله وعز مقامه.

ومعنى هذا: أن كل ما صح عن الأنبياء من الآيات البينات، والمعجزات الواضحات، والكتب التي أتوا بها هي جميعاً كانت بأمر الله وبإذنه، ثم بدل وحرف وغير ذلك أتباع أولئك الأنبياء، فلم يبقَ من كتبهم ولا من معجزاتهم شيء صحيح البتة إلا ما ذكر في كتابنا القرآن الكريم المهيمن على الكتب السابقة، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر:78]. فإذا جاء أمر الله بقيام الساعة والقيامة والبعث والنشور بعد الموت قضى الله بالحق بين أمم هؤلاء الأنبياء والرسل، وهو الحق جل جلاله، ولا يصدر عنه إلا الحق، فإما إلى جنة وإما إلى نار.

قال تعالى: وَخَسِرَ هُنَالِكَ [غافر:78] أي: يوم القيامة والعرض على الله ويوم البعث والنشور والحساب يخسر هناك المبطلون، الذين أبطلوا دينهم في الحياة الدنيا وجاءوا بالباطل، وكذبوا الحق وافتروا عليه عندما جاءهم، وأتوا بالباطل وما لم ينزل الله، فهؤلاء هم المبطلون الذين أتوا بالباطل وابتعدوا عن الحق وكذبوا به، والذين سيخسرون إذ ذاك يوم القضاء وإعلان الحق والفصل بين الخلائق، فسيكسب ويفوز الكل إلا الذين أتوا بباطل، والباطل الشرك بالله والكفر به وعصيانه، وهم يعتقدون أن الله جل جلاله وعلا مقامه له ثان وثالث من ولد وبنت وصاحبة وصاحب، تعالى الله وجل عن كل ذلك، فهو الأول والآخر، وهو الفرد الصمد الواحد الأحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله.

وأما بقية الأنبياء: فقد وردت أحاديث في حصرهم وأعدادهم، فعن أبي ذر الغفاري وأنس بن مالك وأبي أمامة وأبي سعيد الخدري وآخرين، ورويت في التفاسير وفي السنن وفي المسانيد وفي المعاجم، والكثير منها لم يصح، وأصحها حديث أبي ذر ، وقد ورد عن كعب : إن الأنبياء السابقين ألفا ألف نبي، أي: مليونان من الأنبياء. وورد عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم ثمانية آلاف، وعن أبي سعيد: أنهم ألف ألف، أي: مليون من الأنبياء. وورد عن أنس بن مالك أنهم ألف. وأصح هذه الأحاديث هو ما أخرجه ابن حبان في صحيحه والآجري وعبد بن حميد في مسنده وآخرين عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، قال: كم منهم رسل؟ قال: هم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، جماً غفيراً، كثيراً طيباً).

وهذا الحديث صححه ابن حبان ، وذكره في صحيحه، وصححه غيره كـالآجري وعبد بن حميد والبزار في مسنده. وهذا الحديث هو أصح ما ورد في أعدادهم، وقد اعتبره ابن الجوزي موضوعاً، وصححه غيره وأكده، وهو أصح الموجود، وكونهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً مع قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24] يؤكد العدد والزيادة.

والأمم كثيرة من مضى منهم ومن بقي، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء على الإطلاق، فقد كان نبياً لجميع الأمم التي عاصرته والتي ستأتي، وهو خاتم رسل الله في مشارق الأرض ومغاربها، وقد أرسل للعرب والعجم، فلا نبي ولا رسول بعده إلى قيام الساعة.

لقد كان الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم يرسلون إلى أقوامهم خاصة، ومن هنا يقال: أنبياء بني إسرائيل، فهم أنبياء مخصوصون ببني إسرائيل وهو إسحاق، والنبي: هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول هو كل نبي أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، وكان عدد الكل: مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً، ولكن ديانتهم لم يؤمروا بها إلا في أنفسهم، ولم يؤمر منهم بإعلامها وتبليغها للناس إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، وهؤلاء هم الذين أرسلوا بالرسالات، وكلهم كانوا رسلاً قوميين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خصصت بخمس) والخصائص النبوية تتجاوز المائتين، وقد جمعها السيوطي في كتابه (الخصائص الكبرى)، وطبع أكثر من مرة في مجلدين، قال صلى الله عليه وسلم: (خصصت بخمس)، ومن الخمس: (كان الأنبياء قبلي يبعثون ويرسلون إلى أقوامهم خاصة وأرسلت إلى الناس عامة).

فليس هناك دين عالمي إلا دين الإسلام؛ دين محمد عليه الصلاة والسلام، فمن يزعم بأن اليهودية أو النصرانية دين العالمين فقد جهل، وقال الباطل وغير الحق، فهذا عيسى يقول في الإنجيل: (أرسلت إلى.... بني إسرائيل خاصة)، والقرآن المهيمن على الإنجيل يؤكد هذا المعنى فيقول: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصف:6]، فهو لم يرسل إلا إليهم، وهو خاتم أنبيائهم، ولذلك فالنصرانية واليهودية لم تكونا يوماً ديناً إلا لبني إسرائيل، وعيسى من بني إسرائيل، ولم يرسل إلا إلى بني إسرائيل، ومن آمن باليهودية وبالنصرانية حتى في عصرها ولم يكن يهودياً فهو قد آمن بدين لم يطلب منه، وآمن برسالة لم يكلف بها، ولذلك من آمن اليوم من غير اليهود بإحدى الديانتين فقد آمن -لو كان الدين لا يزال صحيحاً- بدين لم يكلف به، فكيف والدين قد غير وبدل وانتقل من دين توحيد إلى دين عبادة أوثان!!

فاليهود عبدوا العجل، وعبدوا العزير، وعبد النصارى مريم وعيسى والصليب، وقالوا جميعاً: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، فجعلوا لله ولداً، وجعلوا جميع الخلق أولاداً، وذاك منتهى الشرك والوثنية والكفر بالله، على أن ذلك قد نسخ، وما برز محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الديار المقدسة إلا وقد نسخت جميع تلك الأديان، عندما أعلن للناس ما أمره ربه به، قال تعالى: قُل يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] فلم تبقَ رسالة ولم يبقَ رسول ونبي تجب طاعته والإيمان به والعمل برسالته إلا محمداً صلى الله عليه وسلم ورسالة الإسلام، ومن هنا قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] وقال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فالدين الحق المقبول الذي أمر به البشر هو الإسلام لا سواه، ومن هنا يقول سيد البشر صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي). وعيسى سينزل في آخر الزمان على دين محمد دين الإسلام عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78]، أي: قصصنا عليك قصص بعضهم وسيرة بعضهم، (ومنهم من لم نقصص عليك) فأكثرهم لم يقصوا ولم تذكر أسماؤهم وسيرهم ولا سير أتباعهم وأممهم وشعوبهم.




استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة غافر [60-65] 2241 استماع
تفسير سورة غافر [35-39] 1989 استماع
تفسير سورة غافر [65-68] 1917 استماع
تفسير سورة غافر [47-55] 1715 استماع
تفسير سورة غافر [23-28] 1713 استماع
تفسير سورة غافر [8-14] 1708 استماع
تفسير سورة غافر [55-56] 1693 استماع
تفسير سورة غافر [5-7] 1652 استماع
تفسير سورة غافر [56-59] 1600 استماع
تفسير سورة غافر [69-77] 1583 استماع