تفسير سورة غافر [35-39]


الحلقة مفرغة

قال تعالى: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35].

هذه الآية بدل من الآية السابقة: كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ [غافر:34]، ومن أضله الله فلا هادي له، وكانت الضلالة نتيجة فساد قلوبهم، ونتيجة ما يظهرون في القلوب من كفر وشرك بالله، كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ [غافر:34]، قال تعالى: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ [غافر:35]، وكثير ما هم، ففي عصرنا يجادلونك في كتاب الله، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الإسلام وأحكامه، فهو يجادل جدال ومذاكرة من لم يعلم شيئاً، فلم يتل من كتاب الله شيئاً، ولم يدرس من حديث نبيه صلى الله عليه وسلم حديثاً، بل يقبلون ويرفضون ويواصلون بالباطل والكذب والبهتان.

فقوله: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ [غافر:35] من الجدل، والجدل في الدين لا يليق وهو محرم، أما المحاورة والمذاكرة والمدارسة فهي مطلوبة دوماً إلى أن تقوم الساعة، فإن كانت المحاورة والمذاكرة ليست إلا جدالاً ونزاعاً وقولاً بالباطل لا دليل ولا برهان فذاك عمل المسرفين الكافرين الجاهلين الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويقولون الباطل ويكذبون على الله ورسله.

قال تعالى: بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ [غافر:35] أي: بغير دليل ولا برهان ولا حجة أتتهم عن دراسة أو تعلم في كتاب منزل نطق بها رسول، أو نطق بها حكيم، أو نطق بها عالم، بل هم يقولون ما لا يعلمون كذباً على الله، وصداً عن الصراط المستقيم، وتلك صفة الكافرين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.

قال تعالى: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا [غافر:35] أي: كبر الجدال والكلام في هذا الحديث، وذاك نقص كبير وبغض كبير وتحقير كبير عند الله وعند المؤمنين الصادقين، إذ يمقت الله الذي يجادل في الحق بغير برهان ولا دليل، ويمقت المؤمنون من يجادل في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا حق ولا دليل ولا برهان، فالله يمقت ذلك ويبغضه، والمقت: أشد أنواع التحقير والبغضاء، فقوله: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا [غافر:35] أي: كبر جدال هؤلاء في آيات الله بغير دليل ولا برهان.

وهنا يروي ابن مسعود ويقول: ما حسنه المسلمون فهو عند الله حسن، وما قبحه المسلمون فهو عند الله قبيح. ويعني: الإجماع، فإذا أجمع المؤمنون على فساد شيء فهو فاسد، وإذا أجمعوا على صلاح شيء فهو صالح، وهنا يذكر الله المؤمنين معه فقال: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ [غافر:35]، فإذا أجمع المسلمون على صواب فهو صواب، وإذا أجمعوا على باطل فهو باطل.

ولذلك فإن الأدلة التي يعتمدها المسلمون هي: كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم الإجماع، ثم القياس، هذه هي الدلائل الرئيسة الأربعة التي لا يسع مسلماً تركها.

فإذا قال العالم وأفتى بفتوى فينبغي أن يكون له على ذلك دليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن الدليل آية ولا حديثاً فإجماع المسلمين، فعلى سبيل المثال: أجمع الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم على أن صلاة الصبح ركعتان، وصلاة الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات، فهذا إجماع مؤكد موثوق به، فإذا جاءكم أبله أو جاهل فقال: صلاة الظهر اثنتا عشرة ركعة، وصلاة العصر ثمان ركعات فأعرض عنه، وبعض من يدعون العلم والتأليف يقولون: صلاة الظهر اثنتا عشرة ركعة: ثمان نوافل قبل وبعد، وأربع هي الفريضة، وهذا كلام جاهل، فالنوافل إنما تصلى عند صلاة الظهر وليست من الظهر، كما نقول: ركعتا الصبح، ونافلة العصر ونافلة المغرب والشفع والوتر، ولا نضم النوافل إلى الفرائض، وهناك نوافل نهارية ونوافل ليلية، ونوافل قبل الفرائض ونوافل بعد الفرائض، وما سوى هذا لا يقال بحال.

قال تعالى: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35] أي: هذا الكافر المعاند المجادل بالباطل، هذا المقر بالشرك ومخالفة الله ومخالفة أنبيائه: قد طبع الله على قلبه فلا يعي ولا يفهم ولا يدرك، فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، وقال تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا [الأنفال:70]، وهذا عائد على الإنسان، فإن أضمر الخير وجد الخير، وإن أضمر الشر فسد قلبه وطبع عليه، ولن يهتدي بعد ذلك أبداً، إذاً: كما أضل الله هؤلاء وطبع على قلوبهم فكل من يفعل كفعلهم ويكفر ككفرهم ويضل كضلالهم يطبع الله على قلبه.

(كذلك يطبع الله على قلب كل متكبر جبار) قرئ (على قلب) مضاف إلى (متكبر)، وقرئ (على كل قلبٍ متكبرٍ) نعت لقلب، والمعنى واحد، فالله طبع على القلوب التي تكبرت عن الإيمان وتكبرت عن رسول الله وعن قبول الحق، وطبع الله على قلب كل جبار، والجبار: هو الذي يجاهر بالكفر والظلم وأخذ الحقوق وسفك الدماء، ولا يخاف الخالق ولا المخلوق، ومن تجبر على الله قصمه الله، وقد طبع على قلبه من قبل.

فالله يضرب بهؤلاء الأمثال، ويقص علينا قصة فرعون ومن معه عندما أخذ يهدد بقتل موسى، فقام هذا الكاتم للإيمان فأخذ يحذره ويحذر أتباعه ويتوعدهم بعذاب الله في الآخرة وبخزيه في الدنيا، ويقول الله مؤكداً لإيمان هذا المؤمن: كذلك من فعل فعل فرعون ممن جاء بعده فإنه يعامل معاملته ويعاقب عقوبته، وهكذا كان، فقد عوقب كفار الجزيرة وكفار الروم وكفار الفرس بالقتل والأسر والتشريد وأخذ الأموال والبلاد والعباد وبالقضاء عليهم وذهاب عزهم ومجدهم جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، نتيجة كفرهم وكذبهم على الله، فكان كما قال الله قد عوقبوا عقوبة الأولين.

قال تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ [غافر:36-37].

فرعون أرعن أحمق، فقد استدل على ألوهيته بأن له هذا الجزء من الأرض واسمه مصر، وله مياه ليست أنهاراً عذبة جارية، وإنما هي مياه راكدة ينتظرون فيضانها لتسقي زرعهم وأرضهم، ومع ذلك تأله على الله وادعى الألوهية؛ لأن له هذا الجزء البسيط من الأرض وقال دليلاً لألوهيته: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] أي: أملك أرضاً وخلقاً وأرزاقاً ودواباً، والأنهار تجري من تحتي، وهنا يقول لـهامان وزيره وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا [غافر:36] أي: ابن لي بناء شامخاً مرتفعاً ظاهراً مشهوراً، والصرح من الصراحة، وهي التشهير والوضوح، قال: لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ [غافر:36-37] أي: ابن يل صرحاً لأصعد وأعلو أبواب السماء فأنظر إلى هذا الإله الذي يعبده موسى، والذي يقول موسى: إنه أرسله.

وهكذا الكفرة الضالون يقولون كلاماً يدعو للسخرية والضحك عليهم، فهل لـهامان قدرة في أن يبني له صرحاً مسافة خمسمائة سنة ليصل إلى السماء الأولى ولا تأتيه زعازع ولا عواصف فتضعف ذلك الصرح؟! ثم إذا وصل إلى السماء فهل يظن أنه سيجد السماء مفتحة له ويدخلها: أين رب موسى؟ أين إله موسى؟ ثم لا يجد فيبحث ويصعد الثانية والثالثة والرابعة؟

فهل هناك حمق وجنون ورعونة وضياع عقل أكثر من مثل هذا الكلام لإنسان ملك وادعى الألوهية، وأخذ يحاور ويجابه النبيين الكريمين الصديقين موسى وهارون، وهو يظن أنه يقول قولاً يقبل ويجادل فيه!

ولذلك الله سلط الله عليه قريباً له قيل: هو ابن أخيه، وقيل: ابن عمه، فأخذ يسخر منه ومن قوله، وأخذ يتوعده بدين الله الحق، وأنه ليس إلا ذبابة أو حشرة من حشرات الأرض، أما أن يستدل على صدق موسى وكذبه فيصعد إلى السماء ليجده فهذا دليل على رعونته وحماقته!

فقوله تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا [غافر:36] أي: ابن لي قصراً أو بناء عالياً، لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ [غافر:36] أي: الطرق، أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ [غافر:37] قرئ: (فأطلعَ) وقرئ: (فأطلعُ)، أي: ابن لي صرحاً لكي أصعد عليه وأشرفه منه على إله موسى في السماوات.

أراد بطغيانه أن يطلع إلى الله من نوافذ السماء من شرفاتها، يقول: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:37] أي: مع هذا لم يتيقن، فقد شككه موسى وقريبه في ألوهية نفسه، فهو أخذ يقول: أصحيح، أن موسى نبي؟ وأن إلهاً في السماء أرسله؟ فقال: دعني أبني قصراً لأطلع إلى إله موسى، وقال: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ [غافر:37] ولم يقل: وإني لأتحقق وإني لأوقن، فقد بلغ منه هذا المؤمن القريب أن يشككه في ألوهية نفسه، وهو الذي كان يقول: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] وكان يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] وكان يقول: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ [غافر:26] خوفاً من أن ينشر في الأرض الفساد، وخوفاً من أن يبدل دينهم، فهو يحرص على كل ذلك وهو موقن بكفره وموقن بزيف ألوهيته الباطلة، وأكثر من ذلك أقوامه السخفاء الذين قال الله عنهم: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54]، قبلوا ذلك وآمنوا به ودانوا وصرحوا بأنه إلههم وخالقهم.

قال تعالى: وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ [غافر:37] أي: عمله السيئ زين له فرآه زيناً وصلاحاً وعقيدة ورشاداً وصواباً وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ [غافر:37] أي: دُفع عن سبيل الحق والطريق المستقيم والإيمان بالله ورسله، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ [غافر:37] فنفسه الخبيثة وعقيدته الفاسدة وعقله الضائع هو الذي صده عن الحق، والإيمان الحق فصد وأبعد وزاد ضلالاً وكفراناً، وقرئ: (وصَدّ عن السبيل) بفتح الصاد، أي: هو الذي صد غيره.

قال تعالى: وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ [غافر:37] أي: دعوى فرعون الألوهية، ودعواه أنه سيقتل موسى، ودعواه أنه الخالق الرازق: في تباب وخسارة وضياع وباطل؛ إذ لا أصل ولا وجود لها، إن هي إلا أوهام وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.

قال تعالى: وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:38].

لزمه هذا المؤمن القريب وأخذ يتحداه ويتتبع عثراته وجنونه وفساد عقله، ويقول إيماناً ويبطل قوله أمام الحاضرين وهم يسمعون، سواءً قبل ذلك فرعون أو لم يقبل، وإن شاء أن يقتله فرعون فليقتله، فقد آن الأوان ليعلن كلمة الحق، ومن هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (سيد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله).

ففرعون أراد أن يستدل ويبرهن في مجلس عام جامع على صدق ألوهيته وصواب رأيه، فسلط الله عليه قريباً ظنه أنه معه وأنه متعلق به، وإذا به يظهر أنه يحتقره ويكفر به، وأنه مؤمن بموسى وهارون، وأنه عبد صالح كان أحق منه بالملك وبالحكم وبهداية الناس.

قال تعالى: وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:38] أي: أنا الذي سأهديكم سبيل الرشاد لا فرعون الكاذب المتأله على الله عندما قال لكم: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29]، فهذا يقول: اتبعون يا قومي، وآمنوا بما آمنت به، وكذبوا فرعون وقولوا عنه: ضال مضل، وآمنوا بموسى وقولوا عنه: عبد الله ورسوله، وآمنوا بالله الواحد الذي تنزه عن كل نقص واتصف بكل كمال ولا يشبه أحداً من خلقه، لا كما زعم هذا الضال الأرعن أنه سيجد رب موسى في السماوات، وليس بينه وبين ذلك إلا أن يبني له هامان صرحاً يصعد عليه فيبحث عنه فيجده!

فقوله: وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ [غافر:38] أي: كونوا أتباع كلامي وانتصحوا بنصيحتي وبهدايتي، قوله: أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَاد [غافر:38] أي: أهدكم طريق الحق والصواب لا الطريق الذي يزعمه هذا الأفاك المشرك المرتاب المتأله على الله، ولا طريق أتباعه كـهامان وقارون .

ثم قال: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39] أي: يا قوم هذه الحياة لو كان يملكها فرعون فما هي إلا متاع ومتعة في زمن قصير، وتنتهي المتعة وتنتهي الحياة معها وكأنها لم تكن، فهذه الحياة الدنيا الدنية الفائتة هي كلها بمصرها ومشارقها ومغاربها ومؤمنيها وكفارها ومن يدعي الملك والجبروت والطغيان ليست إلا ساعة متعة: إما لذة مع زوجة، أو أكل فاكهة، وبعد ذلك انتهت وكأنها لم تكن، فلا تهتموا بها ولا تلتفتوا إليها، كيف وفرعون إنما ادعى المتعة بقطعة من الأرض ليست إلا جزءاً من آلاف الأجزاء من الأرض ومع ذلك فهو ضال فاجر جبار كافر بالله متأله على الله وعلى رسله، فقد استباح الدماء والأعراض والحقوق، وما يزيده ذلك إلا طغياناً وكفراً.

قال تعالى: وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39] أي: الحياة الثانية والأخيرة هي الدار التي يقر الإنسان فيها قراراً أبدياً سواء قر في الجنة أو قر في النار، فالآخرة دار القرار والخلود والأبد، فمن سعد فيها سعد سعادة لم يشق بعدها أبداً، ومن شقي فيها شقي شقاء لا يسعد بعده أبداً، فلذلك اليوم اعملوا، ولا يغرنكم فرعون وكفره وطغيانه وتألهه.