عنوان الفتوى : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) حقيقة لا مجازا
ما هي حقيقة التوبة، أي هل التائب من الذنب كمن لا ذنب له، قولا وفعلا، حقيقةً لا مجازا؟
تبت من ذنوبي، لكني لا أكاد أنفك عن تذكر ذنبي، الذكرى التي تدفعني للاستغفار والعبادة لا القنوط، لكني أجد لها في نفسي وقعا شديدا، ومؤلما جدا، ومخيفا، وندما لا يُطاق.
هل هذا علامة على خير أو شر؟ أم هي وسوسة شيطان؟
المذنب (لم يكن تاركا للعبادة) إذا تاب من ذنبه، وصلح حاله، وترك الذنب وكرهه، وازداد في طاعته وعبادته، يُعد صالحا مرة أخرى؟
لا أزال أحتقر نفسي، يراني الجميع على خير ودين، ولا يعلمون ما ستره الله عليَّ، ولا أستطيع تجاوز الحزن على ذنبي، أشعر بالحياء من نفسي طول الوقت، وأهاب الحديث عن الدين؛ لأني تائبة من ذنب، فلست أهلا للحديث. هل أقسو على نفسي؟
في كل مرة أمر بآيات فيها ثناء لأهل الطاعة، أشعر بألم، ولا أعد نفسي منهم؛ لأني أذنبت، وأخاف أني كنت أحسب نفسي على خير، والله يستدرجني. لكن الله أمهلني، ومنَّ علي بالتوبة والاستقامة.
فهل هذه علامة خير؟
أخاف كثيرا كثيرا أن أكون ممن هان على الله، أخاف أن يكلني إلى نفسي، أخاف أن يعرف أحد عن ذنبي، أضيع وقتا كثيرا جدا في التفكير حتى لو كنت أذكر الله، أو أعمل، لا ينفك عني التفكير.
أبحث عن دليل قبول التوبة، وأجدها فيّ، لكني أخاف أن أستبشر. أشعر أني أعيش في جَلْد دائم للذات، حتى لو أحسست أحيانا براحة وانفكاك غمي، وقوة بأن أستقبل أيامي وأركز فيها، أعود لما كنت عليه حال تذكري الذنب، لكن هذا لا يقعدني عن العبادة.
أنا متعب، أشعر أني أسير ذنوبي، وأني سأبقى على هذا الحال عمري كله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي قال: إن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وكلامه -بأبي هو- حق على حقيقته، وليس مجازًا بالمرة.
ولذا نص العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية على أن التائب غير معذب بذنبه، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، لا شرعا، ولا قدرا.
والحاصل منك من تذكر الذنب والمبالغة في الندم عليه، إن كان يحثك على مزيد الطاعة، والإقبال على الله، فهو خير. وإن كان يتسرب إلى نفسك بسببه اليأس والقنوط، فأعرضي عنه.
والحاصل أن الدوران بين تذكر الذنب ونسيانه، مرده إلى المصلحة، وقد فصلنا ذلك بما يزيل عنك الإشكال، ويعرفك طريق الصواب في الباب، في فتوانا: 161551. فانظريها.
ويبدو لنا أنك تبالغين في أمر تذكر الذنب، مما يحول بينك وبين بعض الطاعات؛ كالدعوة إلى الله، بحجة أنك مذنبة ونحو ذلك. وهذا خطأ، بل عليك ألا تبالغي في هذا الأمر، وأن تستحضري رحمة الله ومغفرته، وتستأنفي حياتك بجد ونشاط كأنك لم تذنبي إذا كان ذلك أصلح لك، وأعون على القيام بواجبات العبودية.
والله أعلم.