خطب ومحاضرات
تفسير سورة البقرة [82-91]
الحلقة مفرغة
قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]. (وإذ) أي: واذكر إذ، (أخذنا ميثاق بني إسرائيل) في التوراة، (لا تعبدون)، يعني: وقلنا: لا تعبدون، بالتاء والياء (لا يعبدون) خبر بمعنى النهي، وقرئ شذوذاً: (لا تعبدوا)، لكن القراءة الصحيحة بإثبات النون، فالفعل مضارع مرفوع بثبوت النون مثل قوله تعالى: (لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم)، جاء الفعل المضارع في المواضع الثلاثة مرفوعاً؛ لأن (لا) التي قبله ليست ناهية، فالجملة خبرية جاء النهي فيها بلفظ الخبر، وهذا أبلغ من صريح النهي، فمثلاً حديث: (لا ضرر ولا ضرار)، لا هنا نافية؛ فهو خبر لكن من حيث المعنى إنشاء،أو بعبارة أخرى: هو نفي يراد به النهي، مثل قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، فهذه ظاهرها الخبر، والمقصود بها الإنشاء، ولا يمكن أن يكون المقصود بها الخبر؛ إذ ليس كل الحجاج فيهم أحد يرفث أو يفسق أو يجادل. فكذلك هنا: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [البقرة:83]، (لا) هنا لا نافية وليست ناهية؛ لأنها لو كانت ناهية فسوف تكون الآية هكذا (لا تعبدوا إلا الله)، فيلزم حذف النون، لكن الآية: (لا تعبدون) فالفعل مرفوع، فدل على أن: (لا) هنا هي النافية، لكن من حيث المعنى: هي خبر مقصود به الإنشاء. كل الكلام الكثير الذي قلناه الآن حول كلمة (لا تعبدون) لخصه السيوطي رحمه الله في ثلاث كلمات فقال: خبر بمعنى النفي. قوله: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) أي: وأحسنوا بالوالدين إحساناً يعني: براً. (وَذِي الْقُرْبَى) يعني: القرابة، وهذا عطف على الوالدين. قوله: وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، القراءة التي يعتمدها الجلال السيوطي: (حَسَناً). أي: قولوا للناس حُسنا أو حَسناً، أي: قولاً حسناً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد صلى الله عليه وسلم والرفق بهم. وهذه الآية نحتاجها كثيراً جداً؛ لأن كثيراً من الإخوة الملتزمين يتصورون أن الفظاظة والإساءة والغلظة وسوء الخلق جائز مع الكفار، وهذه الآية دليل على استحباب التزام الرفق وحسن الخلق مع كل الخلق حتى لو كانوا كفاراً، كما قال الله واصفاً نبيه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، صلى الله عليه وسلم. فهذه الآية من الآيات التي ينبغي أن يفهمها الإخوة فهماً جيداً، (قولوا للناس) تشمل المسلمين والنصارى واليهود وكل خلق الله سبحانه وتعالى، فحسن الخلق واجب مع جميع الناس خصوصاً عند النصيحة أو عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالكلمة الطيبة صدقة. فهذه الآية دليل على التزام أدب الرفق وحسن الخلق حتى مع المخالفين في العقيدة والدين، ولذلك قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]، أما المبادأة بالظلم أو العدوان أو السب أو غير ذلك مما يتنافى مع حسن الخلق فلا يليق بالمسلم؛ لأن الله يقول: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)، فلا يقابل القسيس ويصرخ في وجهه ويعتبر أن هذه بطولة، أو يشتمه بألفاظ قبيحة، وقد يجره ذلك إلى أن يقابله بالمثل فيسب الله أو يسب محمداً عليه الصلاة والسلام، فسداً لهذه الذريعة ينبغي تجنب ذلك.
الفرق بين الإحسان والولاء مع الكفار
خرق اليهود للعهود والمواثيق
ينبغي أن نفرق بين الإحسان والولاء؛ لأننا الآن في زمان يعج بالفتن، ونحن الآن -والله تعالى أعلم- في الزمن الذي يصبح فيه الرجل مؤمناً ويمسي كافراً من الفتن والمحن التي تسلط علينا من كل جهة، وبالذات في شيء من أخطر قضايا العقيدة، بل هي القضية التي لم تتكاثر الأدلة على مسألة من مسائل التوحيد مثلما تكاثرت عليها بعد توحيد الله تبارك وتعالى، وهي قضية الولاء والبراء، ولم يعرف في الإسلام أدلة أعظم منها بعد التوحيد في أمور العقيدة من قضية الولاء والبراء، والناس الآن تذوب عقيدتها كما يذوب الملح في الماء، وحرب ليل نهار من كل الجهات سواء من الداخل أو الخارج، من الجهلة أو من علماء السوء، من الساسة أو من اليهود والنصارى، قضية تذويب قضية الولاء والبراء، ويصفون الشخص الذي يكفر اليهود والنصارى بأنه متعصب، حتى أصبحت كلمة التعصب الآن والتطرف وغيرها تطلق إطلاقاً معيباً وخطأً. فموضوع التعصب لا يمس العقيدة، ولا يوجد شيء في العقيدة اسمه تعصب، وكونه يعتقد أن الكافر مخلد في النار، أو أن من قال: عيسى ابن الله. فقد كفر، أو أن اليهود كفار، وغير ذلك من العقائد التي هي من أصول الإسلام والحد الفاصل بين الإيمان والكفر، هذا لا يمكن أن يدخل فيه تعصب، إنما التعصب يأتي في المعاملة فقط، ومتى يكون تعصباً؟ إذا كان لنصراني عندك حق، فجحدت هذا الحق أو ظلمته وضيعت ماله هذا هو التعصب، فالتعصب يكون في المعاملة، أما الاعتقاد فليس فيه تعصب؛ إنما هناك كفر وإيمان. فقولوا للناس حسناً ليس معنى ذلك أن تزيف الحقائق، أو أن تحرف العقيدة أو تتنازل عنها، لكن (قولوا للناس حسناً) في المعاملة، فالمعاملة هي مجال التعصب والتسامح. (وقولوا للناس حُسْناً أو حَسَناً) إذا قلنا: حَسَناً ، نقدر كلمة: قولاً: أي قولاً حسناً، وفي القراءة التي بضم الحاء وسكون السين، على أنه مصدر وصف به مبالغة، كما تقول: رجل عدل، وممكن أن يقال: رجل عادل، لكن رجل عدل تصفه بالمصدر مبالغة في إثبات هذا المعنى له، كذلك كلمة: طول وكلمة: فطر ونحو ذلك.
قوله: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وقبلتم هذا الميثاق، (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) ثم بعد قبوله توليتم وأعرضتم عن الوفاء به، وهذا فيه التفات عن الغيبة والمراد آباؤهم، فالآية من أولها: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، هذا كله حديث لهم، ثم: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ [البقرة:83]، يعني: تولى آباؤكم: إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ [البقرة:83]. الآيات التي تتكلم عن اليهود كثيرة في القرآن الكريم، وكذلك التي تتحدث عن بني إسرائيل في عصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمقصود بذلك آباؤهم، وأقصد الآيات التي تتكلم على جرائم ارتكبها آباؤهم ويخاطب بها ذريتهم من بعدهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن ما زال يخاطبهم إلى يومنا هذا؛ لأن هذه إشارة إلى أن ما ركز فيهم من الطباع الخبيثة والخصال الذميمة واللئيمة لا تتغير، وينبغي أن نيئس من أن يتغير اليهود إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى؛ فهذه طبيعتهم. وقد رأينا في الأحداث الأخيرة هذه المذبحة البشعة التي قام بها جبان من اليهود، عندما كان المسلمون يصلون في بيت الله سبحانه وتعالى وفي حالة سجود، وليسوا حتى في حالة قيام -فانظر كيف الجبن- قتلهم، وهل هذه بطولة؟ هل يعجز الإنسان عن أن يقتل آلاف الناس بهذه الطريقة؟! لا، لكنه الخبث والخسة اليهودية، هذا هو اللائق باليهود، ونحن نستغرب منهم هذا؛ لأن هذا هو الأصل، وهذه هي أخلاقهم وطباعهم، أناس قتلوا الأنبياء، قتلوا يحيى عليه السلام وأهدوا رأسه إلى امرأة بغي من بغايا بني إسرائيل لما طلبته، فهم قتلة الأنبياء، وأخس خلق الله سبحانه وتعالى وأرذلهم، فلن تتغير هذه الطباع فيهم. وفي التلفزيون البريطاني استضافوا بعض أحبار اليهود -لعنهم الله- من داخل فلسطين المحتلة، وسألوهم: ما رأيكم عما حصل في مسجد الخليل؟ فقالوا: هذا الإنسان بطل، لقد فعل ما نتمنى نحن جميعاً أن نفعله، ولكننا لا نجرؤ على ذلك! هذا الشخص بطل، وهذه بطولة؛ لأنه يقتل هؤلاء الأجانب الموجودين في بلاد ليست بلادهم، فهم يستحقون القتل وإلا فليخرجوا! فيصفون هذه الجرائم وهذه الخسة والنذالة بأنها بطولة. كذلك مناحن بيجن نفسه كان مشرفاً على مذبحة دير ياسين المعروفة، وكان يقول في أحد كتبه متحدثاً عن القتل الذي ارتكبه ضد المسلمين: أنا أقاتل إذاً أنا موجود، مثل الذي قال: أنا أفكر إذاً أنا موجود، فهو لا يحس بوجوده في الحياة إلا إذا قتل، فالقتل والإجرام والخسة والنذالة هذه الطباع لا تتغير في اليهود أبداً، فلذلك لا تعجبوا إذا لاحظتم أن الآيات كلها تخاطبهم على أفعال فعلها أسلافهم، ثم يعاتب بها من كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وإلى يومنا هذا، لماذا؟ لأن طباعهم لا تتغير، أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [البقرة:75]، يعني: ايئسوا فلا أمل فيهم إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى.
قال الله تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ [البقرة:84]، وقلنا: لا تسفكون دماءكم، ولا تريقونها بقتل بعضكم بعضاً، وقلنا في قوله: إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ [البقرة:83]، إشارة إلى أن المحسنين فيهم قلة، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [البقرة:83]، يعني: هناك قلة أحسنت، فلئلا يبخس الله سبحانه وتعالى هذه القلة حقها استثناهم، ولكن في نفس الوقت أشارت هذه الآية إلى أن الخير إذا صار قليلاً في الأمة والشر هو الغالب فإن ذلك لا ينجي الصالحين من عقاب الله إذا نزل؛ فإنه يعم الصالح والطالح، فوجود قلة من الصالحين لا يمنع العقاب الإلهي إذا فشى فيهم المنكر، وقل فيهم المعروف. ثم قال تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [البقرة:84]، قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم) يعني: اذكر إذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم، فيقدر هنا: وقلنا: لا تسفكون دماءكم، (لا) هنا نافية، ولو كانت ناهية لقال تبارك وتعالى: (لا تسفكوا دماءكم)، لكن قال تبارك وتعالى: (لا تسفكون) بالنون كما أتى بها من قبل في قوله تعالى: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [البقرة:83]، وكذلك: لا تسفكون، ولا تخرجون، عبر في هذه المواضع الثلاثة بالمضارع، وأتى بالفعل مرفوعاً بثبوت النون؛ لأن (لا) التي قبل هذه الأفعال ليست ناهية بل نافية، فما بعدها جملة خبرية لكن المقصود بها الإنشاء والنهي، وهذا يكون أبلغ من صريح النهي؛ كقوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، فهذه (لا) نافية، لكن المقصود بها النهي، ومثله حديث: (لا ضرر ولا ضرار) (لا) نافية لكن المقصود بها النهي عن الضرر، كذلك هنا: لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ، (لا) نافية، والمقصود بها النهي عن سفك الدماء. قال تعالى: وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ [البقرة:84]، هذا مما أخذ الله سبحانه وتعالى الميثاق به على بني إسرائيل، ألا يخرجوا بعضهم بعضاً من هذه الديار. ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [البقرة:84]. (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ)، قبلتم ذلك الميثاق. (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)، وأنتم تشهدون على أنفسكم.
قال تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:85]، مع أن الميثاق سبق وأقررتم به وهو أنكم لن تقتلوا إخوانكم، (ثم أنتم هؤلاء) أي: يا هؤلاء، فيقدر (يا) في التفسير، (تقتلون أنفسكم) يعني: يقتل بعضكم بعضاً. إذاً: (تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ) أي: إخوانكم، عبر عن الإخوان في الله بالأنفس، وهذه من لطائف القرآن الكريم حيث يعبر عن الإخوة في الله بعبارة الأنفس إشارة إلى قوة الرابطة على الاجتماع على الإيمان وعلى العقيدة؛ فإنها تكون أقوى من رابطة النسب، وآية ذلك: أن الرجل المسلم الميت إن لم يكن له أقرباء يرثونه إلا ولد واحد من صلبه فقط يرثه، وهذا الولد كافر فإن هذا الولد لا يستحق أن يرث أباه، بل تؤول ثروة أبيه المسلم إلى بيت مال المسلمين، وتنفق على إخوانه في العقيدة، مع أن هذا ابنه الصلبي لكنه لا يستحق الميراث، لوجود حاجز الكفر حائلاً بينه وبين ميراثه، فينقطع الولاء بسبب العقيدة، فالعقيدة أقوى رباط يكون بين المسلمين، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وتصل شدة هذه الآصارة وقوة هذه الرابطة إلى حد التعبير عن الإخوة في الله بالنفس، أخوك كأنه نفسك التي بين جنبيك، ولهذا شواهد في القرآن الكريم، منها: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات:11]، أي: لا تلمزوا إخوانكم، وقوله: فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ [النور:61]، على أحد التفسيرين، يعني: على إخوانكم، وقوله: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [البقرة:54]، يعني: بعض إخوانكم، يعني: يقتل البريء منكم المجرم الذي عبد العجل. وقوله: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12] يعني: بإخوانهم، وكذلك قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]. وكذلك قوله تبارك وتعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188] يعني: أموال إخوانكم، فعبر عنها بأنها أموالكم. وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ [البقرة:85]، هناك قراءة أخرى هي: (تظّاهرون)، يعني: تتظاهرون، فأدغمت التاء في الظاء، ومعنى: تَظَاهرون أو تَظَّاهرون: تتعاونون. عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ [البقرة:85]، بالمعصية. وَالْعُدْوَانِ [البقرة:85]، بالظلم.
ميثاق الله إلى بني إسرائيل بمفاداة أسراهم
قوله تعالى: وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ [البقرة:85]، وفي قراءة أخرى: ( وإن يأتوكم أسرى تفادوهم ) وفي قراءة: (تفدوهم)، يعني: تنقذوهم من الأسر بالمال أو بغير المال. وهذا مما أخذ عليهم في العهد: أن يخلصوا إخوانهم من الأسر بفدائهم بالمال. وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ [البقرة:85]، (وهو) يعني: الشأن، (محرم عليكم إخراجهم) هذا متصل بقوله تعالى: (وتخرجون)، والجملة بينهما اعتراض، أي على قوله: ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ [البقرة:85]. فالجملة: (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم)، تعود على الأولى يعني: كما حرم ترك الفداء حرم عليكم الإخراج، كما أن الله سبحانه وتعالى في ميثاقه الذي أخذه عليكم حرم عليكم ترك الفداء، وأمر ببذل المال أو غير المال من أجل تحرير إخوانكم من الأسر؛ كذلك حرم عليكم إخراجهم من ديارهم. وكانت بنو قريظة من اليهود حالفوا الأوس، وبنو النضير حالفوا الخزرج، فكان كل فريق من اليهود يقاتل مع حلفائه، هؤلاء مع الأوس وهؤلاء مع الخزرج، فكانوا يقاتلون إخوانهم، ويخربون ديارهم ويخرجونهم، فإذا أسروا -مع أنهم كانوا يقاتلونهم- امتثلوا بحكم الله وبعهد الله الذي أخذه عليهم في بذل المال لفدائهم! وكانوا إذا سئلوا: لم تقاتلونهم وتفدونهم؟ يعني: أنتم بقتالهم تسببتم في أسرهم أو أسرتموهم بالفعل، ثم بعد ذلك تبذلون المال لفدائهم! قالوا: إن الله سبحانه وتعالى أخذ علينا الأمر بفداء أسرانا، فيقال: فلم تقاتلونهم؟ فيقولون: حياءً أن تستذل حلفاؤنا، فقال تعالى منكراً عليهم: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85]، بعض الكتاب هنا هو الفداء، وعرفنا أنه الفداء من السياق المتقدم، فإنه يتبين أن الذي آمنوا به هو فداء الأسرى، أما البعض الذي كفروا به فهو ترك القتل، والإخراج، والمظاهرة، فهم أخرجوا إخوانهم وقتلوهم وظاهروا عليهم، فهنا الله سبحانه وتعالى وصفهم بالكفر ببعض الكتاب وبالإيمان ببعض آخر، فقوله تعالى: (وتكفرون ببعض) أي: الكفر بهذا والإيمان بهذا، وإن كانوا قد كفروا بغير هذا من الكتاب وآمنوا بغيره، فهذه الآية دليل على أنه قد يجتمع في الشخص كفر وإيمان، وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]، كذلك هنا: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85]، ولهذا بحث مستقل سبق أن ذكرناه بالتفصيل في بحوث حكم التفسير، ومن أراد التفصيل فليرجع لكتاب الصلاة وحكم تاركها لـابن القيم ، حيث ناقش فيه تفصيل حكم الله إذا اجتمع الكفر والإيمان؛ فأيهما يغلب. فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:85]، (خزي) هوان وذل، (في الحياة الدنيا)، وقد أذاقهم الله سبحانه وتعالى الخزي والهوان بقتل بني قريظة ونفي بني النضير إلى الشام وضرب الجزية عليهم. وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ [البقرة:85]، في نار جهنم. وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85]، وفي قراءة: (عما يعملون). أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [البقرة:86]، وذلك بأن آثروها على الآخرة. فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:86]، لا يمنعون من العذاب، ولا يوجد من ينصرهم ويقيهم هذا العذاب.
قال الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة:87]. قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب) اللام في (ولقد) لام القسم، فصدر الكلام بالجملة القسمية لإظهار كمال الاعتناء بهذا الكلام، و(آتينا) الإيتاء هو الإعطاء، ومعنى كلمة: (موسى) في اللغة العبرانية المنشول من الماء. وقوله: (الكتاب) مفعول به ثاني، وهو التوراة، قيل: المراد فهم الكتاب، أي: أفهمناه ما انطوى عليه من الحدود والأحكام والأنباء والقصص وغير ذلك مما في هذا الكتاب، فيكون الكلام على حذف المضاف، (ولقد آتينا موسى الكتاب) يعني: فهم الكتاب، وهذا التفسير ليس بظاهر، ولذلك اعتمد السيوطي رحمه الله تعالى هنا التفسير الأول، وهو أن المراد بالكتاب التوراة. وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ، أي: هذا مثل قوله تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا [المؤمنون:44]، ومثل قوله تبارك وتعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [المائدة:44]. (وقفينا من بعده بالرسل)، التقفية هي: الأرداف والإتباع، مأخوذ من إتباع القفاء، وهو مؤخر العنق، فكون واحد يتلو واحداً يكون وصولهم تترا، فالمقصود هو أن يتبع بعضهم بعضاً، تقول: جئته من قفاه. إذا جئته من خلفه، ومنه سميت قافية الشعر، لأنها تتلو سائر الكلام، والقافية في اللغة هي القفاء، وفي الحديث: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد) يعني: في مؤخر العنق. وكل رسول جاء بعد موسى إنما جاء بإثبات التوراة والالتزام بحكم التوراة والأمر بلزومها إلى أن جاء عيسى المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. قيل: كان الأنبياء بعد موسى إلى عيسى أربعة آلاف، وقيل: سبعين ألفاً كلهم على شريعته عليه السلام، ومنهم: يوشع وشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعياء وأرميا وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم عليهم جميعاً وعلى نبينا الصلاة والسلام. وقوله تبارك وتعالى: (وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ)، قرأ الحسن ويحيى بن يعمر: بتسكين السين، وهذه لغة أهل الحجاز، والتحريك لغة تميم. يقول السيوطي رحمه الله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب) يعني: التوراة، (وقفينا من بعده بالرسل) أي: أتبعناهم رسولاً في إثر رسول، (وآتينا عيسى بن مريم البيات) أي: المعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، (وأيدناه) قويناه، وفي قراءة: (وآيدناه)، (بروح القدس) هذا من إضافة الموصوف إلى الصفة، يعني: الروح المقدسة وهو جبريل عليه السلام.
تأييد الله لعيسى بروح القدس
روح القدس هو جبريل عليه السلام
الحكمة من تخصيص عيسى بالذكر في قوله: (وأيدناه بروح القدس)
اليهود قتلة الأنبياء
قوله تعالى: وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة:87] أي: قويناه، قوله: (بروح القدس) هذا من إضافة الموصوف إلى الصفة، وروح القدس هو جبريل عليه السلام. كان جبريل عليه الصلاة والسلام يسير مع المسيح عليه الصلاة والسلام حيث سار يعينه ويلهمه العلوم، فلم يستقيموا مع ذلك، يعني مع أننا أيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام بهذه الآيات وبجبريل عليه الصلاة والسلام لكنكم -أيها اليهود- لم تستقيموا ولم تؤمنوا به ولم تتبعوه عليه الصلاة والسلام. وقد قرأ مجاهد وابن محيصن : ( وآيدناه ) بالمد، وهما لغتان. (( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ )) تشمل كل معجزة أوتيها المسيح عليه الصلاة والسلام، وقيل: المقصود الإنجيل. ونلاحظ في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أفرد المسيح عليه الصلاة والسلام عن سائر رسله، فإنه يقول تبارك وتعالى: وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ [البقرة:87] مع أن عيسى من الرسل الذين أتوا بعد موسى عليه الصلاة والسلام، فخص عيسى عليه الصلاة والسلام وأفرده عن سائر الرسل الذين جاءوا بعد موسى لتميزه عنهم، لكونه من أولي العزم من الرسل، كما أنه كان صاحب كتاب وهو الإنجيل، وقيل: لأنه ليس متبعاً لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام كغيره من الرسل الذين جاءوا بعد موسى، فإنهم ألزموا بالتوراة، أما المسيح عليه الصلاة والسلام فقد جاء بنسخ كثير من الأحكام التي كانت في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام. ويلاحظ في القرآن الكريم نسبة المسيح عليه الصلاة والسلام إلى أمه، يقول تعالى: ( عيسى بن مريم )، والمقصود بذلك الرد على اليهود الذين زعموا أن له عليه الصلاة والسلام أباً، فاليهود يرمون مريم عليها السلام بالفاحشة والعياذ بالله، قال الله: وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [النساء:156]، فهم يزعمون أن المسيح -والعياذ بالله- ابن زنا، وأن له أباً والعياذ بالله! فالله سبحانه وتعالى لم ينسبه إلا إلى أمه؛ إشارة إلى أنه لا أب له، وهذا هين ويسير في قدرة الله سبحانه وتعالى، فإنه لما بشرت الملائكة مريم بالمسيح عليه الصلاة والسلام قالت: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ [مريم:20-21]، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] فهذا فيه رد على اليهود -لعنهم الله- حيث زعموا أن للمسيح عليه الصلاة والسلام أباً. ومن سأل وقال: من هو أبو المسيح؟ فنقول له: من هو أبو آدم؟ فهذه من آيات الله سبحانه وتعالى لإظهار كمال قدرته، فإن الله سبحانه وتعالى نوع خلقه، وإن كان كل نوع من الخلق آية من آيات الله، فآدم عليه الصلاة والسلام خلق من غير أب وأم إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59]، وحواء خلقت من ضلع آدم عليه الصلاة والسلام، فحواء خلقت من رجل دون امرأة بقدرة الله سبحانه وتعالى، والمسيح عليه الصلاة والسلام خلق من أم بدون أب، وسائر البشر خلقوا من أب وأم، وهذه سنة الله سبحانه وتعالى الدائمة في البشر. وفي الحقيقة كل صورة من صور الخلق هي في حد ذاتها معجزة، لكن الله سبحانه وتعالى نوّع الخلق، لأن الأمور العادية يعتادها الناس فلا يلتفتون إلى ما فيها من الآيات البينات، لكونهم اعتادوها، فمثلاً: خروج الكتكوت من البيضة، أليست معجزة؟! لو اجتمع كل من على ظهر الأرض من علماء وخبراء وفنيين بكل ما أوتوا من علم، وأرادوا أن يخلقوا ذبابة أو فيروس أو بكتيريا، لم يستطيعوا ذلك، لكن الله سبحانه هو الذي انفرد بالخلق. فالمقصود من ذلك أن هذه كلها آيات لله سبحانه وتعالى، وأن المسيح مظهر من مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى على الخلق، حيث إنه نسب إلى أمه ولا أب له عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. فإذا سأل المشركون الملحدون وقالوا: فمن أبوه؟ فالجواب كما يزعم النصارى -والعياذ بالله- أن الله سبحانه وتعالى هو أبوه، بل نقول لهم: من أبو آدم؟ بل من أم آدم؟ ولذلك أجاب الله سبحانه وتعالى على هذه الشبهة بقوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59] . وعيسى بالعبرانية: (إيشور)، ومعناه: السيد، أو المبارك، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ [مريم:31]، أما مريم باللغة العبرية فمعناها: الخادم، سميت أم عيسى عليها السلام بهذا الاسم لأن أمها نذرتها لخدمة بيت المقدس، وقيل: معناها: العابدة، أما معنى مريم في اللغة العربية فهي المرأة التي تحب محادثة الرجال ولا تفجر، كالزير من الرجال، فهذان تعبيران معروفان في اللغة العربية، فالمرأة التي تتجرأ على الكلام مع الرجال بدون فجور تسمى مريم، والرجل الذي يحب الكلام مع النساء حتى لو لم يفجر يسمى زيراً، ويوجد خلاف ذلك، قال الأزهري : المريم المرأة التي لا تحب محادثة الرجال، وكأنه قيل لها ذلك تشبيهاً لها بـمريم البتول؛ لانعزالها عن الناس وعدم اختلاطها بالرجال.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة التوبة [107-110] | 2819 استماع |
تفسير سورة المدثر [31-56] | 2621 استماع |
تفسير سورة البقرة [243-252] | 2584 استماع |
تفسير سورة البلد | 2567 استماع |
تفسير سورة الطور [34-49] | 2564 استماع |
تفسير سورة التوبة [7-28] | 2562 استماع |
تفسير سورة الفتح [3-6] | 2504 استماع |
تفسير سورة المائدة [109-118] | 2439 استماع |
تفسير سورة الجمعة [6-11] | 2412 استماع |
تفسير سورة آل عمران [42-51] | 2404 استماع |