خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/337"> الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/337?sub=60519"> سلسلة تفسير القرآن الكريم.
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير سورة آل عمران [42-51]
الحلقة مفرغة
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]. ((وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ)) أي: واذكر إذ قالت الملائكة، أي: جبريل عليه السلام. ((يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)). ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ)) أي: اختارك، بالتقريب وبالمحبة. ((وَطَهَّرَكِ))، أي: وطهرك عن الرذائل، أو وطهرك عن مسيس الرجال. ((وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)) أي: أهل زمانك، وهذا فيه موضوع طويل ليس مقام بسطه الآن: وهو هل مريم هي أفضل نساء زمانها فقط أم هي أفضل النساء على الإطلاق؟ وهل مريم عليها السلام نبية أم ليست نبية؟ والصحيح -والله تعالى أعلم- هو المتفق عليه أن مريم ليست نبية؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلا رجالاً، كما قال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [النحل:43]، وكلام الملك لها لا يكفي دليلاً على كونها نبية؛ لأن الملك تصور لها في في صورة رجل: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم:17] وكان جبريل يتصور في صورة دحية الكلبي ، وفي حديث عمر بن الخطاب : (إذ طلع علينا رجل شديد سواد الشعر .. -إلى آخر الحديث- فقال: ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم). فهل صار الصحابة بمجرد أن يشاهدوا جبريل عليه السلام أنبياء.
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]. ((يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ)) أي: أطيعيه شكراً على هذا الاصطفاء. ((وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)) أي: صلي مع المصلين. قال مجاهد : سجدت حتى تقرحت ركبها، أو جبهتها.
ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]. ((ذَلِكَ)) أي: المذكور من أمر زكريا ومريم عليهما السلام: ((مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ))، أي: من أخبار ما غاب عنك. ((نُوحِيهِ إِلَيْكَ)) يا محمد عليه الصلاة والسلام، يعني: أنه ليس هناك سبيل لمعرفة هذا الغيب إلا الوحي، فهذه من علامات صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إخباره عما كان من قبل ولم يشهده، والإتيان في ذلك بما هو مهيمن على كل ما خالفه، فبعث النبي عليه الصلاة والسلام لأجل حكم كثيرة منها: أن يبين لهؤلاء اليهود والنصارى من بني إسرائيل ما اختلفوا فيه من شأن المسيح عليه السلام، حتى يأتي بالقول الفصل في كل من تنازعوا فيه، فالقرآن حاكم على ما جاء قبله ومخبر بالصدق في ذلك، فهذا كقوله تعالى: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ نادينا)[القصص:44]، وكقوله تبارك وتعالى: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ [القصص:46]، وكقوله في قصة يوسف عليه السلام: وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102] وقوله: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا [هود:49]، فهذه إشارة إلى أن مصدر هذه الأخبار كلها الوحي لا غير. ((وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ)) أي: في الماء يقترعون ليظهر لهم ((أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ))، أي: أيهم يضمها إليه وأيهم يربيها. قال العلماء: هذه الآية أصل في جواز القرعة عند التنازع. ((وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ))، أي: في كفالتها، وكما ذكرنا أنهم يختصمون تنافساً في حيازة هذا الشرف، لا تدافعاً كما زعم بعض الناس.
إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45]. ((إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ)) أي: اذكر إذ قالت الملائكة وهو جبريل عليه السلام: ((يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ)) أي: بولد. فالمقصود بالكلمة هو الولد يحصل بكلمة من الله بلا واسطة أب، فهذا من إطلاق السبب وإرادة المسبب. ((اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)). يجوز في غير القرآن أن تقول: بكلمة منه اسمها، لكن ذكَّر الضمير الراجع إلى الكلمة؛ لكونها عبارة عن مذكر وهو المسيح عيسى بن مريم. وبدأ باللقب لأنه أشهر، ولذلك كثير من العلماء يشتهرون بألقابهم. ((اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)) المسيح معناه: المدهون بدهن القدس، أو المسيح بمعنى: أنه كان لا يوجد له أخمص قدمين، أو المسيح بمعنى: أنه كان كثير السياحة في الأرض، أو المسيح بمعنى: أنه ما مسح ذا عاهة إلا برأ بإذن الله تبارك وتعالى. والمسيح: مسيح الحق وهو المسيح عليه السلام، ومسيح الضلالة وهو الدجال الأعور . وفي قوله: ((اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)) أنه ابن مريم لا ابن الله، كما يزعم الملحدون من النصارى، وصرح بنسبته إليها تنبيهاً على أنه يولد بلا أب، ولو كان له أب لنسبه إليه. فهذا فيه رد على ملاحدة النصارى الذين يزعمون أنه ابن الله. ((وجيهاً)) أي: ذا جاه. والوجيه: هو المحبب المقبول، وهو ذو الجاه والمنزلة الرفيعة عند ذوي القدر والمعرفة. ((وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا)) بالنبوة. (والآخرة) بالشفاعات والدرجات العلى. ((وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ))، أي: من المقربين عند الله تبارك وتعالى يوم القيامة.
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:46]. ((وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ))، والمهد: هو الموضع الذي يهيأ ويوطأ للصبي لينام فيه، وهو يكلم الناس حال كونه طفلاً، ويكلمهم حال كونه كهلاً. فهو عليه السلام مجرد أن ولد تكلم كلاماً حكيماً ذا معاني سامية ورفيعة؛ لأن كلام الأنبياء أكمل وأعظم وأفصح الكلام، قال لهم وهو في المهد: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مريم:30]، بدأ بالإعلان عن العبودية إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ [مريم:30-31]، إلى آخر الآيات. كلام الأنبياء من غير تفاوت بين الحالتين لا شك أنه في غاية الإعجاز، وفي ذلك أيضاً بشارة ببقائه وامتداد أجله وأنه لن يموت صغيراً، بل يبقى إلى أن يشاء الله. أما الكهل: فهو من بدأ الشيب يخالط شعره، أو من جاوز الثلاثين إلى الأربعين أو من الأربعين إلى الخمسين، وقيل له: كهل؛ لانتهاء شبابه وكمال قوته، والانتهاء ليس معناه: أنه انتهت قوته، بل الانتهاء هو وصولها إلى أكمل ما يكون في هذه السن، بمعنى: أن الإنسان يكون كاملاً بدنياً وكاملاً عقلياً تتوافر قوته العقلية والبدنية، ومنه يقال: قد اكتهل النبات، أي: بلغ عنفوان قوته ونموه ونضجه. الغلام يكون طفلاً ثم بعد ذلك إذا اقترب من البلوغ يسمى: مراهقاً، فالمراهق هو من كان قبل البلوغ، ثم بعد المراهق يسمى: محتلماً، ثم إذا بدأت اللحية تنبت فيه يقال: اتصلت لحيته، ثم يوصف بأنه مجتمع، ثم كهل، والكهل هو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
الحكمة من تكليم عيسى عليه السلام الناس في المهد وعند الكهولة
أما الحكمة من تكليمه الناس في تلك الحال ففيها قولان: الأول: أنه تكلم لتبرئة أمه مما قذفها به اليهود لعنهم الله من البهتان: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مريم:30]. قال ابن عباس : (تكلم ساعة في مهده ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغ النطق)، أي: أنه لم يتكلم باستمرار، وإنما أنطقه الله سبحانه، ثم عاد مثل سائر الأطفال. القول الثاني: أنه تكلم لتحقيق معجزته الدالة على نبوته. فإن قيل: قد علم أن الكهل يتكلم، إذاً: ما الحكمة من قوله تعالى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [آل عمران:46]؟ فالجواب: أنه يتكلم في المهد كلاماً مستوياً مع كلام الكهل، مع أن فارق السن كبير. فالمقصود أن الكهل هو الحليم، أو أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة بطول عمره وأنه يبلغ سن الكهولة. روي عن ابن عباس قال: ( ((وَكَهْلًا)) قال: ذلك بعد نزوله من السماء عليه السلام)، وهذا تفسير قوي، وقد مال إليه الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله تعالى في كتابه (فصل المقال في رفع عيسى حياً ونزوله وقتله الدجال)، فتكلم بالتفصيل على هذا الأمر. وفي قوله: ((وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا)) إشارة إلى أن المسيح عليه السلام سينزل في آخر الزمان؛ لأن كلامه في المهد معجزة؛ إذاً لا بد أن يكون هناك مظهر من مظاهر الإعجاز في كلامه كهلاً، وهو نزوله من السماء في آخر الزمان يكلمهم بهذا الكلام. وفي قوله: (وَكَهْلًا) إشارة إلى أنه يمر بالمراحل التي يمر بها سائر الأطفال، وأنه مع الأيام ينتقل من حال إلى حال، ولو كان عيسى عليه السلام إلهاً لم يدخله هذا التغيير. أي: أن الزمان ومرور الأيام تؤثر فيه بالنمو وبالزيادة وغير ذلك مما هو من صفات الحوادث من التغير والتفاعل، والله سبحانه وتعالى لا يغيره شيء. ((وَمِنَ الصَّالِحِينَ أي: وجعلناه من الصالحين.
قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:47]. ((قَالَتْ رَبِّ)) تخاطب الله سبحانه وتعالى. ((أَنَّى))، أي: كيف؟! ((يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)) أي: بتزوج ولا غيره. والمسيس: هو الجماع. ((قَالَ كَذَلِكِ)) أي: قال جبريل: الأمر كذلك، من خلق ولد منك بلا أب، هذا أمر الله سبحانه وتعالى. ((يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)) أي: قد يخلقه بسبب وقد يخلقه بدون سبب، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو أن الماء الذي يكون منه الولد أرقته على صخرة لكان منه الولد، وليخلقن الله نفساً هو خالقها)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ((كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يشاء)) أي: لا يحتاج إلى سبب ولا يعجزه شيء. وصرح هاهنا بالخلق بقوله: ((يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)) أما في قصة زكريا قال: يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [آل عمران:40]؛ لأن الخلق المنبئ عن الإحداث للمكون أنسب بهذا المقام؛ لئلا يبقى لمبطل شبهة. ((إِذَا قَضَى أَمْرًا))، أي: إذا أراد خلقه. ((فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))، أي: فهو يكون من غير تأخر ومن غير حاجة إلى سبب، كما قال تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50] أي: إنما نأمر مرة واحدة لا تثنية فيها، فيكون ذلك الشيء سريعاً كلمح البصر.
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [آل عمران:48]. وَيُعَلِّمُهُ [آل عمران:48]، بالياء، وفي قراءة: (ونعلمه) بالنون. ((الْكِتَابَ)) إما الكتابة نفسها أو الخط، أو الكتاب هنا المقصود به جنس الكتاب، أي: جنس الكتب الإلهية. ((وَالْحِكْمَةَ))، وهي تهذيب الأخلاق. ((وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ))، إذا قلنا: إن الكتاب المقصود به جنس الكتب الإلهية فيكون ذكر التوراة والإنجيل هنا من باب ذكر الخاص بعد العام، وإنما خصصا بالذكر لشرفهما وزيادة فضلهما على غيرهما.
وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ [آل عمران:49]. ((وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)) أي: ونجعله رسولاً، (ورسولاً) منصوب بمضمر يقود إليه المعنى، معطوف على: (( وَيُعَلِّمُهُ)). ((إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)) أي: إلى جميع بني إسرائيل، فالمسيح عليه السلام ما أرسل إلا إلى بني إسرائيل، وهو نفسه قال ذلك حتى في الإنجيل الذي بين أيديهم: (إنما أرسلت إلى خراف بني إسرائيل الضالة). ما أرسل نبي من الأنبياء إلى جميع البشر، إنما اختص بذلك خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أما الأنبياء فكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، فموسى عليه السلام كان رسولاً إلى بني إسرائيل: أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء:17]، كان كل طلبه من فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل. كذلك المسيح عليه السلام إنما كان رسولاً إلى بني إسرائيل، وإنما بولس الخبيث أو شاول كان يهودياً وهو الذي أفسد الديانة النصرانية، وكان يعذب النصارى ويضطهدهم أشد الاضطهاد، ثم تظاهر بولس بالدخول فيها ليفسدها. فهو الذي ابتدع مسألة الذهاب في أقطار الأرض ليعمدوا النصرانية وينشروها باسم كذا وكذا، وموضوع التبشير الذي ابتدعه بولس الخبيث تحت زعم أنه حصل له رؤيا أو كشف أو شيء من هذا، فيمكن أن يكون من الشفافية، ويمكن أن يكون كذاباً؛ لأنه نفسه كان شيطاناً. على أي الأحوال فالمسيح عليه السلام ما بعث إلى البشرية كلها، وما يسمى الآن بالتبشير ودعوة الناس إلى النصرانية كله افتراء وباطل؛ لأن المسيح لم يبعث إلى القبط ولا إلى الفرنجة ولا إلى كذا وكذا، وإنما بعث إلى قومه بني إسرائيل فقط، أما الديانة التي ينبغي أن تكون عالمية فهي ديانة واحدة فقط وهي الإسلام، ودعوة واحدة وهي دعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ((وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ))، أي: في الصبا أو بعد البلوغ، فنفخ جبريل في جيب درعها، وجيب درعها هو فتحة الصدر، فحملت، وكان من أمرها ما ذكر في سورة مريم . فلما بعثه الله إلى بني إسرائيل قال لهم: ((أَنِّي)) أي: بأني رسول الله إليكم، ((قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ))، الآية هي العلامة على صدقه، وهي ليست آية واحدة بل آيات متعددة، فالتنكير هنا للتفخيم، والجار متعلق بمحذوف وقع حالاً، أي: جئتكم متلبساً ومحتجاً بآية من ربكم، وهي علامة على صدقي. قوله: (أَنِّي) وفي قراءة بالكسر استئنافاً، أي: (بآية من ربكم إني أخلق لكم). ((أَخْلُقُ)) أي: أصور. فلا يصح هنا إلا أن نفسر كلمة: (أَخْلُقُ) بمعنى: أصور؛ لأنه لا يجوز إسناد فعل الخلق بمعنى الإيجاد إلى غير الله تعالى، فإن الله سبحانه وتعالى كما قال: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16]، وقال: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3]، فلا خالق على سبيل الإيجاد إلا الله سبحانه وتعالى، وما فعله المسيح عليه السلام كانت معجزات أجراها الله تعالى على يديه؛ تصديقاً له ليؤمن بنو إسرائيل برسالته ويتبعوه. ((أَنِّي أَخْلُقُ لكم)) أي: أصور لكم. ((مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ)) أي: مثل هيئة الطير، فالكاف هنا اسم مفعول. ((فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ))، الضمير هنا يعود على الكاف الذي في قوله: (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ). ((فَأَنفُخُ فِيه)) أي: في المصور الذي هو مثل هيئة الطير. ((فَيَكُونُ طَيْرًا)) أي: حقيقياً ذا حياة، وفي قراءة: (فيكون طائراً). ((بِإِذْنِ اللَّهِ)) أي: بإرادته وأمره لا باستقلال مني. يقول السيوطي : فخلق لهم الخفاش؛ لأنه أكمل الطير خلقاً، يطير وهم ينظرونه، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتاً؛ ليتميز فعل المخلوق من فعل الخالق. وهذا الكلام يحتاج إلى خبر مرفوع إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم. ((وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ))، أي: أشفي، ((الأَكْمَهَ)) الذي ولد أعمى. ((وَالأَبْرَصَ)) وخصا بالذكر؛ لأنهما داء إعياء، وكان بعثه في زمن الطب. فأبرأ في يوم خمسين ألفاً بالدعاء بشرط الإيمان. أي: أنه اشترط عليهم إذا دعوت الله فشفاكم أن تؤمنوا، فوافقوا. فيقول: فأبرأ بإذن الله في يوم خمسين ألفاً، والله تعالى أعلم بصحة ذلك. ((وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ))، كرره لنفي توهم الألوهية فيه؛ لأن هذه معجزات قاهرة فعلية، فأحيا عاذر صديقاً له، وابن العجوز، وابنة العاشر، أي ابنة الذي كان يجبي الضرائب والعشر، فعاشوا وولد لهم، وأحيا سام بن نوح ومات في الحال. وكل هذا الكلام من الإسرائيليات التي تحتاج إلى نوع من التحفظ. ((وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ))، أي: مما تخبئون مما لم أعاينه، فكان يخبر الشخص بما أكل وبما لم يأكل بعد، ولم يقل هنا: بإذن الله؛ لأنه علم من السياق أن هذا كله إنما هو بإذن الله عز وجل، فاستغنى عن إعادته لشدة ظهوره. ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ، أي: هذا المذكور فيه دلالة لكم على صدقي في دعوى الرسالة.
يقول تعالى: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [آل عمران:50]. (ومصدقاً) أي: وجئتكم مصدقاً. ((لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ)) أي: جئت مقرراً ومثبتاً لما قبلي. ((وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ))، فهذا فيه دليل يؤيد القول بأن المسيح عليه السلام نسخ بعض شريعة موسى عليه السلام. بعض العلماء يقولون: لم يحصل نسخ وإنما كانت هناك أشياء مبهمة ومختلطة عليهم وضحها لهم، والله تعالى أعلم. فأحل لهم من السمك والطير ما لا شوكة له يؤذي بها. وقيل: أحل الجميع؛ لأن كلمة (بعض) تأتي بمعنى: كل. ((وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)) أي: جئتكم بآيات تعلمون بها صدقي، وإنما وحد الآيات وعبر عنها بكلمة آيةٍ؛ لأن الكل من جنس واحد. قوله: ((مِنْ رَبِّكُمْ)) أي: من عند ربكم، كرره تأكيداً وليبني عليه: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)) أي: فيما آمركم به من توحيد الله وطاعته. ((إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا))، أي: هذا الذي آمركم به ((صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ))، أي: طريق مستقيم، فكذبوه ولم يؤمنوا به عليه السلام.