خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/337"> الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/337?sub=60519"> سلسلة تفسير القرآن الكريم.
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تابع تفسير سورة الفتح [2]
الحلقة مفرغة
قال الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:1-2]. وصف الله سبحانه وتعالى نعمته على نبيه التي أسبغها عليه صلى الله عليه وسلم بالتمام، إيذاناً منه بدوام هذه النعمة واتصالها، فقوله: (( وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ )) يدل على أن نعمة الله سبحانه وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم هي نعمة دائمة متصلة لا يمكن أن يسلبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعطاه الله إياها، بل يتمها له صلى الله عليه وسلم بالدوام في هذه الدار وفي دار القرار. وما أحسن اقتران التمام بالنعمة، وإضافة النعم إليه، فقال سبحانه: (( وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ))، في حين أنه سبحانه وتعالى قال في الذنب: (( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ))، فالنعمة وصفها بالتمام، وأضاف نعمته إلى نفسه عز وجل، أما الذنب فأضافه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما جاء في سيد الاستغفار: (.. أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي ..)؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينسب إليه الشر، فليس في أفعاله شر على الإطلاق، وإنما أفعاله عز وجل خير كلها، وهذا المعنى أوضحناه في مناسبات عدة، ومنها هذا الموضع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: العارف يسير إلى الله تعالى بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل. يعني: هذان ركنا العبودية، مشاهدة منة الله سبحانه وتعالى على العبد، ومطالعة عيب النفس والعمل، فإن مشاهدة منة الله سبحانه وتعالى على العبد توجب له عز وجل المحبة والحمد، والشكر لولي النعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار، والافتقار والتوبة في كل وقت، وأنه لا يرى نفسه إلا مفلساً، وأقرب باب دخل منه العبد على الله سبحانه وتعالى هو الإفلاس، فلا يرى لنفسه حالاً ولا مقاماً ولا سبباًً يتعلق به، ولا وسيلة منه يمن بها، فالعباد لم يدخلوا على الله تعالى إلا من باب الافتقار الصرف، والإفلاس المحض، دخول من قد كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع، وملكته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل، وكمال فاقته وفقره إليه، وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه عز وجل، وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر، إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته، ولا طريق إلى الله تبارك وتعالى أقرب من العبودية، ولا حجاب أغلظ من الدعوة، والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلها: حب كامل وذل تام، هذا معنى العبودية، فلابد في العبودية من هذين الركنين، حب كامل وذل تام، فإذا وجد الحب بدون ذل وطاعة وانقياد فليست هذه العبودية، وإذا وجد انقياد بدون الحب فهذه أيضاً ليست عبودية، فربما انقاد الإنسان إلى من هو أعلى منه رتبة كالجندي مثلاً مع قائده وهو لا يحبه، لكن في الظاهر هناك انقياد، لكن لما لم يقترن به الحب والحمد له لا تسمى هذه عبودية. أما العبودية الصحيحة فلها جناحان هما: غاية الحب مع غاية الذل، غاية الحب الذي ينشأ عن أمرين: الأول: التفكر في نعم الله سبحانه وتعالى على هذا العبد وإحسانه إليه؛ لأن ذلك لا شك مما يوجب المحبة، فإن الفطرة توجب على القلب حب من أحسن إلى الإنسان. الثاني: التفكر في صفات الله سبحانه وتعالى، صفات الجلال والجمال والكمال التي توجب له المدح والحمد والثناء الحسن، وإن لم يصل منه إلى العبد شيء، فإنك لا شك إذا سمعت -ولله المثل الأعلى- عن أوصاف شخص كريم وسخي وصادق ووفي وكذا وكذا من الصفات الجميلة فإنك تحبه، حتى ولو لم يكن أحسن إليك أو لم تتعد هذه النعم إليك، لكنك تجد قلبك منجذباً إليه محباً له. فالله سبحانه وتعالى -ولله المثل الأعلى- أنعم على عباده غاية الإنعام والإحسان: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، ثم إنه سبحانه وتعالى متصف بأعظم وأجمل وأجل صفات الكمال والجمال والجلال، فهذان أمران يوجبان محبة الله سبحانه وتعالى والحمد له. الجناح الثاني للعبودية: الذل التام، فالعبودية هي غاية الحب وغاية الذل، فالحب ينشأ عن التفكر في نعم الله، والتفكر في صفات الله التي تستوجب له المدح والحب، والذل التام ينشأ عن معرفة العبد نفسه وما فيها من الآفات والتقصير. فمنشأ الحب الكامل والذل التام عن ذينك الأصلين المتقدمين، وهما مشاهدة المنة كما في قوله: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف:6]، ومطالعة عيب النفس والعمل المأخوذ من قوله: (( مِنْ ذَنْبِكَ ))، وهي التي تورث الذل التام، وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله سبحانه وتعالى على هذين الأصلين لم يظفر به عدوه إلا على غرة وغيلة، وما أسرع ما ينعشه الله سبحانه وتعالى ويجبره ويتداركه برحمته، وتأمل إتمام النعمة، بحرف (على) في قوله: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف:6]، فحرف (على) يؤذن بالاستعلاء والاكتمال والإحاطة. قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى: ((وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)) لإظهاره إياك على عدوك، ورفعه ذكرك في الدنيا، وغفرانه ذنوبك في الآخرة. وقال القرطبي : وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف:6] قال ابن عباس : في الجنة، وقيل: بالنبوة والحكمة، وقيل: بفتح مكة والطائف وخيبر، وقيل: بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر. وقال الشوكاني : لإظهار دينك على الدين كله، وقيل: بالجنة، وقيل: بالنبوة والحكمة، وقيل: بفتح مكة والطائف وخيبر، والأولى أن يكون المعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى صراط مستقيم وهو دين الإسلام. وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى نعمته على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في سورة الضحى حين قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، فأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحدث أمته بما أنعم عليه ليعرفوه ويعتقدوه، ويزدادوا حباً له وتعظيماً، فالتحدث بالنعمة في حق النبي صلى الله عليه وسلم واجب، وفي حق غيره من أفراد الأمة جائز إذا أمن العجب والرياء، فأوجب الله على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر أمته بعظم مقامه عند الله، وتمام نعمة الله عليه ويفصل لهم ذلك، لماذا؟ لما سيأتي في نفس هذه السورة: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح:9] يعني: كي تعرفوا قدر هذا النبي العظيم عند الله سبحانه وتعالى؛ فتعزروه وتوقروه وتؤدوا حقه عليكم.
مظاهر نعمة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم
النعم التي أمتن الله بها على نبيه في سورة الضحى
النعم التي امتن الله بها على نبيه في سورة الشرح
النعم التي أمتن الله بها على نبيه في سورة الكوثر
وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
من مظاهر نعمة الله على نبيه ما جاء في قوله تعالى: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3]، وقد روي في السيرة ما يشهد لهذا المعنى، ويثبت دوام موالاة الله سبحانه وتعالى لحبيبه، وعنايته به صلى الله عليه وسلم، وحفظه له، فقد كان يكلؤه عمه، وقال له في ذلك: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فسخر له عمه مع عدم موافقته له على الإيمان والإسلام، لكن بما في قلبه من المحبة الطبيعية وليست المحبة الشرعية التي اقتضت مناصرته والدفاع عنه. ومن ذلك أيضاً ما نصره به من أصحابه خاصة أبو بكر رضي الله تعالى عنه، كما فعل الهجرة وهما في طريقهما، حيث كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه تارة يمشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يلبث أن يمشي خلفه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (أذكر الرصد -العدو الذي يأتي من الأمام- فأكون أمامك، وأذكر الطلب -العدو حين يأتي من خلف- فأكون وراءك). ومن هذه النعم قول الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ومن عصمة الله لرسوله حفظه له من أهل مكة، وصناديدها وحسادها، ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغض، ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً، لما يخلقه الله سبحانه وتعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيساً كبيراً مطاعاً في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبين كفار قريش -بين أبي طالب وبين كفار قريش- قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذىً يسيراً، ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم (المدينة) فلما صار إليها حموه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه، فلما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواءً لذلك الداء، ولما سم اليهود ذراع تلك الشاه بخيبر أعلمه الله به وحماه منه، ولهذا أسباب كثيرة جداً يطول ذكرها.
من هذا قول الله سبحانه وتعالى مشيراً إلى تمام النعمة على نبيه عليه الصلاة والسلام ودوامها واتصالها، وأنه لا يسلبه إياها بعد أن أعطاه إياها: وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى [الضحى:4]، نعمة الله عليه في الآخرة أفضل وأعظم وخير من نعمته عليه في الدنيا: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [الضحى:5-6] يعني: منذ ولادته ونشأته تعهده الله سبحانه وتعالى من صغره فصانه صلى الله عليه وسلم عن دنس الشرك، وطهره وشق صدره ونقاه، وكان رغم يتمه سيد شباب قريش، حيث قال عمه عند خطبته خديجة لزواجه بها: فتى لا يعادله فتى من قريش حلماً وعقلاً وخلقاً إلا رجح عليه. أما قوله تبارك وتعالى: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)) قال بعض العلماء: يعطيه في الدنيا من إتمام الدين، وإعلاء كلمة الله، والنصر على الأعداء، والجمهور على أنه في الآخرة: (( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ )) يعني: في الآخرة، وفصلته مواضع أخر منها هذا العطاء وهذه النعمة التي سوف يعطيه الله إياها في الآخرة، وهو الذي وعده الله بقوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، وجاءت السنة ببيان أن هذا المقام المحمود -وهو الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون- هو الشفاعة العظمى حين يتخلى ويعتزل كل نبي، ويقول كل نبي: نفسي نفسي! حتى يصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (أنا لها! أنا لها!)، وقد قال صلى الله عليه وسلم (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر). ومن النعم التي سوف يعطيه الله إياها الحوض المورود، وما خصت به أمته من مجيئهم غراً محجلين يردون عليه الحوض. ومنها الوسيلة، وهي منزلة رفيعة عالية لا تنبغي إلا لعبد واحد، كما جاء في الحديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي وسلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد واحد، وأرجو أن أكون أنا هو). ومنها الشفاعة في دخول الجنة، كما في الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم أول من تفتح له الجنة، كما جاء في الحديث: (آتي باب الجنة فأستفتح؛ فيقال لي: من؟ فأقول: محمد، فيقول خازن الجنة: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك) صلى الله عليه وآله وسلم. ومنها الشفاعة المتعددة حتى لا يبقى أحد من أمته في النار صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء الحديث الذي فيه: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر ما دعا إبراهيم لقومه حين قال: وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم:36]، وقال المسيح عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، ثم بكى النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: تذكر إحسان هؤلاء الأنبياء إلى قومهم، فبكى متأثراً، كأنه يقول لله عز وجل: فماذا لي؟ وماذا لأمتي؟ (فبكى ثم قال الله سبحانه وتعالى: ما يبكيك يا محمد؟ -عن طريق جبريل عليه السلام- فقال: يا رب! أمتي أمتي! أمتي أمتي! فأمر الله سبحانه وتعالى جبريل أن يقول له: يا محمد! إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك)، فربط بعض المفسرين بين هذا الحديث الصحيح وبين قوله هنا: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5]، فقال: أي: سنظل نعطيك ونحسن إلى أمتك إلى أن ترضى، ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)) ولذلك بالغ بعض الناس في تأويل هذه الآية حتى خرجوا عن حد الاعتدال فقال شاعر منهم: أترضى حبيبي أن تكون منعماً ونحن في جمر اللظى نتقلب ألم يرضك الرحمن في سورة الضحى وكيف ترضى وفينا معذب لا شك أن الرسول عليه الصلاة والسلام يرضيه ما يرضي ربه، ومما يرضي ربه عز وجل ظهور آثار صفات رحمته وصفات عدله أيضاً، فكما أن الله يحب أن يغفر الذنوب للعاصين، كذلك من صفات الجلال والكمال والجبروت أن يعذب من تمرد وعصاه فقول الشاعر هنا: أترضى حبيبي أن تكون منعماً ونحن في جمر اللظى نتقلب ألم يرضك الرحمن في سورة الضحى وكيف ترضى وفينا معذب وقول الآخر: قرأنا في الضحى ولسوف يعطي فسر قلوبنا ذاك العطاء وحاشا يا رسول الله ترضى وفينا من يعذب أو يساء فهذا الكلام فيه نظر؛ لأن الأمر لو كان بمجرد التعطف لما ذبح عصفور، ولا تألم طفل، وإنما هي سنن الله الماضية التي تظهر وتجلي آثار صفاته وأسمائه جل وعز. من هذه النعم شهادته على الرسل وشهادة أمته على الأمم، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يشهد على الرسل أنهم قد أبلغوا رسالة ربهم، كذلك أمته تشهد على الأمم كما قال الله: وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [الحج:78]، أما هو صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج إلى من يشهد له، وأما قوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى:7] فقيل: غافلاً عما تعلمه الآن من الشرائع يعني: قبل نزول الوحي عليك، وفيه أسرار علوم الدين التي لا تعلم بالفطرة ولا بالعقل، وإنما بالتلقين عن طريق الوحي، فهداك إلى ذلك بما أوحى إليك، فمعنى الضلال على هذا القول الذهاب عن العلم، ويدل لهذا قوله تعالى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، وقال تعالى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]، وقال عز وجل: وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ [يوسف:3] أي: من قبل القرآن: لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:3]، وقال تعالى: وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [القصص:86]. وقيل: ((وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)) وجد رهطك ضالين فهداهم بك، كما قال تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:82] يعني: واسأل أهل القرية. وقوله: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8] أي: فقيراً فأغناك بمال عمك، ثم ببذل خديجة رضي الله تعالى عنها، ثم بمواساة الأنصار رضي الله عنهم، ثم جاءت غنائم حنين فأعطى عطاء من لا يخشى الفقر، وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة في أصوع من شعير. وكان غناه قبل كل شيء هو غنى النفس والاستغناء عن الناس، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وأغناه الله سبحانه وتعالى بما لا غنى بعده، أغناه أعظم غنى على الإطلاق كما أشار بذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر:87] الفاتحة، وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، وهذه إشارة إلى أنه قد أغناه أعظم وأشرف وأكبر غنى في الوجود، وذلك بالقرآن الكريم، هذا هو الغنى العالي الذي لا يصل إلى رتبته غنى، ثم قال: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88]، إشارة إلى الاستغناء بالقرآن عن النظر إلى ما متع الآخرون من متاع الدنيا؛ لأن القرآن يغني صاحبه، قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يتغن بالقرآن فليس منا)، وهذه الحديث له تفسيرات عدة، والذي يناسب المقام هنا أنه من لم يستغن بالقرآن عن النظر إلى الدنيا، والسعي الحثيث وراء الدنيا؛ فليس منا، هذا معنى: (من لم يتغن بالقرآن)، وشاهد ذلك من الشعر قول الشاعر: كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا يعني: استغناء. وقال تبارك وتعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11] قيل: المراد بها المذكورات، والتحدث بها شكرها عملياً من إيواء اليتيم كما آواه الله قال تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ [الضحى:9]، فهذا هو الشكر العملي لهذه النعم، فكما أنعم الله عليك تنعم أنت على غيرك تأسياً بفعل الله معك، وقيل: التحدث بنعمة الله هو التبليغ عن الله من آية أو حديث، والنعمة هنا عامة لتنكيرها وإضافتها كما قال تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53]، وأعظم النعم وأولاها وأظهرها نعمة الوحي، ولذلك سورة النحل تسمى سورة النعم، وقد ابتدأت بأعظم نعمة وهي نعمة الوحي، كما قال تبارك وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، وقال في سورة النحل: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [النحل:2]، وقال: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] ففي هذه الآية قال: (نعمتي)، وفي هذه الآية في سورة الضحى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ [الضحى:11]، ولا يبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نحر مائة ناقة في حجة الوداع لما أنزل الله عليه هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] فنحر في حجة الوداع لما نزلت هذه الآية مائة ناقة شكراً لله على إتمام النعمة وإكمال الدين.
عدد الله على نبيه نعمه العظمى في سورة الشرح، فقال سبحانه وتعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] قيل: هو شق صدره الشريف وغسله وملئه حكمة وإيماناً، وقيل: هو توسيعه للمعرفة والإيمان، وجعل قلبه وعاء للحكمة، وفي البخاري عن ابن عباس قال: شرح الله صدره للإسلام، وقال ابن كثير في تفسير قوله: ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)): نورناه وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً، كقوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125]، وقال تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر:22]، وقال جل وعلا: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4]. ثم قال: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4] اختلف في تفسير هذه الآية، فمن قائل: إنه رفع حسي، أي: إن ذكرك واسمك الشريف يذكر في الأماكن العالية على المنابر في الخطب، وفي الأذان ، وفي الإقامة، وافتتاحيات الكلام في الأمور الهامة، واستدلوا لذلك بالواقع فعلاً حيث إن الله سبحانه وتعالى رفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رفعاً حسياً، واستشهدوا على ذلك بقول حسان رضي الله تعالى عنه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: أغر عليه للنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد ومن رفع ذكره صلى الله عليه وسلم ذكر صفته واسمه في كتب الأنبياء قبله، حتى عرف للأمم الماضية قبل مجيئه صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك جعله تعالى الوحي ذكراً له، قال الله: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف:43-44]، فتبين أن رفع ذكره صلى الله عليه وسلم إنما هو عن طريق الوحي، فقوله: (( وَإِنَّهُ )) أي: القرآن (( لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ )) يعني: رفعة ومجد، وعلو شأن لك ولقومك إن اتبعوا هذا القرآن، فبين الله سبحانه وتعالى أن الله يرفع ذكر النبي عليه السلام بالقرآن، لذا تأملوا الآية: ((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))، (( وَإِنَّهُ )) أي: هذا الوحي الذي هو القرآن (( لَذِكْرٌ لَكَ )) لرفعة شأن لك ((وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ))، فهذا بيان أن الله رفع ذكره صلى الله عليه وسلم بالوحي سواء كان الوحي نصوصاً توجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، ففي الوحي توجد أنواع من المخاطبة للرسول صلى الله عليه وسلم كلها تدل على رفع ذكره وشأنه عند الله بالوحي؛ كقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41]، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال:64]، يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر:1]، يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل:1]، ولم يخاطبه باسمه قط، فلا توجد آية واحدة في القرآن فيها خطاب من الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام باسمه، وإنما يخاطبه بأوصافه، بخلاف الخطاب مع جميع الأنبياء قبله كما سنبين ذلك إن شاء الله تعالى. فأما في مقام إثبات الرسالة والشهادة له بأنه رسول فقد صرح باسمه بقوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29] يعني: الله هو الذي يخبر بصدقه في هذه الرسالة، أو رفع ذكره في الوحي عن طريق الوحي، والوحي يعم القرآن والسنة، فكلاهما وحي، ورفع ذكره في فروع الشريعة -كما ذكرنا- في الأذان وفي الإقامة، وفي التشهد، وفي الخطب، وفي الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، والكافر إذا أتى بكل شعب الإيمان، ولكنه لم يشهد أن محمداً رسول الله، فهو باق على كفره، وهو من أهل جهنم الخالدين فيها؛ لأنه لم يشهد له صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] قيل: الكوثر علم اسم على شيء معين، وقيل: الكوثر صفة على وزن فوعل على العلمية، قالوا: إن الكوثر علم على نهر في الجنة، وعلى الوصفية فقالوا: هو الخير الكثير، ومما استدل به على العلمية وأن الكوثر اسم أو علم على نهر في الجنة ما ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لما عرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء قال: أتيت نهراً حافتاه قباب لؤلؤ مجوف فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر) يعني: نهر الكوثر الذي أعطاه الله إياه. وبسنده أيضاً عن عائشة رضي الله عنها: (سئلت عن قوله تعالى: ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) فقالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه عليهما در مجوف، آنيته كعدد النجوم). وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب، والماء يجري على اللؤلؤ، وماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل) رواه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وقال: حسن صحيح. وروى أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه، ولما سئل سعيد بن جبير أن الناس يزعمون أن الكوثر نهر في الجنة قال: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. إذاً: الكوثر هو الخير الكثير أو الحوض، والحوض والنهر هو من جملة الكوثر الذي أعطاه الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.