شرح زاد المستقنع باب ديات الأعضاء ومنافعها [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ وفي كل واحدة من الشعور الأربعة الدية ].

شرع في بيان أحكام الاعتداء على شعر الإنسان، سواء وقع الاعتداء على شعر الرأس، أو وقع الاعتداء على شعر اللحية، أو على شعر الحاجبين، أو على شعر الأهداب؛ فهذه أربعة شعور في الإنسان يعتدى عليها فتزول ولا تعود، وتكون الجناية موجبة لذهاب الشعر، فلا ينبت شعر الرأس ولا شعر اللحية، ولا ينبت شعر الحاجبين ولا شعر الأهداب، واختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة: إذا اعتدي على الشعر على هذا الوجه في المواضع الأربعة التي ذكرها، هل هي موجبةٌ للدية أو موجبةٌ للضمان بالحكومة؟

في ذلك خلافٌ بين العلماء رحمهم الله، فاختار الحنفية والحنابلة ومن وافقهم القول بوجوب الدية، وهو محفوظ عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قضى بذلك، وكذلك أيضاً دلّ عليه دليل النظر الصحيح، فإن في كل واحدٍ من هذه الشعور الأربعة جمالاً للإنسان وزينة، كما أن في ذهابه ضرراً عظيماً وتأذياً، ولذلك أوجب العلماء رحمهم الله في الأنف الدية، مع أن شاخص الأنف، وهما المنخران والمارن كما تقدم معنا ليس فيهما منفعة الشم، وإنما فيهما الجمال، وبذهابهما وجبت الدية، والأذن كذلك تجب فيها الدية مع أن السمع يكون بداخل الأذن وليس بالصوان الخارجي، وقد بينا وجه وجوب الدية في ذلك كله، وذكرنا المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقتضي الضمان، فهذا أصل شرعي يدل على أن الديات لا تنحصر في الأعضاء التي فيها المنافع، وإنما تشمل أيضاً الزينة، وقوى أصحاب هذا القول مذهبهم لهذا الوجه، وعليه فإنه لو أضر بشعر المجني عليه فسقط بسبب الجناية والاعتداء أو بسبب الخطأ فإنه يجب عليه دية كاملة في كل واحدٍ من هذه الشعور الأربعة.

دية شعر الرأس

قال رحمه الله: [شعر الرأس]

نبدأ بشعر الرأس، من أكثر ما تقع هذه الجناية في الطبيب إذا أخطأ في العلاج، أو أعطى دواءً تساقط معه الشعر، وهو في هذه الحالة لا يخلو إما أن لا ينبت الشعر بالكلية، وقرر الأطباء أنه لا أمل في رجوعه، فحينئذ الدية كاملة على الوجه الذي ذكرناه من قول أهل العلم رحمهم الله وهو أشبه بالأصول وأقواه.

ثانياً: أن تكون الجناية موجبة لذهاب بعض الشعر دون البعض، فحينئذٍ إذا كانت مما يتشطر مثل الحاجب لكن الرأس لا يتشطر، فإذا أتلف شعر أحد الحاجبين فإن عليه نصف الدية، وكذلك إذا أتلف أحد الأهداب الأربعة وهي الرموش، الرمش الأسفل من العين اليمنى، والرمش الأعلى منها، وكلاهما من اليسرى، فلو أتلف واحداً من هذه الأربعة فعليه ربع الدية؛ لكن لو أنه جنى عليه جناية أذهبت نصف شعر رأسه، فهل يتشطر أو لا يتشطر؟ المعمول به عند طائفة من العلماء رحمهم الله أنه يتشطر، وتكون الدية بحصته، فإن أتلف نصف شعر رأسه قالوا: يتشطر، وهناك وجه أن فيه حكومة بتقدير الجناية؛ لأن الشعر في الأصل يتساقط من رأسه لكن هذا لا يخلو من نظر، كذلك أيضاً لو أنه جنى عليه جناية وسقط شعر رأسه أو أخطأ الطبيب في العلاج فأسقط شعر الرأس، لكن نبت شعر الرأس بعد ذلك فإنه لا دية، إلا أنه في هذه الصورة لو حصل ضرر في موضع الشعر مثل ما يقع والعياذ بالله في جناية الاعتداء العمد، مثل أن يصبّ على رأسه حارقاً أو أسيداً، وفي بعض الأحيان تكون الجناية مذهبة للشعر فلا إشكال، لكن لو أنها أذهبت الشعر ثم عاد الشعر، لكنها أحدثت ضرراً في الموضع، فالشعر ليس فيه شيء، لكن موضعه فيه تشوه أو فيه ضرر، فحينئذٍ يقدر حكومةً بمعنى أننا ننظر، وسيأتي إن شاء الله بيان ما هو الحكم وما هو الأصل فيها.

المقصود: أن الجناية على شعر الرأس إذا أتلف الشعر كاملاً ففيه الدية يتشطر لبعضه، ويبقى النظر إذا جنى عليه فنبت الشعر، وكان تشوه في الخِلقة، فإنه حينئذٍ يقدر ذلك التشوه بحصته ويعطاه على سبيل الحكومة.

قال: [ وهي شعر الرأس ].

وهي: بيانٌ للأربعة، وهي شعر الرأس، والرأس من التراوس وهو العلو، والمراد به الشعر الذي ينبت على رأس الإنسان ذكراً كان أو أنثى، يعني هذه الدية لا تختص بالإناث وهن أكثر تضرراً؛ لأن هذه الشعور الأربعة منها ما يختص بالذكور كاللحية ومنها ما يشمل الجنسين كبقية الشعور.

ففي هذه الحالة إذا جنى على شعر الرأس فإنه تجب عليه الدية، سواء كان المجني عليه ذكراً أو كان أنثى، وسواء كان الشعر طويلاً أو كان قصيراً، أو كان ملفوفاً مثلاً، الأصل يقتضي أن عليه الدية كاملة بإتلاف هذا الشعر، وحينئذٍ إذا كانت الجناية عمداً فلا إشكال، وهناك أصل قررناه في مسألة القصاص، بحيث أنه لو فعل به فعلاً يمكن أن يفعل به مثله، أو سقاه دواء يسقط الشعر وهذا الدواء من خاصيته أنه يسقط الشعر، فاعتدى عليه وسقاه هذا الدواء، وهذا الدواء يمكن أن يقتص بالفاعل بمثله، فإنه يسقى نفس الدواء حتى يتساقط شعره كما تساقط شعر المجني عليه.

دية شعر اللحية

قال رحمه الله: [ واللحية ].

اللحي: هو العظم الذي هو فك الإنسان، ومجمع اللحيين: هو الذقن، فاللحية تنبت على هذا العظم، ولذلك مبتدؤها من طرف عظم الصدغ، الذي هو ابتداء اللحي وتقيدت به، وكان ابن عباس رضي الله عنهما في الحج والعمرة إذا أراد أن يحلق رأسه أمر الحلاق أن يقف عند العظمة، وهذه العظمة تفصل بين الشعرين؛ الممسوح والمغسول، وتفصل بين المأذون بحلقه وغير المأذون بحلقه، فاللحية في الأصل ما نبت على اللحي -العظم- وللعلماء فيها وجهان:

من أهل العلم من يقيدها بهذا الموضع، ولذلك يجيز أخذ ما نبت على الخد والوجنة ويقول: هذا ليس من اللحية، وإنما أُمِر باللحية وهي ما كان على اللحي، وقال أصحاب هذا القول: ما كان أسفل من اللحي، وهو مما يلي الرقبة يجوز أخذه وحلقه؛ لأنه ليس من اللحية، فتقيدت اللحية عندهم بما نبت على اللحي، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإرخاء اللحى كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيح وغيره، فيقولون: إن اللحية تتقيد بهذا الموضع، ومجمع اللحية وهو الذقن: العظم أسفل الفم، ويرون أن العنفقة والمسربة لا تدخل في اللحية، وقد أثر عن بعض الصحابة أخذهم من نفس المسربة، والذي يهمنا الآن هو الشعر الذي على اللحيين.

وهناك وجه ثان يقول: إن ما قارب الشيء أخذ حكمه، واللحية تشمل في الأصل ما نبت على اللحي، وما نبت على الوجنة آخذٌ حكم اللحية؛ لأن ما قارب الشيء فهو آخذ حكمه، وهذا لا شك أنه أحوط وأسلم لكن لا ينكر على من أخذ من شعر وجنته أو أخذ من جهة رقبته؛ لأن له وجهاً، وهناك من أهل العلم ومن أجلاء أهل العلم من يقول بهذا القول، خاصة وأن ظاهر اللغة فيه وجه لهذا.

الشاهد من هذا: أن تحديد اللحية على هذا الوجه يشمل ما نبت على أسفل اللحي دون ما يلي الرقبة، فلو سقاه دواءً أسقط لحيته فإنه في هذه الحالة يجب ضمان هذه اللحية بدية كاملة على الصحيح من قولي العلماء رحمهم الله، وهذا النوع من المضمونات يختص بالرجال دون الإناث، فالمرأة اللحية ليست لها زينة، وقد قررنا أن الأصل في الضمان لهذه الأشياء إنما هو وجود الزينة، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: سبحان من زين الرجال باللحى. فهي زينة من الله سبحانه وتعالى، والأصل عدم جواز حلقها، فإذا اعتدى عليها بدواء أو اعتدى عليها عمداً فإنه لا قصاص في هذه الحالة؛ فهذا مانع شرعي؛ لأن المانع يكون مانعاً حسياً من جهة كونه يوجب الزيادة فينتفي القصاص، وكونه مانعاً شرعياً؛ لأنه مأمور بترك هذا الموضع، في هذه الحالة يجب عليه ضمان الدية كاملة، لكن لو أنه أسقط بعض شعر اللحية، ففيه الوجه الذي ذكرناه في التقسط؛ أنه يتقسط بقدر جنايته.

دية الحاجبين

قال رحمه الله: [ والحاجبين ].

والحاجبان: مثنى حاجب، وهو في الأصل: الشعر الذي ينبت على العظم فوق العين، سواء اتصل الحاجبان أو انفصلا؛ ولذلك جاء في النمص وهو: نتف شعر الوجه الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله، وأكثر ما يقع في النساء، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن النامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة، المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)، فلا يجوز الاعتداء على هذا الشعر، حتى ولو اتصل الحاجبان؛ لأن سر المنع وورود اللعن هو عدم الرضا بخلقة الله عز وجل، فإذا خلق الله الحاجب متصلاً وجاءت هي تفصله فقد غيرت الخلقة ولم ترض بقسمة الله، ولذلك ورد اللعن على هذا؛ لأن هناك أفعالاً قد تكون أخف، لكن لما اتصل أمر هذا الفعل بالعقيدة وهو عدم الرضا بخلقة الله عز وجل والاعتداء عليها؛ ولذلك جاء في آخر والحديث: (المغيرات خلق الله)، فرجع الأمر إلى الاعتقاد، فمن نمصت شعر حاجبها سواءً فيما كان بين الحاجبين لكي تفصل الحاجبين أو كان ترقيقاً للحاجب بعد أن كان عريضاً ونحو ذلك فيشملها.

الحاجبان إذا اعتدي عليهما، أو مثلاً وقع حادث فحصلت منه جروح وحصل منه ضرر على شعر الحاجبين حتى قُلِع الشعر ولم يعد ذلك الشعر وجبت الدية، وإن حصل الضرر على أحد الحاجبين، تقسطت الدية بقسط ذلك وهو النصف، وهذا يشمل الرجال والنساء؛ لأن الحاجبين زينة في الرجل وزينة في المرأة أيضاً.

دية شعر أهداب العينين

قال رحمه الله: [ وأهداب العينين ].

والمراد بها الشعور التي تنبت على الجسم الأعلى والأسفل من كل عين، فالعينان لكل واحدة منهما جفنان، فأصبحت الأهداب أربعة؛ وهو الذي يسمى: الرمش، فلو سقاه الطبيب دواء خطأ حتى تساقط شعر العين -الرمش- فإنه يجب عليه ضمان ذلك بالدية كاملاً: إن كانت الجناية في العينين فتكون كاملة، وإن كانت الجناية في عينٍ دون أخرى وجب عليه النصف، وإن كان في جزء العين وهو شعر الجفن الأعلى أو شعر الجفن الأسفل فبقسطه وهو ربع الدية؛ لأنها أربعة، فتتقسط الدية وتقسم على أربعة، فكل واحد من هذه الشعور الأربعة إذا جُني عليه فإن فيه ربع الدية، وهذا يخالف به شعر الرأس كما قدمنا، ويشمل الرجال والنساء على حد سواء.

قال رحمه الله: [شعر الرأس]

نبدأ بشعر الرأس، من أكثر ما تقع هذه الجناية في الطبيب إذا أخطأ في العلاج، أو أعطى دواءً تساقط معه الشعر، وهو في هذه الحالة لا يخلو إما أن لا ينبت الشعر بالكلية، وقرر الأطباء أنه لا أمل في رجوعه، فحينئذ الدية كاملة على الوجه الذي ذكرناه من قول أهل العلم رحمهم الله وهو أشبه بالأصول وأقواه.

ثانياً: أن تكون الجناية موجبة لذهاب بعض الشعر دون البعض، فحينئذٍ إذا كانت مما يتشطر مثل الحاجب لكن الرأس لا يتشطر، فإذا أتلف شعر أحد الحاجبين فإن عليه نصف الدية، وكذلك إذا أتلف أحد الأهداب الأربعة وهي الرموش، الرمش الأسفل من العين اليمنى، والرمش الأعلى منها، وكلاهما من اليسرى، فلو أتلف واحداً من هذه الأربعة فعليه ربع الدية؛ لكن لو أنه جنى عليه جناية أذهبت نصف شعر رأسه، فهل يتشطر أو لا يتشطر؟ المعمول به عند طائفة من العلماء رحمهم الله أنه يتشطر، وتكون الدية بحصته، فإن أتلف نصف شعر رأسه قالوا: يتشطر، وهناك وجه أن فيه حكومة بتقدير الجناية؛ لأن الشعر في الأصل يتساقط من رأسه لكن هذا لا يخلو من نظر، كذلك أيضاً لو أنه جنى عليه جناية وسقط شعر رأسه أو أخطأ الطبيب في العلاج فأسقط شعر الرأس، لكن نبت شعر الرأس بعد ذلك فإنه لا دية، إلا أنه في هذه الصورة لو حصل ضرر في موضع الشعر مثل ما يقع والعياذ بالله في جناية الاعتداء العمد، مثل أن يصبّ على رأسه حارقاً أو أسيداً، وفي بعض الأحيان تكون الجناية مذهبة للشعر فلا إشكال، لكن لو أنها أذهبت الشعر ثم عاد الشعر، لكنها أحدثت ضرراً في الموضع، فالشعر ليس فيه شيء، لكن موضعه فيه تشوه أو فيه ضرر، فحينئذٍ يقدر حكومةً بمعنى أننا ننظر، وسيأتي إن شاء الله بيان ما هو الحكم وما هو الأصل فيها.

المقصود: أن الجناية على شعر الرأس إذا أتلف الشعر كاملاً ففيه الدية يتشطر لبعضه، ويبقى النظر إذا جنى عليه فنبت الشعر، وكان تشوه في الخِلقة، فإنه حينئذٍ يقدر ذلك التشوه بحصته ويعطاه على سبيل الحكومة.

قال: [ وهي شعر الرأس ].

وهي: بيانٌ للأربعة، وهي شعر الرأس، والرأس من التراوس وهو العلو، والمراد به الشعر الذي ينبت على رأس الإنسان ذكراً كان أو أنثى، يعني هذه الدية لا تختص بالإناث وهن أكثر تضرراً؛ لأن هذه الشعور الأربعة منها ما يختص بالذكور كاللحية ومنها ما يشمل الجنسين كبقية الشعور.

ففي هذه الحالة إذا جنى على شعر الرأس فإنه تجب عليه الدية، سواء كان المجني عليه ذكراً أو كان أنثى، وسواء كان الشعر طويلاً أو كان قصيراً، أو كان ملفوفاً مثلاً، الأصل يقتضي أن عليه الدية كاملة بإتلاف هذا الشعر، وحينئذٍ إذا كانت الجناية عمداً فلا إشكال، وهناك أصل قررناه في مسألة القصاص، بحيث أنه لو فعل به فعلاً يمكن أن يفعل به مثله، أو سقاه دواء يسقط الشعر وهذا الدواء من خاصيته أنه يسقط الشعر، فاعتدى عليه وسقاه هذا الدواء، وهذا الدواء يمكن أن يقتص بالفاعل بمثله، فإنه يسقى نفس الدواء حتى يتساقط شعره كما تساقط شعر المجني عليه.

قال رحمه الله: [ واللحية ].

اللحي: هو العظم الذي هو فك الإنسان، ومجمع اللحيين: هو الذقن، فاللحية تنبت على هذا العظم، ولذلك مبتدؤها من طرف عظم الصدغ، الذي هو ابتداء اللحي وتقيدت به، وكان ابن عباس رضي الله عنهما في الحج والعمرة إذا أراد أن يحلق رأسه أمر الحلاق أن يقف عند العظمة، وهذه العظمة تفصل بين الشعرين؛ الممسوح والمغسول، وتفصل بين المأذون بحلقه وغير المأذون بحلقه، فاللحية في الأصل ما نبت على اللحي -العظم- وللعلماء فيها وجهان:

من أهل العلم من يقيدها بهذا الموضع، ولذلك يجيز أخذ ما نبت على الخد والوجنة ويقول: هذا ليس من اللحية، وإنما أُمِر باللحية وهي ما كان على اللحي، وقال أصحاب هذا القول: ما كان أسفل من اللحي، وهو مما يلي الرقبة يجوز أخذه وحلقه؛ لأنه ليس من اللحية، فتقيدت اللحية عندهم بما نبت على اللحي، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإرخاء اللحى كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيح وغيره، فيقولون: إن اللحية تتقيد بهذا الموضع، ومجمع اللحية وهو الذقن: العظم أسفل الفم، ويرون أن العنفقة والمسربة لا تدخل في اللحية، وقد أثر عن بعض الصحابة أخذهم من نفس المسربة، والذي يهمنا الآن هو الشعر الذي على اللحيين.

وهناك وجه ثان يقول: إن ما قارب الشيء أخذ حكمه، واللحية تشمل في الأصل ما نبت على اللحي، وما نبت على الوجنة آخذٌ حكم اللحية؛ لأن ما قارب الشيء فهو آخذ حكمه، وهذا لا شك أنه أحوط وأسلم لكن لا ينكر على من أخذ من شعر وجنته أو أخذ من جهة رقبته؛ لأن له وجهاً، وهناك من أهل العلم ومن أجلاء أهل العلم من يقول بهذا القول، خاصة وأن ظاهر اللغة فيه وجه لهذا.

الشاهد من هذا: أن تحديد اللحية على هذا الوجه يشمل ما نبت على أسفل اللحي دون ما يلي الرقبة، فلو سقاه دواءً أسقط لحيته فإنه في هذه الحالة يجب ضمان هذه اللحية بدية كاملة على الصحيح من قولي العلماء رحمهم الله، وهذا النوع من المضمونات يختص بالرجال دون الإناث، فالمرأة اللحية ليست لها زينة، وقد قررنا أن الأصل في الضمان لهذه الأشياء إنما هو وجود الزينة، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: سبحان من زين الرجال باللحى. فهي زينة من الله سبحانه وتعالى، والأصل عدم جواز حلقها، فإذا اعتدى عليها بدواء أو اعتدى عليها عمداً فإنه لا قصاص في هذه الحالة؛ فهذا مانع شرعي؛ لأن المانع يكون مانعاً حسياً من جهة كونه يوجب الزيادة فينتفي القصاص، وكونه مانعاً شرعياً؛ لأنه مأمور بترك هذا الموضع، في هذه الحالة يجب عليه ضمان الدية كاملة، لكن لو أنه أسقط بعض شعر اللحية، ففيه الوجه الذي ذكرناه في التقسط؛ أنه يتقسط بقدر جنايته.

قال رحمه الله: [ والحاجبين ].

والحاجبان: مثنى حاجب، وهو في الأصل: الشعر الذي ينبت على العظم فوق العين، سواء اتصل الحاجبان أو انفصلا؛ ولذلك جاء في النمص وهو: نتف شعر الوجه الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله، وأكثر ما يقع في النساء، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن النامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة، المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)، فلا يجوز الاعتداء على هذا الشعر، حتى ولو اتصل الحاجبان؛ لأن سر المنع وورود اللعن هو عدم الرضا بخلقة الله عز وجل، فإذا خلق الله الحاجب متصلاً وجاءت هي تفصله فقد غيرت الخلقة ولم ترض بقسمة الله، ولذلك ورد اللعن على هذا؛ لأن هناك أفعالاً قد تكون أخف، لكن لما اتصل أمر هذا الفعل بالعقيدة وهو عدم الرضا بخلقة الله عز وجل والاعتداء عليها؛ ولذلك جاء في آخر والحديث: (المغيرات خلق الله)، فرجع الأمر إلى الاعتقاد، فمن نمصت شعر حاجبها سواءً فيما كان بين الحاجبين لكي تفصل الحاجبين أو كان ترقيقاً للحاجب بعد أن كان عريضاً ونحو ذلك فيشملها.

الحاجبان إذا اعتدي عليهما، أو مثلاً وقع حادث فحصلت منه جروح وحصل منه ضرر على شعر الحاجبين حتى قُلِع الشعر ولم يعد ذلك الشعر وجبت الدية، وإن حصل الضرر على أحد الحاجبين، تقسطت الدية بقسط ذلك وهو النصف، وهذا يشمل الرجال والنساء؛ لأن الحاجبين زينة في الرجل وزينة في المرأة أيضاً.

قال رحمه الله: [ وأهداب العينين ].

والمراد بها الشعور التي تنبت على الجسم الأعلى والأسفل من كل عين، فالعينان لكل واحدة منهما جفنان، فأصبحت الأهداب أربعة؛ وهو الذي يسمى: الرمش، فلو سقاه الطبيب دواء خطأ حتى تساقط شعر العين -الرمش- فإنه يجب عليه ضمان ذلك بالدية كاملاً: إن كانت الجناية في العينين فتكون كاملة، وإن كانت الجناية في عينٍ دون أخرى وجب عليه النصف، وإن كان في جزء العين وهو شعر الجفن الأعلى أو شعر الجفن الأسفل فبقسطه وهو ربع الدية؛ لأنها أربعة، فتتقسط الدية وتقسم على أربعة، فكل واحد من هذه الشعور الأربعة إذا جُني عليه فإن فيه ربع الدية، وهذا يخالف به شعر الرأس كما قدمنا، ويشمل الرجال والنساء على حد سواء.

قال رحمه الله: [ فإن عاد فنبت سقط موجبه ].

ليس خاصاً بشعر الأهداب، فليس قوله: (فإن عاد..) يعود إلى آخر الكلام، وإنما المراد: إن عاد الشعر في هذه المواضع التي ذكرناها سقطت الدية، وإن عاد الشعر في حاجبٍ سقطت نصف الدية، وإن عاد الشعر في أحد الرموش سقطت ربع الدية، فلو اعتدى على رمش منها فعاد الشعر أو قال الأطباء: سيعود. ننتظر حتى تمضي المدة التي قرروها للعود، فإن عاد فإنه تسقط الدية، ولو أخذ الدية ثم عاد شعره وجب عليه ردها.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3616 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3183 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع