عنوان الفتوى : ما يفعله المبتلى بشرب الدخان عند إرادة الذكر والصلاة
السؤال
أنا مسلم مبتلى بالتدخين، وملتزم بالعبادات، والطاعات، والأذكار، فكيف أسبح الله، وأحمده، وأستغفره بعد انتهائي من تدخين السيجارة؟ وهل يجب أن أغسل فمي قبل الذكر، وقبل الصلاة؟ وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك من هذا البلاء الذي أنت فيه.
واعلم -أخي- أن التدخين محرم؛ للأدلة التي ذكرنا في الفتاوى: 1819، 20871، 29809، 32820، 40408، 1671، فكفّ عن تعاطيه، وتب لله عز وجلّ منه.
أما بالنسبة لإزالة رائحته الكريهة قبل الأخذ في ذكر الله تعالى، وتسبيحه، أو قبل الصلاة، فأقل أحواله أن يكون مستحبًّا، جاء في كتاب الأذكار للنووي متحدثًا عن صفة مواضع الذكر: وينبغي أيضًا أن يكون فمه نظيفًا، فإن كان فيه تَغَيُّر، أزاله بالسِّواك، وإن كان فيه نجاسة، أزالها بالغسل بالماء، فإن ذكر ولم يغسلها، فهو مكروهٌ، ولا يَحرمُ. انتهى.
وقد ثبت في السنة ما يدل على أن الملائكة تتأذى من الروائح الكريهة، ولا شك أن التدخين من الروائح الكريهة، فقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أكل من هذه البقلة ـ الثوم ـ وقال مرة: من أكل البصل، والثوم، والكراث، فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. متفق عليه.
قال الإمام العيني في شرحه على صحيح البخاري: قلت: علة النهي أذى الملائكة، وأذى المسلمين. اهـ.
وقد ألحق أهل العلم بالثوم كل ما له رائحة كريهة، قال النووي في المجموع: يكره لمن أكل ثومًا, أو بصلًا, أو كراثًا, أو غيرها مما له رائحة كريهة, وبقيت رائحته, أن يدخل المسجد من غير ضرورة؛ للأحاديث الصحيحة في ذلك, منها حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أكل من هذه الشجرة ـ يعني الثوم ـ فلا يقربن مسجدنا} رواه البخاري, ومسلم. وفي رواية مسلم: "مساجدنا". وعن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من أكل من هذه الشجرة، فلا يقربنا، ولا يصلين معنا} رواه البخاري ومسلم. وعن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من أكل ثومًا, أو بصلًا، فليعتزلنا, أو فليعتزل مسجدنا} رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: {من أكل البصل والثوم والكراث، فلا يقربن مسجدنا; فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم}... اهـ.
وقد ألحق المتأخرون الدخان بما يتأذى منه، ومن المعلوم أن الدخان لم يظهر إلا في القرون المتأخرة، قال ابن عابدين ناقلًا عن الطحطاوي: إن الدخان ملحق بالبصل والثوم في هذا الحكم. وقال الشيخ عليش المالكي: لا شك في تحريم شرب الدخان في المساجد والمحافل؛ لأن له رائحة كريهة, ونقل عن مجموع الأمير في باب الجمعة: أنه يحرم تعاطي ما له رائحة كريهة في المسجد والمحافل، وفي الشرواني على تحفة المحتاج: يمنع من دخول المسجد ذو الرائحة الكريهة, كآكل البصل والثوم, ومنه ريح الدخان المشهور الآن . كذا في الموسوعة الفقهية.
وعليه؛ فالأفضل لك غسل فمك، والتسوك عند إرادة الذكر والصلاة؛ حتى لا تؤذي الملائكة، ولا المصلين، إذا كنت تصلي في جماعة.
وكذلك يستحب لك السواك، وإزالة رائحة الفم الكريهة بالدخان، إذا صليت منفردًا؛ لأن السواك مستحب عند كل صلاة، وكذلك عند تغير الفم؛ قال ابن قاسم الغزي الشافعي في "فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب": (وهو) أي: السواك (في ثلاثة مواضع أشد استحبابًا) من غيرها: أحدها: (عند تغير الفم من أزم) قيل: هو سكوت طويل. وقيل: هو ترك الأكل. وإنما قال: (وغيره) ليشتمل تغير الفم بغير أزم، كأكل ذي ريح كريه من ثوم، وبصل، وغيرهما؛ (و) الثاني (عند القيام) أي: الاستيقاظ (من النوم)؛ (و) الثالث (عند القيام إلى الصلاة)، فرضًا أو نفلًا. اهـ.
والله أعلم.