فتاوى نور على الدرب [187]


الحلقة مفرغة

السؤال: توجهنا من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة نريد العمرة، فتعدينا الميقات لجهلنا بمكانه، ولم ينبهنا الناس إلا على بعد مائة وخمسين كيلومتر، ولكننا لم نعد، وإنما توجهنا إلى الجعرانة وأحرمنا منها، فهل عمرتنا صحيحة، وإذا لم تكن كذلك فماذا يجب علينا فعله؟

الجواب: العمرة صحيحة، لأنكم أتيتم بأركانها تامة، أتيتم بالإحرام والطواف والسعي، ولكن عليكم عند أهل العلم فدية وهي شاةٌ تذبحونها في مكة وتوزعونها على الفقراء؛ وذلك لأنكم تركتم الإحرام من الميقات، والإحرام من الميقات من الواجبات؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام وقت هذه المواقيت، وقال: ( يهل أهل المدينة من ذي الحليفة)، فقال: يهل، وكلمة (يهل) خبرٌ بمعنى الأمر، والأصل في الأمر الوجوب؛ وعلى هذا فقد تركتم واجباً، لكن نظراً لكونكم معذورين بالجهل يسقط عنكم الإثم، ولكن بدل هذا الواجب هو الفدية شاةً تذبحونها وتوزعونها بمكة، لا بد من هذا عند أهل العلم؛ فعلى هذا تكون العمرة صحيحةً، ويلزمكم هذا الدم كما قال ذلك العلماء.

السؤال: سمعت أن من شروط صحة الوضوء استصحاب النية، وقد زادت الوساوس عندي عندما سمعت هذا، فإذا وصلت إلى مسح الرأس أعدت الوضوء من أوله، أو إلى اليد اليسرى كذلك أعدته، وقد تتكرر هذه الحالة أكثر من أربع مرات، فبماذا تنصحوني؟

الجواب: ننصحك بأن نعلمك استصحاب النية، ومعناه: أن لا تنوي قطع الوضوء، وليس معنى استصحاب النية أن تكون على تذكرٍ لها من أول الوضوء إلى آخره، فإذا عزبت عن خاطرك ونسيتها وغفلت عنها، فإن ذلك لا يضر؛ لأن الاستصحاب معناه أن لا ينوي القطع، فإذا وصلت إلى غسل رأسك أو غسل ذراعك اليسرى، وشككت هل أنت استمررت في هذه النية أم لم تستمر؟ فإن الأصل بقاؤها والاستمرار، فلا تعد الوضوء، وإني أحذرك من أن تسترسل في هذا الأمر، لأنك إذا استرسلت فيها فلن يقتصر على الوضوء فقط، بل سيتعدى ذلك إلى الصلاة، وإلى غيرها من العبادات، وحينئذٍ تبقى دائماً في حيرة وقلق، والنبي عليه الصلاة والسلام قطع هذا الأمر حين سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).

فيا أخي! اقطع الوساوس عنك، واعلم أنك لو كلفت أن تعمل بدون نية ما استطعت، فكل إنسانٍ عاقل يعي ما يفعل أو يقول، فإنه لن يقول شيئاً إلا بنية، ولن يفعل شيئاً إلا بنية.

السؤال: لنا أقاربٌ لأبي، وقبل سبعة عشر عاماً حدثت مشاكل من قبل زوجة قريب والدي أدت إلى أن يحلف والدي بالطلاق على أمي إذا دخلت هذه المرأة إلى دارنا، وبقي الخصام بيننا وبينهم لمدة سبعة عشر عاماً، وفي العام الماضي أراد أبي أن ينهي الخصام، فأخذ والدتي وذهب إلى دارهم ليتصالح معهم، ولكن الذي حدث هو أن هذه السيدة أتت إلى دارنا، وأتى والدي وسلم عليها، وقد أحرج هو لدخولها المنزل، فماذا على والدي أن يفعل؟

الجواب: ينبغي للمرء أن لا يحلف بالطلاق ولا بالنذر، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم, وإذا حلف بالطلاق على فعل امرأته بأن قال: إن فعلت كذا فأنت طالق, أو علي الطلاق إن فعلت كذا, أو ما أشبه ذلك, فإنه بحسب نيته, إن كان نيته أن امرأته إذا فعلت ذلك فقد طابت نفسه منها وكرهها, ولا يريد العيش معها, وقد خالفته في هذا الأمر, فإنها إذا خالفته وفعلت تكون طالقاً؛ لأن هذا الرجل أراد الطلاق بهذا التعليق.

أما إذا كان الرجل الذي قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق, أو علي الطلاق أو ما أشبه ذلك، ويريد بها تهييبها وتحذيرها من هذا الأمر, والتأكيد عليها بذكر الطلاق، فإن هذا حكمه حكم اليمين، بمعنى أنها إذا خالفته في ذلك وجب عليه أن يكفر كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، يخير في ذلك، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.

وعلى هذا فنقول لهذا الأخ: ما نيتك في تعليق الطلاق بامرأتك، وقولك: إذا دخلت هذه المرأة إلى البيت؟ فإن كانت نيتك أنك لا تريد زوجتك بعد هذه المخالفة، وأنك تكرهها، وتريد طلاقها وفراقها، فإن زوجتك تطلق بهذا، أما إذا كان غرضك تهييب زوجتك وتحذيرها من هذا الأمر، وأنك تريد أن تبقى زوجة لك ولو خالفتك في هذا الأمر، فإن الزوجة باقية وعليك كفارة يمين.

مداخلة: في حالة وقوع الطلاق فعلاً تكون طلقة واحدة؟

الشيخ: أي نعم تكون طلقةً واحدة.

مداخلة: بمعنى: إذا كانت هي الأولى فله مراجعتها أو الثانية؟

الشيخ: أي نعم، الأولى والثانية فله مراجعتها.

السؤال: هناك عادة تتبعها بعض الأسر، وهي: إذا ما توفي زوج إحدى النساء فما على أقاربها أو أهلها إلا أن يجعلوها تمر من تحت التابوت الذي هو فيه ثلاث مرات، فإذا فعلت ذلك لا تلزمها العدة على زوجها، فهل هذا صحيح؟

الجواب: هذا باطل، فإن المرأة إذا مات زوجها وجب عليها أن تعتد إن كانت حاملاً حتى تضع الحمل، طالت المدة أو قصرت، وإن كانت غير حامل فحتى يمضي عليها أربعة أشهر وعشر، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، وقال تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] ، ولما توفي زوج سبيعة الأسلمية نفست بعده بليالٍ، فأذن لها الرسول عليه الصلاة والسلام أن تتزوج، فدل هذا على أن عموم قوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ [الطلاق:4]، عمومٌ محكم لا يخص منه شيء، بخلاف قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، فإن هذا عمومٌ مخصوصٌ بقوله: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] .

وعلى هذا؛ فالمرأة إذا مات زوجها إن كان حاملاً فإن عدتها تنتهي بوضع الحمل، وإذا انتهت العدة انتهى الإحداد أيضاً، فلو مات الزوج في أول النهار، ووضعت في آخر النهار، انقضت عدتها وإحدادها، وحلت للأزواج في نفس الليلة التالية، وإذا بقيت في الحمل عشرة أشهر أو سنة أو أكثر، فإنها تبقى في العدة والإحداد حتى تضع الحمل.

وأما المرور من تحت التابوت أو ما أشبه ذلك، فهذا من الأعمال الباطلة التي ليس لها أصلٌ في شريعة الله.

السؤال: أخذت من بعض الوافدين إلى بلادنا مبلغاً من المال، وحضرت إلى هنا في المملكة العربية السعودية، وعندما رجعت إلى بلادي وجدت ذلك الرجل قد توفي، وسألت عن أقرب الناس إليه ولم أجد، وأريد التخلص من دينه ذلك الذي علي، فماذا أفعل به كي أبرئ ذمتي؟

الجواب: ما دمت قد جهلت ورثة هذا الرجل، ولم تعلم له وارثاً، فإن هذا يكون لبيت المال، لأن الرجل إذا مات وليس له وارث، فإن ماله يدفع إلى بيت المال، لكن بشرط أن يكون بيت المال منتظماً، ويتصرف فيه على حسب الشرع، أما إذا كان ضائعاً فإن الأولى أن يتصدق به، فإن قدر أن يأتي أحدٌ من ورثته بعد ذلك، فإنك تخيرهم فتقول: أنا تصدقت بهذا المال، فإن شئتم فهو لكم، وأجره لكم، وإن شئتم أعطيتكم المال ويكون الأجر لي.

السؤال: امرأة متزوجة ولها أربعة أولاد، وبعد موافقة زوجها على السفر وإنهاء كل الإجراءات رفض مرةً أخرى رفضاً قاطعاً، وأقسم بالطلاق بأنها لو سافرت فستكون محرمةً عليه، ولكنها أصرت على السفر برغم عدة الطلقات التي أقسمها أمامها، وأخيراً قال: علي الحرام لو سافرت لتكونين طالقاً، ولكنها سافرت، وقد مضى الآن على هذا الموضوع عشرة أشهر، وهي الآن تستعد للعودة إلى زوجها وأولادها، فهل من حقها الرجوع إليه بعد ذلك أم لا؟

الجواب: أولاً: حرامٌ على هذه المرأة أن تسافر بدون إذن زوجها، فما دام زوجها لم يأذن فإنه يحرم عليها أن تسافر، حتى لو أذن واستعدت للرحيل وتهيأت للسفر ورجع، فإن الحق له في ذلك، فلا يجوز لها أن تسافر إلا برضاه، أما بالنسبة لما وقع من الزوج فإننا نقول كما قلنا قبل قليل: إذا كان قد أراد أنها إذا فعلت هذا الشيء فإنها تطلق، ويكون كارهاً لها وللبقاء معها، صارت بهذا العمل طالقةً، وإن كان يريد بهذا تحذيرها وتهييبها، فإنها لا تطلق به، وعليه كفارة يمين حيث خالفته في هذا الأمر.

السؤال: نحن نعمل في مجال المقاولات المعمارية، وعند بداية عملنا في حفر أساسٍ لإحدى العمائر، وعندما حفرنا وجدنا آثار مقابر قديمة جداً، وعندما أخبرنا صاحب العمارة بذلك قال: احفروا وارموا بالعظام التي وجدتموها في الشعب، وقد نفذنا ما أمرنا به، فهل علينا أو عليه الإثم في ذلك؟ وماذا يجب علينا وعليه فعله الآن؟

الجواب: إذا كانت هذه المقابر مقابر مسلمين، فإن عملكم هذا محرم، ولا يجوز لكم أن تفعلوا ذلك، وفي مثل هذه الحال الواجب مراجعة ولاة الأمور، يعني: أنه إذا حفر أحدٌ في مكان يريد أن يؤسس فيه بيتاً أو نحوه، ووجد آثار مقابر، فإنه يجب عليه أن يكف عن العمل، وأن يرجع في ذلك إلى ولاة الأمر، من أجل التحقق في هذه المقابر، وعصمة أهلها.

السؤال: ما هو مصير أطفال المشركين أو الكفار الذين يموتون؟ هل هم في النار أم في الجنة؟

الجواب: أطفال المشركين والكفار إذا كان الأم والأب كلاهما كافر، فإن هؤلاء الأولاد لهم حكم الكفار في الدنيا، فلا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين، أما في الآخرة فأصح أقوال أهل العلم في ذلك أنهم لا يعلم مصيرهم، وأن علمهم إلى الله عز وجل؛ لأنهم ممتحنون في يوم القيامة بما أراد الله، فإن امتثلوا وأطاعوا دخلوا الجنة، وإلا فهم في النار.

السؤال: هل للصلاة على الميت وقتٌ محدد، كأن يكون بعد الفرائض مثلاً، أم تجوز في كل وقت؟ وهل لها عددٌ معين من المصلين، أم أنها تؤدى ولو بمصلٍ واحد؟ وهل يجوز أن تصلى فوق المقابر أم لا؟ وما هي صفتها؟

الجواب: الصلاة على الجنازة ليس لها وقتٌ محدد؛ لأن الموت ليس له وقتٌ محدد، فمتى مات الإنسان فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه في أي وقت من ليلٍ أو نهار، ويدفن في أي وقتٍ من ليل أو نهار، إلا في ثلاثة أوقات فإنه لا يجوز الدفن فيها، وهي من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، يعني: قبل الزوال بنحو عشر دقائق، وحين تضيف للغروب حتى تغرب، وتضيفها للغروب أن يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح، فهذه الثلاثة الأوقات لا يحل فيها الدفن، حتى لو وصلنا إلى المقبرة فإننا ننتظر حتى تنتهي هذه الأوقات.

مداخلة: النهي هذا للتحريم؟

الشيخ: نعم، النهي للتحريم؛ لحديث عقبة بن عامر أنه قال: ( ثلاث ساعات نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا).

مداخلة: هل هناك علة في هذا؟

الشيخ: الله أعلم، ما ندري ما هي العلة في تحريم الدفن في هذه الأوقات، أما تحريم الصلاة في هذه الأوقات، فإن الرسول بين ذلك بأن الشمس تطلع بين قرني الشيطان، وتغرب بين قرني الشيطان، وأن الكفار يسجدون لها، وأن الصلاة يكون فيها نوعٌ من المشابهة للكفار الذين يسجدون للشمس.

وليس لصلاة الجنازة عددٌ معين، بل لو صلى عليه واحدٌ فقط أجزأ ذلك.

السؤال: هل يصلي على الجنازة بين المقابر؟

الجواب: نعم تصلى في المقبرة، ولهذا استثنى أهل العلم صلاة الجنازة من النهي عن الصلاة في المقبرة، وقالوا: إنه يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في المقبرة، كما تجوز الصلاة على القبر، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى على القبر في قصة المرأة التي كانت تقم المسجد، فماتت ليلاً فدفنها الصحابة، ثم إن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ( دلوني على قبرها)، فدلوه فصلى عليها.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع