فَحَّلْت سُوَيدا القَلْب لا أنَا بَاغيًا سواها ولا عَنْ حُبّها أتَحوّلُ
وفي قوله: (لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا) تنبيه على رغبتهم فيها، وحبهم لها، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائمًا أنه يسأمه أو يمله، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي، لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا ولا ظعنًا ولا رحلة ولا بدلا قال الله تعالى في الجنة: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، وقال تعالى: (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) ، وقال تعالى فيها: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ، وقال تعالى: (لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ) ، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) ، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) إلى قوله: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى) ، وغيرها من الآيات، فأخبر تعالى بأبديتها وأبدية حياة أهلها، وعدم انقطاعها عنهم وعدم خروجهم منها.
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: قال: كُنَّا عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فنظرَ إلى القمر ليلةَ البدر، وقال: إنكم ستَرَونَ ربكم عيانا، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغْلَبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا، ثم قرأ: (وسبِّح بحمد ربِّكَ قبلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقبْلَ الغُروب) (ق: 39) .
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، وأخرجه أبو داود، وقال: (ليلةَ أربَع عشرة) .
قال ابو حيان في البحر المحيط: (وسبح بحمد ربك) : أي فصلّ، (قبل طلوع الشمس) : هي صلاة الصبح، (وقبل الغروب) : هي صلاة العصر، قاله قتادة وابن زيد والجمهور.
قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد: أن جميع المؤمنين يرون الله يوم القيامة مخليا به عز وجل
وذكر تشبيه النبي برؤية القمر خالقهم ذلك اليوم بما يدرك عليه في الدنيا عيانا ونظرا ورؤية حدثنا عبد الله بن محمد الزهرى قال ثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن يعلى ابن عطاء عن وكيع بن حدس عن ابن رزين قال قلت يا رسول الله أكلنا نرى الله مخليا به قال نعم قال وما آية ذلك في خلق الله قال أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر وإنما هو خلق من خلق الله فالله اجل وأعظم.
وان رؤية الله سبحانه هي التي يختص بها أولياءه يوم القيامة وهي التي ذكرها في قوله: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ويفضل بهذه الفضيلة أولياءه من المؤمنين ويحجب جميع أعدائه عن النظر إليه من مشرك ومتهود ومتنصر ومتمجس ومنافق كما أعلم في قوله كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وهذا نظر أولياء الله إلى خالقهم جل ثناؤه بعد دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيزيد الله المؤمنين كرامة وإحسانا إلى إحسانه تفضلا منه وجودا بإذنه إياهم النظر إليه ويحجب عن ذلك جميع أعدائه. عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئاً أزيدكم يقولون ألم تبيض وجوهنا