والقسم الأول ممن وقف على ظاهر العبارة هؤلاء على نوعين: منهم من نَزَّلَ العبارة على المصنف وحكم عليه بأنه مفوض، ومنهم من حكم على العبارة بأنها تفويض ونزه المصنف عن هذا المذهب الرديء. إذًا من وقف مع العبارة وقد حكم على العبارة بأنها مذهب المفوضة، ثم هل يلزم من ذلك أن يكون ابن قدامة مفوض أو لا؟ منهم من حكم بذلك ومنهم من فرَّق، فالقسم الأول ممن وقف على ظاهر العبارة على نوعين: منهم من حكم على اللفظ بأنه تفويض مع تبرأت المصنف من هذا المذهب، ومنهم من نزل ظاهر العبارة على المصنف وحكم عليه بأنه مفوض، ولذلك ذهب الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى إلى أن هذه الجملة هي تفويض ولكنه برأ المصنف فقال رحمه الله تعالى: وأما كلام صاحب اللمعة فهذه الجملة وجب الإيمان به لفظًا مما لوحظ في هذه العقيدة وقد لوحظ فيها عدة كلمات أخذت على المصنف ... إلى أن قال رحمه الله: أما ما ذكره في اللمعة فإنه ينطبق على مذهب المفوضة وهو من شر المذاهب وأخبثها. يعني: هذه الجملة لا ينبغي الاعتذار عن المصنف فيها من حيث التركيب من حيث اللفظ، بل نقول: هي مذهب المفوضة، وجب الإيمان به لفظًا وترك التعرض لمعناه هذا تصريح، وليس ثَمَّ ما هو أصرح في بيان مذهب المفوضة من هذه الجملة التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى، ولذلك حكم الشيخ رحمه الله تعالى بأن هذه الجملة هي مذهب المفوضة، ثم قال: والمصنف رحمه الله إمامٌ في السنة، وهو أبعد الناس عن مذهب المفوضة وغيرهم من المبتدعة. هذا ذكره في الفتاوى الجزء الأول صفحة مائتين واثنين، فكما ترى أن الشيخ رحمه الله تعالى جزم بأن هذا مذهب المفوضة ولكنه برَّأ المصنف، ومنهم من نزل مدلول العبارة على المصنف وحكم عليه بأنه مفوض باعتبار هذه الرسالة اللمعة وبالنظر إلى بقية كتبه، ولذلك سُئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تعالى عن هذه الجملة فقال: مذهب السلف هو التفويض في كيفية الصفات لا في المعنى. يعني: الصفات كما سبق الرحمن العلم القدرة الاستواء له معنى وله كيفية حقيقة، لأنه إذا أثبت المعنى فكل معنى لا بد أن يكون له شيءٌ في الواقع، فإذا أثبت الاستواء حينئذٍ لا بد أن يكون له كيفية، فأهل السنة والجماعة يثبتون المعنى ويفوضون الكيفية، يعني: تفويض أن يقول: الله أعلم بالمراد بكيف استوى، فعلمنا ربنا جل وعلا وأعلمنا أنه استوى، ومعنى استوى واضح، علوٌ خاص لكنه لم يخبرنا كيف استوى، علمنا أنه قدير ويخلق وإلى آخره وينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة، ولم يخبرنا كيف ينزل وكيف يخلق وكيف قدرته، فمذهب السلف أنهم يفوضون في كيفية الصفات، وأما المعنى فيثبت على ظاهر اللفظ، ولذلك لو قال قائل: بأن السلف لا يفوضون مطلقًا. نقول: هذا الإطلاق غلط، وإنما فيه تفصيل، إن كنت تعني لا يفوضون مطلقًا حتى في الصنفين في الكيفية فهذا غلطٌ عليك، بل الصواب أنهم يفوضون لكن في علم الكيفية، فيقولون: الله أعلم بحقيقة تلك الصفة. وأما المعنى فيثبت على ظاهره من لسان العرب، قال الشيخ هنا: مذهب السلف هو التفويض في كيفية الصفات لا في المعنى، وقد غلط ابن قدامة في لمعة الاعتقاد وقال بالتفويض.