ثالثًا: لفظ التشبيه يحتمل الحق والباطل، فهو لفظٌ مجمل، وإذا كان لفظٌ مجملاً طبقنا القاعدة لا نعلق نفي المطلق على اللفظ ولا إثبات مطلقًا، فقولنا: بلا تشبيه هكذا نفي مطلق، قل: لا، ليس بصواب، لأن ثم مشابهة بين الخالق والمخلوق في أصل الصفة، بالمعنى العام كما سيأتي وهذا لا ينبغي نفيه. إذًا لفظ التشبيه يحتمل الحق والباطل ففيه إجمالٌ، فلا يعرف المراد منه إلا بالتنصيص على المعنى المراد لا بمجرد إطلاقه، كما هو الشأن في الألفاظ المجملة، فنفي التشبيه على الإطلاق دون تعيين لا يصح، نفي التشبيه على الإطلاق دون تعيين لا يصح لأن ما من شيئين في الأعيان أو في الصفات إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، ولو بمجرد اللفظ، ولذلك بعض الصفات تثبت للرب جل وعلى وبلفظها دون معناها تثبت للمخلوق، فنثبت للمخلوق صفة السمع والرب جل وعلا موصوف بتلك الصفة. إذًا هذا مجرد مشابهة باللفظ، موجودة المشابهة أصل السمع إدراك المسموعات قبل إضافته للخالق أو المخلوق، السمع من حيث هو ما هو؟ إدراك المسموعات، هذا يثبت للرب جل وعلا ويثبت للمخلوق، إذًا قدر مشترك مشابهة أو لا؟ هذا مشابهة. لكن لما أضيف السمع إلى الرب انفك من حيث الكيفية ومن حيث المنتهى في المعنى، وأضيف السمع للمخلوق حينئذٍ انفك من حيث الكيفية ومن حيث المعنى، وأما مطلق الصفة فهو قدر مشترك، وهذا نوع مشابهة، فكيف حينئذٍ ننفي المشابهة، نقول: لا، المشابهة موجودة، ما من شيئين في الأعيان أو في الصفات إلا وبينهما قدرٌ مشترك، أنت لك قوة والفيل له قوة، اللفظ واحد والقوة من حيث هي وصف موجود في المخلوق سواء كان إنسانًا أو غيره. إذًا ما من شيئين من الأعيان أو الصفات إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، والاشتراك نوع تشابه، فلو نفيت التشبيه مطلقًا لكنت نافيًا لهذا الاشتراك مع كونه حقًّا، وهذا قرره ابن تيمية تقرير موسع في (( التدمرية ) )فليرجع إليه. إذا تقرر هذا فالتشبيه قسمان:
الأول: تشبيه مذموم، وهو اشتراك الخالق والمخلوق في ما يختص بأحدهما. يعني: شيء اختص به الإنسان تثبته للرب، تشبه الرب بالمخلوق، أو شيء مختص بالرب تشبه الرب بالمخلوق فتثبته للمخلوق، حينئذٍ ما اختص بالخالق أثبته للمخلوق هذا تشبيه، وهو مذموم. شيءٌ اختص بالمخلوق أثبته للخالق هذا تشبيه وهو مذموم، لأن كل منهما له خصائص ينفرد بها. المخلوق والخالق. إذًا الأول تشبيه مذموم وهو اشتراك الخالق والمخلوق في ما يختص بأحدهما.