ثانيًا: أن التأويل بغير دليل فاسد. هذا تأويل فاسد تأويل مذموم، والتعبير عنه بالتحريف أولى في النفرة عنه من التعبير بالتأويل، إذا قيل التأويل بغير دليل فاسد، طيب إذا أردت أن تنفر الناس عنه تقول: هذا تأويل أو تحريف أيهما أولى في التنفير؟ الثاني. حينئذ التأويل الذي يكون بدون دليل إذا عبرت عنه بالتحريف كان فيه تنفير عنه، وهذا أولى. فالمصلحة المترتبة عليه متحققة.
ثالثًا: أن التأويل نوعان:
منه محمود وهو مقبول.
ومنه مذموم وهو مردود.
صار لفظاً مجملاً.
حينئذ إذا صار اللفظ مجملاً، الألفاظ المجملة لا تُثْبَت ولا تُنْفَى، كل لفظ مجمل لا يُثَبْت ولا يُنْفَي. وهنا قال: (ترك التعرض له بالتأويل) نفي، إذا نفى لفظًا مجملاً، هذا حق أو باطل؟ ليس بحق لأن اللفظ المجمل لا ينفى مطلقًا، ولا يثبت مطلقًا، لأن منه ما هو حق ومنه ما هو باطل، كما ذكرنا سابقًا في الصفات.
إذن التأويل نوعان:
منه محمود وهو مقبول.
ومنه مذموم وهو مردود. حينئذ لا يثبت مطلقًا ولا ينفى مطلقًا.
والتأويل مصدر أَوَّلَ يُأَوِّلُ تَأْوِيلاً أو تفعيل، فهو تفعيل، مصدر أَوَّلَ يُؤول تَأْوِيلاً، من آل يَؤُولُ إذا رجع، وهو له معنى لغوي، وفي الجملة يعبر عنه بالرجوع، وله معنى شرعي، وله معنى اصطلاحي، فله ثلاث معان: معنى لغوي، ومعنى شرعي، ومعنى اصطلاحي، وفرق بين الحقائق الشرعية والحقائق العرفية الاصطلاحية.
الحقائق الشرعية لفظًا ومعنى من الشرع، اللفظ والمعنى من الشرع، وأما الحقائق العرفية فلا، قد يكون اللفظ من الشرع ويوضع له معنى لم يرد في الشرع، أو يكون اللفظ ليس من الشرع والمعنى مصطلح عليه، مثل الفاعل معناه، ومثل المفعول به، البيان، علم البلاغة .. آلى آخرها. هذه كلها نقول معانٍ عرفية بمعنى انها حقيقة عرفية، اللفظ والمعنى ليس من الشرع فلا ينسب للشرع.
فلا نقول: هذا تعريفه في الشرع بكذا. نقول: هذا خطأ، وإنما يكون التعريف شرعيًّا إذا كان اللفظ والمعنى من الشرع.
تقول: الصلاة، اللفظ شرعي، ما المراد بالصلاة؟ عبادة ذات أقوال وأفعال. ما الذي دلنا على أنها عبادة ذات أقوال وأفعال؟ الشرع، حينئذٍ نقول: هذه حقيقة شرعية.
التأويل في الشرع يطلق على أمرين:
الأول: تفسير الكلام والكشف عن معناه. بإطلاق، مطلقًا، يعني سواء وافق الظاهر أو خالفه، [خليكم معي] تفسير الكلام وكشف معناه، قد يكون على ظاهره، وقد يأتي دليل يدل على أن غير الظاهر مراد، وهذا هو التأويل المحمود. قلنا: التأويل نوعان. أليس كذلك؟
تأويل محمود فهو مقبول.
وتأويل مذموم.
متى يكون التأويل مذمومًا؟
إذا صرفنا الظاهر إلى معنى مرجوح بغير دليل، بالعقل هكذا بالرأي والهوى.
وإذا صرفناه بدليل قلنا: الظاهر ليس مرادًا لقوله تعالى كذا، حينئذ صار التأويل هنا محمودًا.
فحينئذ المعنى الأول تفسير الكلام والكشف عن معناه سواء وافق الظاهر أو خالفه، خالفه هو التأويل المحمود، وهذا هو معناه عند علماء التفسير كما يقول ابن جرير كثيرًا في تفسيره القول في تأويل قوله جل وعلا كذا، القول في تأويل قوله تعالى، يعني في تفسير قوله تعالى، فأطلق التأويل بمعنى التفسير.