أما الأول وهو صفة الكمال المطلق هذه ثابتة لله عز وجل، لا خلاف بين أهل السنة الجماعة في إثباتها على وجه الإطلاق، وذلك العلم والحياة والقدرة كلها والرحمة والمغفرة كلها ثابتة لله عز وجل على وجه الإطلاق، وكل اسم دل على صفة فهي من هذا القبيل من هذا النوع الأول كل الصفات التي دُل عليها بالأعلام فهي داخلة في القسم الأول صفة كمال مطلق ثابتة لله تعالى على كُل وجه.
وأما الثاني وهو صفة كمال مقيد فلا يوصف الله تعالى بها إلا مقيدًا لو قيل لك: لماذا؟ نقول: لأن الله تعالى هو الذي وصف به أو بها نفسه، لأن القاعدة هنا أننا لا نصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم -، حينئذٍ ما ورد مطلقًا أطلقناه وما ورد مقيدًا قيدناه فكما أنه لا يجوز تقييد المطلق كذلك لا يجوز إطلاق المقيد، كلٌّ منهما له وضعه في الشرع، فلا يقال: الماكر، أو المستهزئ، أو المخادع ونحو ذلك، بل نقيد ذلك يمكر بالماكرين ويستهزئ بالمستهزئين وخادع المنافقين لأنها لم تأت إلا مقيدة.
وأما الثالث هذا واضح التي تكون صفة نقص من كل وجه مطلق هذا لا يوصف الله تعالى بها البتة كما ذكرنا الجهل والعجز والعمى ونحو ذلك، وأما الصفات المدلول عليها بالأسماء فهي كمال بكل حال وهي داخلة في القسم الأول، يعني: لا تفصيل فيها العلم والحياة والقدرة لا نفصل فيها فهي مطلقة لأنه متصف بها على جهة الإطلاق، فكل صفةٍ دلت عليها الأسماء فهي صفة كمال مثبتة لله تعالى على سبيل الإطلاق وليس فيها تفصيل، وإنما التفصيل يكون فيما يحتمل وجهًا من وجوه النقص وذلك فيما إذا أُطلق.
المسألة الثامنة: طُرق إثبات الصفة، كيف نثبت أن هذه صفة لله تعالى؟
الأول: التصريح بالصفة كالعزة، العزة هذا صفة ليست باسم فاعل بل هو مصدر عزة نقول: هذا وصف دل عليه الكتاب والسنة {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ} [يونس: 65] العزة هذا اسم إِنَّ، ما نوعه؟ هل هو فعل؟ لا، هل هو مشق؟ لا، وإنما هو مصدر، والمصادر أوصاف في الماهية هي جامدة ... [لكنها مصدر لكنها وصف # 18.22] تقول: ضربٌ هذا وصف أو لا؟ وصف، وكذلك أكل وشرب ونوم وعجز وكسل وجهل كل هذه مصادر وهي أوصاف لكنها محضةُ وصف، يعني: لا تدل على ذات، إذا أريد الوصف والدلالة على الذات لا بد من تحويلها إلى المشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأمثلة المبالغة ونحوها من المشتقات السبعة، إذًا التصريح بالصفة أن تكون مصدرًا كالعزة كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} . والقوة {ذُو الْقُوَّةِ} [الذاريات: 58] ، يعني: صاحب القوة، {ذُو الْقُوَّةِ} القوة مضاف إليه هنا و {ذُو} بمعنى الصاحب، والبطش {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12] انظر كلها مصادر، القوة، والعزة، والبطش، كلها مصادر هذا فيما إذا لم تكن صفات ذاتية، وجاء الوصف بالوجه واليدين والعينين هذه كلها جاءت تنصيصًا في الكتاب والسنة، يعني: نص عليها صُرح بالصفة، إذًا الطريق الأول في إثبات صفة لله عز وجل هو التصريح بالصفة.