إذًا (من السنة: هجران أهل البدع) ، (هجران) مصدر وهو لغةً الترك، والمراد هنا (هجران أهل البدع) الابتعاد عنهم وترك محبتهم، ومولاتهم، والسلام عليهم، وزيارتهم، وعيادتهم، ونحو ذلك، وهذا محل وفاقٍ بين السلف، محل وفاقٍ أن المبتدع وخاصةً إذا كان داعيةً إلى بدعته أنه لا علاقة بينك وبينه البتة، وليس له حقوقٌ من الحقوق المشهورة الستة وغيرها، فلا سلام، ولا كلام، ولا عيادة مريض ولا غيرها، لأن هذه كلها موجبات للجلوس معه موصلةٌ للجلوس معه حينئذٍ يؤدي للوقوع في المخالفة الشرعية، و (هجران أهل البدع) واجب لما ذكرناه من القاعدة السابقة ولقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] . ومن حاد الله ورسوله يشمل الكافر ويشمل المبدع، لأن كلاً منهما مائلٌ عن الحق إلى الباطل، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك، وهذا أصلٌ في هجر المبتدع، حينئذٍ الأصل في هجر المبتدع هو هذا النص، وحكمه أنه واجب للنص الذي ذكرناه القرآني، ثم قاعدة عامة وهي أنه لا يتم للمرء الانكفاف عن البدع بجميع أنواعها إلا إذا ترك مجالسة أهل البدع، لأن الشرع إذا حرَّم شيئًا حرم كل وسيلةٍ تؤدي إليه، أليس كذلك؟ الوسائل لها أحكام المقاصد، إذًا البدعة محرمة أو لا؟ محرمة، لا يختلف اثنان أن من وسائل الوقع في البدعة مجالسة أصحابها، إذًا مجالسة أصحاب أهل البدعة يكون ماذا؟ محرمًا، لا يختلف اثنان أن السلام عليه ومكالمته أنها تورث أُلفةً بين الْمُسَلِّم والْمُسَلَّم عليه حينئذٍ تؤدي إلى مجالسة المبتدع، إذًا يكون وسيلةً إلى الوقع في المحرم، لأن مجالسة المبتدع محرمة لأنها مؤديةٌ إلى البدعة، وكل ما يكون وسيلةً إلى مجالسته فهو محرم، ولذلك صار هجران أهل البدع وهجرهم صار واجبًا، لكن إن كان في مجالستهم مصلحة كعالمٍ وعارفٍ بالبدعة وأصلها وفصلها والشبهة وموردها وكيف يرد عليها هذا يستثنى، لكن بشرط أن يكون مراده تبيين وهداية هذا المبتدع ليس المؤانسة وليس نفي الفوارق وليس تجميع الكلمة وليس توحيد الصف، وليس هذه الأغراض وإنما يكون الغرض هو هداية هذا المبتدع، حينئذٍ يستثنى هذا النوع فيقال: لا بأس أن يجلس مع المبتدع، إن كان في مجالسته المصلحة لتبيين الحق لهم وتحذيرهم من البدعة فلا بأس بذلك، كما نص عليه السلف الصالح وربما يكون مطلوبًا شرعًا قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًا لعموم قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .